من مقالات الألباني الـمُخرجة من الدين قوله في فتاويه([1]) ما نصّه: «أنا أقول هؤلاء – يعني: المتوسلين بالأولياء والصالحين – ولا أتورع من أن أسميهم باسمهم هؤلاء ضالون عن الحق، ولا إشكال في إطلاق هذا التعبير إسلاميًّا حين أقول إنهم ضالون عن الحق فإن الله تعالى أطلق على نبيّه أنه حينما كان قبل نزول الوحي عليه يقول: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [سورة الضحى: 7]».اهـ.
ففي هذا الكلام جعل الألباني الرسول ضالًّا كضلال من حكم عليهم هذا الرجل من علماء الإسلام وعوامهم، لتوسلهم بالأنبياء والأولياء، وهذا عنده شرك، فحكم على الرسول بما حكم به على علماء المسلمين وعوامهم لضلالهم وكفرهم كما زعم، فهذا طعن في الرسول صريح، ومن طعن في الرسول فقد أجمع علماء الإسلام على كفره، فهذا دليل على أنه لا يحترم الأنبياء، لأنه انتقص أفضلهم وأكرمهم على الله، وهو نبينا محمد ، فبعد تنقيصه للرسول يهون عليه تنقيص من سواه كائنًا من كان. هذا مبلغ اعتقاد هذا الرجل، فإنه جعل نفسه حاكمًا على كل من سواه من غير تفريق بين النبي وبين أفراد أمته.
وليس معنى الآية ما زعمه الألباني، إنما من معانيها عند أهل التفسير أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن ينزل عليه الوحي كان لا يعلم تفاصيل أحكام الشريعة، إنما عرف تفاصيل أحكام الشريعة بعد أن أنزل الله عليه الوحي([2]).
وهذه الآية مثل ءاية: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإيمَانُ} [سورة الشورى: 52]، أي: قبل أن نعلمك بالوحي لا تدري ما هو القرءان وما تفاصيل الإيمان([3])، وليس معناه أنك يا محمد كنت كافرًا فهديناك إلى الإسلام والإيمان، فإذا كان هذا الرجل يتجرأ على الطعن في الرسول ، فلا يستغرب إذا تجرأ على غيره من الأكابر في الدين كالصحابة ومن جاء بعدهم، فإنه ساوى الرسول بالضالين الكافرين. فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل نزول الوحي عليه كان عارفًا بربه مؤمنًا به أنه لا يستحق أحدٌ غيرُه أن يُعبَدَ، حتى أكرمه الله بالوحي فأعطاه الله تعالى من علم أحكام الإيمان وأمور الآخرة فجعله أعلم الأولين والآخرين بأمور الدين أتم صلاة وسلام عليه وعلى ءاله وذريته وصلى وسلَّم على جميع أخوانه من النبيين.
فإذا كان الألباني تجرأ على ذكر سيدنا محمد في عداد الضالين، ويعني هذا الرجل بالضالين الذين ألحق الرسول بهم من هم مشركون عنده، لأن التوسل بالأنبياء والأولياء شرك عنده وعند طائفته، فكيف يُشبه سيدنا محمدًا بهؤلاء لمجرد أن الله تعالى قال في حقه : {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [سورة الضحى: 7]. والتوسل بالأنبياء والأولياء أجمع عليه المسلمون سلفهم وخلفهم، لم يخالف في هذا إلا ابن تيمية، ثم هؤلاء – أعني: الألباني وجماعته المشبهة – قلَّدوه، فالمسلمون مع اختلاف طبقاتهم في الفضل في الدين كانوا متوسلين بالأنبياء والأولياء وإن كان هذا الأمر عند هذا الألباني كفرًا، ولن يستطيع أحد إثبات منع التوسل بالأنبياء والأولياء عن عالم معتبر قبل ابن تيمية الذي تفرَّد بمنع ذلك بغير وجه حقّ.
ولو عبَّر الألباني عما في نفسه لقال بعبارة صريحة: «لا يوجد مسلمون سوى طائفتنا الوهابية»، كما قال زعيمهم السابق محمد بن عبد الوهاب: «من دخل في دعوتنا فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن لم يدخل في دعوتنا فهو كافر مباح الدم»، وقد نقل ذلك خلق منهم العالم الجليل الشيخ أحمد بن زيني دحلان المكي والشيخ محمد بن عبد الله النجدي مفتي الحنابلة في مكة المكرمة المتوفَّى في أواخر القرن الثالث عشر في كتابه([4]) «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» فقال في زعيمهم هذا: إنه يُكفِر من خالف رأيه ويستحل قتله. وأفعال أتباعه تشهد بذلك.
[1]() الألباني، فتاوى الألباني (ص432).
[2]() ابن الجوزي، زاد المسير (9/158)، أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط (8/481).
[3]() ابن الجوزي، زاد المسير (7/298، 299).
[4]() محمد بن عبد الله النجدي، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة (ص275، 276).