الباب الأول: في تقدير الدلائل السمعية على أنه تعالى منزّه عن الجسمية والحيّز والجهة[(186)]:
وهي مأخوذة في الغالب من كتاب الفخر الرازي أساس التقديس في الصحائف (24-34) مع تصرف في بعض المواضع إما تسهيلا للعبارة أو اختصارا، ثم أنا أستعين أحيانا بكلامه في التفسير الكبير، وكذا بكلام غيره من أئمة الهدى وأبين ذلك في محله إن شاء الله، وحيث زدت حجة من غير كتاب أساس التقديس جعلتها بين عاكفتين […] وهذا أوان الشروع ببيان هذه الحجج بعون الله:
الحجة الأولى: قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [(187)]:
واعلم أنه قد اشتهر في التفسير أن النبي سئل عن ماهية ربه، وعن نعته وصفته، فانتظر الجواب من الله تعالى فأنزل هذه السورة.
إذا عرفت ذلك فنقول : هذه السورة يجب أن تكون من المحكمات لا من المتشابهات، لأنه تعالى جعلها جوابًا عن سؤال المتشابه، بل وأنزلها عند الحاجة، وذلك يقتضي كونها من المحكمات لا من المتشابهات، وإذا ثبت هذا وجب الجزم بأن كل مذهب يخالف هذه السورة يكون باطلاً.
فنقول: إن قوله تعالى (أحد) يدل على نفي الجسمية ونفي الحيّز والجهة.
أما دلالته على أنه تعالى ليس بجسم ، فذلك لأن الجسم أقلّه أن يكون مركّبًا من جوهرين، وذلك ينافي الوحدة، وقوله (أحد) مبالغة في الواحدية، فكان قوله (أحد) منافيًا للجسمية .
وأما دلالته على أنه ليس بجوهر فنقول:
أما الذين ينكرون الجوهر الفرد[(188)] فإنهم يقولون: إن كل متحيّز فلا بدّ وأن يتميّز أحد جانبيه عن الثاني، وذلك لأنه لا بدّ من أن يتميّز يمينه عن يساره وقدّامه عن خلفه وفوقه عن تحته، وكل ما تميّز فيه شىء عن شىء فهو منقسم، لأن يمينه موصوف بأنه يمين لا يسار، ويساره موصوف بأنه يسار لا يمين، فلو كان يمينه عين يساره لاجتمع في الشىء الواحد أنه يمين وليس بيمين، ويسار وليس بيسار فيلزم اجتماع النفي والإثبات في الشىء الواحد وهو محال. قالوا: فثبت أن كل متحيّز فهو منقسم، وثبت أن كل منقسم فهو ليس بأحد، فلما كان الله تعالى موصوفًا بأنه أحد وجب أن لا يكون متحيّزًا أصلاً، وذلك ينفي كونه جوهرًا.
وأما الذين يثبتون الجوهر الفرد فإنهم لا يمكنهم الاستدلال على نفي كونه تعالى جوهرًا من هذا الاعتبار ويمكنهم أن يحتجّوا بهذه الآية على نفي كونه جوهرًا من وجه آخر. وبيانه: هو أن الأحد كما يراد به نفي التركيب والتأليف في الذات فقد يراد به الضد والند، ولو كان تعالى جوهرًا فردًا لكان كل جوهر فرد مثلاً له، وذلك ينفي كونه أحدًا، ثم أكّدوا هذا الوجه بقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} ولو كان جوهرًا لكان كل جوهر فرد كفوًا له.
فدلّت هذه السورة من الوجه الذي قررناه على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر.
وإذا ثبت أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر وجب ألا يكون في شىء من الأحياز والجهات ، لأن كل ما كان مختصًا بحيّز وجهة:
فإن كان منقسمًا كان جسمًا وقد بيّنا إبطال ذلك.
وإن لم يكن منقسمًا كان جوهرًا فردًا، وقد بيّنا أنه باطل.
ولما بطل القسمان ثبت أنه يمتنع أن يكون في جهة أصلاً.
فثبت أن قوله تعالى (أحد) يدل دلالة قطعية على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر ولا في حيّز وجهة أصلاً .
واعلم أنه تعالى كما نصّ على أنه تعالى واحد فقد نصّ على البرهان الذي لأجله يجب الحكم بأنه أحد، وذلك أنه قال: {…هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وكونه إلهًا يقتضي كونه غنيًّا عما سواه، وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره، فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره وكونه إلهًا يمنع من كونه مفتقرًا إلى غيره، وذلك يوجب القطع بكونه أحدًا، وكونه أحدًا يوجب القطع بأنه ليس بجسم ولا جوهر ولا في حيّز وجهة، فثبت أن قوله تعالى: {…هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} برهان قاطع على ثبوت هذه المطالب .
[قال البيضاوي: «وهو يدل على مجامع صفات الجلال كما دل الله على جميع صفات الكمال، إذ الواحد الحقيقي ما يكون منـزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية»[(189)] اهـ.]
وأما قوله: {اللَّهُ الصَمَدُ *} فالصمد هو السيد المصمود إليه في الحوائج، وذلك يدل على أنه ليس بجسم، وعلى أنه غير مختص بالحيّز والجهة.
أما بيان دلالته على نفي الجسمية فمن وجوه :
الأوّل : أنّ كل جسم فهو مركّب، وكل مركب فهو محتاج إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره، فكل مركب فهو محتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير لا يكون غنيًّا بل يكون محتاجًا إلى غيره، فلم يكن صمدًا مطلقًا.
الثاني : لو كان مركبًا من الجوارح والأعضاء لاحتاج في الإبصار إلى العين (الجارحة)، وفي الفعل إلى اليد (الجارحة)، وفي المشي إلى الرجل، وذلك ينافي كونه صمدًا مطلقًا.
وأما بيان دلالته على أنه تعالى منـزّه عن الحيّز والجهة : فهو أنه تعالى لو كان مختصًا بالحيّز والجهة لكان إما أن يكون حصوله في الحيّز المعيّن واجبًا أو جائزًا:
فإن كان واجبًا فحينئذٍ يكون ذاته تعالى مفتقرًا في الوجود والتحقق إلى ذلك الحيّز المعيّن، وأما ذلك الحيّز المعيّن فإنه يكون غنيًّا عن ذاته المخصوص، لأنا لو فرضنا عدم حصول ذات الله تعالى في ذلك الحيّز المعيّن لم يبطل ذلك الحيّز أصلاً، وعلى هذا التقدير يكون تعالى محتاجًا إلى ذلك الحيّز فلم يكن صمدًا على الإطلاق.
أما إن كان حصوله في الحيّز المعيّن جائزًا لا واجبًا فحينئذٍ يفتقر إلى مخصص يخصصه بالحيّز المعيّن، وذلك يوجب كونه محتاجًا وينافي كونه صمدًا.
[قال أبو المظفر الأسفراييني : «واعلم أن الله تعالى ذكر في سورة الإخلاص ما يتضمن إثبات جميع صفات المدح والكمال ونفي جميع النقائص عنه، وذلك قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *} في هذه السورة بيان ما ينفي عنه من نقائص الصفات وما يستحيل عليه من الآفات، بل في كلمة من كلمات هذه السورة، وهو قوله: {اللَّهُ الصَمَدُ *} .
والصمد في اللغة على معنيين:
أحدهما: أنه لا جوف له ، وهذا يوجب أن لا يكون جسما ولا جوهرا، لأن ما لا يكون بهذه الصفة جاز أن يكون له جوف.
والمعنى الثاني: للصمد هو السيد الذي يرجع إليه في الحوائج ، وهذا يتضمن إثبات كل صفة لولاها لم يصح منه الفعل، كما نذكره فيما بعد، لأن من لا تصح منه الأفعال المختلفة لم يصح الرجوع إليه في الحوائج المتباينة، وقد جمع الله سبحانه وتعالى في هذه السورة بين صفات النفي والإثبات][(190)] اهـ. [ قال الحسن البصري رضي الله عنه في تفسير الصمد: «الذي لم يزل ولا يزال ولا يجوز عليه الزوال[(191)]، كان ولا مكان ولا أين ولا أوان ولا عرش ولا كرسي ولا جني ولا إنسي، وهو الآن كما كان»[(192)].]
وأما قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} فهذا أيضًا يدل على أنه ليس بجسم ولا جوهر : فلو كان تعالى جوهرًا لكان مثلاً لجميع الجواهر فكان كل واحد من الجواهر كفؤًا له، ولو كان جسمًا لكان مؤلفًا من الجواهر، لأن الجسم يكون كذلك وحينئذٍ يعود الإلزام المذكور، فثبت أن هذه السورة من أظهر الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر ولا حاصل في مكان وحيّز.
[وقال الفخر الرازي: «فهو سبحانه فرد منـزه عن جميع جهات التركيب، فإن كل مركب مفتقر إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فهو مركب فهو مفتقر إلى غيره ممكن لذاته فإذن كل مركب فهو ممكن لذاته، وكل ما ليس ممكنا لذاته بل كان واجبا لذاته امتنع أن يكون مركبا بوجه من الوجوه، بل كان فردا مطلقا وإذا كان فردا في ذاته لزم أن لا يكون متحيزا ولا جسما ولا جوهرا ولا في مكان ولا حالا ولا في محل ولا متغيرا ولا محتاجا بوجه من الوجوه ألبتة»[(193)] اهـ.]
واعلم أنه كما أن الكفار لما سألوا الرسول عن صفة ربّه فأجاب الله بهذه السورة الدالة على كونه تعالى منـزّهًا عن أن يكون جسمًا أو جوهرًا أو مختصًا بالمكان فكذلك فرعون سأل موسى عليه السلام عن صفة الله تعالى، فقال: {…وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [(194)] ثم إن موسى لم يذكر الجواب عن هذا السؤال إلا بكونه تعالى خالقًا للناس ومدبرًا لهم وخالق السموات والأرض ومدبرًا لهما، وهذا أيضًا من أقوى الدلائل على أنه تعالى ليس بمتحيّز ولا في جهة.
ذلك أن لفظة «ما” سؤال عن الماهية وطلب للحقيقة، ولكن موسى أجاب بكونه تعالى خالقًا للأشياء ومدبرًا لها فهو صفة، فلو كان تعالى متحيّزًا لكان الجواب عن قوله: {…وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} بذكر كونه متحيّزًا أولى من الجواب منه بذكر كونه خالقًا، ولو كان كذلك كان جواب موسى عليه السلام خطأ، ولكان طعن فرعون بأنه مجنون لا يفهم السؤال ولا يذكر في مقابلة السؤال ما يصلح أن يكون جوابًا متجهًا لازمًا، ولما بطل ذلك علمنا أنه تعالى ما كان متحيّزًا فلا جرم ما كان يمكن تعريف حقيقته سبحانه وتعالى إلا بأنه خالق مدبر، فلا جرم كان جواب موسى عليه السلام صحيحًا، وكان سؤال فرعون ساقطًا فاسدًا فثبت أنه كما أنّ جواب محمّد عن سؤال الكفار عن صفة الله تعالى يدل على تنـزيه الله تعالى عن التحيّز، فكان جواب موسى عليه السلام.
أما الخليل صلى الله عليه وسلم فقد حكى الله تعالى عنه في كتابه بأنه استدلّ بحصول التغيّر في أحوال الكواكب على حدوثها[(195)]، ثم قال عند تمام الاستدلال: {…وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا… *} [(196)].
واعلم أن هذه الواقعة تدلّ على تنـزيه الله تعالى وتقديسه عن التحيّز والجهة، أما دلالتها على تنزيه الله تعالى عن التحيّز فمن وجوه :
أحدها: أن الأجسام متماثلة[(197)] فإذا ثبت ذلك فنقول: ما صح على أحد المثلين وجب أن يصح على المثل الآخر، فلو كان تعالى جسمًا أو جوهرًا وجب أن يصح عليه كل ما صح على غيره، وأن يصح على غيره كل ما صح عليه وذلك يقتضي جواز التغيّر عليه، ولما حكم الخليل عليه السلام بأن المتغيّر من حال إلى حال لا يصلح للإلهية، وثبت أنه لو كان جسمًا لصح عليه التغيّر فلزم القطع بأنه تعالى ليس بمتحيّز أصلاً .
[قال ابن جزي الغرناطي: «قوله لا أحب الآفلين أي لا أحب عبادة المتغيرين، لأن التغير دليل على الحدوث والحدوث ليس من صفة الإله، ثم استمر على ذلك المنهاج في القمر وفي الشمس، فلما أوضح البرهان وأقام عليهم الحجة جاهرهم بالبراءة من باطلهم فقال: إني بريء مما تشركون، ثم أعلن لعبادته لله وتوحيده له ، فقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ… *} [(198)]، ووصف الله تعالى بوصف يقتضي توحيده وانفراده بالملك. فإن قيل: لم احتج بالأفول دون الطلوع وكلاهما دليل على الحدوث لأنهما انتقال من حال إلى حال؟
فالجواب أنه أظهر في الدلالة لأنه انتقال مع اختفاء واحتجاب»[(199)] اهـ.
وفي تفسير الجلالين: «واذكر {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَِبِيهِ آزَرَ… *} [(200)] هو لقبه واسمه تارخ، {…أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً…} تعبدها استفهام توبيخ، {…إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} باتخاذها {…إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} عن الحق {…إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} بيّن.
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ *} كما أريناه إضلال أبيه وقومه {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ *} [(201)] ملك {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ *} ليستدل به على وحدانيتنا، {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ *} بها، وجملة وكذلك وما بعدها اعتراض وعطف على قال.
{فَلَمَّا جَنَّ…} أظلم {…عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا…} [(202)] قيل: هو الزهرة، {…قَالَ هَذَا رَبِّي…} لقومه وكانوا نجامين:{…قَالَ هَذَا رَبِّي…} في زعمكم، {…فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} غاب {…فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} أن أتخذهم أربابا، لأن الرب لا يجوز عليه التغير والانتقال لأنهما من شأن الحوادث فلم ينجع فيهم ذلك.
{فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا…} [(203)] طالعا {…قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي…} لهم {…قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي…} يثبتني على الهدى {…لأََكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّينَ} تعريض لقومه بأنهم على ضلال فلم ينجع فيهم ذلك.
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا…} [(204)] ذكره لتذكير خبره {…رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ…} من الكوكب والقمر {…فَلَمَّا أَفَلَتْ…} وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا، {…قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث ، فقالوا له: ما تعبد؟ قال {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي…} [(205)] قصدت بعبادتي {…لِلَّذِي فَطَرَ…} خلق {…السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي الله {…السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} مائلا إلى الدين القيم {…السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} به[(206)].]
الثاني: أنه عليه السلام قال عند تمام الاستدلال {…وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ…} فلم يذكر من صفات الله تعالى إلا كونه خالقًا للعالم، والله تعالى مدحه على هذا الكلام وعظّمه، فقال: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ…} [(207)] ولو كان إله العالم جسمًا موصوفًا بمقدار مخصوص وشكل مخصوص لما كمل العلم به تعالى إلا بعد العلم بكونه جسمًا متحيّزًا، ولو كان كذلك لما كان مستحقًا للمدح والتعظيم بمجرّد معرفة كونه خالقًا للعالم، فلما كان هذا القدر من المعرفة كافيًا في كمال معرفة الله تعالى دلّ ذلك على أنه تعالى ليس بمتحيّز.
[قال أبو المظفر الإسفرايني : «وأن تعلم أن الحوادث لا يجوز حلولها في ذاته وصفاته، لأن ما كان محلا للحوادث لم يخل منها، وإذا لم يخل كان محدثا مثلها، ولهذا قال الخليل عليه الصلاة والسلام: {…فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} بيّن به أن من حل به من المعاني ما يغيره من حال إلى حال كان محدثا لا يصح أن يكون إلها .
وأن تعلم أن كل ما دل على حدوث شىء من الحد والنهاية والمكان والجهة والسكون والحركة فهو مستحيل عليه سبحانه وتعالى، لأن ما لا يكون محدثا لا يجوز عليه ما هو دليل على الحدوث، وعليه يدل ما ذكرناها قبل في قصة الخليل عليه السلام» [(208)] اهـ.
وقال أبو بكر الجصاص عند كلامه عن احتجاج نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام على نمرود العنيد وهو قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *} [(209)] وتدل على أن الله تعالى لا يشبهه شىء وأن طريق معرفته ما نصب من الدلائل على توحيده، لأن أنبياء الله عليهم السلام إنما حاجوا الكفار بمثل ذلك ولم يصفوا الله تعالى بصفة توجب التشبيه وإنما وصفوه بأفعاله » [(210)] اهـ.]
الحجة الثانية: من القرآن قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ…} [(211)]:
[قال الفخر الرازي: قوله: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ…} الآية يتناول نفي المساواة من جميع الوجوه بدليل صحة الاستثناء فإنه يحسن أن يقال ليس كمثله شىء إلا في الجلوس وإلا في المقدار وإلا في اللون وصحة الاستثناء تقتضي دخول جميع هذه الأمور تحته فلو كان جالسا لحصل من يماثله في الجلوس فحينئذ يبطل معنى الآية»[(212)] اهـ.
وقال أيضًا: «ولو كان جسما لكان مثلا للأجسام» [(213)] اهـ.
قال الحافظ ابن الجوزي: «قوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ…} قال ابن قتيبة: أي ليس كهو شىء ، والعرب تقيم المثل مقام النفس فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي أنا لا يقال لي هذا، وقال الزجاج: الكاف مؤكدة والمعنى ليس مثله شىء»[(214)] اهـ.
سبحانه قصرت عنه العبارات، وخرست عنه الألسنة بقوله: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ…} تعالى الله وتقدس عن المجانسة والمماثلة[(215)].]
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال إنه تعالى وإن كان جسمًا إلا أنه مخالف لغيره من الأجسام كما أن الإنسان والفرس وإن اشتركا في الجسمية لكنهما مختلفان في الأحوال والصفات، ولا يجوز أن يقال الفرس مثل الإنسان فكذا هنا ؟ والجواب من جهتين :
الأوّل: أن الأجسام كلها متماثلة في تمام الماهية، فلو كان تعالى جسمًا لكان ذاته مثلاً لسائر الأجسام وذلك يخالف هذا النص، والإنسان والفرس ذات كل واحد منهما مماثلة لذات الآخر والاختلاف إنما وقع في الصفات والأعراض، والذاتان إذا كانتا متماثلتين كان اختصاص كل واحدة منهما بصفاته المخصوصة من الجائزات لا من الواجبات، لأن الأشياء المتماثلة في تمام الذات والماهية لا يجوز اختلافها في اللوازم ، فلو كان البارئ تعالى جسمًا لوجب أن يكون اختصاصه بصفاته المخصوصة من الجائزات، ولو كان كذلك لزم افتقاره إلى المدبّر والمخصص، وذلك يبطل القول بكونه تعالى إله العالم.
الثاني: لو كان الله تعالى مشاركًا لسائر الأجسام في الجسمية ومخالفًا لها في الماهية المخصوصة لكان له سبحانه أمثال لا تحصى … وذلك يقتضي وقوع التركيب في ذاته المخصوصة، وكل مركب ممكن لا واجب على ما بيّناه، فثبت أن هذا السؤال ساقط» [(216)] اهـ بتصرف.
الحجة الثالثة: قوله تعالى: {…وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ…} [(217)] وقوله: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ…} [(218)]:
دلت هاتين الآيتين على كونه تعالى غنيًّا:
لأن كل جسم مركب، وكل مركب محتاج إلى كل واحد من أجزائه.
وأيضًا لو وجب اختصاصه بالجهة لكان محتاجًا إلى الجهة، وذلك يقدح في كونه غنيًّا على الإطلاق.
[ وقال الفخر الرازي : «والغني لا يكون مركبا وما لا يكون مركبا لا يكون جسما، وأيضا الأجسام متماثلة في تمام الماهية فلو كان جسما لحصل له مثل وذلك باطل لقوله: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ…} [(219)] فأما الدلائل العقلية فكثيرة ظاهرة باهرة قوية جلية والحمد لله عليه”[(220)] اهـ.]
الحجة الرابعة: قوله تعالى: {…لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ…} [(221)]:
والقيوم من يكون قائمًا بنفسه مقوّمًا لغيره:
فكونه تعالى قائمًا بنفسه عبارة عن كونه غنيًا عن كل ما سواه، وكونه مقوّمًا لغيره عبارة عن احتياج كل ما سواه إليه، فلو كان جسمًا لكان هو مفتقرًا إلى غيره .
[وقال الإمام الرازي: «ذلك أن كل مركب فإنه مفتقر في تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه وجزؤه غيره، وكل مركب فهو متقوم بغيره، والمتقوم بغيره لا يكون متقوما بذاته، فلا يكون قيوما.
ثم إن واجب الوجود واحد بمعنى أنه ليس في الوجود شيئان كل واحد منهما واجب لذاته، إذ لو فرض ذلك لاشتركا في الوجوب وتباينا في التعين، وما به المشاركة غير ما به المباينة فيلزم كون كل واحد منهما في ذاته مركبا من جزأين وقد بينا أنه محال. ولما امتنع في حقيقته أن تكون مركبة من جزأين امتنع كونه متحيزا لأن كل متحيز فهو منقسم، وقد ثبت أن التركيب عليه ممتنع وإذا ثبت أنه ليس بمتحيز امتنع كونه في الجهة، لأنه لا معنى للمتحيز إلا ما يمكن أن يشار إليه إشارة حسية، وإذا ثبت أنه ليس بمتحيز وليس في الجهة امتنع أن يكون له أعضاء وحركة وسكون .
ولما كان قيوما كان قائما بذاته، وكونه قائما بذاته يستلزم أن لا يكون عرضا في موضوع ولا صورة في مادة ولا حالا في محل أصلا، لأن الحال مفتقر إلى المحل والمفتقر إلى الغير لا يكون قيوما بذاته»[(222)] اهـ.]
وأيضًا لو وجب حصوله في شىء من الأحياز لكان مفتقرًا محتاجًا إلى ذلك الحيّز، فلم يكن قيومًا على الإطلاق… لأنه بتقدير أن لا يكون حاصلاً في ذلك الحيّز لم يلزم بطلان ذلك ولا عدمه فكان الحيّز غنيًا عنه، وكان هو مفتقرًا إلى ذلك الحيّز فظهر الفرق، والله أعلم.
الحجة الخامسة: قوله تعالى: {…هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} [(223)]:
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {…هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا *} أي شبيها، [ولو كان جسما متحيزا لكان مشابها للأجسام في الجسمية[(224)].
الحجة السادسة: قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ… *} [(225)]: وجه الاستدلال به أن الخالق في اللغة هو المقدِّر، ولو كان تعالى جسمًا لكان متناهيًا، ولو كان متناهيًا لكان مخصوصًا بمقدار معيّن، ولما وصف نفسه بكونه خالقًا وجب أن يكون تعالى هو المقدّر لجميع المقدّرات بمقاديرها المخصوصة، فإذا كان هو مقدّرًا في ذاته بمقدار مخصوص لزم كونه مقدِّرًا لنفسه، وذلك محال. وأيضًا لو كان جسمًا لكان متناهيًا، وكل متناه فإنه محيط به حدّ أو حدود مختلفة، وكل ما كان كذلك فهو مشكل، وكل مشكل فله صورة، فلو كان جسمًا لكان له صورة، ثم إنه تعالى وصف نفسه بكونه مصورًا فيلزم كونه مصوّرًا لنفسه، وذلك محال، فيلزم أن يكون منزّهًا عن الصورة والجسمية حتى لا يلزم هذا المحال.
[قال الإمام أبو المظفر الإسفرايني : «وأن تعلم أن كل ما تصور في الوهم من طول وعرض وعمق وألوان وهيئات مختلفة ينبغي أن تعتقد أن صانع العالم بخلافه، وأنه قادر على خلق مثله ، وإلى هذا المعنى أشار الصديق رضي الله عنه بقوله: العجز عن درك الإدراك إدراك، ومعناه إذا صح عندك أن الصانع لا يمكن معرفته بالتصوير والتركيب والقياس على الخلق صح عندك أنه خلاف المخلوقات ، وتحقيقه أنك إذا عجزت عن معرفته بالقياس على أفعاله صح معرفتك له بدلالة الأفعال على ذاته وصفاته، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بقوله: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ… *} وما كان مصورا لم يكن مصورا كما أن من كان مخلوقا لم يكن خالقا» [(226)]. الحجة السابعة: قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ… *} [(227)]:
وصف نفسه بكونه ظاهرًا وباطنًا، ولو كان جسمًا لكان ظاهره غير باطنه فلم يكن الشىء الواحد موصوفًا بأنه ظاهر وبأنه باطن لأنه على تقدير كونه جسمًا يكون الظاهر منه سطحه والباطن منه عمقه فلم يكن الشىء الواحد ظاهرًا وباطنًا، وأيضًا المفسرون قالوا إنه ظاهر بحسب الدلائل باطن بحسب أنه لا يدركه الحس، ولا يصل إليه الخيال، ولو كان جسمًا لما أمكن وصفه بأنه لا يدركه الحس ولا يصل إليه الخيال.
[بل كيف يحيط به علم وقد اتفقت فيه الأضداد بقوله سبحانه وتعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ…} أي عبارة تخبر عنه حقيقة الألفاظ!!..[(228)]]
الحجة الثامنة: قوله تعالى: {…وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [(229)] وقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ…} [(230)]:
وذلك يدلّ على كونه تعالى منزّهًا عن المقدار والشكل والصورة، وإلا لكان الإدراك والعلم محيطين به وذلك على خلاف هذين النصين.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال إنه وإن كان جسمًا لكنه جسم كبير فلهذا المعنى لا يحيط به الإدراك والعلم؟ قلنا : لو كان الأمر كذلك لصح أن يقال بأن علوم الخلق وأبصارهم لا تحيط بالسموات ولا بالجبال ولا بالبحار ولا بالمفاوز، فإن هذه الأشياء أجسام كبيرة، والأبصار لا تحيط بأطرافها، والعلوم لا تصل إلى تمام أجزائها، ولو كان الأمر كذلك لما كان في تخصيص ذات الله تعالى بهذا الوصف فائدة.
الحجة التاسعة : قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ *} [(231)]:
ولو كان تعالى في السماء أو في العرش لما صح القول بأنه تعالى قريب من عباده.
الحجة العاشرة: لو كان تعالى في جهة فوق لكان سماء، ولو كان سماء لكان مخلوقًا لنفسه وذلك محال، فكونه في جهة فوق محال:
وإنما قلنا إنه لو كان ذاته سماء لكان ذاته مخلوقًا لوجهين:
الأول: أن السماء مشتق من السمو وكل شىء سماك فهو سماء، فهذا هو الاشتقاق الأصلي اللغوي، وعرف القرآن أيضا متقرر عليه، بدليل أنهم ذكروا في تفسير قوله تعالى: {…وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ… *} [(232)] أنه السحاب، قالوا: وتسمية السحاب بالسماء جائز لأنه حصل فيه معنى السمو، وذكروا أيضا في تفسير قوله تعالى: {…وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا *} [(233)] أنه من السحاب فثبت أن الاشتقاق اللغوي والعرف القرآني متطابقان على تسمية كل ما كان موصوفا بالسمو والعلو سماء.
الثاني: أنه تعالى لو كان فوق العرش لكان من جلس في العرش ونظر إلى فوق لم ير إلا نهاية ذات الله تعالى فكانت نسبة نهاية السطح الأخير من ذات الله تعالى إلى سكان العرش كنسبة السطح الأخير من السموات إلى سكان الأرض، يقتضي بالقطع بأنه لو كان فوق العرش لكان ذاته كالسماء لسكان العرش فثبت أنه تعالى لو كان مختصا بجهة فوق لكان ذاته سماء وإنما قلنا إنه لو كان ذاته سماء لكان ذاته مخلوقا لقوله تعالى: {تَنْزِيلاً مِمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى *} [(234)]، ولفظة السموات لفظة جمع مقرونة بالألف واللام، وهذا يقتضي كون كل السموات مخلوقة لله تعالى، فلو كان هو تعالى سماء لزم كونه خالقًا لنفسه، وكذلك أيضًا قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ… *} [(235)] يدل على ما ذكرناه، فثبت أنه تعالى لو كان مختصًا بجهة فوق لكان سماء، ولو كان سماء لكان مخلوقًا لنفسه وهذا محال، فوجب أن لا يكون مختصًا بجهة فوق.
فإن قيل: لفظ السماء مختص في العرف بهذه الأجرام المستديرة، وأيضًا فهب أن هذا اللفظ في أصل الوضع يتناول ذات الله تعالى إلا أن هذا الفرق ممنوع، وكيف لا نقول ذلك وقد دللنا على أنه بتقدير أن يكون الله تعالى مختصًا بجهة فوق، فإن نسبة ذاته تعالى إلى سكان العرش كنسبة السماء إلى سكان الأرض فوجب القطع بأنه لو كان مختصًا بجهة فوق لكان سماء.
وأما الجواب عن الثاني: فهو أن تخصيص العموم إنما يصار إليه عند الضرورة، فلو قام دليل قاطع عقلي على كونه تعالى مختصًا بجهة فوق لزمنا المصير إلى هذا التخصيص، أما ما لم يقم شىء من الدلائل على ذلك بل قامت القواطع العقلية والنقلية على امتناع كونه تعالى في الجهة فلم يكن بنا إلى التزام هذا التخصيص ضرورة فسقط هذا الكلام».
الحجة الحادية عشرة: قوله تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ… *} [(236)]:
وهذا مشعر بأن المكان وكل ما فيه ملك لله تعالى، وقوله: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ… *} [(237)] وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه لله تعالى، ومجموع الآيتين يدلان على أن المكان والمكانيات والزمان والزمانيات كلها ملك لله تعالى، وذلك يدل على تنزيهه عن المكان والزمان، وهذا الوجه ذكره أبو مسلم الأصفهاني رحمه الله في تفسيره.
الحجة الثانية عشرة: قوله تعالى: {…وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *} [(238)]:
ولو كان الخالق في العرش لكان حامل العرش حاملاً لمن في العرش، فيلزم احتياج الخالق إلى المخلوق، ويقرب منه قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ… *} [(239)]. الحجة الثالثة عشرة: قوله تعالى: {…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ… *} [(240)]:
ظاهر الآية يقتضي فناء العرش[(241)] وفناء جميع الأحياز والجهات، وحينئذٍ يبقى الحق سبحانه وتعالى منـزّهًا عن الحيّز والجهة، وإذا ثبت ذلك امتنع أن يكون الآن في جهة وإلا لزم وقوع التغير في الذات.
فإن قيل: الحيّز والجهة ليس شيئًا موجودًا حتى يصير هالكًا فانيًا.
قلنا : الأحياز والجهات أمور مختلفة بحقائقها متباينة بماهيتها بدليل أنكم قلتم إنه يجب حصول ذات الله تعالى في جهة فوق ويمتنع حصول ذاته في سائر الجهات، فلولا أن جهة فوق مخالفة بالماهية لسائر الجهات لما كانت جهة فوق مخالفة لسائر الجهات في هذه الخاصية، وهذا الحكم. وأيضًا فلأنا نقول هذا الجسم حصل في هذا الحيّز بعد أن كان حاصلاً في حيّز آخر، فهذه الأحياز معدودة متباينة متعاقبة، والعدم المحض لا يكون كذلك ، فثبت أن هذه الأحياز أمور متخالفة بالحقائق متباينة بالعدد، وكل ما كان كذلك امتنع أن يكون عدمًا محضًا فكان أمرًا موجودًا، وإذا ثبت هذا دخل تحت قوله تعالى : {…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ… *} وإذا هلك الحيز والجهة بقي ذات الله تعالى منـزّهًا عن الحيّز. الحجة الرابعة عشرة: قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ… *} [(242)]:
فهذا يقتضي أن يكون ذاته متقدمًا في الوجود على كل ما سواه، وأن يكون متأخرًا في الوجود عن كل ما سواه، وذلك يقتضي أنه كان موجودًا قبل الحيز والجهة، ويكون موجودًا بعد الحيز والجهة.
الحجة الخامسة عشرة: قوله تعالى: {…وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ *} [(243)]:
ولو كان في جهة الفوق لكانت السجدة تفيد البعد من الله تعالى لا القرب منه، وذلك خلاف الأصل.
[و قال الإمام المتولي رضي الله عنه : «فإن استدلوا -أي المشبهة- بعرف الناس ورفع أيديهم إلى السماء عند الدعاء، فرفع اليد إلى السماء ليس لأن الله تعالى في مكان، ولكن لأن السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة في حال القيام والأرض قبلة في حال الركوع والسجود.
وليعلم أن الله تعالى ليس في الكعبة ولا في الأرض.
وإن استدلوا بقصة المعراج وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل إلى جهة فوق وبقوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} [(244)] فليس فيها حجة لأن موسى عليه السلام سمع الكلام على الطور وكان ميعاده الطور، ولم يدل على أن الله تعالى على الطور . وقال في قصة إبراهيم: {…إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي… *} [(245)] وكانت هجرته إلى الشام ولم يكن البارئ تعالى في الشام فبطل قولهم، وأما قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *} فذلك دنو كرامة لا مجاورة كقوله: {…وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ *} »[(246)] اهـ.]
الحجة السادسة عشرة: قوله تعالى: {…فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا… *} [(247)]:
والند المثل، ولو كان تعالى جسمًا لكان مثلاً لكل واحد من الأجسام.. لأن الأجسام كلها متماثلة فحينئذٍ يكون الند موجودًا على هذا التقدير، وذلك على مضادة هذا النص.
الحجة السابعة عشر: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ… *} [(248)]:
قال المفسر ابن عطية: «والمشرق موضع الشروق، والمغرب موضع الغروب، أي هما له ملك وما بينهما من الجهات والمخلوقات وخصهما بالذكر وإن كانت جملة المخلوقات كذلك»[(249)] اهـ.
وقال المفسّر اللغوي أبو حيان الأندلسي ما نصه: «وفي قوله تعالى: {…فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ… *} ردٌّ على من يقول إنه في حيِّز وجهة، لأنه لمّا خيَّر في استقبال جميع الجهات دلَّ على أنه ليس في جهة ولا حيِّز، ولو كان في حيِّز لكان استقباله والتوجه إليه أحق من جميع الأماكن، فحيث لم يُخصِّص مكانًا علمنا أنه لا في جهة ولا حيِّز، بل جميع الجهات في ملكه وتحت ملكه، فأيّ جهة توجهنا إليه فيها على وجه الخضوع كنا معظمين له ممتثلين لأمره»[(250)] اهـ.
وقال البيضاوي: «{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ…} يريد بهما ناحيتي الأرض أي له الأرض كلها لا يختص به مكان دون مكان ، فإن منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام أو الأقصى فقد جعلت لكم الأرض مسجدا، {…فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا…} ففي أي مكان فعلتم التولية شطر القبلة، {…فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ…} أي جهته التي أمر بها، فإن إمكان التولية لا يختص بمسجد أو مكان أو {…فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ…} أي هو عالم مطلع بما يفعل فيه، {…إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} بإحاطته بالأشياء أو برحمته يريد التوسعة على عباده، {…إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن كلها، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة، وقيل: في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا إلى أنحاء مختلفة، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم، وعلى هذا لو أخطأ المجتهد ثم تبين له الخطأ لم يلزمه التدارك، وقيل: هي توطئة لنسخ القبلة، وتنـزيه للمعبود أن يكون في حيز وجهة» [(251)].
الحجة الثامنة عشرة: قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [(252)]:
قال الإمام أبو المظفر الإسفرايني : «وأن تعلم أنه سبحانه لا يجوز عليه النقص والآفة لأن الآفة نوع من المنع، والمنع يقتضي مانعا وممنوعا، وليس فوقه سبحانه مانع، وقد نبه الله تعالى عليه بقوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *} والسلام هو الذي سلم من الآفات والنقائص، والقدوس هو المنـزه عن النقائص والموانع، ويعلم بذلك أن لا طريق للآفات والنقائص والموانع إليه، وقد وصف الله تعالى ذاته بقوله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ *} [(253)] والمجد في كلام العرب كمال الشرف، ومن كان لنوع من النقص إليه طريق لم يكمل شرفه، ولم يجز وصفه بقوله: «مجيد» فلما اتصف به سبحانه علمنا أنه لا طريق للنقص إليه»[(254)] اهـ.
الحجة التاسعة عشرة: قوله تعالى: {…وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ *} [(255)]:
قال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل عند كلامه عن إثبات حدوث العالم بعد أن لم يكن، وتحقيق أن له محدثا لم يزل لا إله إلا هو، ما نصه: «إن كل شخص في العالم، وكل عرض في شخص، وكل زمان، وكل ذلك متناهٍ ذُو أوَّل نشاهد ذلك حسًّا وعيانًا، لأن تناهي الشخص ظاهر بمساحته بأول جرمه وآخره ، وأيضًا بزمان وجوده.
وتناهي الزمان موجود باستئناف ما يأتي منه بعد الماضي، وفناء كل وقت بعد وجوده، واستئناف آخر يأتي بعده، إذ كل زمانٍ نهايته الآن، وهو حد الزمانين فهو نهاية الماضي، وما بعده ابتداء للمستقبل، وهكذا أبدًا يفنى زمان ويأتي آخر.
وكل جملة من جمل الزمان فهي مركبة من أزمنة متناهية، ذات أوائل كما قدمنا.
وكل جملة أشخاص فهي مركبة من أشخاص متناهية بعددها ، وذوات أوائل كما قدمنا، وكل مركب من أجزاء متناهية ذات أوائل فليس هو شيئًا غير أجزائه ، إذ الكل ليس هو شيئًا غير الأجزاء التي ينحل إليها، وأجزاؤه متناهية كما بينا ذات أوائل ، فالجُمل كلها بلا شك متناهية ذات أوائل، والعالم كله إنما هو أشخاصه، ومكانه، وأزمانها، ومحمولاتها، ليس العالم كله شيئًا غير ما ذكرناه، فالعالم كله متناهٍ ذو أول ولا بدَّ…
ثم استدل بدليل آخر.. إلى أن قال: وهذان الدليلان قد نبه الله تعالى عليهما وحصرهما بحجته البالغة إذ يقول: {…وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ *} »[(256)] اهـ.
الحجة العشرون: قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ… *} [(257)]:
أخرج الواحدي عن علقمة عن عبد الله قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والثرى على أصبع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فأنزل الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ… *} الآية.
قال الواحدي: ومعنى هذا أن الله تعالى يقدر على قبض الأرض وجميع ما فيها من الخلائق والشجر قدرة أحدنا ما يحمله بأصبعه، فخوطبنا بما نتخاطب فيما بيننا لنفهم ، ألا ترى أن الله تعالى قال: {…وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ… *} أي يقبضها بقدرته»[(258)] اهـ.
وقال الأصفهاني : «وقوله {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ… *} أي ما عرفوا كنهه، تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه، وهو قوله: {…وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ… *} »[(259)] اهـ.
وذكر العلامة تقي الدين الحصني رحمه الله عن بعض أهل العلم قوله: «قد نفى الله تعالى التشبيه عنه في قوله تعالى : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى}، دفعا لما يتبادر إليه الفهم باعتبار المحسوسات .
قال الأئمة: معناه ما عرفوه حق معرفته، وقال المبرد: ما عظموه حق عظمته ، وقبضة الله عز وجل عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته، واليمين في كلام العرب بمعنى الملك والقدرة، كما قال تعالى: {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *} [(260)] أي بالقوة والقدرة، وأشعار العرب في ذلك أكثر جدا من أن تذكر وأشهر من أن تنشد وتبرز وتظهر. وفي الحديث: «الحجر الأسود يمين الله تعالى» [(261)]، وقال تعالى: {…يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ… *} [(262)].
وقال أبو الوفاء بن عقيل من أصحاب الإمام أحمد: «ما قدروا الله حق قدره» إذ جعلوا صفاته تتساعد وتتعاضد على حمل مخلوقاته، وإنما ذكر الشرك في الآية ردا عليهم .
وفي معنى هذا الحديث قوله: «إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمـن يقلبها كيف شاء» [(263)] وفي ذلك إشارة إلى أن القلوب مقهورة لمقلبها.
قال الخطابي: واليهود مشبهة ونزول الآية دليل على إنكار الرسول عليهم، ولهذا ضحك على وجه الإنكار، وليس معنى الأصابع معنى الجارحة لعدم ثبوته، بل يطلق الاسم في ذلك على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ولا تشبيه.
وقال غيره: من حمل الأصابع على الجارحة فقد رد على الله سبحانه وتعالى في قوله سبحانه، وأدخل نفسه في أهل الشرك، لقوله تعالى: {…سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [(264)] وهو عز وجل يذكر في كتابه المبين التحرز عما لا يليق دفعا وردا لأعداءه، كقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ… *} [(265)]، وقال تعالى: {…وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ… *} [(266)] ونحو، وأكد من ذلك قوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا *} [(267)]، قدم تنـزيهه عز وجل أولا في هذه الآية، والقرآن طافح بذلك»[(268)] اهـ.
قال العيني: «وقد قلنا: إن الحديث من المتشابهات، والأمر فيه إما التفويض وإما التأويل، والمقصود: بيان استحقار العالم عند قدرته إذ يستعمل الحمل بالإصبع عند القدرة بالسهولة وحقارة المحمول كما تقول لمن استقل شيئا أنا أحمله بخنصري، قوله: «ثم يهزهن» وفيه إشارة أيضا إلى حقارتها أي لا يثقل عليه لا إمساكها ولا تحريكها ولا قبضها ولا بسطها»[(269)] اهـ.
الحجة الواحدة والعشرون: قوله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *} [(270)] وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [(271)]:
قال تقي الدين الحصني: «ولهذا نزه سبحانه نفسه بقوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *} وفي هذا غاية الحث على كثرة التنـزيه ودوامه مع أمره لأكمل خلقه في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} مع غير ذلك مما في أشرف الكتب مما أذكر بعضه.
فقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} أي قل سبحان ربي الأعلى، والمعنى نزه اسم ربك واذكره وأنت له معظم، وقيل: نزهه عن المعاني المفضية إلى نقصه، وقيل: نزه اسمه عن الكذب إذا أقسمت به، وقيل: لفظ اسم زائد، وفي الكلام حذف المعنى نزه مسمى ربك الذي خلق فسوى أي مخلوقه، بأن خلقه مستويا بلا تفاوت فيه وفي أعضائه وغير ذلك من مخلوقاته، فإن من هذا بعض مصنوعاته يستحق التنـزيه، فكيف بمخلوقات أخر يعجز الخلق عن إدراكها لعظمها، وكلها على اختلاف أجناسها وأنواعها كل يسبحه بلغته وبما يليق بجلاله قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ… *} [(272)]، وقال: {…وَالطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} .
قال مجاهد: تسبيح المخلوقات هو تنـزيه خالقها وتوحيده بما يستحقه من كمال صفات عظم ذاته، قيل: يفقه تسبيحهم العلماء الربانيون الذين انفتحت أسماع بصائرهم، والمنورون البصائر الذين يشاهدون كل شىء مرقوما عليه بقلم القدرة هو الملك القدوس. وقال مجاهد: كل الأشياء تسبح حيوانا وجمادا، وتسبيحها: سبحان الله وبحمده»[(273)] اهـ.
الحجة الثانية والعشرون: ومما يدل على ما قدمنا أيضا قول الله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ… *} [(274)]، أي لا تجعلوا لله الشبيه والمِثْل فإن الله تعالى لا شبيه له ولا مثيل له، فلا ذاته يشبه الذوات ولا صفاته تشبه الصفات.
قال النسفي في تفسيره: «{فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} ، فلا تجعلوا لله مثلا، فإنه لا مثل له أي فلا تجعلوا له شركاء إن الله يعلم أنه لا مثل له من الخلق وأنتم لا تعلمون ذلك، أو أن الله يعلم كيف يضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك»[(275)] اهـ.
الحجة الثالثة والعشرون: قال الله تعالى: {…وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى… *} [(276)] أي الوصف الذي لا يشبه وصف غيره، فلا يوصف ربنا عزَّ وجلَّ بصفات المخلوقين من التغيّر والتطور والحلول في الأماكن والسُّكْنى فوق العرش، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
قال المفسِّر اللغوي أبو حيان الأندلسي في تفسيره: «أي الصفة العليا من تنـزيهه تعالى عن الولد والصاحبة، وجميع ما تنسب الكفرة إليه مما لا يليق به تعالى كالتشبيه والانتقال وظهوره تعالى في صورة»[(277)] اهـ.
وقال القرطبي في تفسيره : «فإن قيل: كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه وقد قال: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} فالجواب أن قوله: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} أي الأمثال التى توجب الأشباه والنقائص، أي لا تضربوا لله مثلا يقتضى نقصا وتشبيها بالخلق.
والمثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير، جل وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا»[(278)] اهـ.]
الحجة الرابعة والعشرون: ومما يؤيد ذلك من الأحاديث الحديث المشهور وهو ما روي أن عمران بن الحصين قال: يا رسول الله أخبرنا عن أول هذا الأمر، فقال: «كان الله ولم يكن شىء معه »[(279)]:
والحديث رواه البخاري والبيهقي وابن الجارود، وقد دللنا مرارًا كثيرة على أنه تعالى لو كان مختصًا بالحيّز والجهة لكان ذلك الحيّز شيئًا موجودًا معه وذلك على نقيض هذا النص.
