اعْلَمْ أَنَّ أَحْمَدَ بنَ تَيْمِيَةَ الَّذِى تُوُفِّىَ قَبْلَ حَوَالِى سَبْعِمِائَةِ عَامٍ حُبِسَ بِفَتْوَى مِنَ الْقُضَاةِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ وَحَكَمُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ضَالٌّ يَجِبُ التَّحْذِيرُ مِنْهُ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَهْلَ السُّنَّةِ فِى مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ كَاسْتِوَائِى هَذَا وَيَعْنِى اسْتِوَاءَ جُلُوسٍ وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْعَرْشِ وَفِى فَتَاوِيهِ إِنَّ اللَّهَ يَجْلِسُ عَلَى الْكُرْسِىِّ وَقَدْ أَخْلَى مَكَانًا يُقْعِدُ مَعَهُ رَسُولَ اللَّهِ وَيَدَّعِى أَنْ لا دَلِيلَ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ فَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى التَّأْسِيسَ فِى رَدِّ أَسَاسِ التَّقْدِيسِ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالإِجْمَاعَ لَمْ يَنْطِقْ بِأَنَّ الأَجْسَامَ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلا قَالَ ذَلِكَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَبَ فِى ذَلِكَ فَكَيْفَ لا يُوجَدُ دَلِيلٌ بِزَعْمِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ وَيَقُولُ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ فِى كِتَابِهِ النَّوَادِرِ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ فَهُوَ غَيْرُ عَارِفٍ بِرَبِّهِ وَإِنَّهُ كَافِرٌ بِهِ وَيَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِىُّ الْمُجَسِّمُ كَافِرٌ، رَوَاهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِىُّ فِى الأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَيَقُولُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَنْ قَالَ اللَّهُ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ كَفَرَ، رَوَاهُ الْحَافِظُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِىُّ فِى كِتَابِهِ تَشْنِيفُ الْمَسَامِعِ وَيَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِىِّ النَّابُلُسِىُّ فِى الْفَتْحِ الرَّبَّانِىِّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَوْ أَنَّهُ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ النَّسَفِىُّ فِى تَفْسِيرِهِ وَمِنَ الإِلْحَادِ (أَىِ الْكُفْرِ) تَسْمِيَّةُ اللَّهِ بِالْجِسْمِ وَالْجَوْهَرِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلَّةِ. وَيَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى مُوَافَقَةَ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ اتَّفَقَتِ الْكَلِمَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ أَنَّ اللَّهَ فِى السَّمَاءِ وَحَدُّوهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا أَىْ ذَا حَجْمٍ فَإِذًا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا فِى السَّمَاءِ أَوْ جَالِسًا عَلَى الْعَرْشِ. كَمَا أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَنْسُبُ إِلَى اللَّهِ الْحَرَكَةَ وَالِانْتِقَالَ وَالنُّزُولَ الْحِسِّىَّ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُوَافَقَةِ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ الْحَىَّ الْقَيُّومَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَتَحَرَّكُ إِذَا شَاءَ وَيَهْبِطُ وَيَرْتَفِعُ إِذَا شَاءَ وَيَقُومُ وَيَجْلِسُ إِذَا شَاءَ لِأَنَّ أَمَارَةَ مَا بَيْنَ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ التَّحَرُّكُ وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ شَرْحِ حَدِيثِ النُّزُولِ اللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ وَيَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ وَلا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَقَدْ صَرَّحَ فِى بَعْضِ كُتُبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِقَدْرِ الْعَرْشِ لا أَكْبَرَ مِنْهُ وَلا أَصْغَرَ. عَجَبًا كَيْفَ يَعْتَقِدُ ابْنُ تَيْمِيَةَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ مُسْتَقِرٌّ فَوْقَ الْعَرْشِ بِقَدْرِ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ بِذَاتِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الأُولَى وَقَدْ ثَبَتَ فِى الْحَدِيثِ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضٍ فَلاةٍ أَىْ كَحَبَّةٍ صَغِيرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَحْرَاءَ كَبِيرَةٍ فَعَلَى مُقْتَضَى كَلامِهِ أَنَّ اللَّهَ يَتَصَاغَرُ حَتَّى تَسَعَهُ السَّمَاءُ الأُولَى وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. كَمَا أَنَّهُ جَعَلَ جِنْسَ الْعَالَمِ أَىْ نَوْعَهُ أَزَلِيًّا مَعَ اللَّهِ فَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُوَافَقَةِ فَإِنَّ الأَزَلِىَّ اللَّازِمَ هُوَ نَوْعُ الْحَادِثِ لا عَيْنُ الْحَادِثِ، أَىْ يَقُولُ بِحَوَادِثَ لا أَوَّلَ لَهَا وَفِى هَذَا تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ وَالْقَوْلُ بِأَزَلِيَّةِ الْعَالَمِ نَفْىٌ لِخَالِقِيَّةِ اللَّهِ وَهُوَ كُفْرٌ بِالإِجْمَاعِ نَقَلَ الإِجْمَاعَ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِىُّ فِى تَشْنِيفِ الْمَسَامِعِ. وَيَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى مُوَافَقَةَ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِحُرُوفٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَيَقُولُ فِى رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ مَذْهَبَ السَّلَفِ الْقَوِيمِ فِى تَحْقِيقِ مَسْأَلَةِ كَلامِ اللَّهِ الْكَرِيمِ فَلا تَكُونُ الْحُرُوفُ الَّتِى هِىَ مَعَانِى أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَكُتُبِهِ الْمُنْزَلَةِ مَخْلُوقَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِهَا وَيَقُولُ فِى فَتَاوِيهِ هُوَ سُبْحَانَهُ يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ وَيَسْكُتُ إِذَا شَاءَ، وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى الْمَلائِكَةُ أَعْوَانُ اللَّهِ وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الأَعْوَانِ وَيَقُولُ إِنَّ نَارَ جَهَنَّمَ تَفْنَى لا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّة فِى كِتَابِهِ حَادِى الأَرْوَاحِ مُؤَيِّدًا لَهُ وَيَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِى الْفَتَاوَى الْكُبْرَى إِنَّ السَّفَرَ لِزِيَارَةِ قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلا التَّابِعِينَ وَلا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ وَكَذَبَ فِى ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ يُحَرِّمُ التَّوَسُّلَ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِهِمْ كَمَا فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى قَاعِدَةً جَلِيلَةً فِى التَّوَسُّلِ وَالْوَسِيلَةِ وَيَقُولُ إِنَّ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسَ لَهُ جَاهٌ وَلا يَتَوَسَّلُ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا وَيَكُونُ مُخْطِئًا فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ وَلا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ شَيْخَ الإِسْلامِ أَوِ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ.