الخميس أبريل 25, 2024
      • الألباني يزعم أن صلاة المؤذن على النبي جهرًا وسرًّا عقب الأذان بدعة ضلالة يستحق صاحبها النار:

      قال الألباني([1]): «بدعة جهر المؤذن بالصلاة عليه عقب الأذان بدعة اتفاقًا».اهـ. وقال في كتابه المسمّى «تمام المنّة»([2]) ما نصّه: «قوله([3]): «الجهر بالصلاة والسلام على الرسول محدث مكروه»، قلت [أي: الألباني]: مفهومه أن الإسرار بها سُنَّة، فأين الدليل على ذلك؟ فإن قيل: هو قوله : «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَما يقولُ ثم صلُّوا عليَّ»([4])، فالجواب: إن الخطاب فيه للسامعين المأجورين بإجابة المؤذن، ولا يدخل فيه المؤذن نفسه، وإلا لزم القول بأنه يجيب أيضًا نفسه بنفسه، وهذا لا قائل به، والقول به بدعة في الدين. فإن قيل: فهل يمنع المؤذن من الصلاة عليه سرًّا؟ قلت [أي: الألباني]: «لا يمنع مطلقًا، وإنما يمنع من أن يلتزمها عقب الأذان خشية الزيادة فيه، وأن يلحق به ما ليس منه ويسوي بين من نص عليه وهو السامع، ومن لم ينص عليه وهو المؤذن، وكل ذلك لا يجوز القول به، فليتأمل».اهـ.


      الرَّدُّ:

      • الجهرُ بالصلاة على النبيّ بعد الأذان لا يخالف الشرع، وقد استحسنه العلماء، وحدث هذا بعد سنة سبعمائة هجرية، وكانوا قبل ذلك لا يجهرون بها.

      قال الحافظ السيوطي في «الوسائل في مسامرة الأوائل»([5]) ما نصّه: «أول ما زيد «الصلاة والسلام» بعد كل أذان في المنارة في زمن السلطان المنصور حاجِي بن الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي، وذلك في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وكان حدث قبل ذلك في أيام السلطان صلاح الدين بن أيوب أن يقال في كل ليلة قبل أذان الفجر بمصر والشام: «السلام على رسول الله»، واستمر ذلك إلى سنة سبع وستين وسبعمائة، فزيد بأمر المحتسب صلاح الدين البَرَلُّسي أن يقال: «الصلاة والسلام عليك يا رسول الله»، ثم جعل في عقب كل أذان سنة إحدى وتسعين».اهـ.

      قال الحطاب المالكي في كتابه «مواهب الجليل» ما نصّه: «وقال السخاوي في «القول البديع»([6]): أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله عقب الأذان للفرائض الخمس إلى الصبح والجمعة فإنهم يقدمون ذلك قبل الأذان، وإلا المغرب فلا يفعلونه لضيق وقتها، وكان ابتداء حدوثه في أيام الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وبأمره وذكر بعضهم أن أمر الصلاح بن أيوب بذلك كان في أذان العشاء ليلة الجمعة، ثم إن بعض الفقراء [المتصوفة] زعم أنه رأى رسولَ الله وأمره أن يقول للمحتسب أن يأمر المؤذنين أن يصلّوا عليه عقب كل أذان، فَسُرَّ المحتسب بهذه الرؤيا، فأمر بذلك واستمر إلى يومنا هذا. وقد اختلف في ذلك هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع؟ واستدلّ للأول بقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [سورة الحج: 77]، ومعلوم أن الصلاة والسلام من أجلّ القرب، لا سيما وقد تواترت الأخبار على الحثّ على ذلك مع ما جاء في فضل الدعاء عقبه والثلث الأخير وقرب الفجر، والصواب أنه بدعة حسنة، وفاعله بحسب نيّته».اهـ.