[ومعنى الحديث أن الله لم يزل موجودًا في الأزل، ليس معه غيره لا ماء و لا هواء ولا أرض و لا سماء ولا كرسي ولا عرش ولا إنس ولا جن ولا ملائكة ولا زمان ولا مكان ولا جهات، فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه، وهذا يستفاد من الحديث المذكور[(280)]. ولا يوصف سبحانه بالتغير لأن التغير صفة المخلوقين، فلا يقال كما تقول المشبّهة إن الله كان في الأزل ولا مكان ثم بعد أن خلق المكان صار هو في مكان وجهة فوق والعياذ بالله تعالى. وما أحسن قول المسلمين المنـزهين في لبنان: «سبحان الذي يُغيِّر ولا يتغيَّر» ، وهذه عبارة سليمة عند أهل السنة، غير أن المشبهة المجسمة أدعياء السلفية تشمئز نفوسهم منها لأنها تهدم عليهم عقيدة التشبيه،وتقول العامة أيضًا: «لا يبقى على ما هو إلا هو».
الحجة الخامسة العشرون: والحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء »[(281)].
فلو كان الأمر كما تقول المشبهة إن الله ساكن فوق ما كان النبي قال: «أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد».
قال الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي: «قال القرطبي: هذا أقرب بالرتبة والكرامة لا بالمسافة لأنه منـزه عن المكان والمساحة والزمان ، وقال البدر بن الصاحب في تذكرته: في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى، وأن العبد في انخفاضه غاية الانخفاض يكون أقرب ما يكون إلى الله تعالى» [(282)] اهـ.
الحجة السادسة والعشرون: والحديث الذي أخرجه ابن حبان من طريق ابن مسعود «أقرب ما تكون المرأة من وجه ربها إذا كانت في قعر بيتها» [(283)] ورواه البيهقي من حديث عائشة بلفظ «ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد»[(284)] وإسناده حسن، ولابن حبان من حديث أم حميد نحوه[(285)].
وعند الحافظ الهيثمي عن ابن مسعود قال: «ما صلت امرأة في موضع خير لها من قعر بيتها إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا امرأة تخرج في منقليها»[(286)]، يعني: خفيها، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة عورة وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها» رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون[(287)].
قال شيخنا الحافظ العلامة عبد الله الهرري رحمه الله رحمة واسعة: وماذا تقول الوهابية في هذا الحديث هل يؤولون الوجه أم يتركونه على الظاهر، فإن أولوا بما أول به السلف كان ذلك موافقة للسلف ونقضا لمذهبهم بمنع التأويل، وإن أولوه بالذات فقد نقضوا اعتقادهم بأن الله فوق العرش لأنه يلزم على هذا بأن الله قريب إلى المرأة بالمسافة .
فماذا يصنعون؟! هل يتركون مذهبهم الذي هو التجسيم وجعل الله على ظهر العرش؟!
فإن المسافة ما بين العرش إلى حيث تكون المرأة في الأرض معلوم أنها لفي غاية البعد أم ماذا يصنعون.
فإن قالوا: قرب معنوي فقد نقضوا مذهبهم أيضا، وهذا إلزام لا مهرب لهم منه والحديث ثابت رواه ابن حبان وغيره »[(288)] اهـ.
الحجة السابعة العشرون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء، وأنت الآخر فليس بعدك شىء، وأنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء» رواه مسلم وأبو داود والبيهقي[(289)].
قال الطبري – الذي هو من السلف – في تفسيره : «فلا شىء أقرب إلى شىء منه ، كما قال {…وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ *} [(290)][(291)] اهـ. أي أن الإمام الطبري نفى القُرْبَ الحِسيّ الذي تفتريه المجسمة، أما القرب المعنوي فلا يَنفيه، وهذا دليل على تنـزيه الله عن المكان والجهة.
فالله تعالى هو الأول أي الأزلي الذي لا ابتداء لوجوده، كان ولم يكن مكان ولا زمان ثم خلق الأماكن والأزمنة ولا يزال موجودًا بلا مكان، ولا يطرأ عليه تغيّر لا في ذاته ولا في صفاته.
قال الحافظ البيهقي ما نصه: «استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه أي عن الله بقول النبي صلوات ربي وسلامه عليه: «أنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء» [(292)]وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان» [(293)] اهـ.
وهذا شىء ظاهرٌ جدًا في هذا الحديث. فإذا قال المشبّه: فليس دونك شىء ليس المراد أنه ليس هناك شىء تحت الله حسّا وإنما المراد شىءٌ آخر.
نقول له: تأولت وهذا خلاف الظاهر، لماذا تأولت هنا بغير دليل؟ إذا نحن أوّلنا بدليلٍ تُنكر علينا، أنت هنا تريد أن تؤول من غير دليل لأن الحديث يشهد عليك. هذا الحديث فيه رد ظاهر على الذين ينسبون الجهة إلى الله.
وقال الإمام النووي: «وأما معنى الظاهر من أسماء الله فقيل: هو من الظهور بمعنى القهر والغلبة وكمال القدرة، ومنه ظهر فلان على فلان، وقيل: الظاهر بالدلائل القطعية. والباطن المحتجب عن خلقه، وقيل: العالم بالخفيات»[(294)] اهـ.
وقال شيخنا العبدري رحمه الله لبعض تلاميذه موجها إياه لمناظرة بعض مشبهة هذا العصر كفانا الله شرهم: احصره عند هذا الحديث يختنق .
الحجة الثامنة والعشرون: ومن الدليل على ما نحن فيه ما جاء عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فجعلنا لا نصعد شرفا ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير ، والتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس، ضعوا من أصواتكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إن الذي تدعون دون ركابكم»[(295)]:
روى الحافظ البيهقي عند كلامه على اسم الله القريب: «وقال جل وعلا: {…إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ *} [(296)].
– ثم ساق سند حديث – عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم كلما أشرفنا على واد هللنا وسبحنا وارتفعت أصواتنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه معكم سميع قريب» . رواه البخاري في «الصحيح»[(297)]، عن محمد بن يوسف الفريابي، وأخرجاه من وجه آخر ورواه خالد الحذاء، عن أبي عثمان، وزاد فيه: «إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» . قال الحليمي: « ومعناه أنه لا مسافة بين العبد وبينه فلا يسمع دعاءه أو يخفى عليه حاله، كيف ما تصرفت به، فإن ذلك يوجب أن يكون له نهاية، وحاشا له من النهاية .
وقال الخطابي: معناه أنه قريب بعلمه من خلقه قريب ممن يدعوه بالإجابة كقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ… *} [(298)][(299)] اهـ.
وروى: «عن مجاهد في قوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى *} [(300)] قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فرآه محمد صلى الله عليه وسلم بقلبه، ورأى ربه، وعن مجاهد في قوله عز وجل: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى *} [(301)] يعني: حيث الوتر من القوس، يعني ربه تبارك وتعالى من جبريل عليه السلام.
قلت (الحافظ البيهقي): فعلى هذه الطريقة المراد بالقرب المذكور في الآية قرب من حيث الكرامة لا من حيث المكان ، ألا تراه قال: {…أَوْ أَدْنَى} ، وإنما يتصور الأدنى من قاب قوسين في الكرامة، وهو كقوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} يعني: بالإجابة، ألا تراه قال: {…أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، وقد قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ… *} [(302)].
وقال: {…وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ *} [(303)]، وإنما أراد بالعلم والقدرة لا قرب البقعة ، ونظيره من الحديث: … عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فجعلنا لا نصعد شرفا ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، والتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس، ضعوا من أصواتكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إن الذي تدعون دون ركابكم» [(304)] اهـ.
وفي شرح البخاري للحافظ ابن حجر عند الكلام على حديث جابر: «كنّا إذا صعدنا كبّرنا إذا نزلنا سبّحنا»، من كتاب الجهاد ما نصه:
«قال المهلب: تكبيرُه صلى الله عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله عز وجل وعند ما يقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شىء. وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونس، فإن بتسبيحه في بطن الحوت نجّاه الله من الظلمات، فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه الله منها، وقيل مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنـزيه فناسب تنـزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة. ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محالا على الله أن لا يوصف بالعلو لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس . وكذلك في صفته تعالى: العالي والعليّ والمتعالي، ولم يرد ضد ذلك وإن كان قد أحاط بكل شىء علما جل وعز»[(305)] اهـ.
الحجة التاسعة والعشرون: ومما يدل أيضًا على ذلك ما رواه مسلم عن أنس بن مالك: «أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفّيه إلى السماء»[(306)] أي أن النبي جعل بطون كفّيه إلى جهة الأرض :
قال الحافظ النووي: «قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء، قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شىء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء» [(307)] اهـ.
وفي ذلك إشارة إلى أن الله عز وجل ليس متحيزًا في جهة العلو كما أنه ليس في جهة السفل.
الحجة الثلاثون: ويدل أيضًا على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ينبغي لعبدٍ أن يقول: إني خيرٌ من يونس بن متَّى» [(308)] اهـ واللفظ للبخاري.
قال المفسّر أبو عبد الله القرطبي في تفسيره ما نصه: «قال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تفضّلوني على يونس بن متى» المعنى فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت، وهذا يدل على أن البارئ سبحانه وتعالى ليس في جهة»[(309)] اهـ.
وقال العلامة المحدّث الفقيه عبد الله الهرري رحمه الله رحمة واسعة ما نصه: «ومما استدل به أهل السنة على أن العروج بالنبي إلى ذلك المستوى الذي لمّا وصل إليه سمع كلام الله لم يكن لأن الله تعالى متحيزٌ في تلك الجهة، أن موسى لم يسمع كلامه وهو عارجٌ في السموات إلى محل كالمحل الذي وصل إليه الرسول محمد، بل سمع وهو في الطور، والطور من هذه الأرض؛ فيُعلَمُ من هذا أن الله موجودٌ بلا مكان، وأن سماع كلامه ليس مشروطًا بالمكان، وأن صفاته ليست متحيزة بالمكان، جعل سماع محمد لكلامه الأزلي الأبدي في وقت كان فيه محمد في مستوى فوق السموات السبع حيث يعلمُ الله، وموسى كان سماعه في الطور، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم صار مشرفًا بجميع أقسام التكليم الإِلهي المذكور في تلك الآية، ولم يجتمع هذا لنبي سواه»[(310)] اهـ.
فإذا استوفينا هذه الدلائل والحجج والبراهين فما أحسن أن نختم بكلام جامع يجمع ما تفرق هناك، وهي الطريقة التي أشرت لها في المقدمة :
قال أبو نصر القشيري في التذكرة الشرقية: فإن قيل: أليس الله يقول: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [(311)] فيجب الأخذ بظاهره.
قلنا: الله يقول أيضًا: {…وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ… *} [(312)] ويقول: {…أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ *} [(313)] فينبغي أيضًا (أي على مقتضى اتباع المشبهة للظاهر وتركهم للتأويل) أن نأخذ بظاهر هذه الآيات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا بالعالم محدقًا به بالذات في حالة واحدة، والواحد يستحيل أن يكون بذاته في حالة بكل مكان.
قالوا: قوله تعالى: {…وَهُوَ مَعَكُمْ} يعني بالعلم و{…بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} إحاطة العلم.
