الأحد ديسمبر 22, 2024

إمام الحق والهدى أبو الحسن  علي بن إسماعيل الأشعري

ترجمته:
هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري اليماني البصري، وفي قومه نزل قول الله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [سورة المائدة/ءاية:54]. فيشير صلى الله عليه وسلم بعد نزولها إلى أبي موسى الأشعري قائلاً: “هم قوم هذا وضرب بيده على ظهر أبي موسى الأشعري”، ولما نزلت هذه الآية قدم بعد ذلك بيسير سفائن الأشعريين وقبائل اليمن فكان لهم بلاء حسن في الإسلام فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا الإيمان يمان والحكمة يمانية..” كما أخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين أن النبي أتاه أناس من بني تميم فقال عليه الصلاة والسلام: “اقبلوا البشرى يا بني تميم” قالوا بشرتنا فأعطنا مرتين فتغير وجهه، فجاءه أناس من أهل اليمن فقال: “يا أهل اليمن اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم” قالوا: قد قبلنا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره”. وفيه دليل على أن الله موجود في الأزل قبل خلق الأماكن والأزمان وقبل الخلق كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ليس له كمية صغيرة ولا كبيرة.

ولد الإمام أبو الحسن الأشعري سنة ستين ومائتين للهجرة بالبصرة، وقيل سنة سبعين، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة أربع وعشرين وقيل سنة ثلاثين ببغداد.

جده أبو موسى ممن يؤخذ عنهم الفتيا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أحسن الناس صوتًا في قراءة القرءان، ويُنسب إلى الجماهر بن الأشعر، والأشعر من أولاد سبأ الذين كانوا باليمن، هاجر أبو موسى الأشعري مع أخويه في بضع وخمسين من قومه إلى أرض الحبشة وأقاموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حتى قدموا جميعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر. رزق من الأولاد والاحفاد مع الدراية والرواية والرعاية ما يكثر نشره، وأساميهم في التواريخ مثبتة، إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الاشعري رضي الله عنه.

كان أبو الحسن الأشعري سنيًا من بيت سنّة ثم درس الاعتزال على أبي علي الجبائي وتبعه في الاعتزال حتى صار لهم إمامًا، ثم تاب ورقيّ كرسيًا في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإني أعرّفه بنفسي، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرءان وأن الله لا تراه الأبصار وأن أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع، معتقدٌ للرد على المعتزلة مخرجٌ لفضائحهم ومعايبهم.

قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رءوسهم حتى نشأ الأشعري فحجزهم في أقماع السماسم.


ثناء العلماء عليه:
وقال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: واعلم أن أبا الحسن الأشعري لم ينش مذهبًا إنما هو مقرر لمذاهب السلف مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عقد على طريق السلف نطاقًا وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًا. اهـ.

قال المؤرخ أبو محمد عبد القادر القرشي الحنفي في كتابه “الجواهر المضية في طبقات الحنفية”: “صاحب الأصول الإمام الكبير”. وأثنى عليه الشيخ عبد الرحيم الأسنوي الشافعي في طبقات الشافعية فقال: “هو القائم بنصرة أهل السنة، القامع للمعتزلة وغيرهم من المبتدعة بلسانه وقلمه، صاحب التصانيف الكثيرة، وشهرته تغني عن الإطالة بذكره”، ومدحه أبو بكر ابن قاضي شهبة أيضًا في طبقات الشافعية بقوله: “الشيخ أبو الحسن الأشعري البضري إمام المتكلمين، وناصر سنة سيد المرسلين، والذاب عن الدين”.

أما اليافعي فقال في “مرءاة الجنان”: “الشيخ الإمام ناصر السنة وناصح الأمة، إمام الأئمة الحق، ومدحض حجج المبتدعين المارقين، حامل راية منهج الحق ذي النور الساطع والبرهان القاطع”.

وقال أبو الفتح الشهرستاني في كتابه “الملل والنحل”: “الأشعرية أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المنتسب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، وسمعت من عجيب الاتفاقات أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان يقرر عين ما يقرر الأشعري أبي الحسن في مذهبه”.

وقال الاستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله: “اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان إمامًا من أئمة أصحاب الحديث ومذهبه مذهب أصحاب الحديث تكلم في أصول الدين على طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدع وكان على المعتزلة والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفًا مسلولاً، ومن طعن فيه أو قدح أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة” اهـ.

وترجمه الحافظ أبو بكر البغدادي في “تاريخ بغداد” بقوله: “أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة” اهـ.

