الخميس نوفمبر 21, 2024

الدَّرْسُ الثَّالِثُ وَالثَّلاثُونَ

البَغْىُ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ

 

     الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَسَلَّمَ.

     وَبَعْدُ فَقَدْ رُوِّينَا بِالإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ الصَّحِيحِ فِى مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِى بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الْحَارِثِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ بِأَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ عُقُوبَةَ صَاحِبِهِ فِى الدُّنْيَا مَعَ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْىِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ اهـ [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِىُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِى مُسْنَدِهِ].

     الْمَعْنَى أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِى هِىَ أَوْلَى بِأَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ عَذَابَهَا لِفَاعِلِهَا فِى الدُّنْيَا مَعَ الْعَذَابِ الَّذِى يُؤَخَّرُ لِصِاحِبِهَا فِى الآخِرَةِ ذَنْبَانِ أَحَدُهُمَا الْبَغْىُ وَالثَّانِى قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، فَالْبَاغِى وَقَاطِعُ الرَّحِمِ هَذَانِ أَجْدَرُ أَىْ أَوْلَى بِأَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لَهُمَا عَذَابَهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعَ مَا يُؤَخَّرُ لَهُمَا مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ أَىْ إِنَّ هَذَيْنِ الذَّنْبَيْنِ أَوْلَى الذُّنُوبِ بِتَعْجِيلِ الْعَذَابِ لِفَاعِلِهِمَا فِى الدُّنْيَا، أَمَّا الْبَغْىُ فَهُوَ الِاعْتِدَاءُ عَلَى النَّاسِ وَالتَّجَبُّرُ إِمَّا بِسَبَبِ السُّلْطَةِ وَالْحُكْمِ كَأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ حَاكِمًا فَيَتَجَبَّرُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ فَيَبْغِى عَلَى عِبَادِ اللَّهِ أَىْ يَظْلِمُهُمْ أَوْ بِسَبَبِ الْغِنَى فَإِنَّ بَعْضَ الأَغْنِيَاءِ اعْتِمَادًا عَلَى أَمْوَالِهِمْ يَبْغُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ أَنَا أَفْعَلُ بِفُلانٍ كَذَا وَكَذَا وَأُسَلِّطُ عَلَيْهِ أُنَاسًا بِمَالِى أُعْطِيهِمْ مِنْ مَالِى وَأُسَلِّطُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْذُوهُ، هَذَا بَاغٍ مَعْتَمِدٌ عَلَى الْمَالِ وَالأَوَّلُ بَاغٍ مُعْتَمِدٌ عَلَى السُّلْطَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْحُكْمِ. الْبَاغِى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُعَجِّلُ لَهُ فِى الدُّنْيَا عَذَابًا سِوَى الْعَذَابِ الَّذِى يُؤَخَّرُ لَهُ فِى الآخِرَةِ فَلْيُحْذَرِ الْبَغْىُ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ وَخِيمَةٌ فِى الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ وَخِيمَةٌ أَشَدُّ. كَذَلِكَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ الَّذِى يَقْطَعُ رَحِمَهُ أَىْ يَجْفُوهُمْ [أَىْ يُعْرِضُ عَنْهُمْ] يَجْفُو رَحِمَهُ أَىْ أَقَارِبَهُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ كَانَ لَهُ رَحِمٌ وَلَوْ بَعِيدًا حَرَامٌ قَطِيعَتُهُ فَمَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ اسْتَحَقَّ عَذَابَ اللَّهِ الشَّدِيدَ فِى الآخِرَةِ وَيُعَجَّلُ لَهُ فِى الدُّنْيَا أَيْضًا. وَالْقَطِيعَةُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا أَنْ لا يَزُورَ رَحِمَهُ وَيَجْعَلَهُ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ لا يَزُورُهُ وَلا يُرْسِلُ بِسَلامٍ وَلا يَكْتُبُ مَكْتُوبًا بِسَلامٍ بَلْ يَجْعَلُهُ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ هَذَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَالآخَرُ هُوَ الَّذِى يُؤْذِى رَحِمَهُ بِسَبٍّ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ هَذَا أَيْضًا يُقَالُ لَهُ قَاطِعُ رَحِمٍ.

     كُلُّ قَرَابَةٍ لِلشَّخْصِ يُسَمَّى رَحِمَهُ خَالُهُ، خَالَتُهُ، عَمَّتُهُ، أَبْنَاءُ خَالِهِ، أَبْنَاءُ خَالَتِهِ، أَبْنَاءُ عَمِّهِ، أَبْنَاءُ عَمَّتِهِ، جَدَّتُهُ، أُخْتُ جَدَّتِهِ، جَدُّهُ، أَخُو جَدِّهِ، أَخُوهُ وَابْنُ أَخِيهِ، أُخْتُهُ وَابْنُ أُخْتِهِ، بِنْتُهُ وَابْنُ بِنْتِهِ وَابْنَةُ بِنْتِهِ كُلُّ هَؤُلاءِ رَحِمٌ مَنْ قَطَعَ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلاءِ اسْتَحَقَّ عَذَابَ اللَّهِ. وَهَذَا أَحَدُ الذَّنَبَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَوْلَى بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ فِى الدُّنْيَا سِوَى الْعَذَابِ الَّذِى يُؤَخِّرُهُ اللَّهُ إِلَى الآخِرَةِ فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ مَنْ كَانَ لَهُ رَحِمٌ لا يَصِلُهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى صِلَتِهَا فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ بِهِ عَذَابًا عُقُوبَةً فِى الدُّنْيَا بِقَطْعِهِ لِرَحِمِهِ.

     وَهَذَا الرَّحِمُ الَّذِى يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الصِّلَةَ وَقَطِيعَتُهُ تَكُونُ مِنَ الذُّنُوبِ الْكَبِيرَةِ هُوَ الرَّحِمُ الْمُسْلِمُ أَمَّا الرَّحِمُ الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرَّحِمِ.