الثلاثاء يونيو 25, 2024

الدرس السادس عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

اجتماع الصحابة على عقيدة واحدة

درسٌ أعطاهُ شيخنا الأصوليُّ المحدثُ الشيخُ عبد الله بن محمّد الهرري  الحبشي رحمه الله تعالى في سويسرة في الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة ثمانٍ وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق للحادي عشر من شهر كانون الثاني سنة ثمان وثمانين وتسعمائة وألف ر وهو في اجتماع الصحابة على عقيدة واحدة وبيان هذه العقيدة. قال رحمه الله رحمةً واسعةً:

الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمّد وسلم.

أما بعدُ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوصيكُمْ بأصحابي ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم ثمَّ الذينَ يلُونَهُم([i]) اهـ.

أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا متفقين في أصول العقيدة لم يكن بينهم خلافٌ، كانوا متفقين على أنَّ الله تبارك وتعالى متصفٌ بالقدرة وبالعلم وبالإرادة أي المشيئة وأنه ما شاءَ كانَ أي حصلَ ووُجِدَ من الأعيان والأعمال أي الحركات والسكناتِ وأنَّ ما لم يشأ لم يكن أي لا يدخُلُ في الوجود، ما لم يشأ الله في الأزل لا يدخل في الوجود ولا فرق في ذلك بين الأعيان أي الأجرامِ والأجسامِ والأعمال أي الحركاتِ والسكنات التي تحصل من بَني ءادم وغيرهم من الحيوانات فلا يتحرك متحركٌ ولا يسكنُ ساكنٌ ولا يحصل من إنسانٍ عملٌ قلبيٌّ إلا بمشيئةِ الله الأزلية فما شاء الله في الأزل أن يحصل من العباد حصل وما لم يشأ اللهُ أن يحصلَ لا يحصل ولو اجتمعَ الخلقُ كلُّهم على أن يُحدِثُوا شيئًا لم يشأ الله في الأزل لا يَقْدِرُونَ ولو اجتمعوا على أن يمنعوا وقوعَه وحصولَه. على هذا كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّهم.

وكانوا على اعتقادٍ لا يختلفون فيه أن الله تبارك وتعالى متكلمٌ بكلامٍ لا يُشبه كلامَ المخلوقين لا يشبه كلامَ العالَمين وعلى أنه تبارك وتعالى سميعٌ لا كسمع المخلوقين وعلى أنه بصيرٌ لا كبصر المخلوقين وعلى أنه تبارك وتعالى خالقُ كلّ شيء أي من الأعيان وحركات المخلوقين وسكناتهم، كلُّ ذلك بخلق الله يحصلُ أي بإحداثه من العدم ولولا أنَّ الله تبارك وتعالى أحدثَ أعيانَ الأشياءِ من ذَوي الأرواح ومِن الجماداتِ لما حصل شيءٌ لما دخل في الوجودِ شيءٌ لَبَقِيَ العالـمُ كلُّه في الهدمِ كما كان في الأزل معدومًا فلو لم يشأ الله دخولَهُ في الوجودِ لبقيَ في طَيّ العدم.

ومتفقون أيضًا على أن الله تبارك وتعالى يُرى في الآخرةِ بالأبصار من غير كيفٍ ومن غير أن يكون في جهةٍ كما يُرى المخلوق. المخلوقُ يُرى إما في جهةِ الأمامِ أو جهةِ الخلف. اللهُ تعالى يُرى من غير أن يكونَ في جهةِ فوقٍ من المخلوقين الرَّائينَ من غير أن يكون في جهة السُّفل أي التحت منهم ومن غير أن يُرى في جهة يمينِهم ومن غير أن يكون في جهة يسارهم أي يرونه بأبصارهم بقدرة يجعلها الله فيها. المؤمنون يرونه وأما الكفار فهم محجوبون عن رؤيته في الآخرة كما أنهم محجوبون اليوم في الدنيا.

أصحابُ رسولِ الله لم يختلفوا في هذا وهم مُتَّفِقُون على أنه تبارك وتعالى قادرٌ على كلِّ شيءٍ لا يُعْجِزُهُ شيءٌ ومُتَّفِقُون على أنَّ عِلمَهُ شاملٌ لكلّ شيءٍ يعلَمُ ما كانَ ويعلَمُ ما يكونُ جملةً وتفصيلاً حتى الحركات والسكنات والأنفاس التي تحصل في الآخرةِ للعباد ما يحصل للمؤمنين وما يحصل للكافرين، في دار النعيم بالنسبة للمؤمنين وفي دار العذاب المؤبَّدِ بالنسبة للكافرين. كل ما يحصل لأهل هذه الدار ولأهل هذه الدار فهو عالم به في الأزل جملةً وتفصيلًا لا يَحدُثُ له عِلمٌ جديدٌ، متفقون على هذا.