ووصفه المؤرخ ابن العماد الحنبلي بالإمام العلامة البحر الفهامة المتكلم صاحب المصنفات ثم قال: “ومما بيّض به وجوه أهل السنة النبوية وسوّد به رايات أهل الاعتزال والجهمية فأبان به وجه الحق الأبلج، ولصدور أهل الإيمان والعِرفان أثلج، مناظرته مع شيخه الجبائي التي قصم فيها ظهر كل مبتدع مرائي” اهـ.

وأورده شمس الدين بن خلكان في الأعيان ووصفه بقوله: “صاحب الأصول، والقائم بنصرة مذهب أهل السنة، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية، وشهرته تغني عن الإطالة في تعريفه” اهـ.

وأجاب قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني الحنفي على سؤال ورده ببغداد ونصه: “ما قول السادة الأئمة الأجلة في قوم اجتمعوا على لعن فرقة الأشعري وتكفيرهم، ما الذي يجب عليهم؟، فأجاب بقوله: “قد ابتدع وارتكب [أي كل لاعن لفرقة الأشاعرة] ما لا يجوز، وعلى الناظر في الأمور أعز الله أنصاره الإنكار عليه وتأييده [أي تأييد الإنكار بالحجج] بما يرتدع به هو وأمثاله عن ارتكاب مثله”.

وبعده كتاب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعليقًا على الجواب المذكور: “الأشعرية أعيان أهل السنة وأنصار الشريعة انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية وغيرهم فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة، وإذا رفع أمر من يفعل ذلك إلى الناظر في أمر المسلمين وجب عليه تأديبه بما يرتدع به كل أحد”.

ووقّع على هذا الجواب أيضًا بالموافقة الشيخ أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي تلميذ الشيخ أبي إسحاق.

وقد صنف الشيخ العلامة ضياء الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن يوسف بن عمر القرطبي رسالة سماها “زجر المفتري على أبي الحسن الأشعري” رد فيها على بعض المبتدعة الذين هجوا الإمام الأشعري، ولما وقف عليها الشيخ تقي الدين بن دقيق قرَّظها.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: “واعتقاد الأشعري رحمه الله مشتمل على ما دلت عليه أسماء الله التسعة والتسعون” ويقول رضي الله عنه في ءاخر عقيدته: “فهذا جملة من اعتقاد الاشعري رحمه الله تعالى واعتقاد السلف واهل الطريقة والحقيقة” ويقول تاج الدين عبد الوهاب السبكي أيضًا: “وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله”. ثم يقول: “وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة”. ويقول الشيخ محمد العربي التبّان شيخ المالكية في الحرم المكي: “فحول المحدثين من بعد أبي الحسن إلى عصرنا هذا أشاعرة وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك”.

قال الأستاذ الإمام الإسفراييني الفقيه الأصولي: “كنت في جنب الشيخ الباهلي كقطرة في البحر، وسمعت الشيخ أبا الحسن الباهلي يقول: كنت أنا في جنب الشيخ الأشعري كقطرة في جنب البحر”.

وقال البيهقي: “إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله فلم يُحدث في دين الله حدثًا، ولم يأتِ فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها، بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قاله في الأصول وجاء به الشرع صحيح في العقول خلاف ما زعم أهل الأهواء، فكان في بيانه تقوية لنصره أهل السنة والجماعة من الأئمة كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين، وأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث كالبخاري ومسلم إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع رضي الله عنهم أجمعين.

وقال لسان الأمة القاضي أبو بكر الباقلاني: “أفضل أحوالي أن أفهم كلام أبي الحسن”.

وقال تاج الدين السبكي: “لو أردنا استيعاب مناقب الشيخ الأشعري لضاقت بنا الأوراق، وكلّت الأقلام، ومن أراد معرفة قدره، وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب “تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري” الذي صنفه الحافظ ابن عساكر الدمشقي فهو من أجلّ الكتب، وأعظمها فائدة وأحسنها”، قال ابن أبي الحجاج الأندلسي في فهرسته: “لو لم يكن للحافظ ابن عساكر من المنّة على الأشعري إلا هذا الكتاب لكفى به”.

وقد افتتح ترجمته بقوله: “شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى الشيخ أبو الحسن الأشعري البصري شيخ طريقة أهل السنة والجماعة وإمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين سعيًا يبقى أثره إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، إمام حبر وتقي بر، حمى جناب الشرع من الحديث المفترى وقام في نصرة ملة الإسلام فنصرها نصرًا مؤزرًا وما برح يدلج ويسير وينهض بساعد التشمير حتى نقَّى الصدور من الشبه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ووقى بأنوار اليقين من الوقوع في ورطات ما التبس فلم يترك مقالاً لقائل وأزاح الأباطيل والحق يدفع تُرَّهات الباطل”.

