ثم إنه أصابه بلاءٌ شديدٌ وعناءٌ عظيمٌ، وليس ذلك لأنه هيّنٌ على الله، إنما ابتلاءٌ مِنْ ربه له ليعظم ثوابه وأجره، فعن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن مصعب ابن سعد عن أبيه قال: قلت يا رسول الله: أيّ الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتليَ على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة»([1]). وهكذا صار الناس إذا ذكروا بلاء سيدنا أيوب وصبرَهُ على مرّ السنين مع كونِهِ أفضلَ أهل زمانه، عوّدوا أنفسهم الصبر على الشدائد كما فعل سيدنا أيوب عليه السلام، إذ إنه ابتُلِيَ بأنْ جاءت الشياطينُ إلى أمواله فأحرقتها وفتكت بأغنامه وإبله وعبيده، وخرّبت أراضيَهُ، فلمَّا رأى سيدنا أيوب ما حلّ به من الـمُلمَّات والنوازل صبر ولم يعترضْ على الله تعالى.
وعادتِ الشياطينُ إلى أفاعيلها وفسادها فسُلّطَتْ على أولاد سيدنا أيوب الذين كانوا في قصر أبيهم يَنْعَمُونَ برزق الله تعالى فتزلزل القصر بهم، حتّى تصدَّعت جدرانه ووقعت حيطانه، وقُتِلُوا جميعًا ولم يَبْقَ منهم أحدٌ. وبلغ سيدنا أيوب الخبر فبكى ولم يُقَابِل المصيبةَ إِلا بالصبر.
[1])) سنن الترمذيّ، الترمذي، كتاب الزهد، باب: الصبر على البلاء، (4/601)، رقم 2398.