      ويكفي في إثبات كون الجهر بالصلاة على النبي بدعة مستحبة عقب الأذان قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَما يقولُ ثم صلُّوا عليَّ»([7]) وقوله عليه الصلاة والسلام: «من ذُكِرْتُ عنده فليصلِّ عليَّ» رواه أبو يعلى وغيره([8]) عن أنس، وفي لفظ له([9]) أيضًا: «من ذكَرني فليصلِّ عليَّ»، فيؤخذ من ذلك أن المؤذن والمستمع مطلوب منهما الصلاة على النبي ، وهذا يحصل بالسّر والجهر. فإن قال قائل: لم ينقل عن مؤذني رسول الله أنهم جهروا بالصَّلاة عليه، قلنا: لم يقل النبي لا تصلّوا عليّ إلا سرًّا، وليس كل ما لم يفعل عند رسول الله حرامًا أو مكروهًا، إنما الأمر في ذلك، يتوقف على ورود نهي بنص أو استنباط من مجتهد من المجتهدين، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ممن جاء بعدهم من المجتهدين، الذين هم مستوفو الشروط، كالحافظ ابن المنذر وابن جرير ممن لهم القياس أي قياس ما لم يرد فيه نص على ما ورد فيه نصٌ والجهر بالصلاة على النبي عقب الأذان توارد عليه المسلمون منذ قرون، فاعتبروه العلماء من محدثين وفقهاء بدعة مستحبّة منهم الحافظ السخاوي والحافظ السيوطي كما تقدم. فعند فرقة هذا الرجل الوهابية حرام على المؤذن أن يصلي جهرًا على النبي ، حتى غلا بعضهم في ذلك فقال في الذي صلى على النبي عقب الأذان جهرًا: «هذا مثل الذي ينكح أمه» والعياذ بالله.

      ونقل الشيخ أحمد بن زيني دحلان([10]) رحمه الله عن زعيم الوهابية محمد بن عبد الوهاب، أنه أتي برجل مؤذن أعمى صلى على النبي عقب الأذان جهرًا، فأمر بقتله، فقتل. وهذه الحادثة التي قال فيها الوهابية للذي صلى على النبي جهرًا عقب الأذان: «هذا مثل الذي ينكح أمه»، يعرفها الرجال الكبار من محلة أهل جامع الدقاق بدمشق من محلة الميدان، فكيف يدعي هؤلاء الإسلامَ وقد ساووا بين من يصلي على النبي جهرًا عقب الأذان وبين الزنى بالأم؟!


       

      • قول الألباني: «مفهومه أن الإسرار به سُنَّة، فأين الدليل؟».

      أين دليل الألباني على المنع، لا سيما أنه وجماعته لا يقبلون حكمًا شرعيًّا إلا بنص، فأين النص على منعه المؤذن من الإسرار بالصلاة على النبيّ ؟ وأما حديث: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَما يقولُ ثم صلُّوا عليَّ»([11]) فهو حجة على الألباني، لأن المؤذن من جملة السامعين، ولذلك استدل العلماء بهذا الحديث على جواز ما نفاه الألباني، قال الحافظ الفقيه النووي الشافعي في كتابه «المجموع» بعد أن ذكر الحديث ما نصّه([12]): «قال أصحابنا([13]) يستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغ أذانه هذه الأذكار المذكورة من الصلاة على رسول الله وسؤال الوسيلة، ويستحب لسامعه أن يتابعه في ألفاظ الأذان ويقول عند الحيعلتين [حي على الصلاة حي على الفلاح]: لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا فرغ من متابعته استحب له أيضًا أن يقول هذه الأذكار المذكورة كلها».اهـ.

      وقال النفراوي المالكي في «الفواكه الدواني» ما نصّه([14]): «يستحب للمؤذن والسامع أن يصلي ويسلم على النبيّ بعد فراغه، ثم يقول عقب الصلاة والسلام: اللَّهُمَّ ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ءات محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته».اهـ.

      • قول الألباني: «ولا يدخل فيه المؤذن نفسه، وإلا لزم القول بأنه يجيب أيضًا نفسه بنفسه، ولا قائل به».

