الأربعاء ديسمبر 4, 2024

الأشهرُ العربيّةُ الأيامُ والساعاتُ

وأسماءُ الأشهرِ العربيةِ قِسمانِ: قِسمٌ غيرُ مُستعملٍ وهو الذي وضعَتْهُ العرَبُ العارِبةُ، وقسمٌ مستعملٌ وهو الذي وضَعتْهُ العربُ المُستَعرِبةُ، وكِلا القِسمَينِ موضوعٌ على الأشهُرِ القمريةِ.

فأمّا القسمُ غيرُ المُستعمَل فهو أسماءٌ كانتِ العربُ العارِبةُ اصطلَحتْ عليها وهي: المُؤتَمِر وهو المحرَّم، وناجِرٌ وهو صفَر، وخوَّان وقالوا: خُوَّان وهو شهر ربيعٍ الأوّل، وَوَبْصانُ وهو شهر ربيعٍ الآخِر، والحَنين وهو جُمادى الأولى، ورُبَّى وهو جمادى الآخِرة، والأصَمُّ وهو رجَبٌ، وعادِلٌ وهو شعبانُ، وناتِقٌ وهو رمضانُ، ووَعِلٌ وهو شوّالٌ، ووَرْنة وهو ذو القعدة، وبُرَك وهو ذو الحِجّة.

وأما القسمُ المستعمل فهو الأسماءُ المشهورة: المُحرَّم وهو أوّلُها، وصفَرُ، والرَّبيعانِ، والجُمادَيانِ، ورجَبٌ، وشعبانُ، ورمضانُ، وشوالٌ، وذو القعدةِ وذو الحِجّة (1) وهو ءاخر شهور العام.

فحُكيَ أنّهُم وضَعُوا هذه الأسماءَ على هذه الشُّهورِ لاتّفاقِ حالاتٍ وقَعتْ في كلِّ شهرٍ، فسُمِّيَ الشهرُ بها عند ابتداءِ الوَضعِ:

  • فالمُحرَّم: سُمّيَ به لأنّهم أغارُوا فيه فلَم يَنجَحُوا، فحرَّمُوا فيه القتالَ فسمَّوهُ مُحرَّمًا.
  • وصفرٌ: لِصُفرِ بُيوتِهم فيه منهم عند خروجهم إلى الغارات. وقيل: لأنّهم كانوا يَغِيرُونَ فيه على بلادِ الصُّفْريّة.

__________

  • بكسر الحاء في اللغة المشهورة، ويجوز في لغةٍ قليلةٍ فتحُها، قاله النووي.
  • وشَهرا ربيعٍ: لأنهُم كانوا يُخصِبُونَ فيهما بما أصابُوا في صَفَرَ من الغنائمِ، والربيعُ بمعنَى الخِصبِ.
  • والجُمادَيان: سُمّيا بذلك من جَمُدَ الماءُ لأنّ وقتَ التسميةِ كان الماءُ جامِدًا فيه لِبَرْدِهِ.
  • ورَجَبٌ: سميَ به لتعظيمهم له، فالترجيبُ التعظيمُ. وقيل: سميَ بذلك لأنهُ وسَطُ السَّنةِ فهو مُشتقٌّ من الرَّواجِب وهي أنامِل الإصبِع الوُسطى. وقيل: لأنّ العُودَ رَجَبَ النباتَ في هذا الشهر أي أخرجَهُ.
  • وشعبانُ: سميَ بذلكَ لتَشعُّبِ العُودِ فيه بعدَ أنْ رجَبَ النّباتَ. وقيل: سُميَ به لتشَعُّبِهم فيه للغاراتِ.
  • ورمضانُ: سمي بذلك أخْذًا مِن الرَّمْضاءِ لأنه وافقَ وقتُ تَسمِيتهِ زمنَ الحَرّ.
  • وشوّالٌ: سميَ بذلكَ أخذًا من شالَتِ الإبل بأذْنابِها إذا حَمَلَتْ، وقبل من شال يَشُول إذا ارتفعَ، ولذلك كانت الجاهليةُ تَكرَهُ التزويجَ فيه لِما فيه من معنى الإشارة والرَّفعِ إلى أنْ جاءَ الإسلامُ فهَدَمَ ذلك، فقد روى مسلمٌ في صحيحهِ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: “تَزَوَّجَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوالٍ وبَنى بي في شوالٍ”.
  • وذُو القَعدة: بفتح القاف وكَسرِها، سمي بذلكَ لأنهم كانوا يقعُدونَ فيه عن القِتال لكونِهِ من الأشهرِ الحُرُمِ، ويُجمَعُ على ذواتِ القَعْدة، وحكى الكوفيُّونَ أُولاتِ القَعدةِ.
  • وذو الحِجّة: سُميَ بذلكَ لأنّ الحجَّ فيه.

ويقالُ إن أولَ مَن سمّاها بهذه الأسماءِ كِلابُ بنُ مُرّة. ولا تكادُ العربُ تَنطقُ بأربعةٍ منها إلا مُضافةً إلى لفظة “شَهر” وهي: شهرا ربيعٍ، وشهرُ رجَبٍ، وشهرُ رمضانَ.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: “ورَجَبُ مُضَرَ الذي بينَ جُمادَى وشعبانَ” إنّما قيَّده هذا التقييدَ مُبالغةً في إيضاحِهِ وإزالةً للَّبسِ عنه، وقد كان بينَ بني مُضرَ وبينَ ربيعةَ اختِلافٌ في رَجبٍ فكانت مُضَرُ تجعَلُ رجَبًا الشهرَ المعروفَ الآنَ وهو الذي بينَ جُمادَى وشعبانَ، وكانت ربيعةُ تجعَلُه رمضانَ، فلِهذا أضافَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى مُضَرَ. وقيلَ: لأنّهم كانوا يُعظِّمُونه أكثرَ من غيرِهم. وقيل: إنّ العربَ كانت تُسمّي رجَبًا وشعبانَ الرَّجَبَينِ، وقيلَ: كانت تُسمّي جُمادى ورَجبًا جُمادَينِ وتُسمّي شعبانَ رجًبًا، قاله الحافظ النووي.

ومِن مجموع الأشهُرِ الاثنَي عشرةَ أربعةٌ حُرُمٌ، وقد أجمعَ العُلماءُ على أنها رجَبٌ وذو القَعدةِ وذُو الحجةِ والمحرَّمُ، واختلفوا في الابتِداءِ بعدَدِها، فذهبَ أهلُ المدينةِ إلى أنّهُ يُبتَدأُ بذي القَعدةِ فيُقال: ذو القَعدة وذو الحِجة والمُحرَّم ورجبٌ، وذهبَ أهل الكوفةِ إلى أنه يُبتَدأُ بالمحرَّم فيقال: المُحرَّمُ ورجبٌ وذو القعدة وذو الحِجّة ليأتُوا بها من سَنةٍ واحدةٍ.

وتبدأُ السنةُ القمريةُ باستِهلالِ القمر في غُرّة المُحرَّمِ وتنسلخُ باتقضاءِ ذي الحجةِ، وعددُ أيامِها ثلاثُمائة يومٍ وأربعةٌ وخمسونَ يومًا وخمسُ وسُدُس يومٍ تقريبًا، وَيَتِمُّ من هذا الخُمُس والسُّدُس في كلِّ ثلاثِ سنينَ يومٌ واحِدٌ، فتصيرُ السنةُ في الثالثةِ ثلاثَمائةٍ وخمسةٍ وخمسينَ يومًا ويبقى شيءٌ يتِمُّ منه ومِن خُمُسِ اليومِ وسُدُسِه المُستأنَف في السنةِ يومٌ واحِدٌ إلى أن يبقَى الكسرُ أصلاً بأحَدَ عشرَ يومًا عندَ تمامِ ثلاثينَ سنةً، وتُسمَّى هذه السِّنُون كبائِسَ العرَب.

أما السنةُ الشمسيةُ فعددُ أيامِها ثلاثُمائةٍ وخمسةٌ وسِتُّونَ يومًا وربُع يومٍ تقريبًا، فتكونُ زيادتُها على السنةِ القمريةِ عشرةَ أيامٍ ونِصفِ يومٍ ورُبُعَ يومٍ وثُمُنَ يومٍ وخُمُسًا من خُمُسِ يومٍ.

ويُقال: إنهم كانوا في صدر الإسلامِ يُسقِطُونَ عند رأس كلَّ اثنتَينِ وثلاثينَ سنةً عربيةً سنةً ويُسمُّونَها “الازْدِلافَ” لأنّ كُلَّ ثلاثٍ وثلاثينَ سنةً قمريةً اثْنتانِ وثلاثونَ سنةً شمسيةً تقريبًا، وذلكَ تِترُّزِهم من الوقوع في النَّسيءِ الذي ذمَّهُ الله عز وجلّ وأخبرَ أنّ الجاهليةَ كانتْ تفعَلُه لتزيدَ في الظُّلمِ والطغيانِ والكُفر.

وكانت العربُ في الجاهليةِ مع ما هم عليه من الضلال والكُفر يعظِّمُونَ الأشهرَ الحُرُمَ الأربعةَ ويحرِّمُونَ القتالَ فيها، حتى لو لقيَ الرجُلُ فيها قاتِلَ أبيه لم يقرَبْهُ، إلى أنْ حدثَ فيهم النَّسِيء فكانوا يَنسَؤُون المحرَّم أي يُؤخِّرُونَهُ إلى صفرَ فيُحرّمُونَهُ مكانَهُ ويَنسَؤُون رجَبًا فيُؤخِّرُونه إلى شعبانَ فيُحرِّمونَه مكانَهُ ليَستبيحوا القتالَ في الأشهُرِ الحُرُم، قال الله تعالى {إنَّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الكُفْرِ يُضَلُّ بهِ الذينَ كفَرُوا يُحِلُّونَهُ عامًا ويُحرِّمُونَهُ عامًا ليُواطِئوا عِدَّةَ ما حرَّمَ اللهُ فيُحِلُّوا ما حرَّمَ اللهُ}.

وحكى السُهَيليُّ أنَّ نسيءَ العرب في الجاهليةِ كان على ضَربَين: أحدُهما تأخيرُ المحرَّم إلى صفر لحاجاتِهم إلى شنّ الغاراتِ وطلبِ الثأرِ، والثتني تأخيرُ حجّهم الذي كان في الجاهليةِ عن وقتِهِ تحرِّيًا منهم للسنةِ الشمسية، فكانوا يُخِّرونَه في كل عامٍ أحدَ عشر يومًا حتى يدُورَ الدَّورُ في ثلاثٍ وثلاثينَ سنةً فيعودَ إلى وقتِهِ، فلمّا كانتِ السنةُ التاسعةُ من الهجرةِ حجَّ بالناسِ أبو بكرٍ الصدِّيقُ رضي الله عنه بأمرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فوافقَ خروجُهُ للحجّ في ذي القعدة، ثم حجّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العامِ القابِل فوافقَ عودُ الحجّ إلى وقتِه في ذي الحجة كما وُضِعَ أوّلاً، فلمّا قضى رسولُ الله صلى الله عليه ويلم حجَّهُ خطبَ في الناسِ الخُطبةَ المشهورةَ وكانَ مما قالَ فيها: “إن الزمانَ قدِ استدارَ كَهَيئَتِهِ يومَ خلقَ اللهُ السمواتِ والأرضَ” يعني أنّ الحجَّ قد عاد في ذي الحِجَّة.

ويُقالُ إنّ عمرَو بنَ لُحَيٍّ واسمُهُ خُزاعةَ هو أول مَن نَسأ الشُّهورَ وبَحَرَ البَحيرةَ (1)، وسيَّبَ السائبةَ (2)، وجعلَ الوَصيلةَ (3) والحامي (4) وهو أول مَن دعا الناسَ إلى عِبادةِ هُبَلَ (5).

________

  • البَحيرةُ الناقةُ إذا نُتجَت خمسةَ أبطُنٍ، فإنْ كان الخامسُ أنثى بَحَرُوا أذُنها أي شقُّوها، وكانَ يُحرِّمُون على النساءِ لحمَها ولبَنَها، وإن كانَ ذكرًا نَحَرُوهُ لمعبوداتِهم وجعلُوا لحمَهُ للرجال دُونَ النساءِ.
  • الوَصيلةُ منَ الغَنَمِ، كانوا إذا ولدَتِ الشاةُ سبعةَ أبطُنٍ فإنْ كانَ السابعُ ذكرًا ذُبِحَ فأكلَ منه الرجالُ والنساءُ، وإن كان أنثى تُرِكَتْ، وإن كان ذكرًا وأنثى قالوا: وصلَتْ أخاها، فلم تُذبَح لمكانِها، وكان لبَنُها وجميعُ منافِعها محرَّمًا عندَهُم على النساء، وإن وضَعَتْه ميتًا اشتركَ في أكلهِ الرجالُ والنساء.

