الإثنين ديسمبر 23, 2024
        • الألباني يتقوَّل على العلماء وينسب ما لا أصل له إليهم:

        أوَّلاً: نسب للشافعية ما هم بريئون منه، وأوهم القارئ أن الشافعية يقولون بتحريم الزيادة على المد في الوضوء، وعلى الصاع مع المد في الغسل، من غير إسراف، وذلك حين قال: «ولهذا ذهب الشافعية وغيرهم إلى ذم الإسراف» وقد سبق الرد عليه وإزالة التلبيس والتشويش.

        ثانيًا: أوهم القارئ مرة ثانية أن الإمام البخاريَّ معه في شذوذه، فأخفى على القارئ كلام الحافظ ابن حجر الذي بيَّن فيه أن مراد البخاري بقوله: «وأن يجاوزوا فعل النبي ».اهـ. هو الزيادة على الثلاث.

        ثالثًا: أوهم القارئ مرة ثالثة أن البغوي من الشافعية معه في تحريم الزيادة، واستشهد بكتاب المجموع، ولكنه في الواقع تقوّل على البغوي وسلك سبيل التدليس والتلبيس. فالبغوي نفسه قد صرح بجواز الزيادة وذلك في كتابه «شرح السُّنَّة»([1]) ونص عبارته: «الرّفق في استعمال الماء مستحب، والإسراف مكروه وإن كان على شطّ البحر، وذِكرُ الصاع والمد ليس على معنى التقدير حتى لا يجوز أكثر منه ولا أقل، بل يَحتَرِزُ أن يدخل في حد السرف».اهـ. فكيف ينسب إليه ما هو مصرح بخلافه؟ ولماذا أخفى على القرَّاء نص البغوي؟

        ألأنه يهدم بدعته أم ماذا؟ ولماذا أخفى أيضًا كلام النووي في كتابه «المجموع» قبل صحيفة واحدة من الموضوع الذي نقل عنه الألباني وأحال إليه؟!

        ونص كلام النووي الشافعي كما ذكرناه سابقًا: «أجمعت الأمة على أن ماء الوضوء والغسل لا يشترط فيه قدر معين؛ بل إذا استوعب الأعضاء كفاه بأي قدر كان، وممن نقل الإجماع فيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري».اهـ. فالنووي الشافعي شمل بكلامه هذا من كان شافعيًّا ومن كان غير شافعي، والبغوي حتمًا من هؤلاء الشافعية الذين يقولون بجواز الزيادة. فعجبًا لرجل يدعي التحقيق والتدقيق ورد الفروع إلى الأصول، ينسب إلى العلماء ما هم بريئون منه ومصرحون بخلافه، فكيف يُوْثق به وبنقله بعد ذلك أو بما يذكره تفقهًا واستنباطًا كما يزعم؟! وهذا مما يعتبر خيانة.

        وكيف يستدل لكلام الفقهاء من يجهل اصطلاحهم ومرادهم فيتقوَّل عليهم وينسب لهم ما هم بريئون منه، قال الشيخ ابن عابدين([2]): «قال الإمام الحافظ العلّامة محمد بن طولون الحنفي في بعض رسائله: إن إطلاقات الفقهاء في الغالب مقيدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للفن، وإنما يَسكتون اعتمادًا على صحة فهم الطالب.اهـ. فهذا إذا سكتوا فكيف إذا صرح به كثير مهم». انتهى كلام ابن عابدين.

        وهذه كتب الشافعية طافحة ببيان أن المسألة عندهم أن الاقتصار على القدر الوارد مستحب لا لازم، وصرح بعضهم بأن ذلك في حق معتدل الخلقة وفيما إذا لم تدع حاجة إلى الزيادة، فليراجع من أراد الاطلاع على الحقيقة مظان المسألة من كتب المذاهب الأربعة وغيرها، وليبحث هل يجد لناصر الألباني أحدًا من المجتهدين قال بذلك؟

        وهل يليق بسماحة الدين إلزام الناس على اختلاف أحوالهم أن لا يزيدوا على المد([3]) في الوضوء وعلى الصاع([4]) مع المد في الغسل، وكثير من الفلاحين وبعض أصحاب الحرف المعتادين للحفي قد تحوجهم تنقية أرجلهم إلى عدة أمداد في الوضوء.

        ففيما ذهب إليه الألباني تضييق لدين الله الواسع وحرج عظيم، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [سورة الحج: 78].

        تنبيه: لا يظن ظان أن الكلام في هذه المسألة موجه إلى الأمرين: الزيادة في العدد، والزيادة في المقدار؛ بل إنما محط الإنكار تحريمه الزيادة في المقدار، فإن الزيادة في عدد الغسلات الثلاث حكمها ظاهر مشهور أن العلماء فيه ما بين محرِّم ومكرِّه، وكلٌّ له وجه من النظر لا يلزم منه تضييق ولا حرج، فلا يتوهم متوهم خلاف المقصود.

        وكذلك يكفي في الرد عليه حديث ابن حبان([5]) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدَّثتني خالتي ميمونة قالت: أدنيت لرسول الله غسلَه من الجنابة، قالت: فغسل كفيه مرتين أو ثلاثًا ثم أدخل كفَّه اليمنى في الإناء فأفرغ بها على فرجه فغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكًا شديدًا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات مِلء كفيه، ثم تنحّى غير مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فردّه».اهـ. فإذا كان أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه، هذا لرأسه فقط. فماذا يكون جملة ما أخذه لبدنه؟

        [1]() البغوي، شرح السُّنَّة (2/53).

        [2]() مجموعة رسائل ابن عابدين: الرسالة التاسعة (1/235).

        [3]() ما يقرب من نصف كيلو.

        [4]() ما يقرب من كيلوين، وعايرت صاع المدينة النبوية الموافق للصاع النبوي الذي لم يزل عندهم متوارثًا، فوجدته يساوي أربع حفنات بكفي رجل معتدل، وكان هذا الصاع مكتوبًا عليه تاريخه الذي يشهد له بأنه هو الذي عليه العمل، فلا يتوهم متوهم من قولهم: إنه خمسة أرطال وثلث بالبغدادي خلاف ذلك، ولا نقارب عين الرطل البغدادي هذا وبين الدمشقي، فالواحد من الدمشقي يساوي أكثر من عشرين من البغدادي الشرعي المعروف في كل كتب الفقهاء

        [5]() ابن بلبان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/251).