      على عكس ما قال الألباني فقد قال به جمع من الحنابلة، وهو المذهب المنصوص عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، كما ذكروا في كتبهم، ففي كتاب «الإنصاف» للمرداوي الحنبلي ما نصّه([15]): «يدخل في قوله: «ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول» المؤذن نفسه، وهو المذهب المنصوص عن أحمد، فيجيب نفسه خفية. وعليه الجمهور، فإن في قوله: «ويستحب لمن سمع المؤذن» لفظٌ من ألفاظ العموم، وهو قوله: «من» وقيل: لا يجيب نفسه، ويحتمله كلام المصنّف وغيره، وحُكيَ رواية عن أحمد، قال ابن رجب في القاعدة السبعين: هذا الأرجح».اهـ. فمقتضى قول الألباني أن الإمام أحمد وجماعته بدعيون لأن قول المرداوي: «المنصوص عن أحمد»، أي: نص عليه الإمام أحمد، وقوله: «وعليه الجمهور»، أي: جمهور الحنابلة، وعليه فقد قال الألباني قولًا يؤدي إلى تبديع إمام جليل عالم ورع فقيه مجتهدٍ، أعني: الإمام أحمد رضي الله عنه، نسأل الله السلامة.

      ثم وقفت على كلام للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي يحكي عن ابن القاسم نحو مقالة الإمام أحمد وجمهور الحنابلة، ونصّه([16]): «قوله: «لسامعه» يفيد أنه لا يَحكي أذان نفسه، ويحتمل أنه يحكيه، لأنه سمع نفسه، وفي «الذخيرة»([17]) عن ابن القاسم في «المدوّنة» أنه إذا انتهى المؤذن لآخر الأذان يحكيه إن شاء.اهـ. فلا يحكي أذان نفسه قبل فراغه، لما فيه من الفصل، وإنما يحكيه بعد الفراغ».اهـ. وذكر مثله الشيخ محمد عليش المالكي في كتابه «منح الجليل»([18])، وابن القاسم أحد فقهاء المالكية المشهورين صاحب المدوّنة وراوية الموطأ، لا يدانيه الألباني في الفقه، شتان بين مشرق ومغرب.

      تنبيه: يؤخذ من كلام المرداوي أن المؤذن أيضًا يصلي على النبي ، لأنه داخل في جملة السامعين.

      • قول الألباني: «فهل يمنع المؤذن من الصلاة عليه سرًّا؟ قلت [أي: الألباني]: يمنع من أن يلتزمتها عقب الأذان خشية الزيادة فيه وكل ذلك لا يجوز القول به».اهـ.

      ليس لهذا المنع دليل شرعيّ، وإنما هو اتباع للهوى، ومخالفة لقول النبي : «من ذكرني فليصلِّ عليَّ»([19])، فما أتى به الألباني هو البدعة، والخشية التي ذكرها من أوهامه وخياله وإلا لـمُـنع المصلون من قول ءامين بعد قراءة الإمام الفاتحة في صلاتهم الجهرية ولكنه – أي: التأمين – سنة المصطفى القائل: «إذا أمّن الإمامُ فأمّنوا» رواه البخاري([20]).

      وأعجب من ذلك أنه حرَّم على أهل السُّنَّة أن يقولوا بجواز التزام المؤذن الصلاة على النبيّ جهرًا، وعلل ذلك بزعمه أن المؤذن والسامع له سواء، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم، إنما الحرام على الألباني أن يحلل ويحرّم بغير علم، انظروا إلى هذا الرجل الذي حُرِمَ بركة الصلاة على رسول الله ، كيف منع المؤذن من الصلاة على النبي ليس جهرًا فقط؛ بل سرًّا والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «من ذكرني فليصلِّ عليَّ» فالمؤذن الذي التزم الصلاة على رسول الله سرًّا أو جهرًا هو الموافق لهديه وسنته عليه الصلاة والسلام، ومن منعه وحرَّم عليه ذلك فهو على البدعة والضلال والشذوذ وهو الذي حُرِم الفهم.

      تنبيه: قد يقول بعض هؤلاء إن حديث مسلم([21]): «مَنْ سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عملَ بها بعدَهُ» خاص بإحياء سُنَّة فعلها الرسول ، لأن سبب الحديث أن أناسًا مجتابي النّمار [«كلّ شَمْلة مُخَطَّطَة من مآزِرِ الأعراب فهي نَمِرَة، وجمعها نِمار، كأنها أُخذت من لون النَّمِر لِما فيها من السواد والبياض»] من شدة البؤس فرقوا أوساط نمارهم فأدخلوها على رؤوسهم فتغير وجه رسول الله ، فأمر الرسول بالتصدق، فَجُمِعَ لهم، فسُرّ رسول الله فقال هذا الحديث، فلا تدخل تحته هذه الأشياء من علم المولد والطريقة وأشباههما.

      فالجواب: أن دعواهم هذه باطلة مخالفة للقاعدة الأصولية([22]): «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، فلو كان الأمر كما يقولون لانسد باب القياس، لأن القياس إلحاق ما لم يُنصَّ عليه بما نُص عليه لشَبَهٍ بينهما، وعلى هذا يدور عمل الأئمة المجتهدين.

      فالألباني يقول في عمل المولد وطرق أهل الله من قادرية ورفاعية وغيرهما وجهر المؤذن بالصلاة على النبي عقب الأذان: إنها بدعة ضلالة، ويحتج في ذلك بزعمه بالحديث المشهور: «وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» رواه أبو داود([23]) وينكر عموم حديث: «من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً» ويقول: إن هذا الحديث مخصوص بإحياء ما فعله الرسول وينكر عموه لكل ما أحدث، من غير أن يكون مخالفًا للكتاب والسُّنَّة.

      [1]() فضل الصلاة على النبي  لإسماعيل القاضي، تعليق الألباني (ص52).

      [2]() الألباني، الكتاب المسمى تمام المنّة في التعليق على فقه السُّنَّة (ص158).

      [3]() أي: قول سيد سابق في كتابه المسمّى فقه السُّنَّة، وعبارته: «الجهر بالصلاة والسلام على الرسول  عقب الأذان غير مشروع؛ بل هو محدث مكروه».اهـ. والعياذ بالله.

      [4]() أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي  ثم يسال الله له الوسيلة (2/4).

      [5]() السيوطي، الوسائل في مسامرة الأوائل (ص23، 24).

      [6]() الحطاب المالكي، مواهب الجليل (1/430)، والسخاوي، القول البديع (ص192، 193).

      [7]() تقدم تخريجه.

      [8]() أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/76)، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (1/137): «رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح».اهـ. والطبراني في المعجم الأوسط (3/228 و5/284)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/163): «رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح».اهـ. وابن السُّنّي في علم اليوم والليلة (ص335)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص65).

      [9]() مسند أبي يعلى (6/354)، والضياء المقدسي، الأحاديث المختارة (4/395).

      [10]() أحمد بن زيني دحلان، الدرر السنية في الرد على الوهابية (ص44).

      [11]() تقدم تخريجه.

      [12]() النووي، المجموع (3/117).

      [13]() يعني: فقهاء الشافعية.

      [14]() النفراوي المالكي، الفواكه الدواني (1/202، 203).

      [15]() المرداوي الحنبلي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (1/426).

      [16]() محمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/196).

      [17]() هو كتاب الذخيرة في الفقه المالكي لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي (ت684هـ).

      [18]() محمد عليش المالكي، منح الجليل شرح مختصر خليل (1/202).

      [19]() تقدم تخريجه.

      [20]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب: جهر الإمام بالتأمين (1/270).

      [21]() تقدم تخريجه.

      [22]() ابن السبكي، الأشباه والنظائر (2/134).

      [23]() أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: في لزوم السُّنَّة (4/329).