الدَّرْسُ الثَّامِنُ وَالثَّلاثُونَ
الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ بَعْدَ الْمَوْتِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ رُوِّينَا فِى مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بنِ أَوْسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا مِنَ الصَّلاةِ عَلَىَّ فِيهِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِى قَالُوا وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ أَرَمْتَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ اهـ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِىُّ فِى سُنَنِهِ الْكُبْرَى وَفِى جُزْءِ حَيَاةِ الأَنْبِيَاءِ.
هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ إِثْبَاتُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ أَفْضَلِ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ وَأَنَّ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ مَطْلُوبٌ الإِكْثَارُ مِنْهَا فَيُسَنُّ الإِكْثَارُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ تَبْلُغُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا كَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ أَرَمْتَ أَىْ صِرْتَ رَمِيمًا أَىْ أَكَلَتْ عِظَامَكَ الأَرْضُ إِذْ مَا كَانَ بَلَغَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ لا تَأْكُلُهَا الأَرْضُ فَقَالُوا فَأَعْلَمَهُمْ، فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلِمُوا أَنَّ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ لا تُسَلَّطُ عَلَيْهَا الأَرْضُ، وَهَذَا أَىْ بَقَاءُ أَجْسَادِهِمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ الَّذِى هُوَ الْفَنَاءُ مُسْتَمِرٌّ بَاقٍ حَتَّى إِنَّ أَجْسَادَهُمْ هَذِهِ تُنْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْقُبُورِ لَيْسَتْ أَجْسَادًا مُعَادَةً جَدِيدَةً لِأَنَّهُ لا سَبِيلَ لِلْبِلَى عَلَى أَجْسَادِهِمْ.
وَهُنَاكَ حَدِيثٌ ءَاخَرُ صَحِيحُ الإِسْنَادِ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ صَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِى حَيْثُمَا كُنْتُمْ [رَوَى الْجُزْءَ الأَوَّلَ أَبُو دَاوُدَ فِى سُنَنِهِ] قَالَ ﷺ فَمَنْ صَلَّى عَلَىَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَىَّ عِنْدَ قَبْرِى سَمِعْتُهُ اهـ [رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ فِى شُعَبِ الإِيمَانِ].
الْحَدِيثُ الأَوَّلُ وَالثَّانِى كِلاهُمَا فِيهِمَا إِثْبَاتُ حَيَاةِ الأَنْبِيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ هَذَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّحْمٰنِ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَنَاءَ تَحَقَّقَ بِالْمَوْتِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْفَنَاءِ الَّذِى ذَكَرَهُ اللَّهُ فِى هَذِهِ الآيَةِ أَنْ يَبْلَى الْجَسَدُ بَلِ الْفَنَاءُ تَحَقَّقَ بِالْمَوْتِ الَّذِى هُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ، إِنَّمَا يَفْتَرِقُ النَّاسُ بِأَنَّ بَعْضًا مِنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَعَوْدَةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ تَبْلَى أَجْسَادُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى لا يَبْقَى مِنْ أَجْسَادِهِمْ إِلَّا عَجْبُ الذَّنَبِ وَهُوَ عَظْمٌ صَغِيرٌ كَهَيْئَةِ الْخَرْدَلَةِ فِى الصِّغَرِ فَإِنَّ هَذَا خُلِقَ لِلْبَقَاءِ، عَلَيْهِ رُكِّبَ الإِنْسَانُ وَعَلَيْهِ يُعَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَمَّا الأَنْبِيَاءُ وَشُهَدَاءُ الْمَعْرَكَةِ الَّذِينَ كَانَتْ عَقِيدَتُهُمْ صَحِيحَةً وَنِيَّتُهُمْ صَحِيحَةً فَالأَجْسَادُ مِنْهُمْ لا تَبْلَى، أَمَّا الْفَنَاءُ فَقَدْ تَحَقَّقَ عَلَى الْجَمِيعِ وَفِى الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا إِثْبَاتُ أَنَّهُ ﷺ يَبْلُغُهُ صَلاةُ أُمَّتِهِ عَلَيْهِ، فَلِلَّهِ تَعَالَى مَلائِكَةٌ وَظِيفَتُهُمْ إِبْلاغُ صَلاةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِ فِى قَبْرِهِ، وَفِى الْحَدِيثِ الثَّانِى إِثْبَاتُ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ يَسْمَعُ صَلاةَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ وَمَنْ صَلَّى عَلَىَّ عِنْدَ قَبْرِى سَمِعْتُهُ اهـ وَلَيْسَ مَانِعًا لَهُ ﷺ مِنْ سَمَاعِ صَلاتِهِمْ وَسَلامِهِمْ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ مَهْمَا بَلَغَتِ الْكَثْرَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قُدْرَتُهُ صَالِحَةٌ لِأَنْ يُسْمِعَ نَبِىَّ اللَّهِ صَلاةَ كُلِّ وَاحِدٍ مَهْمَا كَثُرَ عَدَدُ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ.
وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَشْهَدَانِ لِصِحَّةِ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ أَعْمَالَ أُمَّتِهِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَىْ بَعْضَ أَعْمَالِهِمْ مَا كَانَ خَيْرًا وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ حَيَاتِى خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ وَمَمَاتِى خَيْرٌ لَكُمْ فَإِذَا أَنَا مُتُّ عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُكُمْ فَإِنْ رَأَيْتُ خَيْرًا حَمِدْتُ اللَّهَ وَإِنْ رَأَيْتُ غَيْرَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرْتُ لَكُمْ اهـ [رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِى مُسْنَدِهِ] فَمِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ يُعْلَمُ أَنَّ مَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُسَبِّبْ لَهُ انْقِطَاعًا كُلِّيًّا عَنْ أُمُورِ أُمَّتِهِ فَصَلاتُهُمْ عَلَيْهِ وَسَلامُهُمْ تَبْلُغُهُ وَتَبْلُغُهُ بَعْضُ أَعْمَالِهِمْ فَمَا كَانَ مِنْ خَيْرٍ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَهَذَا فَضْلٌ كَبِيرٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ وَأَكْرَمَ بِهِ أُمَّتَهُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ.
وَهُنَاكَ حَدِيثٌ رَابِعٌ صَحِيحٌ يَعُودُ بِالْمَعْنَى إِلَى هَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّلاثَةِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ وَأَبُو يَعْلَى فِى مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ الأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِى قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ اهـ [رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ فِى جُزْءِ حَيَاةِ الأَنْبِيَاءِ وَأَبُو يَعْلَى فِى مُسْنَدِهِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ وَالْبَزَّارُ فِى مُسْنَدِهِ] فَإِذَا كَانَ حَالُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِى قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَى الأَجْسَادِ فَلا مَانِعَ بِأَنْ يَدْعُوَ النَّبِىُّ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيُفَرَّجَ كَرْبٌ بِدُعَائِهِ ﷺ أَوْ يَنَالَ طَالِبٌ رَغْبَتَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذِهِ الأَحَادِيثُ تُسْتَشْكَلُ بِحَدِيثِ إِذَا مَاتَ ابْنُ ءَادَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ اهـ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] فَالْجَوَابُ أَنَّ حَدِيثَ إِذَا مَاتَ ابْنُ ءَادَمَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ التَّكْلِيفِىُّ أَىْ أَنَّ الْعَمَلَ الَّذِى يَتَجَدَّدُ لَهُ بِهِ الثَّوَابُ كُلَّمَا عَمِلَهُ انْقَطَعَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لا يَدْعُو فِى قَبْرِهِ لِأَحَدٍ وَأَنَّهُ لا يَبْقَى لَهُ شُعُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الإِنْسَانَ يَبْقَى عَلَى حَالَتِهِ حِينَ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ كَقِطْعَةِ خَشَبٍ لا شُعُورَ وَلا إِحْسَاسَ فَإِنَّ هَذَا بَعِيدٌ مِنَ الصِّحَّةِ كُلَّ الْبُعْدِ، إِنَّمَا يَسْتَشْكِلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَحَادِيثَ حَيَاةِ الأَنْبِيَاءِ مَنْ كَانَ فَهْمُهُ سَقِيمًا أَوْ فِى نَفْسِهِ تَرْكُ اسْتِشْعَارِ التَّعْظِيمِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ فَسَادِ قُلُوبِهِمْ فَيَتَصَوَّرُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَارَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لا يَدْعُو لِأَحَدٍ وَلا يَشْعُرُ بِشَىْءٍ فَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُمْ لَيْسَ أَمْرًا لَهُمْ فِيهِ دَلِيلٌ مِنَ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، لَيْسَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ابْنَ ءَادَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ لا يَسْمَعُ وَلا يَدْعُو لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هَذَا يَرْجِعُ إِلَى فَسَادِ أَفْهَامِ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَتَصَوَّرُونَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ.
