الجمعة أكتوبر 18, 2024

إخبارُه عَن مَصِيرِ أبي الغَيداقِ قَبلَ حُصولِه

473-        

وَقَـالَ فِيمَـنِ ادَّعَـى الإِسْـلَامَا


 

وَقَـدْ غَـزَا مَعْهُ العِـدَا وَحَـامَـا


474-        

مَـعْ شِـدَّةِ القِـتَـالِ لِلْكُـفَّـارِ


 

مَـعْـهُ بِـأَنَّـهُ مِـنَ اهْـلِ الـنَّـارِ


475-        

فَصَـدَّقَ اللهُ مَـقَـالَ السَّـيِّـدِ


 

بِنَحْـرِهِ لِنَفْسِـهِ عَـمْـدَ الـيَـدِ


 










(وَ)مِن مُعجِزاتِه ﷺ أنّه (قَالَ فِيمَن) أي في شأْنِ رَجُلٍ يُدعَى أبا الغَيْداقِ قَزْمانَ بنَ الحارِثِ الظَّفَرِيَّ إنّه في النّار، وكان أبو الغَيداقِ قد (ادَّعَى الإِسْلَامَا) أي ظاهِرًا وهو في الحقيقةِ مُنافِقٌ كما ذكَر بعضُ أهلِ الحديثِ والسِّيَر([1])، (وَقَدْ غَزَا) أي قاتلَ أبو الغَيداقِ في خَيبَرَ (مَعْهُ) أي مع النّبِيّ ﷺ مُحارِبًا (العِدَا) يَهودَ (وَحَامَى) أي دافَعَ عن المسلمِينَ (مَعْ) إظهارِ (شِدَّةٍ) في (القِتَالِ لِلْكُفَّارِ) اليَهودِ (مَعْهُ) أي مع النّبِيّ ﷺ وأصحابِه، وكان إخبارُ رسولِ الله ﷺ (بِأَنَّهُ) أي أبا الغَيداقِ يموتُ مُنافِقًا حقيقيًّا (مِنَ أهْلِ النَّارِ) مُخلَّدًا فيِها مِن قَبلِ وفاةِ أبي الغَيداقِ (فَصَدَّقَ اللهُ) أي حَقَّقَ اللهُ تعالَى (مَقَالَ) أي قَولَ (السَّيِّدِ) النّبِيّ ﷺ وإخبارَه عن حالِ هذا الرَّجُلِ، وكان تَحقُّق ذلكَ (بِنَحْرِهِ) أي بقَتلِ أبي الغَيداقِ (لِنَفْسِهِ) قَتلًا (عَمْدَ اليَدِ) مُنتَحِرًا مِن بَعدِ أنْ أصابَتْه جِراحةٌ في المَعركةِ.

رَوَى الشَّيخانِ عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ السّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ الْتَقَى هُوَ والمُشرِكُونَ فاقتَتَلُوا، فَلَمّا مالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى عَسكَرِهِ وَمالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسكَرِهِم وَفِي أَصحابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَهُم شاذَّةً وَلاَ فاذَّةً([2]) إِلّا اتَّبَعَها يَضرِبُها بِسَيفِهِ، فَقِيلَ: ما أَجزَأَ مِنّا اليَومَ أَحَدٌ كَما أَجزَأَ فُلاَنٌ([3])، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَما إِنَّهُ مِن أَهْلِ النّارِ»، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: أَنا صاحِبُهُ، قال: فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّما وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذا أَسرَعَ أَسرَعَ مَعَهُ، قال: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرحًا شَدِيدًا فاستَعجَلَ المَوتَ، فَوَضَعَ سَيفَهُ بِالأَرضِ وَذُبابَهُ([4]) بَينَ ثَديَيهِ ثُمَّ تَحامَلَ([5]) عَلَى سَيفِهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ.

فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى النّبِيّ ﷺ فَقالَ: أَشهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قال: «وَما ذاكَ؟» قال: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرتَ ءَانِفًا أَنَّهُ مِن أَهلِ النّارِ، فَأَعظَمَ النّاسُ ذَلِكَ، فَقُلتُ: أَنا لَكُم بِهِ، فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرحًا شَدِيدًا، فاستَعجَلَ المَوتَ فَوَضَعَ نَصلَ سَيفِهِ([6]) فِي الأَرضِ وَذُبابَهُ بَينَ ثَديَيهِ ثُمَّ تَحامَلَ عَلَيهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عِندَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ الجَنَّةِ فِيما يَبدُو لِلنّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ النّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ النّارِ فِيما يَبدُو لِلنّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ».



([1])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (5/335).

([2])  يُقال: “فُلانٌ لا يدَع شاذّةً ولا فاذّةً” إذا كان شُجاعًا لا يَلقاهُ أحَدٌ إلا قتَلَه.

([3])  معناه ما أغنَى وكفَى أحدٌ غَناءَه وكِفايَته.

([4])  هو طرَفُه الأسفَلُ، وأمّا طرَفُه الأعلَى فمِقْبَضُه، وقيل غيرُ ذلكَ.

([5])  أي رَمَى بثِقَلِه.

([6])  هو حَدُّ يَدِه.