الحمد لله رب العالمين صلوات الله وسلامه على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين،
قام على استحالة التحيز في المكان والجهة في حق الله تعالى دليل عقلي ونقلي فلنبين الدليل النقلي أولاً قال الله تبارك وتعالى (ليس كمثله شىء)، هذه الآية صريحة في نفي المشابهة عن الله بجميع الوجوه أي أنه لا يشبه العالم بوجه من الوجوه لأن كلمة شىء إذا أوردت في معرض أداة النفي تكون للعموم، معنى الآية ان الله تبارك وتعالى لا يشبه غيره، لا يشبه ما سواه بأي وجه من الوجوه، الأجرام كلها تحتاج إلى التحيز في مكان حتى الشمس والقمر لهما مكان، ومكان الشمس هو مدارها تسبح فيه ومكان القمر مداره الذي يسبح فيه، كذلك الليل والنهار له فلك أي ما يمر فيه الليل يتسلط في بقعة ثم يذهب فيعقبه النهار وهكذا يتعاقبان الليل والنهار، البقعة التي كان النهار متسلطًا عليها يذهب النهار عنها فيتسلط الليل عليها.
والعرش له مكان وحملته لهم مكان، الحيز الذي هم فيه من الفراغ هذا هو مكان حملة العرش، وأما العرش في مكانه الحيز الذي يشغله هو الفراغ الذي يشغله هو، الله تبارك وتعالى لو كان متحيزًا في مكان تحت العرش أو فوق العرش لكان له أمثال ليس مثل واحد كثير، وذلك تشبيه لله تبارك وتعالى بخلقه فمن اعتقد ذلك لم يؤمن بهذه الآية (ليس كمثله شىء)، والدليل على أن المكان ليس شرطًا للوجود هو ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري في الصحيح وابن الجارود في كتابه المنتقى الذي هو مجرد للصحيح والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات (كان الله ولم يكن شىء غيره) هذا الحديث صحيح يشهد أن المكان لم يكن في الأزل، كذلك الزمن لم يكن في الأزل، كل ما سوى الله لم يكن في الأزل ما كان في الأزل إلا الله، فإذًا الله تبارك وتعالى كان بلا مكان ثم خلق المكان والزمان فهو لم يتغير أي لم يتخذ مكانًا وحيزًا بعد أن لم يكن غير متحيز في مكان.
وأما العرش فإنما هو خلق من خلق الله، مزيته انه سقف الجنة وأنه لم يُعصَ الله فيه، وإلا فالعرش ومنتهى العالم في هذه الجهة بالنسبة إلى ذات الله على حد سواء، يدل على ذلك أيضًا حديث مسلم وأبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ مضجعه ذكرًا فيه هذا اللفظ (اللهم أنت الأول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء وأنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء)، محل الشاهد قوله عليه السلام (فليس فوقك شىء) وقوله (فليس دونك شىء) فالذي لا يكون فوقه شىء ولا يكون دونه شىء موجود بلا مكان هذا دليل على نفي المكان عن الله تبارك وتعالى وقد قال هذا البيهقي في كتابه الأسماء والصفات وأما الآيات التي ظاهرها يوهم ان الله تعالى متحيز كقوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) فليس في ذلك نص على تحيز الله تعالى في المكان لأن كلمة استوى في اللغة تأتي لعدة معان من جملتها الاستقرار والجلوس على شىء والاعتدال والتمام والقصد إلى الشىء وغير ذلك فتفسير استوى بجلس أو استقر تحكم أي قول بلا دليل لأن استوى ليست في لغة العرب لمعنى الجلوس فقط أو لمعنى الاستقرار فقط بل تأتي لمعنى القهر والغلبة وتأتي لمعنى التمام وتأتي لمعنى القصد باللغة هكذا، فلا يجوز تفسير استواء الله تبارك وتعالى على عرشه بما هو من صفات المخلوقين بما هو من صفات البشر، الجلوس والاستقرار من صفات البشر، الجلوس على العرش والاستقرار عليه من صفات البشر، فلا يجوز الاستدلال والاحتجاج به على هذه العقيدة، عقيدة ان الله تعالى جالس على العرش أو استقر عليه من دون مماسة، من دون مماسة مستقر عليه، هذا لا يجوز في حق الله لا يجوز أن تفسر الآية بهذين التفسيرين، ثم يبقى بعد ذلك في طلب معنًى يليق بالله تعالى ليس فيه تشبيه لله وهو القهر، الله تبارك وتعالى هو وصف نفسه بأنه قهار فإذا فسرنا استوى بقهر وافقنا الله ووافقنا تنزيه الله تبارك وتعالى، الذي أفهمتنا هذه الآية (ليس كمثله شىء)، وكذلك قوله تعالى (ءأمنتم من في السماء) ليس فيه دليل على أن الله تبارك وتعالى متحيز في السماء، لأن من في هذه الآية يصح حملها على الملائكة.
وقد وردت رواية في حديث (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواية ثانية لفظها (الراحمون يرحمهم الرحيم ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء) أهل السماء هم الملائكة كما أنه في هذا الحديث الرسول قال العبارتين يرحمكم من في الأرض يرحمكم من في السماء، العبارة الأخرى ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء، فنفسر الرواية الأولى بهذه الرواية أي ان المراد بيرحمكم من في السماء المذكور في الرواية الأولى المراد به الملائكة عملاً بالرواية الثانية يرحمكم أهل السماء.