نَحْنُ نَقُولُ الأَنْبِيَاءُ لا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ ثَوَابٌ بِعَمَلِهِمْ فِى قُبُورِهِمْ كَصَلاتِهِمْ إِنَّمَا يَتَلَذَّذُونَ بِهَا وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لا يَدْعُونَ اللَّهَ وَلا يُصَلُّونَ وَمَنْ زَعَمَ هَذَا فَهُوَ سَقِيمُ الْقَلْبِ فَاسِدُ الْفَهْمِ. وَوَرَدَ مَا يُؤَيِّدُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ مِنْ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ لَهُمْ عَمَلٌ يَنْفَعُ غَيْرَهُمْ، فَهَذَا حَدِيثُ الْمِعْرَاجِ فِيهِ أَنَّ مُوسَى لَقِىَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَهُ مَاذَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الصَّلاةِ فَقَالَ خَمْسُونَ صَلاةً فَقَالَ لَهُ مُوسَى سَلْ رَبَّكَ التَّخْفِيفَ فَرَاجَعَهُ تِسْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى خُفِّفَ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ [رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ] فَنَفَعَ مُوسَى أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَعَلَى جَمِيعِ رُسُلِ اللَّهِ هَذَا النَّفْعَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَكَذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِى حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ الثَّمَانِيَةَ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ فِى السَّمَوَاتِ وَهُمْ ءَادَمُ وَيَحْيَى وَعِيسَى وَيُوسُفُ وَإِدْرِيسُ وَهَارُونُ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمُ هَؤُلاءِ كُلٌّ مِنْهُمْ لَقِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِى سَمَاءٍ مِنَ السَّمَوَاتِ إِلَّا عِيسَى وَيَحْيَى فَإِنَّهُ لَقِيَهُمَا فِى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ وَدَعَا كُلٌّ مِنْهُمْ لِلنَّبِىِّ بِخَيْرٍ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ لِقَائِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمْ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ اهـ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] فَإِذَا طَلَبَ أَحَدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عِنْدَ قَبْرِهِ أَوْ فِى غَيْرِ ذَلِكَ أَنْ يَتَوَجَّهَ لَهُ إِلَى اللَّهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا يُخَاطِبُ حَجَرًا أَوْ قِطْعَةَ خَشَبٍ كَمَا يَزْعُمُ ذَلِكَ أُنَاسٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ صَفْوَةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَقِيقَةُ عَكْسُ ذَلِكَ، لَيْسَ الشَّأْنُ بِإِيرَادِ ءَايَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فِى غَيْرِ مَحَلِّهِ إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُورَدَ الآيَةُ أَوِ الأَحَادِيثُ فِى مَحَلِّهَا، أَمَّا وَضْعُ الآيَةِ فِى غَيْرِ مَحَلِّهَا وَالأَحَادِيثِ فِى غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَهُوَ شَأْنُ الضَّالِّينَ الْمُنْحَرِفِينَ كَالْخَوَارِجِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ حَمَلُوا ءَايَاتٍ وَرَدَتْ فِى الْكُفَّارِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلُوهَا فِى الْمُؤْمِنِينَ اهـ [رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ].
الْخَوَارِجُ لَمْ يَفْهَمُوا قَوْلَهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ يُوسُفَ ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ عَلَى وَجْهِهِ فَاعْتَبَرُوا عَلِيًّا لِذَلِكَ وَاعْتَبَرُوا مَنْ وَالاهُ مُخَالِفِينَ لِلآيَةِ وَذَلِكَ لِفَسَادِ أَفْهَامِهِمْ أَىِ الْخَوَارِجِ لِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ حَمَلُوا ءَايَاتٍ وَرَدَتْ فِى الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا فِى الْمُسْلِمِينَ، وَهَؤُلاءِ كَذَلِكَ فَإِذَا سَمِعُوا رَجُلًا يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَبَرُوهُ كَعُبَّادِ الأَوْثَانِ، عِنْدَهُمْ كَالَّذِى يَقُولُ هُبَلُ يَا هُبَل، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ يَا مُحَمَّدُ، عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ هَذَا خَدِرَتْ رِجْلُهُ أَىْ حَصَلَ لَهُ تَشَنُّجٌ فَقِيلَ لَهُ اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ فَقَالَ يَا مُحَمَّد فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ [رَوَاه ابْنُ السُّنِّىِّ فِى عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ] وَهَذَا حَصَلَ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ ﷺ، فَمَنْ يُنَادِى نَبِيًّا بِقَصْدِ أَنْ يَتَوَجَّهَ لَهُ إِلَى اللَّهِ لِكَشْفِ ضُرِّهِ أَنَّى يَكُونُ شِرْكًا. هَؤُلاءِ مِنْ فَسَادِ ظُنُونِهِمْ وَصَلَ الأَمْرُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا قَاعِدًا فِى ظِلِّ شَجَرَةٍ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَهَجَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ لِمَ تَعْبُدُ هَذِهِ الشَّجَرَة.
هَؤُلاءِ يَضَعُونَ الْكَلامَ فِى غَيْرِ مَوْضِعِهِ، هَذَا دَأْبُهُمْ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.