قلنا: وقوله: {…عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قهر وحفظ وأبقى» [(314)] اهـ.
يعني أنهم قد أولوا هذه الآيات ولم يحملوها على ظواهرها فكيف يَعيبون على غيرهم تأويل آية الاستواء بالقهر فما هذا التحكم؟!
قال الإمام علم الهدى أبو منصور الماتريدي السمرقندي: «وجملة ذلك أن إضافة كلية الأشياء إليه، وإضافته عز وجل إليها يخرج مخرج الوصف له بالعلو والرفعة ومخرج التعظيم له والجلال:
كقوله: {…لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ… *} [(315)] {…رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ… *} [(316)]، إله الخلق (يريد قوله تعالى في الأنعام: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ… *} [(317)] رب العالمين، وفوق كل شىء (يريد قوله تعالى في الأنعام: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ… *} [(318)]، ونحوه.
وإضافة الخاص إليه يخرج مخرج الاختصاص له بالكرامة والمنْزلة والتفضيل له على من هو بجوهره: نحو قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا… *} [(319)]، وقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ… *} [(320)] {…نَاقَةَ اللَّهِ… *} [(321)]، بيت الله، وغير ذلك، ولا يخرج شىء من ذلك على مثل المفهوم من إضافة الخلق بعضهم إلى بعض ، لا قطع احتمال مثله في الخلق، إذ قد تخرج أيضا إضافة التخصيص مخرج التفضيل، والعموم مخرج فضل السلطان والولاية»[(322)].
وقال عند كلامه على الاستواء: «وبعد، فإنه ليس في الارتفاع إلى ما يعلو من المكان للجلوس أو القيام شرف ولا علو ولا وصف بالعظمة والكبرياء كمن يعلو السطوح أو الجبال إنه لا يستحق الرفعة على من دونه عند استواء الجوهر، فلا يجوز صرف تأويل الآية إليه مع ما فيها ذكر العظمة والجلال إذ ذكر في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ… *} [(323)] فدلك على تعظيم العرش أي شىء كان من نور أو جوهر لا يبلغه علم الخلق، وقد رُوِيَ عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف الشمس أن جبريل يأتيها بكف من ضوء العرش فيلبسها كما يلبس أحدكم قميصه كل يوم تطلع، وذكر في القمر كفا من نور العرش.
فإضافة الاستواء إليه لوجهين:
أحدهما: على تعظيمه بما ذكره على أثر ذكر سلطانه في ربوبيته وخلقه ما ذكر.
والثاني: على تخصيصه بالذكر بما هو أعظم الخلق وأجله على المعروف من إضافة الأمور العظيمة إلى أعظم الأشياء، كما يقال: تم لفلان ملك بلد كذا واستوى ، على موضع كذا لا على خصوص ذلك في الحق، ولكن معلوم أن من له ملك ذلك فما دونه أحق» [(324)] اهـ.
إلى أن قال: «فأشار إليه ليعلم علوه عن الأمكنة وتعاليه عن الحاجة ، وعلى ذلك قوله: {…مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ… *} [(325)] والنجوى ليس من نوع ما يضاف إلى المكان، ولكن يضاف إلى الأفراد، فأخبر بعلوه عن الأمكنة وتعاليه عن أن يخفى عليه شىء، ثم بقدرته بقوله: {…وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ *} [(326)] أي بالسلطان والقوة، وبألوهيته في البقاع كلها، لأنها أمكنة العبادة، وبقوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ… *} [(327)] ويملك كل شىء بقوله: {…لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ… *} [(328)]، ثم بعلوه وجلاله بقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ… *} [(329)]، وقوله: {…وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *} [(330)] وقوله: {…وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [(331)]، فجمع في هذه الأحرف ما فرّق في تلك ليعلم أنه بكل ما سمّى به ووصف كان، كان ذلك بذاته لا بشىء من خلقه، وكذلك عزّه وشرفه ومجده، جلّ ثناؤه عن الأشباه ولا إله غيره» اهـ.
ثم قال بعد أن ذكر بعض التأويلات في تفسير الاستواء أغفلت نقلها هنا عمدا طلبا للاختصار، ما نصه: «وأما الأصل عندنا في ذلك أن الله تعالى قال: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [(332)]، فنفى عن نفسه شبه خلقه، وقد بينا أنه في فعله وصفته متعال عن الأشباه ، فيجب القول بالرحمـن على العرش استوى على ما جاء به التنـزيل وثبت ذلك في العقل، ثم لا نقطع تأويله على شىء لاحتماله غيره مما ذكرنا واحتماله أيضا، ما لم يبلغنا مما يعلم أنه غير محتمل شبه الخلق ، ونؤمن بما أراد الله به، وكذلك في كل أمر ثبت التنـزيل فيه نحو الرؤية وغير ذلك يجب نفى الشبه عنه، والإيمان بما أراده من غير تحقيق على شىء دون شىء والله الموفق.
الأصل في هذا أن الأمر يضيق على السامع بما يقدره من المفهوم عن الخلق في الوجود ، وإذ لزم القول في الله بالتعالى عن الأشباه ذاتا وفعلا لم يجز أن يفهم من الإضافة إليه المفهوم من غيره في الوجود مع ما كان الوقوف على المعنى يصرف إليه الكلام في الخلق بما هو علمه به قبل سمع ذلك الكلام، والله سبحانه عرف قبل سمع ذلك الكلام على غير الذي عرف عليه الخلق لم يجز صرف التأويل إلى ما فهمه من الخلق إذ سببه العلم المتقدم منه على احتمال ذلك المعنى معنى قد يفهم من الشاهد، من (على) ومن (العرش) ومن (الاستواء) معان مختلفة، لم يجز صرف ذلك إلى أوحش وجه وثمة لأحسن ذلك مساغ، مع ما كان الله يمتحن بالوقوف في أشياء كما جاء من نعوت الوعد والوعيد وما جاء من الحروف المقطعة وغير ذلك مما يؤمن المرء أن يكون ذا مما المحنة فيه الوقف لا القطع، والله أعلم»[(333)] اهـ.
يصدق ذلك ما نقله الإمام الأصولي أبو منصور البغدادي الإسفرايني التميمي حيث قال ما نصه: «وأجمعوا – يريد أهل السنة والجماعة – على أنه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان، على خلاف قول من زعم من الهشامية والكرامية أنه مماس لعرشه، وقد قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: «إن الله خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته» ، وقال أيضًا: «قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان»[(334)] اهـ.
وقال أبو بكر الباقلاني: «مسألة: ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه. فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام والقعود، لقوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} ، ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك.
فإن قيل أليس قد قال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} .
قلنا: بلى، قد قال ذلك، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب والسنة، لكن ننفي عنه أمارة الحدوث، ونقول: استواؤه لا يشبه استواء الخلق، ولا نقول إن العرش له قرار، ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان، فلما خلق المكان لم يتغير عما كان [(335)].
وقال أبو عثمان المغربي يومًا لخادمه محمد المحبوب: لو قال لك قائل: أين معبودك؟ ماذا كنت تقول له؟ فقال: أقول حيث لم يزل ولا يزول. قال: فإن قال: فأين كان في الأزل؟ ماذا تقول؟ فقال: أقول حيث هو الآن. يعني: إنه كما كان ولا مكان.
وقال أبو عثمان: كنت أعتقد شيئًا من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد وزال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا: إني قد أسلمت جديدا.
وقد سئل الشبلي عن قوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} فقال: الرحمـن لم يزل ولا يزول، والعرش محدث، والعرش بالرحمـن استوى[(336)].
وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: من زعم أن الله تعالى في شىء أو من شىء، أو على شىء، فقد أشرك؛ لأنه لو كان على شىء لكان محمولاً، ولو كان في شىء لكان محصورًا، ولو كان من شىء لكان محدثًا، والله يتعالى عن جميع ذلك»[(337)] اهـ.
ثم يتابع الإمام أبو منصور الماتريدي رحمات الله عليه: «وأما رفع الأيدي إلى السماء فعلى العبادة، ولله أن يتعبد عباده بما شاء، ويوجههم إلى حيث شاء، وإن ظن من يظن أن رفع الأبصار إلى السماء لأن الله من ذلك الوجه، إنما هو كظن من يزعم أنه إلى جهة أسفل الأرض بما يضع عليها وجهه متوجها في الصلاة ونحوها، وكظن من يزعم أنه في شرق الأرض وغربها بما يتوجه إلى ذلك في الصلاة أو نحو مكة لخروجه إلى الحج، وفي المشاعر بالسعي فيها ضالة أو ناحية العدو ويقصدون قصد من يغلب على شىء يستنفد منه جل الله عن ذلك، ثم الله سبحانه إذ ليس وجه أقرب إليه من وجه، ولا أحق أن يعلمه من وجه ولا في وسع الخلق وجه الوصول إليه من وجه دون وجه، ولا طمع العقول بما هو عالم بذاته غنى عن عبادة خلقه، فتعبدهم لأنفسهم أن يقوموا بشكر نعمه، له المحنة كيف شاء لا يسبق إلى وهم أحدٍ الوصول إليه في جهة دون جهة إلا من يعرف الله حق المعرفة.
وقد بينا فيما تقدم وصف قربه وذلك بالإجابة كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ… *} [(338)] وبالنصر والمعونة كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [(339)] والتقرب إلى المنزلة والمحل كقوله تعالى: {…وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ *} [(340)]، وما روى أن من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا إلى آخر ذلك وقوله: {…وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ… *} [(341)]، وفي الكلاءة والحفظ كقوله: {…وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ *} [(342)] {…وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ *} [(343)]، وقوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ… *} [(344)]، وبالعلم بقوله: {…يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ… *} [(345)]، وغير ذلك، فعلى مثل بعض هذه الوجوه المجيء والذهاب مع ما كان مجيء الأجسام يفهم منه الانتقال ثم مجيء الحق يفهم منه الظهور كقوله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ… *} [(346)]، وعلى ذلك ذهاب الباطل بطلانه، وذهاب الجسم انتقاله، فهذا محل المجيء والذهاب في المعروف من الأعراض والأجسام، والله يتعالى عن المعنيين جميعا لم يجز أن يفهم من المضاف إليه ذلك ولا قوة إلا بالله.
للمسألة عبارة أخرى أنه ما من جهة ولا حالة إلا لله على عباده فيها نعم لا تحصى، فجعل عليهم بها وفيها عبادات، كما جعل في الجوارح والأموال بها له فيهما من النعم ولا قوة إلا بالله.
على أن السماء هي محل ومهبط الوحي ومنها أصول بركات الدنيا فرفع إليها البصر لذلك ولا قوة إلا بالله»[(347)] اهـ.
قال أبو حامد الغزالي : «فانظر كيف تلطف الشرع بقلوب الخلق وجوارحهم في سياقهم إلى تعظيم الله، وكيف جهل من قلت بصيرته ولم يلتفت إلا إلى ظواهر الجوارح والأجسام، وغفل عن أسرار القلوب واستغنائها في التعظيم عن تقدير الجهات، وظن أن الأصل ما يشار إليه بالجوارح ولم يعرف أن المظنة الأولى لتعظيم القلب ، وأن تعظيمه باعتقاد علو الرتبة لا باعتقاد علو المكان ، وأن الجوارح في ذلك خدم وأتباع يخدمون القلب على الموافقة في التعظيم بقدر الممكن فيها، ولا يمكن في الجوارح إلا الإشارة إلى الجهات، فهذا هو السر في رفع الوجوه إلى السماء عند قصد التعظيم، ويضاف إليه عند الدعاء أمر آخر وهو أن الدعاء لا ينفك عن سؤال نعمة من نعم الله تعالى، وخزائن نعمه السموات، وخزان أرزاقه الملائكة ومقرهم ملكوت السموات وهم الموكلون بالأرزاق. وقد قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *} [(348)] والطبع يتقاضى الإقبال بالوجه على الخزانة التي هي مقر الرزق المطلوب، فطلاب الأرزاق من الملوك إذا أخبروا بتفرقة الأرزاق على باب الخزانة مالت وجوههم وقلوبهم إلى جهة الخزانة، وإن لم يعتقدوا أن الملك في الخزانة فهذا هو محرك وجوه أرباب الدين إلى جهة السماء طبعًا وشرعًا»[(349)] اهـ.
