إخبارُه ﷺ عَن مَصِيرِ أبي لهَبٍ قَبلَ وُقوعِه
473- |
وَكَـانَ مِـنْ عُتْبَةٍ ابْنَ ابِي لَهَبْ |
|
أَذًى لَـهُ دَعَـا عَليهِ فـوَجَـبْ |
474- |
يُسَـلِّـطُ اللهُ عَـلَـيْـهِ كَـلْـبَـا |
|
قَـتَـلَـهُ الأَسَـدُ قَـتْـلًا صَـعْـبَا |
(وَ)مِن
مُعجِزاتِه ﷺ أنّه لَمّا (كَانَ مِنْ) الصِنْدِيدِ
المُشرِك (عُتَيبَةَ) مُصَغَّرًا وقيل: مُكبَّرٌ (ابْنِ أَبِي) بتسهيل الهمزة في النَّظمِ (لَهَبٍ) ما
كانَ مِن (أَذًى لَهُ) أي للنّبِيّ ﷺ (دَعَا عَليهِ) ﷺ (فوَجَبَ) أي فتَحقَّق دُعاؤُه فيهِ أنّه (يُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِ) أي على عُتيبةَ بنِ أبي لهَبٍ (كَلْبًا) أي عَقُورًا وهو شامِلٌ للأسَدِ والنَمِر ونَحوِها فـ(ـقَتَلَهُ الأَسَدُ) بعدَ أن ألهمَهُ اللهُ أنْ يَختارَهُ مِن
بينِ الحاضرِين وكانَ مَقتَلُه (قَتْلًا صَعْبًا) حيثُ
هَشَم له رأسَهُ. وعُتبةُ غيرُ عُتيبةَ وكلاهُما ابنٌ لأبي لهَبٍ، فالمشهورُ أنّ
عُتبةَ أسلَم يومَ الفتحِ وأنّ عُتَيبةَ هو الّذي هَلَك بدعاءِ النّبِيّ عليهِ،
وقيل: عُتبةُ هو الّذي هلَكَ وعُتيبةُ الّذي أسلَم([1]).
رَوَى أبو نُعَيم في
«الدّلائِل» أنّ رُقَيَّةَ بِنتَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كانت قَبلَ عُثمَانَ بنِ
عَفَّانَ عِندَ عُتبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ وَأُمَّ كُلثُومٍ عِندَ عُتَيبَةَ بنِ
أَبِي لَهَبٍ مِن قبلِ البِعثةِ، فلَمَّا أَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَبَّت
يَدَا أَبِي لَهَبٍ قال أبو لَهَبٍ وزَوجُهُ أُمُّ جَمِيلٍ لَعُتبَةَ وَعُتَيبَةَ:
وَجهُنَا مِن وَجهِكُمَا حَرَامٌ إِن لم تُطَلِّقَاهُما، فطلَّقَها عُتبةُ، وأمّا
عُتَيبة فلَمّا أرادَ الطَّلاقَ والخروجَ إلى الشّامِ بَعدَ ذلكَ مع أبي لهَبٍ
فقال: لآتين محمَّدًا وأُوذِينَّه في رَبّه([2])،
فأتَى يَكفُرُ باللهِ ويَسُبُّ النَّبِيَّ والعِياذُ باللهِ، ثمّ رَدَّ على
النَّبِيّ ﷺ ابنَتَه، فقال رسول اللَّه ﷺ: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ» أو «ابْعَثْ
عَلَيْهِ كَلْبًا([3])
مِن كِلَابِكَ»، ثمّ انصرَف عُتَيبةُ عنه فرجع إلى أبِيهِ، فقال أبو لهَبٍ:
أيْ بُنَيَّ ما قُلتَ له؟ قال: كفرتُ بإلههِ الَّذي يَعبُد، قال: فَماذا قالَ لكَ؟
قال: قال: «اللَّهُمَّ ابْعَثْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِن كِلَابِكَ»،
قال: أي بُنَيَّ واللَّهِ ما ءامَنُ عليكَ دَعوةَ محمَّد. وكان هَبّارُ بنُ
الأسوَدِ([4])
خارِجًا معَهُم في الرِّحلةِ إلى الشّام فقال: فسِرنا حتَّى نزَلْنا الشَّراةَ –
وهي مَأْسَدةٌ([5])
– فنَزَلْنا إلى صَومَعةِ راهِبٍ فقال: يا مَعشَرَ العرَبِ ما أنْزَلَكُم هذه
البِلادِ وإنّها مَسْرَحُ الضَّيْغَمِ([6])؟
فقال لنا أبو لهَبٍ: إنّكُم قَد عَرَفْتُم سِنِّي وحَقِّي، قُلْنا: أجَلْ، فقال:
إنَّ مُحمّدًا قد دَعا على ابْنِي دَعوةً، واللَّهِ لا ءَامَنُها علَيه،
فاجْمَعُوا مَتاعَكُم إلى هذِه الصَّومَعةِ ثمّ افتَرِشُوا لابْنِي عُتَيبةَ علَيه
ثمّ افْتَرِشُوا حولَه. قال هَبّارٌ: ففَعَلْنا، جَمَعْنا المَتاعَ حتى ارتفعَ،
ثمّ فرَشْنا له عليه وفَرَشْنا حولَه فبِتْنا نحن حولَه وأبو لهَبٍ معَنا أسفَلُ،
وباتَ هو فوقَ المَتاعِ، فجاءَ الأسَدُ فشَمَّ وُجوهَنا، فلَمّا لَم يَجِدْ ما
يُرِيدُ تَقَبَّضَ ثُمّ وَثَب فإذا هو فوقَ المَتاعِ، فشَمَّ وَجْهَه ثُمّ هَزَمَه
هَزْمةً ففَضَخَ رأسَه فقال: سَيْفِي يا كَلبُ، ولَم يَقدِر على غيرِ ذلكَ،
ووَثَبْنا فانطَلَق الأسَدُ وقد فَضَخَ رأسَه([7])،
فقال له أبو لهَبٍ: قد عرَفتُ واللهِ ما كان لِيَنْفَلِتَ مِن دَعوةِ محمَّد.