الأحد ديسمبر 7, 2025

إزالة شبهة

احتج القرضاوي في إثبات دعواه أن التبرك بآثار الصالحين وقبورهم بعد موتهم من أوسع أبواب الشرك بالله بحديث رواه الطبراني أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إنه لا يُستغاث بي وإنما يُستغاث بالله” [1]، وقد جهل القرضاوي أن هذا الحديث غير صحيح وذلك لقصر باعه في علم الحديث  فضلاً عن بقية العلوم الشرعية، وقد بيّن عدم صحة هذا الحديث محدث الديار المغربية الشيخ عبد الله الغماري فقال ما نصه [2]: “لا يقال فقد جاء النهي عن إطلاق لفظ الاستغاثة في حديث الطبراني المذكور فإن فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله” لأنا نقول: قد أجاب عنه ابن تيمية بما تقدم في كلامه وهو: أنه صلى الله عليه وءاله وسلم أراد المعنى الثاني وهو أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، وهذا الجواب متعين على أن الحديث ليس بصحيح لأن الطبراني رواه من طريق ابن لهيعة حيث قال في معجمه الكبير: حدثنا أحمد بن حماد بن زغبة المصري، ثنا سعيد بن عفير، ثنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، عن عبادة قال: كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، وذكر الحديث كما تقدم، وابن لهيعة متكلم فيه كما هو معروف في كتب الرجال وقد وصفه ابن حبان بالتدليس، وحديثه هذا معنعن فمن يدرينا لعله دلسه، وعلى فرض فقد عرفت الجواب عنه” اهـ.

وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية بدار السلطنة العثمانية بعد كلام طويل في إثبات جواز التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين وإيراده في إثبات ذلك حديث الشفاعة عند البخاري: “استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم” ما نصه [3]: “وهذا يدل على جواز استعمال لفظ الاستغاثة في صدد التوسل، وأما حديث: “لا يُستغاث بي” عند الطبراني ففي سنده ابن لهيعة وقد شرحنا حاله في “الإشفاق” فلا يناهض الحديث الصحيح” اهـ.

قال الكوثري في كتابه “الإشفاق على أحكام الطلاق” ما نصه [4]: “وابن لهيعة يدلس عن الضعفاء واختلط بعد احتراق كتبه اختلاطًا شديدًا فلا يُكتب حديثه إلا من رواية العبادلة الأربعة: ابن المبارك، وابن وهب، وابن يزيد، والقعنبي عنه” اهـ.

قلت: وليس هذا من رواية أحدهم، فتبين أن هذا الحديث غير صحيح ولا يعارض الأحاديث والآثار الصحيحة التي ذكرناها في هذا الكتاب، ويدرك ذلك أدنى طالب علم، فإلى الله الشكوى.

الهوامش:

[1] راجع كتابه المسمى “العبادة في الإسلام” [ص/141].

[2] الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين [ص/41].

[3] مقالات الكوثري [ص/426-427].

[4] الإشفاق على أحكام الطلاق [ص/19].