وقال الإمام العارف الشيخ السيد محمد مهدي الصيادي الرفاعي الحسيني الشهير بالرواس رضي الله عنه في معراج القلوب (23-24): «أيها الوارث الروحي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحقق بالتوحيد الخالص، نزه الله في ذاته وصفاته، طهر قلبك من لوث رؤية الأغيار، أثبت في لوح سرك حكم حكمة التوحيد، بأن لا تشهد لغير الواحد سبحانه وتعالى قدرة في فعل من الأفعال،… واحفظ نظرك من مصيبة التجسيم والتشبيه والفوقية والتحتية ، وأجر الصفات مجراها، حكم النص في اعتقادك، ورد تأويله إلى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن الحدث لا يحيط إلا بالحدث، وقد عرفنا القرآن العظيم حقيقة التوحيد، ففي كتاب الله تعالى قال الله وهو أصدق القائلين {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} وقال سبحانه {…أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ *} [(350)] وقال جلت عظمته {…وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [(351)] وقال تبارك اسمه {…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ… *} [(352)].
– فنفي المثلية قطع الأفكار عن الخوض بلجة التشبيه.
– وإثبات الإحاطة المطلقة بالأشياء قطع وهم الفوقية والتحتية.
– والتفرد بالقدرة محق قدرة الغير.
– والبقاء المطلق قطع مجانسة الحدث الهالك بحال من الأحوال، وشأن من الشؤون {…أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ *} [(353)] وهذا هو التوحيد.
فقد ورد على لسان سيدنا ومولانا الإمام الأكبر السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه: «التوحيد وجدان تعظيم في القلب يمنع عن التعطيل والتشبيه» [(354)] اهـ.
وقال القرطبي في تفسيره قول الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ… *} [(355)] ما نصه: «والمراد بها توقيره وتنـزيهه عن السفل والتحت، ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام ، وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي ومنـزل القطر ومحل القدس ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته، كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل أن خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان» [(356)] اهـ.
تعالى الله عن أن يقال: كيف هو؟ أو أين[(357)] هو؟[(358)].
فالله تعالى لا يجوز عليه الأينية لأن من لا مكان الله لا يقال فيه أين كان، ولا تجوز عليه الكيفية لأن من لا مثل له لا يجوز أن يقال فيه كيف، هو الذي أين الأين فلا يقال له أين، والكيفية هي الصفات التي تقوم بالجرم أي الحجم.
قال الحافظ ابن الجوزي: «إنما يقع الإشكال في وصف من له أشكال، وإنما تضرب الأمثال لمن له أمثال، فأما من لم يزل ولا يزال فما للحس معه مجال، عظمته عظمت عن نيل كف الخيال .
كيف يقال له كيف والكيف في حقه محال، أنى تتخايله الأوهام وهي صنعه، كيف تحده العقول وهي فعله، كيف تحويه الأماكن وهي وضعه، انقطع سير الفكر، وقف سلوك الذهن، بطلت إشارة الوهم، عجز لطف الوصف، عشيت عين العقل، خرس لسان الحس…، جادة التسليم سليمة، وادي النقل بلا نقع، انزل عن علو غلو التشبيه، ولا تعل قلل أباطيل التعطيل، فالوادي بين جبلين، المشبه متلوث بفرث التجسيم، والمعطل نجس بدم الجحود، ونصيب المحق لبن خالص هو التنـزيه ، تخمر في نفوس الكفار حب الأصنام فجاء محمد فمحا ذلك بالتوحيد، وتخمر في قلوب المشبهة حب صورة وشكل، حييت فمحوتها بالتنـزيه، والعلماء ورثة الأنبياء، ما عرفه من كيّفه، ولا وحّده من مثّله، ولا عبّده من شبّهه، المشبه أعشى والمعطل أعمى.
..تعالى عن بعضية من، وتقدس عن ظرفية في، وتنـزه عن شبه كان، وتعظم عن نقص لو أن، وعز عن عيب إلا أن، وسما كماله عن تدارك لكن.
..سبحان من أقام من كل موجود دليلا على عزته، ونصب علم الهدى على باب حجته، الأكوان كلها تنطق بالدليل على وحدانيته، وكل موافق ومخالف يمشي تحت مشيئته، إن رفعت بصر الفكر ترى دائرة الفلك في قبضته، وتبصر شمس النهار وبدر الدجى يجريان في بحر قدرته، والكواكب قد اصطفت كالمواكب على مناكب تسخير سطوته، فمنها رجوم للشياطين ترميهم فترميهم عن حمى حمايته، ومنها (النجوم) سطور في المهامة[(359)] يقرؤها المسافر في سفر سفرته، وإن خفضت البصر رأيت الأرض ممسكة بحكمة حكمته»[(360)] اهـ. بتصرف خفيف.
وقال في مقدمة كتابه اللطف في الوعظ: «لا بصفة الأول يحكم له مبدأ، ولا بالآخر صار له منتهى، ولا من الظاهر فهم له شبح، ولا من الباطن تعطل له وصف، خرست في (حق الله سبحانه) صولة لم؟ وكفّت لهيبة الحق كف كيف؟ وغشيت لأنوار العزة عين عين الفكرة، فأقدام الطلب واقفة على حمى التسليم، جل عن أشباه وأمثال، وتقدس عن أن تضرب له الأمثال، وإنما يقع الاشتباه والإشكال، في حق من له أنداد وأشكال، المشبه ملوث بفرث التجسيم، والمعطل نجس بدم الجحود، ونصيب المحق من بين فرث ودم لبن خالص ، هو المنـزه لا يقال: لم لفعله؟ ولا متى لكونه؟ ولا فيم لذاته؟ ولا كيف لوصفه؟ ليس في صفاته أين؟ ولا مما يدخل في أحديته مِن، (فمتى عرف العبد أن مولاه قديم لا بداية له فقد دله ذلك) على التنـزيه، وعلم أنه لا ينطبع فيها شبح الشريك، ولا خيال التشبيه «تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله فتهلكوا» إذا استقبل الرمد الريح فقد تعرض لزيادة الرمد.
جاء البعوض إلى سليمان عليه السلام يشكو من الريح، فاستحضر سليمان الريح، فذهب البعوض، فقال سليمان: إلى أين؟ فقال: لو كان لي قوة الثبوت معها ما شكوت منها»[(361)] اهـ.
وهو معنى قول جده الحبيب أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه: «العجز عن درك الإدراك إدراك» [(362)] اهـ.
قال أبو المظفر الإسفرايني : «وأن تعلم أنه لا يجوز عليه الكيفية والكمية والأينية، لأن من لا مثل له لا يمكن أن يقال فيه كيف هو، ومن لا عدد له لا يقال فيه كم هو، ومن لا أول له لا يقال له مم كان، ومن لا مكان له لا يقال فيه أين كان، وقد ذكرنا من كتاب الله تعالى ما يدل على التوحيد ونفي التشبيه ونفي المكان والجهة ونفي الابتداء والأولية، وقد جاء فيه عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أشفى البيان حين قيل له: أين الله؟ فقال: إن الذي أين الأين لا يقال له أين. فقيل له: كيف الله؟ فقال إن الذي كيف الكيف لا يقال له كيف»[(363)] اهـ.]
سبحانه ما أثنى عليه حق ثنائه غيره، ولا وصفه بما يليق به سواه، عجز الأنبياء والمرسلون عن ذلك، قال أجلهم قدرا وأرفعهم محلا وأبلغهم نطقا مع ما أعطى من جوامع الكلم: «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» [(364)].
ومن تأمل كلام الله عز وجل وجده محشوا بتنـزيهه تارة بالتصريح وتارة بالتلويح وتارة بالإشارات [(365)].
فقد ثبت أن في القرآن والأخبار دلائل كثيرة تدل على تنـزيه الله تعالى عن الحجمية والجسمية والحيّز والجهة.
ـ[186] سورة الإخلاص: 1 – 4 .
ـ[187] الجوهر الفرد: هو اصطلاح يطلقه علماء التوحيد على الجزء الذي لا يتجزأ.
ـ[188] تفسير البيضاوي (5/547).
ـ[189] التبصير في الدين (ص/162)، الباب الخامس عشر في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة وبيان مفاخرهم.
ـ[190] يريد رضي الله عنه نفي التغير عن الله سبحانه.
ـ[191] التفسير الكبير للفخر الرازي (32/182).
ـ[192] التفسير الكبير (7/114).
ـ[193] سورة الشعراء: جزء من الآية 23 .
ـ[194] أي على قومه ليهديهم إلى سبيل الحق، لا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان كافرا أو مشركا ويكفي لكف ذلك الوهم قوله تعالى: {…وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *} [سورة آل عمران].
ـ[195] سورة الأنعام: جزء من الآية 79 .
ـ[196] بمعنى أن المتشابهات يجوز عليها ما يجوز على بعضها.
ـ[197] سورة الأنعام، الآية: 79 .
ـ[198] التسهيل لعلوم التنـزيل (2/14).
ـ[199] سورة الأنعام: 74 .
ـ[200] سورة الأنعام: 75 .
ـ[201] سورة الأنعام: 76 .
ـ[202] سورة الأنعام: 77 .
ـ[203] سورة الأنعام: 78 .
ـ[204] سورة الأنعام: 79 .
ـ[205] تفسير الحلالين: (1/174-175).
ـ[206] سورة الأنعام: 83 .
ـ[207] التبصير في الدين (ص/160).
ـ[208] سورة البقرة: 258 .
ـ[209] أحكام القرآن (2/172).
ـ[210] سورة الشورى: جزء من الآية 11 .
ـ[211] التفسير الكبير (22/6).
ـ[212] التفسير الكبير (5/181).
ـ[213] زاد المسير (7/276).
ـ[214] دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد (ص/19).
ـ[215] أساس التقديس (ص/28 – 29).
ـ[216] سورة محمد: جزء من الآية 38 .
ـ[217] سورة الأنعام: جزء من الآية 133 .
ـ[218] سورة الشورى: جزء من الآية 11 .
ـ[219] التفسير الكبير: (13/4).
ـ[220] سورة البقرة: جزء من الآية 255 .
ـ[221] في التفسير الكبير (ج7/ص5).
ـ[222] سورة مريم: جزء من الآية 65 .
ـ[223] التفسير الكبير للفخر الرازي (5/181).
ـ[224] سورة الحشر: جزء من الآية 24 .
ـ[225] التبصير في الدين (ص/160).
ـ[226] سورة الحديد: جزء من الآية 3 .
ـ[227] دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد (ص/19).
ـ[228] سورة طه: جزء من الآية 110 .
ـ[229] سورة الأنعام: جزء من الآية 103 .