وقد زعم بعض الناس أن الشيخ الأشعري كان مالكيًا وليس ذلك بصحيح، إنما كان شافعيًا تفقه على أبي إسحاق المروزي، نص على ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك في “طبقات المتكلمين” والأستاذ أبو اسحاق الاسفراييني فيما نقله عنه الشيخ أبو محمد الجويني في “شرح الرسالة”. أما شيخ الأشاعرة من المالكية فهو الإمام القاضي أبو بكر الباقلاني.


مجانبته لأهل البدع وصحة اعتقاده:
نظر الإمام أبو الحسن الأشعري في كتب المعتزلة والجهمية فوجد أنهم عطلوا وأبطلوا وقالوا والعياذ بالله: “لا علم لله ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حياة ولا بقاء ولا إرادة”. وقالت الحشوية والمجسمة والعياذ بالله: “إن لله علمًا كالعلوم وقدرة كالقُدر وسمعًا كالأسماع وبصرًا كالأبصار”فسلك رضي الله عنه طريقة بينهما فقال: “إن لله سبحانه وتعالى علمًا لا كالعلوم، وقدرة لا كالقُدَر، وسمعًا لا كالأسماع، وبصرًا لا كالأبصار”.

أما جهم بن صفوان فقال: “العبد لا يقدر على إحداث شيء ولا على كسب شيء”. وقالت المعتزلة والعياذ بالله: “هو [أي العبد] قادر على الإحداث والكسب معًا”. فسلك رضي الله عنه طريق بينهما فقال: “العبد لا يقدر على الإحداث ويقدر على الكسب” ونفى قدرة الإحداث وأثبت قدرة الكسب. وقالت الحشوية المشبهة والعياذ بالله: “إن الله سبحانه يُرى مكيفًا محدودًا كسائر المرئيات”، وقالت المعتزلة والجهمية والنجارية والعياذ بالله: “إنه سبحانه لا يُرى بحال من الأحوال”. فسلك رضي الله عنه طريقة بينهما فقال: “يُرى من غير حلول ولا حدود ولا تكييف، وهو غير محدود ولا مُكيف فكذلك نراه وهو غير محدود ولا مُكيَّف”.

وقالت النجارية والعياذ بالله: “إن الله بكل مكان من غير حلول ولا جهة”، وقالت الحشوية والمجسمة والعياذ بالله: “إنه سبحانه حالٌ في العرش، وإن العرش مكان له وهو جالس عليه”، فسلك رضي الله عنه طريقة بينهما فقال: “كان ولا مكان، فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه”.

وقالت المرجئة والعياذ بالله: “من أخلص لله سبحانه وتعالى مرة في إيمانه لا يكفر بارتداد ولا كفر ولا يكتب عليه كبيرة قط”، وقال المعتزلة: “إن صاحب الكبيرة مع إيمانه وطاعاته مائة سنة لا يخرج من النار قط”، فسلك رضي الله عنه طريقة بينهما فقال: “المؤمن الموحد الفاسق هو في مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عاقبه بفسقه ثم أدخله الجنة”.

وأما ما تزعم المجسمة من أن الإمام الأشعري قرر في كتابه الإبانة ما يوافق التجسيم وأن الله حال في السماء فهو مدفوع بأن النسخ التي يعتمدون عليها في نسبة ذلك إليه مدسوسة عليه ولا يستطيعون أن يظهروا نسخة موثوقًا بها إنما هذه النسخة عمل بعض المجسمة، فهل يعقل أن تكون مثل هذه العبارة من كلام أبي الحسن الأشعري وهي: اتفق المسلمون في دعائهم على قول يا ساكن السماء، فهذه فرية ظاهرة يكفي لكونها كذبًا وافتراء عليه أن هذا لا يُعرف عن أحد من الأشاعرة خواصهم وعوامهم، بل ولا عن أحد ممن سبق أبا الحسن الأشعري ولا من لحقه من أهل الإسلام في الزمن الماضي والحاضر.


اجتهاده في العبادة وزهده في الدنيا:
كان الشيخ أبو الحسن الأشعري عجيبًا في الذكاء وقوة الفهم وتبحره في العلم، وكان قريبًا من عشرين سنة يصلي صلاة الصبح بوضوء العتمة، وكان لا يحكي عن اجتهاده شيئًا إلى أحد. كان كثير الحياء في أمور الدنيا، ونشيط في أمور الآخرة، وكان يأكل من غلّة ضيعة وقها جده بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري على عقبه، وكانت نفقته في كل سنة سبعة عشر درهمًا لكل شهر درهم وقليل.