فأصحابُ رسول الله متفقون في كل ذلك لم يختلفوا، ثم جمهورُ الأمةِ المحمّديةِ في الاعتقاد معهم لا يخرجون عن هذا إنما خرج عن ذلك شراذِم وهم بالنسبة للجمهور الموافقين للصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ شيءٌ قليلٌ جدًّا.

ثم إنَّ الصحابةَ أيضًا متفقون في جواز التوسل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته لم يختلفوا في ذلك إنما هذا الخلافُ نشأ في القرنِ السابع الهجري في أواخر القرن السابع الهجريّ من رجلٍ يقال لهُ أحمد بن تيمية أبو العباس الحرّاني فاتَّبعَهُ شُذّاذ من الناس وكان في العصر الذي ظهر فيه هذا الرجل مُسْتَذَلاًّ إنما اتَّبعه ألوفُ الحَمْقَى وسمَّوهُ شيخَ الإسلامِ وليس هو بأهل لهذا اللقب. ثم هذا الرجل فتح لأتباعه أبوابًا من التمويهات. من جملة تويهه في تحريم التوسل أنه قال لو كان التوسل بالنبيّ بعد موته جائزًا ما كان عمرُ ابنُ الخطاب يتوسل بالعباس عمّ رسول الله وقد توسّل به فقال اللهم إنّا كُنّا نتوسّل بنبيك فتسقينا واليوم نتوسّل إليك بعمّ نبيك العباس([ii]) اهـ أي نطلب منك المطرَ متوسلين بالعباس كما كُنّا نتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم ابن تيمية لو كان التوسل بالرسول بعد وفاته جائزًا ما تركَ عمر التوسل بالنبي إلى التوسل بعمّه العباس وهذا تمويهٌ ليس عمر توسّل بالعباس لأن الرسول كان قد مات وإنما توسل بالعباس مراعاةً لحقّ قرابته من رسول الله لأنه كان عمَّهُ كان أقربَ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال نسبًا أما عليٌّ رضي الله عنه فلم يكن أقربَ الناس إليه من حيث النسبُ لأنَّ عمَّ الشخص أقربُ من ابن عمر الشخص. العباسُ عمُّه وأما عليٌّ فابنُ عمه.

ولنا دليلٌ على أن عمر ما توسّل بالعباس لأن الرسول كان قد مات وإنما توسل به مراعاة لحق قرابته للنبي وذلك أن عمر رضيَ اللهُ عنه قال أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده فاقتدوا به في عمّه العباس واتخذوه وسيلةً إلى الله([iii]) اهـ.

هذا الأثرُ أي قولُ عمرَ أيها الناس إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده فاقتدوا به في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله اهـ هذا الأثر رواه الحاكم وأما توسّل عمر بالعباس فقد رواه البخاريُّ.

ثم إنّ العباس رضي الله عنه نفسُهُ قال عندما استسقى لهم أي طلب المطر لهم من الله تعالى اللهم إنَّ القومَ توجَّهوا بي إليك لمكاني من نبيّك اهـ أي لأني عمُّ نبيّك أي أرادوا أن يراعوا حقَّ قرابَتي ويُكرموني أي أرادوا أن يَرْقبوا محمدًا فيّ لأنّي عمُّهُ صلى الله عليه وسلم.

هذا حقيقةُ توسل عمر بالعباس ليس ما يقوله هؤلاء المشوشون. هذا من جملة ما يُشوّشون به على الناس وكثيرًا ما يلهجون بهذا في مجالسهم ليزخرفوا قولهم الباطلَ بتحريم التوسل بالرسول بعد وفاته. افْتَرَوا على عمرَ وافْتَرَوا على العباس والحقيقةُ كما ذكرنا.

انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.

[i])) رواه الترمذي في سننه باب ما جاء في لزوم الجماعة.

[ii])) رواه البخاريّ في صحيحه بابُ سؤال الناس الإمامَ الاستسقاءَ إذا قَحَطُوا.

[iii])) رواه الحاكم في المستدرك باب ذكر إسلام العباس رضي الله عنه.