ـ[230] سورة البقرة: 186 .
ـ[231] سورة النور: جزء من الآية 43 .
ـ[232] سورة الفرقان: جزء من الآية 48 .
ـ[233] سورة طه: 4 .
ـ[234] سورة الأعراف: جزء من الآية 54 .
ـ[235] سورة الأنعام: جزء من الآية 12 .
ـ[236] سورة الأنعام: جزء من الآية 13 .
ـ[237] سورة الحاقة: جزء من الآية 17 .
ـ[238] سورة غافر: جزء من الآية 7 .
ـ[239] سورة القصص: جزء من الآية 88 .
ـ[240] لكن ورد استثناء العرش وأشياء في بعض الآثار، وهو إنما يورد ذلك من باب الفرض لا أن ذلك واقع.
ـ[241] سورة الحديد: جزء من الآية 3 .
ـ[242] سورة العلق: جزء من الآية 19 .
ـ[243] سورة النجم: 8 – 9 .
ـ[244] سورة العنكبوت: جزء من الآية 26 .
ـ[245] الغنية في أصول الدين (1/79).
ـ[246] سورة البقرة: جزء من الآية 22 .
ـ[247] سورة البقرة: 115 .
ـ[248] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/199).
ـ[249] تفسير البحر المحيط (1/163).
ـ[250] تفسير البيضاوي (1/387).
ـ[251] سورة الحشر: 23 .
ـ[252] سورة البروج: 15 .
ـ[253] التبصير في الدين (ص/161).
ـ[254] سورة الرعد: جزء من الآية 8 .
ـ[255] الفصل في الملل والأهواء والنحل: (1/19).
ـ[256] سورة الزمر: جزء من الآية 67 .
ـ[257] أسباب النزول للواحدي (1/280).
ـ[258] غريب القرآن للأصفهاني (1/396).
ـ[259] سورة الحاقة: 45 .
ـ[260] رواه العراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/64)، (244).
ـ[261] سورة الفتح: جزء من الآية 10 .
ـ[262] رواه مسلم في صحيحه (4/ 2045)، (2654)، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء.
ـ[263] سورة يونس: جزء من الآية 18 .
ـ[264] سورة البقرة: جزء من الآية 116 .
ـ[265] سورة الأنعام: جزء من الآية 100 .
ـ[266] سورة الجن الآية: 3 .
ـ[267] أنظر دفع شبه من شبه وتمرد للحصني (1/15).
ـ[268] عمدة القاري للعيني: (25/168).
ـ[269] سورة الصافات: 180 .
ـ[270] سورة الأعلى: 1 .
ـ[271] سورة الإسراء: جزء من الآية 44 .
ـ[272] دفع شبه من شبه وتمرد (1/52).
ـ[273] سورة النحل: جزء من الآية 74 .
ـ[274] تفسير النسفي: (2/264).
ـ[275] سورة النحل: جزء من الآية 60 .
ـ[276] النهر الماد: (ج2/ق1/ص352).
ـ[277] تفسير القرطبي (10/119).
ـ[278] رواه البخاري في صحيحه «بلفظ: كان الله ولم يكن شىء غيره» (3/1166)، (3019)، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}.
ـ[279] الشرح القويم لشيخنا العبدري رحمه الله (ص/109).
ـ[280] رواه مسلم في صحيحه (1/350)، (482)، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود.
ـ[281] شرح السيوطي لسنن النسائي (2/226).
ـ[282] رواه ابن حبان في صحيحه (12/412)، (5598).
ـ[283] رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 132)، (5148)، جماع أبواب إثبات إمامة المرأة وغيرها، باب خير مساجد النساء قعر بيوتهن.
ـ[284] المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار في هامش إحياء علوم الدين للغزالي (2/58).
ـ[285] رواه الطبراني في المعجم الكبير (9/293)، (9472)، عبد الله بن مسعود الهذلي يكنى أبا عبد الرحمـن.
ـ[286] مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي (2/156)، باب خروج النساء إلى المساجد وغير ذلك وصلاتهن في بيوتهن وصلاتهن في المسجد.
ـ[287] التعاون على النهي عن المنكر (ص/43).
ـ[288] صحيح مسلم (8/78)، سنن أبي داود (2/732)، الأسماء والصفات للحافظ البيهقي (1/36)، صحيح ابن حبان (3/246)، السنن الكبرى للنسائي (4/395).
ـ[289] سورة ق:16 .
ـ[290] جامع البيان وهو تفسير القرءان للحافظ الكبير ابن جرير الطبري (27/215).
ـ[291] رواه مسلم في صحيحه (4/2084)، (2713)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.
ـ[292] الأسماء والصفات: (2/144)، باب ما جاء في العرش و الكرسي.
ـ[293] شرح النووي على مسلم (17/36).
ـ[294] رواه البخاري في صحيحه (3/1091)، (2830)، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير.
ـ[295] سورة سبأ: جزء من الآية 50 .
ـ[296] رواه البخاري في صحيحه (3/1091)، (2830)، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير.
ـ[297] سورة البقرة: جزء من الآية 186 .
ـ[298] الأسماء والصفات للبيهقي (1/111).
ـ[299] سورة النجم: 16 .
ـ[300] سورة النجم: 9 .
ـ[301] سورة الواقعة: جزء من الآية 85 .
ـ[302] سورة ق: جزء من الآية 16 .
ـ[303] الأسماء والصفات للبيهقي (2/353).
ـ[304] فتح الباري (6/136)، كتاب الجهاد.
ـ[305] رواه مسلم في صحيحه (2/612)، (896)، كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء.
ـ[306] شرح النووي على صحيح مسلم (6/190).
ـ[307] رواه البخاري في صحيحه (3/1244)، (3215)، كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *} [سورة الصافّات]، رواه مسلم في صحيحه (4/1846)، (2376)، كتاب الفضائل: باب في ذكر يونس عليه السلام.
ـ[308] الجامع لأحكام القرءان (11/333 – 334).
ـ[309] إظهار العقيدة السنية (ص/118-119).
ـ[310] سورة طه: 5 .
ـ[311] سورة الحديد: جزء من الآية 4 .
ـ[312] سورة فصلت: جزء من الآية 54 .
ـ[313] إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين للحافظ الزبيدي (2/107).
ـ[314] سورة البقرة: جزء من الآية 107 .
ـ[315] سورة الرعد: جزء من الآية 16 .
ـ[316] سورة الأنعام: جزء من الآية 102 .
ـ[317] سورة الأنعام: جزء من الآية 18 .
ـ[318] سورة النحل: جزء من الآية 128 .
ـ[319] سورة الجن: جزء من الآية 18 .
ـ[320] سورة الشمس: جزء من الآية 13 .
ـ[321] كتاب التوحيد (ص/68)، وما بعدها.
ـ[322] سورة الأعراف: جزء من الآية 54 .
ـ[323] كتاب التوحيد (ص/70).
ـ[324] سورة المجادلة: جزء من الآية 7 .
ـ[325] سورة ق: جزء من الآية 16 .
ـ[326] سورة الزخرف: جزء من الآية 84 .
ـ[327] سورة الفرقان: جزء من الآية 2 .
ـ[328] سورة الأنعام: جزء من الآية 18 .
ـ[329] سورة الأنعام: جزء من الآية 101 .
ـ[330] سورة هود: جزء من الآية 4 .
ـ[331] سورة الشورى: جزء من الآية 11 .
ـ[332] كتاب التوحيد (ص/74).
ـ[333] الفرق بين الفرق (356).
ـ[334] وهذا يشرح كلامه في تمهيد الأوائل (ص/300 – 301): «فإن قال قائل: أين هو؟ قيل له: الأين سؤال عن المكان، وليس هو ممن يجوز أن يحويه مكان ولا تحيط به أقطار. غير أنا نقول: إنه على عرشه، لا على معنى كون الجسم بالملاصقة والمجاورة تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا!» وهو ما تحاول المشبهة به التمويه والتلبيس. وتتمته: «فإن قال قائل: فمتى كان؟ قيل له: سؤالك عن هذا يقتضي كونه في زمان لم يكن قبله، لأن (متى) سؤال عن الزمان. وقد عرفناك أنه قديم كائن قبل الزمان، وأنه الخالق للمكان والزمان وموجود قبلهما. وتوقيت وجود الشىء بعام أو مائة ألف عام يفيد أن الموقّت وجوده معدوم قبل الزمان الذي وقّت به، وذلك مما يستحيل عليه تعالى».
ـ[335] معنى قوله: العرش بالرحمـن استوى أن العرش بإيجاد الله تم.
ـ[336] الإنصاف (ص/64 – 66).
ـ[337] سورة البقرة: جزء من الآية 186 .
ـ[338] سورة النحل: جزء من الآية 128 .
ـ[339] سورة العلق: جزء من الآية 19 .
ـ[340] سورة المائدة: جزء من الآية 35 .
ـ[341] سورة سبأ: جزء من الآية 21 .
ـ[342] سورة الأنعام: جزء من الآية 102 .
ـ[343] سورة الرعد: جزء من الآية 33 .
ـ[344] سورة الأنعام: جزء من الآية 3 .
ـ[345] سورة سبأ: جزء من الآية 49 .
ـ[346] كتاب التوحيد (ص/75 – 77).
ـ[347] سورة الذاريات: 22 .
ـ[348] في الاقتصاد في الاعتقاد (ص/61 – 62).
ـ[349] سورة فصلت: جزء من الآية 54 .
ـ[350] سورة المائدة: جزء من الآية 120 .
ـ[351] سورة القصص: جزء من الآية 88 .
ـ[352] سورة الشورى: جزء من الآية 53 .
ـ[353] البرهان المؤيد (1/136)، لا تكن فضوليا حكم السيد أحمد الرفاعي (ص/15)، الإمام السيد الشيخ أحمد الرفاعي المتوفي سنة 578هـ. تحقيق عبد الغني نكومي، دار الكتاب النفيس بيروت / لبنان 14080 .
ـ[354] سورة الملك: جزء من الآية 16 .
ـ[355] تفسير القرطبي (18/216).
ـ[356] الأين حالة تعرض للشىء بسبب حصوله في المكان، ذكره ابن الكمال، وقال: لفظ يبحث به عن المكان ، كما أن متى يبحث به عن الزمان. التعاريف للمناوي: (ص/107).
ـ[357] من مقدمة الإمام أبي القاسم القشيري للرسالة القشيرية: (ص/3).
ـ[358] المهامة: جمع المهمة، وهي المفازة البعيدة (أي الصحراء الواسعة)، يراجع لسان العرب (13/542).
ـ[359] المدهش (ص/137 – 139).
ـ[360] بتصرف لطيف من اللطف في الوعظ (ص/5).
ـ[361] طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي (9/45) خلال رسالة أحمد بن يحيى بن إسماعيل الشيخ شهاب الدين ابن جهبل الكلابي الحلبي الأصل والتي أولها في (ج9/ص34).
ـ[362] التبصير في الدين (ص/161).
ـ[363] رواه مسلم في صحيحه (1/352)، (486)، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود.
ـ[364] دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد (ص/23).
ـ[365] الأسماء والصفات للحافظ البيهقي (2/150 – 151). عن عبد الله بن وهب، يقول: كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل، فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} كيف استواؤه؟ قال: فأطرق مالك وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} كما وصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه. قال : فأخرج الرجل.
وفي رواية عن يحيى بن يحيى، يقول: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} فكيف استوى؟ قال: فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا. فأمر به أن يخرج» اهـ.