مصنفاته:
ذكر الإمام الأشعري رحمه الله في كتابه “العمد في الرؤية” أسماء أكثر كتبه، فمنها: كتاب “الإبانة” و”الفصول في الرد على الملحدين الخارجين عن الملة” كالفلاسفة والطبائعيين الدهريين وأهل التشبيه، والقائلين بأزلية الدهر، وردَّ على البراهمة واليهود والمجوس، وهو كتاب يشتمل على اثنتي عشر كتابًا، وكتاب “إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان” وكتاب “اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع”، و”اللمع الكبير” وكتاب “التفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل” وكتاب “النقض على الجبّائي” والجبائي هذا رأس متكلمي المعتزلة. وكتاب “مقالات المسلمين”، و”جمل المقالات” و”الجوابات في الصفات” و”القامع لكتاب الخالدي”، و”الدافع للمهذب” و”المختصر في التوحيد والقدر” و”كتاب الطبريين” و”جواب المصريين” و”المسائل على أهل التثنية” و”تفسير القرءان” و”زيادات النوادر” و”جوابات أهل فارس” و”الجوهر” و”الاحتياج” و”الأخبار وتصحيحها” و”الإيمان” و”أفعال النبي” و”دلائل النبوة” و”كشف الأسرار” و”الموجز” و”الاحتجاج” و”ثبات القياس” و”النوادر في دقائق الكلام” و”أدب الجدل” و”النقض على البلخي” و”الرد على المجسمة” و”الرد على ابن الرواندي في الصفات والقرءان” و”الاجتهاد في الأحكام” و”الادراك في فنون لطيف الكلام” و”الإمامة” و”التبيين عن أصول الدين” و”خلق الأعمال” و”جواز رؤية الله تعالى بالأبصار” وغيرها كثيرة فقد كان الأشعري رحمه الله مكثرًا في التصنيف ويقال إن تصانيفه بلغت أكثر من ثلاثمائة كتاب ومن شاء فليراجع فقد أورد الكثير منها إسماعيل باشا في كتابه “هدية العارفين” الجزء الأول.

وكتاب “الإبانة” هو من تأليف أبي الحسن، لكن أكثر نسخه سقيمة، وكل النسخ التي تنقل منها المجسمة القدماء وغيرهم غير صحيحة لأنها لم تكن مقابلة بيد ثقة على نسخة قابلها ثقة وهكذا إلى أصل المؤلف الذي كتبه بخطه أو كتبه ثقة بإملاء المؤلف فقابله على المؤلف، وابن عساكر لم يسرد الإبانة كلها وإنما ذكر بعضًا ليس فيه ما هو صريح في التجسيم والتشبيه، بل يوجد في النسخ المطبوعة من الإبانة ما لا يخفى على جميع المسلمين أنه مفترى ولا يُصدق على المبتدئ من طلاب العلم. وفي هذه النسخ السقيمة مما أدخلته الحشوية من الجمل التي لا يقول بها أدنى مسلم فكيف بالإمام الأشعري؟!!! ومما يدل على تبرئة الأشعري من ذلك ما نقله عنه الشيخ ابن فورك رحمه الله فقد جمع كلامه في مؤلَّف وفيه من الكلام ما يدل على أن ما في الإبانة من التجسيم هو مفترى على أبي الحسن رحمه الله. ثم إن الإبانة ليست مؤلف أبي الحسن الوحيد، وليست ءاخر مؤلفاته على الإطلاق، بل مذهب الإمام من الأئمة ما أطبق عليه أصحابه الثقات على نسبته إليه، ومسئلة تنزيه الله عن التحيز في العرش والسماء وغيرهما من الأماكن مما عُرف أنه طريق الأشعري بالتواتر على القطع والجزم فلا وجه للمراء في ذلك.


مشاهير أصحابه:
إن فضل المقتدي يدل على فضل المقتدى به، فمن أصحابه الذين أخذوا عنه ومن أدركه ممن قال بقوله أو أخذ العلم عنه وهم من أعيان الأئمة ومشاهير القوم وقد ذكرهم مؤرخ الشام وحافظها أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر في كتابه الذي ألفه في الدفاع عن الشيخ أبي الحسن الأشعري مع ذكر مناقبه ومؤلفاته وثناء الأئمة عليه، وقد أفرد قاضي القضاة الشيخ تاج الدين ابن الإمام قاضي القضاة تقي الدين السبكي فصلاً خاصًا بذكر أكابر المنتسبين إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري وذلك أثناء ترجمته في كتابه طبقات الشافعية.

