(إِثْبَاتُ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ جَائِزٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ شِرْكًا كَمَا تَقُولُ الْوَهَّابِيَّةُ)
(اعْلَمْ أَنَّهُ) قَدْ قَامَتِ الأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّوَسُّلِ بِالذَّوَاتِ الصَّالِحَةِ وَبِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَمَنَعَ الْوَهَّابِيَّةُ التَّوَسُّلَ بِذَوَاتِ الصَّالِحِينَ فِى حَالِ غَيْبَتِهِمْ وَبَعْدَ الْمَوْتِ وَ(لا دَلِيلَ حَقِيقِىٌّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ فِى حَالِ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ) كَمَا زَعَمَ مُجَسِّمَةُ الْعَصْرِ (بِدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ) وَهِىَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لا تَتَّفِقُ مَعَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ (لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ مُجَرَّدَ النِّدَاءِ لِحَىٍّ أَوْ مَيِّتٍ وَلا مُجَرَّدَ الِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَلا مُجَرَّدَ قَصْدِ قَبْرِ وَلِىٍّ لِلتَّبَرُّكِ وَلا مُجَرَّدَ طَلَبِ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَلا مُجَرَّدَ صِيغَةِ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَىْ لَيْسَ ذَلِكَ شِرْكًا لِأَنَّهُ لا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْعِبَادَةِ) الآتِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ (عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ) وَإِنَّمَا النِّدَاءُ الَّذِى هُوَ شِرْكٌ نِدَاءٌ مَخْصُوصٌ وَالتَّعْظِيمُ الَّذِى هُوَ شِرْكٌ هُوَ تَعْظِيمٌ مَخْصُوصٌ وَكَذَلِكَ الِاسْتِغَاثَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ وَالطَّلَبُ وَقَصْدُ الْقَبْرِ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا شِرْكًا فِى حَالٍ مَخْصُوصَةٍ أَىْ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ لا عَلَى الإِطْلاقِ فَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهَا بِإِطْلاقِهِ عِبَادَةً لِغَيْرِ اللَّهِ وَذَلِكَ (لِأَنَّ الْعِبَادَةَ عِنْدَهُمْ) أَىْ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ هِىَ (الطَّاعَةُ مَعَ الْخُضُوعِ. قَالَ الأَزْهَرِىُّ الَّذِى هُوَ أَحَدُ كِبَارِ اللُّغَوِيِّينَ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعِينَ وَثَلاثِمِائَةٍ (فِى) الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنْ (كِتَابِ تَهْذِيبِ اللُّغَةِ نَقْلًا عَنِ الزَّجَّاجِ) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاثِمِائَةٍ وَ(الَّذِى هُوَ مِنْ أَشْهَرِهِمْ) أَىْ أَشْهَرِ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ (الْعِبَادَةُ فِى لُغَةِ الْعَرَبِ الطَّاعَةُ مَعَ الْخُضُوعِ اﻫ وَقَالَ) قَبْلَهُ (مِثْلَهُ الْفَرَّاءُ) مِنْ كِبَارِ أَهْلِ اللُّغَةِ الْكُوفِيِّينَ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَينِ (كَمَا) فِى كِتَابِهِ مَعَانِى الْقُرْءَانِ وَإِعْرَابِهِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُ (فِى) الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنْ (لِسَانِ الْعَرَبِ لِابْنِ مَنْظُورٍ) وَأَقَرَّهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) وَهُوَ الإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ اللُّغَوِىُّ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِىُّ فِى فَتَاوِيهِ الْعِبَادَةُ (أَقْصَى غَايَةِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ اﻫ وَقَالَ بَعْضٌ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلامِ) الرَّاغِبِ الأَصْبَهَانِىِّ فِى مُفْرَدَاتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ (شَارِحُ الْقَامُوسِ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ خَاتِمَةُ اللُّغَوِيِّينَ) فِى شَرْحِهِ عَلَى الْقَامُوسِ الْمُسَمَّى تَاجَ الْعَرُوسِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُتَقَدِّمِيهِمْ وَمُتَأَخِّرِيهِمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ هِىَ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ (وَهَذَا الَّذِى يَسْتَقِيمُ لُغَةً وَعُرْفًا. وَلَيْسَ مُجَرَّدُ التَّذَلُّلِ) أَىِ الَّذِى لَمْ يَبْلُغْ أَقْصَى دَرَجَاتِهِ (عِبَادَةً لِغَيْرِ اللَّهِ وَإِلَّا لَكَفَرَ كُلُّ مَنْ يَتَذَلَّلُ لِلْمُلُوكِ وَالْعُظَمَاءِ وَقَدْ ثَبَتَ) خِلافُ ذَلِكَ فِى الشَّرْعِ وَهُوَ فِى مَا صَحَّ مِنْ (أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (لَمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ الرَّسُولُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى رَأَيْتُ أَهْلَ الشَّامِ يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِمْ) جَمْعُ بِطْرِيقٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ مِنَ الرُّومِ كَالْقَائِدِ مِنَ الْعَرَبِ (وَأَسَاقِفَتِهِمْ) أَىْ عُلَمَائِهِمْ (وَأَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ فَقَالَ لا تَفْعَلْ لَوْ كُنْتُ ءَامُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) اﻫ (رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَ)مَوْضِعُ الشَّاهِدِ أَنَّهُ (لَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرْتَ) إِذْ سَجَدْتَ لِى (وَلا قَالَ لَهُ أَشْرَكْتَ مَعَ أَنَّ سُجُودَهُ لِلنَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَظْهَرٌ كَبِيرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّذَلُّلِ) وَهُوَ كَانَ جَائِزًا فِى الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ لَكِنَّهُ مُحَرَّمٌ فِى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَوْ بِقَصْدِ التَّحِيَّةِ (فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ الشَّخْصَ لِأَنَّهُ قَصَدَ قَبْرَ الرَّسُولِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ لِلتَّبَرُّكِ) زَاعِمِينَ أَنَّ هَذَا شِرْكٌ قَدْ خَرَجُوا عَنِ الصَّوَابِ وَجَازَفُوا بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ مَنْ يَقْصِدُ قَبْرَ النَّبِىِّ أَوِ الْوَلِىِّ لِلتَّبَرُّكِ لَمْ يُعَظِّمْهُ بِذَلِكَ غَايَةَ التَّعْظِيمِ فَمِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ الشِّرْكُ عَلَيْهِ (فَهُمْ جَهِلُوا مَعْنَى الْعِبَادَةِ) وَهَجَمُوا عَلَى التَّكْفِيرِ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَخَالَفُوا مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَلَفًا وَخَلَفًا لَمْ يَزَالُوا يَزُورُونَ قَبْرَ النَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِلتَّبَرُّكِ وَلَيْسَ مَعْنَى الزِّيَارَةِ لِلتَّبَرُّكِ) عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ (أَنَّ الرَّسُولَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَخْلُقُ لَهُمُ الْبَرَكَةَ) لِتَكُونَ زِيَارَتُهُمْ شِرْكِيَّةً بِذَلِكَ (بَلِ الْمَعْنَى) عِنْدَهُمْ جَمِيعًا (أَنَّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُمُ الْبَرَكَةَ بِزِيَارَتِهِمْ لِقَبْرِهِ) وَهَذَا لا شِرْكَ فِيهِ وَلا مَحْظُورَ (وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ) كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ (عَنْ مَالِكِ الدَّارِ وَكَانَ خَازِنَ) سَيِّدِنَا (عُمَرَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ) أَىْ مَجَاعَةٌ (فِى زَمَانِ عُمَرَ) أَىْ فِى خِلافَتِهِ وَانْقَطَعَ الْمَطَرُ عَنْهُمْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ (فَجَاءَ رَجُلٌ) أَىْ مِنَ الصَّحَابَةِ يُقَالُ لَهُ بِلالُ بنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِىُّ (إِلَى قَبْرِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ) أَىِ اطْلُبْ مِنَ اللَّهِ السُّقْيَا لَهُمْ (فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَأُتِىَ الرَّجُلُ فِى الْمَنَامِ) أَىْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَنَامِ يُكَلِّمُهُ (فَقِيلَ لَهُ أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلامَ) أَىْ سَلِّمْ لِى عَلَيْهِ (وَأَخْبِرْهُ أَنَّهُمْ يُسْقَوْنَ) أَىْ يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ (وَقُلْ لَهُ عَلَيْكَ الْكَيْسَ الْكَيْسَ) أَىْ تَفَكَّرْ فِى مَا يَنْبَغِى فِعْلُهُ مِمَّا لَمْ تَفْعَلْ لِتَزُولَ هَذِهِ النَّازِلَةُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ (فَأَتَى الرَّجُلُ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ يَا رَبُّ مَا ءَالُوا إِلَّا مَا عَجَزْتُ) أَىْ لا أَتْرُكُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ ثُمَّ جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى بِلالُ بنُ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ أَيْنَ أَنْتَ عَنِ الِاسْتِسْقَاءِ فَجَمَعَ النَّاسَ وَاسْتَسْقَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ حَتَّى سُمِّىَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْفَتْقِ لِكَثْرَةِ مَا نَبَتَ مِنَ الْعُشْبِ فَسَمِنَتِ الْمَوَاشِى بِرَعْيِهِ حَتَّى تَفَتَّقَتْ بِالشَّحْمِ (وَقَدْ جَاءَ فِى) الْفُتُوحِ عَنْ سَيْفٍ (تَفْسِيرُ هَذَا الرَّجُلِ) الَّذِى قَصَدَ قَبْرَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى الرُّؤْيَا (أَنَّهُ بِلالُ بنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِىُّ الصَّحَابِىُّ) كَمَا تَقَدَّمَ وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الْحَافِظُ فِى الْمُجَلَّدِ الثَّانِى مِنْ فَتْحِ الْبَارِى (فَهَذَا الصَّحَابِىُّ قَدْ قَصَدَ قَبْرَ الرَّسُولِ لِلتَّبَرُّكِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ) سَيِّدُنَا (عُمَرُ وَلا غَيْرُهُ) مِنَ الصَّحَابَةِ (فَبَطَلَ دَعْوَى ابْنِ تَيْمِيَةَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَارَةَ شِرْكِيَّةٌ. وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ وَلِىُّ الدِّينِ) ابْنُ الْحَافِظِ زَيْنِ الدِّينِ (الْعِرَاقِىُّ فِى حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ) الَّذِى أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِى مُسْنَدِهِ (أَنَّ مُوسَى) عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (قَالَ رَبِّ أَدْنِنِى مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ وَأَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ لَوْ أَنِّى عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ مَعْرِفَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ لِزِيَارَتِهَا وَالْقِيَامِ بِحَقِّهَا اﻫ) ذَكَرَهُ فِى الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنْ طَرْحِ التَّثْرِيبِ (وَ)قُرْبَ مَدِينَةِ الْخَلِيلِ فِى فِلَسْطِينَ الْيَوْمَ قَبْرٌ بِقُرْبِهِ كَثِيبٌ أَحْمَرُ مَشْهُورٌ أَنَّهُ قَبْرُ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ.
(قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ) الْمَقْدِسِىُّ (حَدَّثَنِى سَالِمُ التَّلِّ قَالَ مَا رَأَيْتُ اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ أَسْرَعَ مِنْهَا عِنْدَ هَذَا الْقَبْرِ. وَحَدَّثَنِى الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِالأَرْمَنِىِّ أَنَّهُ زَارَ هَذَا الْقَبْرَ وَأَنَّهُ نَامَ فَرَأَى فِى مَنَامِهِ قُبَّةً عِنْدَهُ وَفِيهَا شَخْصٌ أَسْمَرُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ أَوْ قَالَ نَبِىُّ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ قُلْ لِى شَيْئًا فَأَوْمَأَ إِلَىَّ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ وَوَصَفَ طُولَهُنَّ فَانْتَبَهْتُ وَلَمْ أَدْرِ مَا قَالَ فَأَخْبَرْتُ الشَّيْخَ ذَيَّالًا بِذَلِكَ فَقَالَ يُولَدُ لَكَ أَرْبَعَةُ أَوْلادٍ فَقُلْتُ أَنَا قَدْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً لَمْ أَقْرَبْهَا فَقَالَ تَكُونُ غَيْرَ هَذِهِ فَتَزَوَّجْتُ أُخْرَى فَوَلَدَتْ لِى أَرْبَعةَ أَوْلادٍ اﻫ) وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِىُّ فِى تَارِيخِ بَغْدَادَ عَنِ الْحَسَنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلَّالِ الْحَنْبَلِىِّ أَنَّهُ قَالَ مَا هَمَّنِى أَمْرٌ فَقَصَدْتُ قَبْرَ مُوسَى بنَ جَعْفَرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَوَسَّلْتُ بِهِ إِلَّا سَهَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِى مَا أُحِبُّ اﻫ وَرَوَى عَنِ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ اللُّغَوِىِّ الْمُجْتَهِدِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِىِّ أَنَّهُ قَالَ قَبْرُ مَعْرُوفٍ التِّرْيَاقُ الْمُجَرَّبُ اﻫ أَىْ أَنَّهُ كَثِيرُ النَّفْعِ كَالتِّرْيَاقِ الَّذِى هُوَ دَوَاءٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ. وَكُتُبُ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ وَحُفَّاظِهَا قَدِيمِينَ وَمُحْدَثِينَ مَلِيئَةٌ بِالْحَثِّ عَلَى زِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ وَحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ فَكَيْفَ يَتَجَرَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ تَكْفِيرِ مَنْ يَفْعَلُهُ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالشِّرْكِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلامَةَ وَالْبُعْدَ عَنِ الْغُلُوِّ (وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِى الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ) فِى فَتْحِ الْبَارِى (أَنَّ الْحَارِثَ بنَ حَسَّانٍ الْبَكْرِىَّ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ فِى طَرِيقِهِ عَجُوزًا مِنْ بَنِى تَمِيمٍ تَقْصِدُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ لِلْعَجُوزِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَرَى كَلامٌ فِى حَضْرَتِهِ عَارَضَتْ فِيهِ الْعَجُوزُ الْحَارِثَ بنَ حَسَّانٍ فِى غَرَضِهِ الَّذِى سَافَرَ لِأَجْلِهِ فَقَالَ إِنَّمَا مَثَلِى مَا (قَالَ) الأَوَّلُ مَعْزَاءُ حَمَلَتْ حَتْفَهَا حَمَلْتُ هَذِهِ وَلا أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِى خَصْمًا ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ (لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ) اﻫ (الْحَدِيثَ بِطُولِهِ) وَهُوَ (دَلِيلٌ يُبْطِلُ قَوْلَ الْوَهَّابِيَّةِ) أَنَّ (الِاسْتِعَاذَةَ بِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ) فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ لِلْحَارِثِ أَشْرَكْتَ لِقَوْلِكَ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ الْحَارِثَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ الِاسْتِعَاذَةَ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ فَإِنَّهُ اسْتَعَاذَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ الْخَالِقُ لِلْعَوْنِ وَأَمَّا اسْتِعَاذَتُهُ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ فَمَا كَانَ مِنِ اسْتِعَاذَةٍ أَوْ طَلَبٍ أَوْ تَوَسُّلٍ بِمَخْلُوقٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَلا حَرَجَ فِيهِ وَلا مَحْذُورَ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ اللُّغَوِىُّ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِىُّ فِى شِفَاءِ السَّقَامِ إِنَّ التَّوَسُّلَ وَالِاسْتِغَاثَةَ وَالتَّجَوُّهَ وَالتَّوَجُّهَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ اﻫ (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فِى الأَرْضِ سِوَى الْحَفَظَةِ) سَيَّاحِينَ فِى الْفَلاةِ (يَكْتُبُونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ بِأَرْضٍ فَلاةٍ فَلْيُنَادِ أَعِينُوا عِبَادَ اللَّهِ) اﻫ قَالَ فِى مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ (رَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ) اﻫ (وَقَالَ) أَىِ (الْحَافِظُ الْهَيْثَمِىُّ) أَيْضًا (رِجَالُهُ ثِقَاتٌ) اﻫ وَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِى الأَمَالِىِّ الْمِصْرِيَّةِ بِلَفْظِ فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ فِى فَلاةٍ فَلْيُنَادِ يَا عِبَادَ اللَّهِ أَعِينُوا وَقَالَ إِنَّهُ حَسَنٌ اﻫ وَثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَدِرَتْ رِجْلُهُ فَقِيلَ لَهُ اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فَشُفِيَتْ رِجْلُهُ فِى الْحَالِ اﻫ وَرَوَى هَذَا الأَثَرَ الأَكَابِرُ بِالأَسَانِيدِ الْجَيِّدَةِ وَأَثْبَتُوهُ فِى كُتُبِهِمْ بِلا نَكِيرٍ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ الإِمَامِ الْبُخَارِىِّ فِى الأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ أَبِى نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ سَعْدٍ قَالَ خَدِرَتْ رِجْلُ ابْنِ عُمَرَ الْحَدِيثَ اﻫ وَمِنْهَا رِوَايَةُ الإِمَامِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِىِّ فِى غَرِيبِ الْحَدِيثِ ثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ ثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ سَعْدٍ جِئْتُ ابْنَ عُمَرَ الْحَدِيثَ اﻫ وَمِنْهَا رِوَايَةُ الْحَافِظِ ابْنِ السُّنِّىِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِىِّ بنِ الْجَعْدِ ثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ سَعْدٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ الْحَدِيثَ اﻫ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلانِ مَا حَاوَلَهُ نَاصِرُ الدِّينِ الأَلْبَانِىُّ مِنْ تَضْعِيفِ هَذَا الأَثَرِ لَمَّا وَجَدَهُ نَاقِضًا لِعَقِيدَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْوَهَّابِيَّةِ إِنَّ مَا رُوِىَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ مِنْ مُنَادَاةِ الْمَحْبُوبِ عِنْدَ خَدَرِ الرِّجْلِ إِنَّمَا هُوَ لِاسْتِحْضَارِ ذِكْرِ الْمَحْبُوبِ فِى الْقَلْبِ وَالشَّوْقِ لَهُ اﻫ قُلْنَا كَلامُنَا لَيْسَ فِى هَذَا فَإِنَّكُمْ تُكَفِّرُونَ مَنْ نَادَى مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا أَوِ اسْتَعَانَ بِهِ وَلا شَكَّ أَنَّ مِنَ السَّلَفِ مَنْ قَدْ نَادَى مَيِّتًا وَغَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا حُصُولَ مَنْفَعَةِ زَوَالِ الْخَدَرِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ فِى الْحَقِيقَةِ مُكَفِّرُونَ لِهَؤُلاءِ السَّلَفِ وَمُكَفِّرُونَ لِحُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ نَقَلُوا فِعْلَهُمْ وَأَقَرُّوهُ وَأَوْدَعُوهُ كُتُبَهُمْ وَلَمْ يَعْتَرِضُوا عَلَيْهِ فَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَتْبَاعُ التَّابِعِينَ فِى وَادٍ وَأَنْتُمْ فِى وَادٍ ءَاخَرَ وَمَعْنَى قَوْلِكُمْ إِنَّ مَنِ اسْتَحْضَرَ فِى قَلْبِهِ ذِكْرَ الْمَحْبُوبِ وَالشَّوْقَ إِلَيْهِ جَازَ لَهُ الشِّرْكُ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَا أَشَدَّ تَنَاقُضِكُمْ وَمَا أَبْعَدَ كَلامِكُمْ عَنِ الْحَقِّ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتِى خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ وَوَفَاتِى خَيْرٌ لَكُمْ) فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَنْفَعُنَا بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى خِلافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ التَّيْمِيُّونَ (تُعْرَضُ عَلَىَّ أَعْمَالُكُمْ) أَىْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لا بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الَّذِينَ يُوَجَّهُونَ قِبَلَ الْحَوْضِ وَغَيْرُهُ (فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ لَكُمْ) اﻫ (رَوَاهُ الْبَزَّارُ) فِى مُسْنَدِهِ (وَ)قَالَ الْهَيْثَمِىُّ فِى مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ (رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ) اﻫ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ وَءَاثَارٍ أُخَرَ أَنَّ الْمَيِّتَ لا يَصِيرُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْخَشَبَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ نَفْعٌ مِنْ قِسْمٍ مِنَ الْمَوْتَى بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِلأَحْيَاءِ وَهَذَا لا يُخَالِفُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ إِذَا مَاتَ ابْنُ ءَادَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ اﻫ الْحَدِيثَ لِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِى يَنْقَطِعُ هُوَ عَمَلُ الْمَيِّتِ التَّكْلِيفِىُّ الَّذِى يَكُونُ لَهُ جَزَاءٌ عَلَيْهِ لا كُلُّ عَمَلٍ (وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِىُّ فِى مُعْجَمَيْهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ عَنْ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ) أَىْ يَتَرَدَّدُ (إِلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (فَكَانَ عُثْمَانُ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلا يَنْظُرُ فِى حَاجَتِهِ فَلَقِىَ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ نَبِىِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّى فِى حَاجَتِى لِتُقْضَى لِى ثُمَّ رُحْ حَتَّى أَرُوحَ مَعَكَ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَفَعَلَ مَا قَالَ) لَهُ عُثْمَانُ بنُ حُنَيْفٍ (ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ) بنِ عَفَّانَ (فَجَاءَ الْبَوَّابُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (فَأَجْلَسَهُ عَلَى طِنْفِسَتِهِ) أَىْ بِسَاطِهِ (فَقَالَ مَا حَاجَتُكَ فَذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ فَقَضَى لَهُ حَاجَتَهُ وَقَالَ مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حَتَّى كَانَتْ) أَىْ جَاءَتْ (هَذِهِ السَّاعَةُ) أَىْ مَا ذَكَرْتُهَا إِلَّا الآنَ فَقَضَى لَهُ حَاجَتَهُ (ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِىَ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ فَقَالَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِى حَاجَتِى وَلا يَلْتَفِتُ إِلَىَّ حَتَّى كَلَّمْتَهُ فِىَّ فَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حُنَيْفٍ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (وَاللَّهِ مَا كَلَّمْتُهُ وَلَكِنْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَتَاهُ ضَرِيرٌ فَشَكَى إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَقَّ عَلَىَّ ذَهَابُ بَصَرِى وَإِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ فَقَالَ لَهُ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ مَا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ وَقَدْ أَبْصَرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ اهـ قَالَ الطَّبَرَانِىُّ) فِى كُلٍّ مِنْ مُعْجَمَيْهِ (وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ اﻫ وَالطَّبَرَانِىُّ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لا يُصَحِّحُ حَدِيثًا مَعَ اتِّسَاعِ كِتَابِهِ الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ) فَإِنَّهُ (مَا قَالَ عَنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ) فِيهِ (وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ إِلَّا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ) بِطُولِهِ (فِى) مُعْجَمِهِ (الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ) كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يُصَحِّحْ فِيهِ غَيْرَهُ (فَفِيهِ دَلِيلٌ) عَلَى (أَنَّ الأَعْمَى تَوَسَّلَ بِالنَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِى غَيْرِ حَضْرَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ وَفِيهِ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالنَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَائِزٌ فِى حَالَةِ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ) بِدَلِيلِ أَمْرِ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ لِصَاحِبِ الْحَاجَةِ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِنَبِىِّ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بَعْدَ وَفَاتِهِ (فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَةَ لا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ إِلَّا بِالْحَىِّ الْحَاضِرِ) اﻫ وَهِىَ قَاعِدَةٌ ابْتَدَعَهَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ حَتَّى مِنْ أَسْلافِهِ الْمُجَسِّمَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهِ مَحْذُوفٌ فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلامِ عَلَى مُوجَبِ دَعْوَاهُ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِدُعَاءِ نَبِيِّنَا وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا جَاهِلِينَ بِالْحَقِيقَةِ وَبِأُصُولِ الِاعْتِقَادِ وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلأُصُولِ فَإِنَّ عُلَمَاءَ الأُصُولِ لا يُجَوِّزُون التَّأْوِيلَ إِلَّا لِدَلِيلٍ عَقْلِىٍّ قَاطِعٍ أَوْ نَقْلِىٍّ ثَابِتٍ فَالأَصْلُ فِى مَا جَاءَ فِى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِبْقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَدَمُ التَّقْدِيرِ وَالتَّأْوِيلِ إِلَّا لِدَلِيلٍ وَلا دَلِيلَ هُنَا إِلَّا رَأْىُ ابْنِ تَيْمِيَةَ الَّذِى جَعَلَهُ أَصْلًا وَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَشَرَطَ مَا لَمْ يَشْرُطْهُ شَرْعُ اللَّهِ تَعَالَى (وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ. وَأَمَّا تَمَسُّكُ بَعْضِ الْوَهَّابِيَّةِ لِدَعْوَى ابْنِ تَيْمِيَةَ هَذِهِ فِى رِوَايَةِ حَدِيثِ التِّرْمِذِىِّ الَّذِى فِيهِ اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِىَّ وَشَفِّعْنِى فِى نَفْسِى فَلا يُفِيدُ أَنَّهُ لا يُتَبَرَّكُ بِذَاتِ النَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يُتَوَسَّلُ بِهِ فِى غَيْبَتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ إِذْ أَنَّ الصَّحَابِىَّ الأَعْمَى رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا اللَّهَ مُتَوَسِّلًا بِالنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَافِيَهُ وَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُحَقِّقَ مُرَادَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُرَادَهُ فِى الشِّفَاءِ وَلَيْسَ فِى ذَلِكَ تَنَاقُضٌ يُوجِبُ الإِخْرَاجَ عَنِ الظَّاهِرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّأْوِيلِ (بَلِ التَّبَرُّكُ) وَالتَّوَسُّلُ (بِذَاتِ النَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِجْمَاعٌ لَمْ يُخَالِفْهُ إِلَّا ابْنُ تَيْمِيَةَ) كَيْفَ (وَالرَّسُولُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ الَّذِى قَالَ فِيهِ الْقَائِلُ) شِعْرًا مِنَ الطَّوِيلِ مِنْ جُمْلَتِهِ
(وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ)
أَوْرَدَهُ الْبُخَارِىُّ) فِى كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ صَحِيحِهِ ورُوِى بِتَثْلِيثِ اللَّامِ مِنْ ثِمَال وَتَثْلِيثِ الْهَاءِ مِنْ عِصْمَة وَفِيهِ مَدْحُ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ أَبْيَضُ وَأَنَّ الْمَطَرَ مِنَ اللَّهِ بِوَجْهِهِ أَىْ أَنَّهُ يُتَوَسَّلُ بِذَاتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِطَلَبِ الْمَطَرِ وَهَذَا قَدْ قِيلَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَذَاتُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُتَوَسَّلُ بِدُعَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لا بِذَاتِهِ فَقَدْ أَبْعَدَ النُّجْعَةَ وَأَتَى بِمَا لا طَائِلَ تَحْتَهُ (وَأَمَّا تَوَسُّلُ) سَيِّدِنَا (عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا (بَعْدَ مَوْتِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لِأَنَّ الرَّسُولَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ مَاتَ) كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ (بَلْ كَانَ لِأَجْلِ رِعَايَةِ حَقِّ قَرَابَتِهِ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَمَا بَيَّنَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ نَفْسُهُ وَسَيَأْتِى كَلامُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَ(بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعَبَّاسِ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (حِينَ قَدَّمَهُ) سَيِّدُنَا (عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ تَوَجَّهُوا بِى إِلَيْكَ لِمَكَانِى) أَىْ لِمَكَانَتِى وَمَنْزِلَتِى (مِنْ نَبِيِّكَ) اﻫ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَتَبَيَّنَ بُطْلانُ رَأْىِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ مُنْكِرِى التَّوَسُّلِ رَوَى هَذَا الأَثَرَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ) فِى فَتْحِ الْبَارِى وَصَنِيعُهُ فِى إِيرَادِهِ فِى الْفَتْحِ يَدُلُّ عَلَى تَقْوِيَتِهِ لَهُ (وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ) عَلَى الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ يُعَظِّمُهُ وَيُفَخِّمُهُ وَيَبَرُّ قَسَمَهُ فَاقْتَدُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ) أَىْ بِتَعْظِيمِهِ وَتَفْخِيمِهِ (وَاتَّخِذُوهُ وَسِيلَةً إِلَى اللَّهِ فِى مَا نَزَلَ بِكُمْ) اﻫ أَىْ مِنِ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ (فَهَذَا يُوضِّحُ سَبَبَ تَوَسُّلِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ) وَفِى هَذِهِ الآثَارِ فَوَائِدُ أُخْرَى مِنْهَا مَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِى الْفَتْحِ عَقِبَ إِيرَادِهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَنَصُّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ قِصَّةِ الْعَبَّاسِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِشْفَاعِ بِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلاحِ وَأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ اﻫ وَمِنْهَا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَكَانِ بِمَعْنَى الْمَكَانَةِ شَائِعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ سَيِّدِنَا إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِى سُورَةِ مَرْيَمَ ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ أَىْ خَصَّصْنَاهُ بِمَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ فَيَصِحُّ لِذَلِكَ السُّؤَالُ بِأَيْنَ عَنِ الْمَحَلِّ الْحِسِّىِّ وَالْمَحَلِّ الْمَعْنَوِىِّ وَعَنِ الْحَيِّزِ وَعَنِ الْمَكَانَةِ (فَلا الْتِفَاتَ بَعْدَ هَذَا) كُلِّهِ (إِلَى دَعْوَى بَعْضِ هَؤُلاءِ الْمُشَوِّشِينَ أَنَّ) حَدِيثَ الأَعْمَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهِ يُخَالِفُ أُصُولَ التَّوْحِيدِ فِى تَخَيُّلاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ زَاعِمِينَ أَنَّ (الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِى) شَأْنِ الأَعْمَى فِى (إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا بَلْ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِىُّ) كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ التِّرْمِذِىُّ وَابْنُ السُّنِّىِّ وَالْحَاكِمُ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِىُّ عِنْدَ رِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ (ثِقَةٌ) وَثَّقَهُ الْحَافِظُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْحَافِظُ النَّسَائِىُّ وَالْحَافِظُ الطَّبَرَانِىُّ وَالْحَافِظُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ (وَكَذَلِكَ دَعْوَى بَعْضِهِمْ وَهُوَ نَاصِرُ الدِّينِ الأَلْبَانِىُّ) فِى كِتَابِهِ التَّوَسُّلُ (أَنَّ مُرَادَ الطَّبَرَانِىِّ بِقَوْلِهِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ الْقَدْرُ الأَصْلِىُّ) الْمَرْفُوعُ (وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ الأَعْمَى فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَطْ وَلَيْسَ مُرَادُهُ مَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ أَيَّامَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ)كَلامُهُ (هَذَا مَرْدُودٌ) لِمُخَالَفَتِهِ عَادَةَ الْحُفَّاظِ فِى عِبَارَاتِهِمْ وَ(لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْمُصْطَلَحِ قَالُوا الْحَدِيثُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابَةِ أَىْ أَنَّ كَلامَ الرَّسُولِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُسَمَّى حَدِيثًا وَقَوْلَ الصَّحَابِىِّ) وَفِعْلَهُ (يُسَمَّى حَدِيثًا وَلَيْسَ لَفْظُ الْحَدِيثِ مَقْصُورًا عَلَى كَلامِ النَّبِىِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَطْ فِى اصْطِلاحِهِمْ وَهَذَا الْمُمَوِّهُ كَلامُهُ لا يُوَافِقُ) نُصُوصَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَلا يُوَافِقُ (الْمُقَرَّرَ فِى عِلْمِ الْمُصْطَلَحِ) فِى مُخْتَصَرَاتِهِ وَمُطَوَّلاتِهِ (فَلْيَنْظُرْ مَنْ شَاءَ فِى كِتَابِ تَدْرِيبِ الرَّاوِى) لِلْحَافِظِ السُّيُوطِىِّ (وَالإِفْصَاحِ) بِتَكْمِيلِ النُكَتِ عَلَى ابْنِ الصَّلاحِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ (وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْمُصْطَلَحِ) الْمَشْهُورَةِ كَمُقَدِّمَةِ ابْنِ الصَّلاحِ وَغَيْرِهَا (فَإِنَّ الأَلْبَانِىَّ لَمْ يَجُرَّهُ إِلَى هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا شِدَّةُ تَعَصُّبِهِ لِهَوَاهُ وَعَدَمُ مُبَالاتِهِ بِمُخَالَفَةِ) إِجْمَاعِ (الْعُلَمَاءِ كَسَلَفِهِ ابْنِ تَيْمِيَةَ) الَّذِى خَرَقَ الإِجْمَاعَ فِى أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ فَضْلًا عَنْ مُخَالَفَاتِهِ فِى الأُصُولِ.
(أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا (الَّذِى رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ) فِى كِتَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ مِنْ سُنَنِهِ (أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) اﻫ (فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى مَنْعِ التَّوَسُّلِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ) وَلا عَلَى أَنَّ سُؤَالَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَمْنُوعٌ وَأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَمْنُوعَةٌ (لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَعْنَاهُ أَنَّ الأَوْلَى بِأَنْ يُسْأَلَ وَيُسْتَعَانَ بِهِ) هُوَ (اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ مَعْنَاهُ لا تَسْأَلْ غَيْرَ اللَّهِ وَلا تَسْتَعِنْ بِغَيْرِ اللَّهِ. نَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِى سُنَنِهِ (لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِىٌّ) اﻫ (فَكَمَا لا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ جَوَازِ صُحْبَةِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ وَ)لا عَدَمُ جَوَازِ (إِطْعَامِ غَيْرِ التَّقِىِّ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الأَوْلَى فِى الصُّحْبَةِ الْمُؤْمِنُ وَأَنَّ الأَوْلَى بِالإِطْعَامِ هُوَ التَّقِىُّ كَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا الأَوْلَوِيَّةُ وَأَمَّا التَّحْرِيمُ الَّذِى يَدَّعُونَهُ فَلَيْسَ فِى هَذَا الْحَدِيثِ) لاسِيَّمَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ فِيهِ أَدَاةُ النَّهْىِ فَكَيْفَ تَجَرَّأَتِ الْوَهَّابِيَّةُ عَلَى الِاسْتِدْلالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْعِ التَّوَسُّلِ وَمَنْعِ نِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالطَّلَبِ مِنْهُ زَاعِمِينَ أَنَّهُ يَفْتَحُ بَابَ الشِّرْكِ بَلْ وَصَلَ الأَمْرُ بِهِمْ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ يَضَعُ كَفَّهُ عَلَى شَبِيكَةِ الْقَبْرِ النَّبَوِىِّ مَعَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِىَّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ إِلَى الْقَبْرِ النَّبَوِىِّ فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ إِنِّى لَمْ ءَاتِ الْحَجَرَ وَلَكِنِّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اﻫ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِىُّ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَإِلَى اللَّهِ الْمَلْجَأُ وَالْمُشْتَكَى. نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الأَوْلَى وَالأَفْضَلَ أَنْ لا يَضَعَ الزَّائِرُ كَفَّهُ عَلَى الشَّبِيكَةِ لِمُرَاعَاةِ الأَدَبِ فِى حَضْرَةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ حَىٌّ فِى قَبْرِهِ فَيَقِفُ أَمَامَهُ الزَّائِرُ كَمَا كَانَ لِيَقِفَ لَوْ دَخَلَ حَضْرَتُهُ قَبْلَ الْوَفَاةِ وَلَكِنْ هَذَا أَمْرٌ وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّكْفِيرُ أَمْرٌ مُخْتَلِفٌ بِمَرَّةٍ. (وَلا فَرْقَ بَيْنَ التَّوَسُّلِ وَالِاسْتِغَاثَةِ) مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُسْتَغِيثَ بِالنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا مُرَادُهُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْعَوْنَ مُتَّخِذًا ذِكْرَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا لِذَلِكَ وَلِهَذَا (فَالتَّوَسُّلُ) قَدْ (يُسَمَّى اسْتِغَاثَةً كَمَا جَاءَ فِى حَدِيثِ الْبُخَارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ مُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ) هَكَذَا لَفْظُهُ (فِى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا (لِحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِى رِوَايَةِ أَنَسٍ رُوِىَ) الْحَدِيثُ (بِلَفْظِ الِاسْتِشْفَاعِ وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ فِى الصَّحِيحِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِشْفَاعَ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ) كَمَا سَبَقَ نَقْلُهُ عَنِ الْحَافِظِ السُّبْكِىِّ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ التَّوَسُّلَ وَالِاسْتِغَاثَةَ وَالتَّجَوُّهَ وَالتَّوَجُّهَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ اﻫ (فَسَمَّى الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الطَّلَبَ مِنْ ءَادَمَ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ إِلَى رَبِّهِمُ اسْتِغَاثَةً) فَكَيْفَ يَجْرُؤُ الْوَهَّابِىُّ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِغَاثَةِ بِمَنْ مَاتَ بَلْ وَعَلَى تَكْفِيرِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. سُبْحَانَكَ رَبِّى هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (ثُمَّ الرَّسُولُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمَّى الْمَطَرَ مُغِيثًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ الْبُوصِيرِىُّ فِى مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ (أَنَّ الرَّسُولَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَىْ خَصِيبًا (نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ ءَاجِلٍ) اﻫ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِىُّ وَغَيْرُهُمْ (فَالرَّسُولُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمَّى الْمَطَرَ مُغِيثًا لِأَنَّهُ يُنْقِذُ مِنَ الشِّدَّةِ بِإِذْنِ اللَّهِ) مَعَ أَنَّ الْمَطَرَ لا رُوحَ فِيهِ وَلا إِرَادَةَ فَإِذَا جَازَ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ يُنْقِذُ وَيُغِيثُ جَازَ بِالأَوْلَى وَصْفُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الَّذِى جَعَلَ اللَّهُ لَهُ تَصَرُّفًا بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْمُنْقِذِ وَالْمُغِيثِ (كَذَلِكَ) فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ طَلَبِ الْعَوْنِ مِنَ (النَّبِىِّ وَالْوَلِىِّ) لِأَنَّهُمَا (يُنْقِذَانِ مِنَ الشِّدَّةِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى) سَوَاءٌ كَانَ مَا يُطْلَبُ مِنْهُمَا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَطْلُبَهُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَمْ لا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمِ فِى الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِىُّ أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ طَلَبَ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنْ تَدُلَّهُ عَلَى قَبْرِ سَيِّدِنَا يُوسَفَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَتْ لا أَفْعَلُ حَتَّى تُعْطِيَنِى حُكْمِى فَسَأَلَهَا عَنْ حُكْمِهَا فَقَالَتْ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِى الْجَنَّةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا سَيِّدُنَا مُوسَى ذَلِكَ وَلا قَالَ قَدْ طَلَبْتِ مِنِّى مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ أَنْ يُطْلَبَ مِنَ الْمَخْلُوقِ بَلْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أُعْطِهَا حُكْمَهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيثِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.