الخميس نوفمبر 21, 2024

الإمام السجّاد زين العابدين


ترجمته:
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، المعروف بزين العابدين وكان يكنّى أبا الحسين وقيل أبا محمد. وليس للحسين رضي الله عنه عقب إلا من ولد زين العابدين. وأمه كانت أمةً مملوكة اسمها غزالة كما ذكر ابن سعد في “الطبقات”. وحكى ابن قتيبة في كتاب “المعارف” أن أم زين العابدين سندية يقال لها سُلافة ويقال غزالة. وورد في كتاب “وفيات الأعيان” لابن خلكان أن أمه سُلافة بنت يزدجرد ءاخر ملوك فارس.

ويروي ابن سعد في “الطبقات”: أن علي بن الحسين كان مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكان مريضًا نائمًا على فراشه، فلما قُتل الحسين عليه السلام، قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا. فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله!! أنقتل فتى حدثًا مريضًا لم يُقاتل وجاء عمر بن سعد فقال: لا تعرّضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض.

علمه وورعه:
والإمام زين العابدين هو من سادات التابعين، قال الزهري: لم أر هاشميًا أفضل منه وما رأيت أحدًا أفقه منه. وكان رضي الله عنه إذا توضأ اصفرّ وجهه فيقول له أهله: ما ها الذي يعتادك عند الوضوء فيقول: ما تدرون بين يدي مَنْ أريد أن أقوم.

وورد أنه وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: ابن بنت رسول الله النار، يا ابن بنت رسول الله النار، فما رفع رأسه حتى أطفئت، فقيل له: ما الذي ألهاك عنها قال: ألهتني عنها النار الأخرى.

وجاءه رجل يومًا وهو مع أصحابه في المسجد فما ترك شيئًا إلا قاله له وزين العابدين ساكت، فانصرف الرجل، فلما كان الليل جاء إلى باب الرجل فقال له: يا أخي إن كنت صادقًا فيما قلت لي فغر الله لي، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك. وولّى، فاتبعه الرجل فالتزمه من خلفه وبكى حتى أشفق زين العابدين عليه، ثم قال: لا جرَم لا عُدتُ في أمرٍ تكره، فقال له: وأنت في حِلٍّ مما قلت لي.


جوده وكرمه:
وكان رضي الله عنه سخيًا كريمًا جوادًا، فقد روى ابن الجوزي في “صفة الصفوة” عن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين زين العابدين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل. ويروى أن عددهم كان مائة أهل بيت من المدينة. وكان إذا أتاه السائل رحّب به وقال: مرحبًا بمن يحمل زادي إلى الآخرة.

وروى رجل من ولد عمار بن ياسر قال: كان عند علي بن الحسين قوم فاستعجل خادمًا له بشواء كان له في التنور، فأقبل به الخادم مسرعًا وسقط السَّفود [الحديدة التي يُشوى بها اللحم] من يده على ولد لعلي أسفل الدرجة فأصاب رأسه فقتله، فقال علي للغلام: أنت حُرّ إنك لم تتعمده، وأخذه في جهاز ابنه. ودخل يومًا على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي، فقال زين العابدين: ما شأنك، قال: عليّ دَيْنٌ ما. قال: كم هو قال: خمسة عشر ألف دينار. فقال زين العابدين: فهو عليّ.


تواضعه:
كان رضي الله عنه متواضعًا، وإذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده [أي يتبختر في مشيه]، وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فقيل له: ما لك فقال: ما تدرون بين يدي مَنْ أقوم ومَنْ أناجي وكان رضي الله عنه يجالس أسلم مولى عمر رضي الله عنه، فقال له رجل من قريش: تدع قريشًا وتجالس عبد بني عدي فقال علي: إنما يجالس الرجل حيث ينتفع. وقال يزيد بن حازم: رأيت علي بن الحسين وسليمان بن يسار يجلسان في الروضة بين القبر [أي قبر النبي] والمنبر يتحدثان إلى ارتفاع الضحى ويتذاكران، فإذا أرادا أن يقوما قرأ عليهم عبد الله بن أبي سلمة سورة من القرءان فإذا فرغ دَعَوْا.


شمائله:
روى ابن قتيبة في “المعارف”: “أن علي بن الحسين أعتق جارية له وتزوجها، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يُعيّره في ذلك، فكتب إليه زين العابدين “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حُيَي بن اخطب وتزوجها وأعتق زيد بن حارثة وزوَّجه بنت عمته زينب بنت جحش”.