* أبو محمد الطبري المعروف بالعراقي، أهل جرجان يعرفونه بالمنجنيقي. وكان ولي قضاء جرجان، وكان فصيح اللسان، يناظر على مذهب الشافعي في الفقه، وعلى مذهب الأشعري في الكلام.
* أبو بكر القفال الشاشي: إمام عصره ببلاد ما وراء النهر للشافعيين، وأعلمهم بالأصول وأكثرهم رحلة في طلب الحديث.
* أبو سهل الصعلوكي النيسابوري وهو فقيه أديب لغوي نحوي شاعر متكلم مفسّر.
* أبو زيد المروزي، وهو أحد أئمة المسلمين ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعي وأحسنهم نظرًا وأزهدهم في الدنيا.
* أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي وكان شيخًا بعلوم الظاهر متمسكًا بالشريعة.
* أبو بكر الجرجاني الإسماعيلي، وكان برًا بوالديه لحقته بركة دعائهما.
* أبو الحسن عبد العزيز بن محمد بن إسحاق الطبري: وكان من أعيان أصحاب أبي الحسن، خرج إلى الشام ونشر بها مذهبه.
* أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري، وأبو عبد الله الأصبهاني المعروف بالشافعي، وأبو محمد القرشي الزهري، وأبو بكر البخاري المعروف بالأودني، وأبو منصور النيسابوري، وأبو الحسين بن سمعون البغدادي، وأبو عبد الرحمن الشروطي، وأبو علي الفقيه السرخسي، وأبو بكر البيهقي، وابن عساكر الدمشقي، وأبو الفضل العسقلاني، وأبو الحسن الباهلي، وأبو إسحاق الاسفراييني، والحافظ أبو نعيم، والإمام أحمد الرفاعي، والقاضي عياض، والإمام النووي، والإمام فخر الدين الرازي، وابن دقيق العيد، والحافظ مرتضى الزبيدي، والشيخ زكريا الأنصاري، ومفتي مصر محمد عليش المالكي، وشيخ الجامع الأزهر عبد الله الشرقاوي وغيرهم من أئمة الدين كثير لا يحصيهم إلا الله سبحانه.

قال الإمام أبو نصر القشيري:

شيئان من يعذلني فيهما *** فهو على التحقيق مني بري
حب أبي بكر إمام الهدى *** ثم اعتقادي مذهب الأشعري

وقال بعض أهل العلم:

الأشعرية قوم *** قد وفّقوا للصواب
لم يخرجوا في اعتقاد *** عن سنة أو كتاب

قال الإمام الحزري الاسكندراني:

خذ ما بدا لك أو فدع *** كثرت مقالات البدع
إن النبي المصطفى *** دينًا حنيفيًا شرع
الله أيّد شيخنا *** وبه البرية قد نفع
الأشعري إمامنا *** شيخ الديانة والورع

وقال بعضهم في مدحه:

قل للمخالف يا لُكع *** كُفّ اللسان عن البدع
وذَرِ التعصب جانبًا *** واللعن للعلماء دع
واعلم بأن الأشعري *** عدو أصحاب البدع
فهو المجيدُ الذبّ عن *** سنن الرسول وما شرع
حبر تقي عالم *** جمع الديانة والورع
فعليه رحمة ربه *** ما غاب نجم أو طلع

وبعد.. فإن ما ذكره علماء أهل الحق من معاصري الإمام الأشعري ومن جاء بعدهم في مدح طريقته وصحة اعتقاده ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أبا الحسن الاشعري إمام أهل السنة والجماعة، وأن ما يدعيه المجسمة والمشبهة نفاة التوسل بشأنه ما هو إلا محض افتراء يرمون من وراءه إلى نشر عقائدهم الفاسدة في التشبيه والتجسيم. ومن رام مزيد اطلاع على سيرة إمامنا أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه فنحيله إلى حيث أحال الإمام تاج الدين السبكي في “طبقات الشافعية” المستزيدين من أخبار الأشعري، ونعني بذلك كتاب “تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الاشعري” للإمام ابن عساكر الدمشقي.


وفاته:
في تاريخ وفاته اختلاف منها أنه توفي في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وقيل سنة أربع وعشرين، وقيل سنة ثلاثين، توفي رحمه الله ببغداد ودفن بين الكرخ وباب البصرة رحمه الله تعالى.