افتراؤهم على الشيخ محي الدين بن عربي
* ومما يلزم التحذير منه افتراؤهم على الشيخ المشهور سيدنا محي الدين بن عربي رضي الله عنه.
ومن الكلام الرائج عند بعض مدعي التصوف والطريقة والذكر وغيرهم هذه الكلمة “ما الكون إلا القيوم الحي”، وأما نسبتها إلى الشيخ عبد الغني النابلسي في ديوانه وكذا في ديوان الشيخ محي الدين بن عربي فهو محض افتراء ودس وهما بريئان منها ومن مثلها لأنهما من أكابر الموجدين ويذكر الشيخ الشعراني أن الشيخ محي الدين بن عربي يقول: “من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد” ولا يخفى على كل ذي عقل ثاقب أن الكلام الذي فيه أنهما يقولان “ما الكون إلا القيوم الحي” مدسوس على الشيخ محي الدين رضي الله عنه وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الذي قال في بيان كفر التشبيه وأنه يكفر من اعتقد واحدة منها ما نصه: “أو أنه له الحلول في شىء من الأشياء أو بجميع الأشياء، أو أن الأشياء منحلة منه أو شىء منه، وجميع ذلك كفر صريح والعياذ بالله، وسببه الجهل بمعرفة الأمر على ما هو عليه” اهـ.
وكيف ينسب إليه أي إلى الشيخ النابلسي هذا وهو القائل في منظومته في التوحيد:
معرفة الله عليك تفترضْ … بأنه لا جوهر ولا عَرَضْ
ومما افتري على الشيخ محي الدين بن عربي ما ورد في كتاب منسوب إلى الشيخ محمود أبي الشامات الدمشقي أنه من تأليفه يسمى “الإلهامات الإلهية على الوظيفة اليشرطية” ونص عبارته: قال: “قال سيدي الشيخ محي الدين العربي في كتابه “شرح الوصايا اليوسفية”: يجب على المريد أن يعتقد في شيخه أنه المتحكم في موته وحياته وأن الله تجلى في صورته”، ثم قال: “فمن مات تحت حكم شيخ كامل فان الله لا يتجلى له في القيامة إلا في صورة ذلك الشيخ” اهـ، فهذا الكلام ليس من دين الله وهو مناف للتوحيد الذي هو أصل الدين وأصل التصوف الإسلامي، فما هذا الكلام إلا زندقة وهو كفر صريح لا تأويل له، وهو دس على الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله عنه ولا يتفوه الشيخ رضي الله عنه بمثل هذا الكلام المنافي للتوحيد ولعقيدة المسلمين.
وأما قوله في نفس الكتاب: “وقد ألف السادة الصوفية نفعنا الله بهم الكتب والرسائل في إثبات وحدة الوجود وأقاموا الأدلة النقلية والعقلية على إثباتها” فما هو إلا محض افتراء على السادة الصوفية، ومردود لأن الصوفية الصادقين كالإمام الجنيد البغدادي والإمام أحمد الرفاعي والإمام عبد القادر الجيلاني والإمام محي الدين بن عربي رضي الله عنهم وأمثالهم قد حذروا من مثل هذه الكلمات ومن هذه العقيدة الفاسدة كالقول والاعتقاد بالوحدة المطلقة والحلول والشطح المجاوز لدين الله تعالى ولهم نصوص مشهورة في التحذير من مثل هذه المنكرات.
والحاصل أن كل ما أورده هذا المؤلف محمود أبو الشامات الدمشقي وأمثاله في مؤلفاتهم تلبيس وتمويه لا يروج إلا على من لم يعرف التوحيد الذي هو أصل الدين.
ومما يجب التحذير منه قول بعض الجهلة المتصوفة إذا نوقشوا بمسئلة شرعية غلطوا فيها “هذا صح كشفًا” ونحو ذلك كما في كتاب “الفتح الرباني والفيض الرحماني” والمسمى أيضًا “بأسرار الشريعة” المنسوب للشيخ عبد الغني النابلسي ونصه: “أما ما ذهب إليه الشيخ محي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات المكية وغيره من أن عذاب الكفار في النار ينقلب عذوبة فيتلذذون به بعد انقضاء مدة الآلام فهو أمر مبني على الكشف عن أسرار الحقائق الأخروية، وقيل: ليس في هذا مخالفة كما ذكرناه من مذهب الجمهور أن عذاب الكفار في النار دائم أبدي، وفيه: إن الله يتجلى لأهل النار بصفة الجلال اهـ، وهذا الكلام باطل فإن إلهام الولي ليس من أسباب العلم القطعي فهو ليس بحجة كما ذكر ذلك النسفي، والمنام أقل شأنًا، قال الإمام الجنيد سيد الطائفة الصوفية رضي الله عنه: “ربما تخطر لي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة” والنكتة: هي الوارد أي الإلهام.
وهذا الكلام المنسوب كذبًا وافتراءًا على الشيخ محي الدين بن عربي باطل وهو يخالف صريح القرءان والسنة الصحيحة وإجماع المسلمين.
أما مخالفته للآيات القرءانية الدالة على بقاء الجنة والنار واستمرار عذاب الكفار بلا انقطاع إلى ما لا نهاية كثيرة جدًا منها قوله تعالى: {وما هُم بخارجينَ مِنَ النارَ} [سورة البقرة]. وقوله تعالى: {ولا يخفَّفُ عنهم من عذابهم} [سورة فاطر].
وأما مخالفته للحديث الصحيح الثابت: “يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار: يا أهل النار خلود لا موت” رواه البخاري.
وأما الإجماع فهو منعقد على بقاء النار ودوام عذاب الكفار فيها، نقله الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في رسالته “الاعتبار ببقاء الجنة والنار” وذكر أن من رد ذلك فهو كافر.
ومثل هذا الاعتقاد مركوز في فطرة المسلمين معلوم من الدين بالضرورة فلا يليق بالشيخ محي الدين بن عربي ولا بالشيخ عبد الغني النابلسي فهو مما دُس عليهما رحمهما الله تعالى.