الإثنين ديسمبر 8, 2025
  • الإيمان بالله

    الخطبة الأولى:

     

    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد له ولا ند له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه من انشق له القمر وسلم عليه الحجر وانقاد إليه الشجر هو فخر ربيعة ومضر صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

    أما بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما”، معنى الحديث أن الدنيا أي هذه الحياة الدنيا عاقبتها غير محمودة إلا هؤلاء الأربعة ذكر الله أي طاعة الله وما والاه أي ما يساعد على طاعة الله أي كالمال الحلال وعالما ومتعلما أي العالم بعلم الدين ومتعلمه ما سوى هؤلاء الأربعة ليس له عاقبة محمودة من هذه الحياة الدنيا لأن ما سوى هؤلاء الأربعة غروركما قال تعالى:   }وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور{.

    ثم أهم علم الدين أي أحبه إلى الله وأنفعه في الآخرة علم العقيدة الذي يعرف به الخالق كما يجب فهذا أي العلم بالله هو الفقه الأكبر أما علم الأحكام فالفقه الأصغر علم الأحكام هو الفقه الأصغر وذلك لأنه لا تصح عبادة المعبود إلا بعد معرفته ولا تصح معرفة الله إلا على طريقة التنـزيه وهي معنى هذه الآية :  } ليس كمثله شـىء { هذه الآية فيها التنـزيه الكلي فهذه الآية لفظها وجيز ومعناها واسع لأنها أبلغ من قول الله ليس مثله البشر ومن قول الله ليس مثله الملائكة ومن قول الله ليس مثله النور لأن كلمة شىء تشمل كل ما سوى الله من الأجسام اللطيفة كالنور والأجسام الكثيفة كالإنسان والشمس والقمر والنجم وتشمل الحركة والسكون واللون والانفعال والتغير وكل صفات الحجم وكل الأعراض أي صفات الحجم صفات الحجم الكثيف وصفات الحجم اللطيف يسمى عرضا فهذه الآية تنـزه الله تعالى عن ذلك كله، فمن نزه الله تعالى عن كونه جسما لطيفا أو جسما كثيفا وعن صفات الحجم كلها كالتحيز في جهة ومكان واعتقد أنه موجود مع تنـزهه عن هذا كله فقد عرف الله، والمكان هو الفراغ الذي يشغله الحجم الحجم اللطيف والحجم الكثيف يشغل الفراغ فهذا الفراغ الذي يشغله هو المكان، ليس المكان الحجم الصلب الذي يمس بالحجم فقط نحن الآن نماس ما تحتنا هذا المكان الصلب هذا مكاننا والفراغ الذي يحوينا مكان لنا فالله تبارك وتعالى منـزه عن أن يكون متحيزا بمماسة شىء صلب كالعرش وعن التحيز في الفراغ من غير مماسة شىء الشمس والقمر والنجوم مكانهن الفراغ الذي يشغلنه فالله تبارك وتعالى لا يجوز أن يكون متحيزا في الفراغ من دون مماسة شىء صلب ومنـزه من أن يكون متحيزا في الفراغ مع مماسة شىء كالعرش وذلك لأن الحجم هو الذي يتحيز والله ليس حجما فلا يجوز عليه التحيز في مكان واحد كالعرش ولا في جميع الأماكن، فمن عرف الله تعالى على هذا الوجه فقد عرف الله فمن أفرده بالعبادة أي غاية التذلل فهو الذي عرف الله وعبده ومن لم يكن كذلك لم يعرف الله ولا يقال أنه يعبد الله. كل من يعتقد أن الله تعالى متحيز على العرش مماسا قاعدا عليه أو واقفا في الفراغ فوق العرش من غير مماسة للعرش غير عارف بالله فهو جاهل بالله ولا يعبد الله إنما يعبد شيئا تخيله في الفراغ أو متحيزا على العرش وهذا معنى هذه الآية ليس كمثله شىء.

    ثم بعد هذا كل ءاية قرءانية أو حديث نبوي ظاهره يوهم أن الله حجم وأن له أعضاء وأن له حركة أو سكونا أو غير ذلك من صفات الحجم لا يجوز اعتقاده على ظاهره بل يقال إن تلك الآيات وتلك الأحاديث لها معاني غير هذه المعاني الظاهرة فمن سلك هذا المسلك ءامن بآية ليس كمثله شىء وبتلك الآيات والأحاديث وسلم من الوقوع في التناقض وهذا مذهب أهل السنة الذي كان عليه الرسول والصحابة ومن تبعهم من علماء الإسلام إلى يومنا هذا.

    فإن قال قائل كيف تقولون الله موجود لا هو حجم كبير ولا هو حجم صغير والموجود لا بد أن يكون له حجم كبير أو صغير يقال له: أنت تقيس الخالق على المخلوق كيف يكون الخالق حجما ويخلق الحجم، الحجم لا يخلق الحجم، الله تعالى هو خلق الحجم الصغير كحبة الخردل وما هو أصغر منها وهو خلق ما هو فوق ذلك من الحجم، فلو كان حجما كبيرا أو صغيرا ما استطاع أن يخلق شيئا من الحجم، هذا هو الحكم العقلي وما أنت تقوله هو حكم الوهم، أنت تتبع حكم الوهم، وهم الإنسان إذا تخيل يتخيل أن الله حجم كبير كالعرش أو أكبر منه أو دون ذلك كما يتوهم بعض الكفار أن الله بصورة إنسان هؤلاء تبعوا الوهم ما تبعوا العقل يقال له فلو كان الله حجما كما يتوهم بعض الكفار أنه حجم فوق العرش له أعضاء لكانت الشمس أولى بأن تكون إلها لأن الشمس حجم كبير جميل الشكل كثيرة النفع تنفع البشر والشجر والنبات فلو كان يجوز أن يكون الله حجما لكانت الشمس أولى بأن تكون إلها لكن لا يصح أن تكون الشمس إلها لأنها حجم لها شكل مخصوص ولون مخصوص تحتاج لمن أوجدها على هذا الحجم بدل حجم أصغر من هذا أو أكبر من هذا على وصف غير هذا، وهي لا تصلح أن تكون إلها وهكذا الحجم كله، كل حجم مخلوق، العرش وحبة الخردل كلاهما محتاج لمن أوجده على هذا الحجم فإذن الله ليس حجما، موجود ليس حجما  وهذا الذي يجب اعتقاده وإن كان وهم الإنسان لا يتصور موجودا ليس حجما بالمرة، لا هو حجم كثيف كالإنسان ولا هو حجم لطيف كالنور وهذا الاعتقاد هو اعتقاد أهل السنة.

    بعد هذا وبعد معرفة الرسول والإيمان به أهم أمور الدين معرفة أن كل ما يحصل ويدخل في الوجود من حجم أو حركة أو سكون أو انفعال أو لذة وألم وفهم وذكاء وبلادة وتفكير والخاطر كل هذا الله الذي يخلقه وأما الإنسان لا يخلق شيئا من حركاته وسكناته ولا من الإدراك والفهم والمعرفة والعلم والنظر والنطق كل ذلك الله يخلقه في الإنسان، الإنسان لا يخلق شيئا إنما يفعل، الإنسان يفعل والله يخلق الإنسان وأفعاله، هو الذي يخلق النظر هو الذي يخلق النطق إن كان بخير أو بشر هو يخلقه هذه المسئلة الثانية هي أهم علوم التوحيد بعد معرفة الله ورسوله.

     

    الخطبة الثانية:

              إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يـهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

              أما بعد، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم.

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز : }يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم، يوم  ترونـها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد{.

              واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : }إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين  ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما{ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.

              عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.