 

______________

 

  • السائبة الأنثى من الإبل يُسَيِّبُها المشرِكُ لمعبودِهِ من الأوثانِ، والسائبةُ من البقَر والغنمِ يجعل ظُهورها وأولادها وأصوافها وأوبارها وأشعارها للصنَم، وألبانها للرجال دُون النساء.
  • الحامي الفَحلُ إذا رَكِبَ ولدَ ولَدِه، وإذا نُتجَ من صُلبِهِ عشرةُ أبطُنٍ قالوا: حَمَى ظهرَهُ، فلا يُركَب ولا يُمنَع من كلإٍ ولا ماءٍ.
  • حكى بعضُ أهلِ العلم أنّ عمرَو بنَ لُحَيٍّ أولُ مَن بدَّلَ دينَ إسماعيلَ عليه السلامُ، وكانَ خرجَ من مكةَ إلى الشام، فلمّا قدِمَ موضعًا من أرضِ البَلقاءِ وبها يومئذٍ العماليقُ رآهُم يعبُدونَ الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنالمُ التي أراكُم تَعبُدُون؟ قالوا له: هذه نعبُدها ونَسْتَمطِرُها (أي نسألُها إنزالَ المطر) فتُمطِرُنا ونَستَنصِرها فتنصُرُنا، فقال لهم: أفلا تُعطُوني منها صنمًا فأسيرَ به إلى أرض العربِ فيَعبُدونَهُ؟ فأعطَوهُ صنمًا يُقال له: هُبَلُ، فقدِمَ به مكةَ فنصبَهُ وأمرَ الناسَ بعبادتِهِ وتعظيمِهِ.

وقد صحَّ في الحديثِ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رأيتُ عَمْرَو بنَ عامِرِ ابنِ لُحَيٍّ الخُزاعيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ في النارِ وكانَ أولَ مَنْ سيَّبَ السوائبَ”، والقُصبُ المِعَى، وقيل: هو ما كان أسفلَ البطنِ من الأمعاءِ.

 

 

 

 

 

 

 

أما أيام الأسبوعِ فكانت العربُ العارِبةُ تُسمِّيها بأسماءٍ غيرِ هذه التي تتداولها الناسُ، فتقول: الأولُ ليوم الأحد لأنه أولُ أعدادِ الأيام، وأهوَنُ للاثنينِ أخذًا مِن الهُوْن والهُوَينَى ويسمّونه أوْهَدَ أيضًا أخذًا من الوَهْدَة وهي المكانُ المُنخفضُ من الأرضِ لانخفاضِهِ عن اليومِ الأول في العدد، وجُبارٌ للثُّلاثاء لأنه جُبِرَ به العدَدُ، ودُبارٌ وهو الأربعاءُ لأنهُ دُبُرُ ما جُبِرَ به العددُ، والمؤنِسُ وهو الخميسُ لأنه يُونِسُ بهِ لبركتِهِ، قال النحاسُ: ولم يزل ذلك أيضًا في الإسلامِ فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتبركُ به ويُسافِرُ فيه، وروى البزارُ مرفوعًا: “اللهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكُورِها يومَ خَميسِها” وفي الصحيح “أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ يومَ الخميسِ في غزوةِ تَبوكَ وكانَ يُحبُّ أن يخرُجَ يومَ الخميسِ”، والعَرُوبةُ للجُمعة ومعناهُ اليومُ البيّنُ أخذًا من قولهم: أعرَبَ إذا أبانَ، والمرادُ أنهُ بيِّنُ العظَمةِ والشَّرفِ، وقد جاءَ الإسلامُ فزادَ الجُمعةَ تعظيمًا، وشَيارٌ (1) وهو السبتُ أخذًا مِن شِرْتُ الشيءَ إذا استَخرجتُهُ وأظهرْتُهُ من مكانه.

فائدة: ذكر الأديبُ أبو منصورٍ الثَّعالبيُّ في “فقهِ اللغة” أسماءَ ساعاتِ النهارِ والليلِ مُقسَّمةً إلى أربعٍ وعشرينَ لفظةً فقال: “ساعاتُ النهارِ: الشروقُ، ثمَّ البُكورُ ثمَّ الغُدْوةُ ثمَّ الضُّحَى ثُمَّ الهاجِرةُ، ثم الظهيرةُ ثمَّ الرَّواحُن ثم العصرُ ثم القصرُ ثمَّ الأصيلُ ثمَّ العَشيُّ ثمَّ الغُروبُ. ساعاتُ الليلِ: الشَّفقُ، ثمَّ الغَسَقُ ثمَّ العَتَمةُ، ثمَّ السُّدْفةُ، ثمَّ الفَحْمَةُ ثمَّ الزُّلةُ، ثم الزُّلفةُ، ثمَّ البُهرةُ، ثمَّ السحَر، ثم الفجرُ، ثمَّ الصُّبحُ ثم الصباحُ وباقي أسماءِ الأوقاتِ تجيءُ بتكريرِ الألفاظِ التي معانيها مُتفقةٌ” اهـ.