وكان زين العابدين كثير البر بأمه، حتى إنه لا يأكل معها في صَحفة مخافة أن تسبق يده إلى ما سبقت إليها عينها. وكان رضي الله عنه يُصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة من النوافل حتى سُمي الإمام السجاد.

وقال الزهري عنه أيضًا: كان أقصد أهل بيته وأحسنهم طاعة وأحبهم إلى مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان.


صفته:
وكان لزين العابدين كساء أصفر يلبسه يوم الجمعة، وكان يلبس نعلاً مدورة الرأس ليس لها لسان. وكان يشتري كساء الخز بخمسين دينارًا فيشتُو فيه ثم يبيعه ويتصدق بثمنه، ويصيّف في ثوبين من ثياب مصر أشمونَيين بدينار، ويلبس ما بين ذا وذا من اللبوس. ويعتم بعمامة ويرخي عمامته خلف ظهره، وكان يدّهن أو يتطيب بعد الغُسل إذا أراد أن يُحرم.

وكان يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في السفر.

كلامه في تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات:
وكان زين العابدين على عقيدة النبي وأصحابه من توحيد الله وتنزيهه عن المكان والحيز والحد واللون، فقد روى السيد مرتضى الزبيدي شارح “القاموس” بالإسناد المتصل لآل البيت أن زين العابدين علي بن الحسين قال في الرسالة المسماة الصحيفة السجادية: “سبحانك اللهم لا يحويك مكان”.

وكان رضي الله عنه لا يعينه أحد على طهوره، وكان يستقي الماء لطهوره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ فأخذ في صلاته، وكان يقضي ما فاته من النوافل في النهار بالليل ثم يقال: يا بُني ليس هذا مما عليكم بواجب ولكن لمن عوَّد نفسه منكم عادة من الخير أن يدوم عليها. وكان لا يدع صلاة الليل في الحضر والسفر. ويُروى عنه قول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم غدًا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شكّ في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الاولى، وعجبت كل العجب لمن عمل بدار الفناء وهو يعلم دار البقاء.

ورُوي عن أبي جعفر محمد بن علي بن زين العابدين أنه قال: أوصاني أبي فقال: لا تصْحَبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، قلت: فداك يا أبت من هؤلاء الخمسة قال: لا تصجبنّ فاسقًا فإنه يبيعك بأكلة فما دونها. قلت: يا أبتِ وما دونها قال: يطمع فيها ثم لا ينالها. قلت: يا أبت ومن الثاني قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه. قلت: يا أبتِ ومن الثالث قال: لا تصحبن كذابًا، فإنه بمنزلة السراب، يُبعد منك القريب ويقرّب منك البعيد. قلت: يا أبت ومن الرابع قال: لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، قلت: يا أبن ومن الخامس قال: لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواضع.

في فضائل أهل البيت:
وقد قيل في فضائل ءال البيت الكثير من الشعر. ومما يروى أن هشام بن عبد الملك حجّ قبل أن يلي الخلافة، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يتمكن، وجاء زين العابدين علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلم الحجر، فقال الناس لهشام: من هذا قال: لا أعرفه، فقال الفرزدق الشاعر أنا أعرفه:

هذا ابن خير عباد الله كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيتُ يعرفه والحل والحرمُ
يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا راته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل مَنْ خيرُ أهل الأرض قيل همُ
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجدّه أنبياء الله قد خُتموا
وليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من أنكرتَ والعجمُ
يغضي حياءً ويُغضى من مهابته *** فلا يُكلّم إلا حين يبتسمُ


وفاته عليه السلام:
وفضائله ومناقبه رضي الله عنه اكثر من أن تُحصر. وكانت ولادته يوم الجمعة سنة ثمان وثلاثين للهجرة وتوفي سنة أربع وتسعين وقيل تسع وتسعين وقيل اثنتين وتسعين للهجرة بالمدينة. ودفن في البقيع في قبر عمه الحسن بن علي في القبة التي فيها قبر العباس رضي الله عنهم.

رحمك الله أيها الإمام الورع والولي الصالح.. رحمك الله فقد كنت حقًا زين العابدين ورزقنا الله شفاعة جدك صلى الله عليه وسلم.