استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة
اعلم رحمك الله أن توسل عمر بالعباس بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ليس لأن الرسول قد مات، بل كان لأجل رعاية حق قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قول العباس حين قدمه عمر: »اللهم إن القوم توجهوا بي إليك لمكاني من نبيك [أي لمكانتي عنده]«، فتبين بطلان رأي ابن تيمية ومن تبعه من منكري التوسل. روى هذا الأثر الزبيرُ بنُ بكار كما قال الحافظ ابن حجر، وروى الحاكم في المستدرك (كتاب معرفة الصحابة/ج3/ص334) أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال: »أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبَر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم«، فهذا يوضح سبب توسل عمر بالعباس. يفهم من هذا أن توسل عمر بالعباس كان لرعاية حق قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك عمر التوسل بالنبي في ذلك الموضع ليس فيه دلالة على منع التوسل بغير الحي الحاضر، فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من المباحات فهل دل تركه لها على حرمتها؟ وقد ذكر العلماء في كتب الأصول أن ترك الشىء لا يدل على منعه. وقد أراد سيدنا عمر بفعله ذلك أن يبين جواز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الصلاح ممن ترجى بركته، ولذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج2/ص497) عقب هذه القصة ما نصه: »يستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة« اهـ.