(اعلم أن أعظم حقوق الله على عباده هو توحيده تعالى) أى معرفته مع إفراده بالعبادة أى نهاية التذلل (وأن لا يشرك به شىء لأن) الكفر بجميع أنواعه من (الإشراك بالله) وغيره (هو أكبر ذنب يقترفه العبد) قال تعالى ﴿والكافرون هم الظالمون﴾ ومعناه أكبر الظلم هو الكفر (وهو الذنب الذى لا يغفره الله) أى لمن استمر عليه إلى الموت أو إلى حالة اليأس من الحياة برؤية ملك الموت وملائكة العذاب أو إدراك الغرق بحيث أيقن بالهلاك ونحوه (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فالله تعالى يغفر كل الذنوب لمن شاء من عباده المسلمين المتجنبين للكفر بنوعيه الإشراك بالله تعالى الذى هو عبادة غيره والكفر الذى ليس فيه إشراك كتكذيب الرسول والاستخفاف بالله (قال تعالى ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾) ويدل على ذلك أيضا قوله عليه الصلاة والسلام »إن الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب« قالوا وما وقوع الحجاب يا رسول الله قال »أن تموت النفس وهى مشركة« رواه أحمد وابن حبان وصححه (وكذلك جميع أنواع الكفر لا يغفرها الله لقوله تعالى ﴿إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم﴾) فهذه الآية فيها النص على أن من مات كافرا لا يغفر الله له وهذا يؤخذ من قوله تعالى ﴿ثم ماتوا وهم كفار﴾ لأن هذا قيد لعدم المغفرة لهم، ومعنى ﴿وصدوا عن سبيل الله﴾ أى ومنعوا الناس من الدخول فى الإسلام وليس هذا شرطا للحرمان من المغفرة بل الكافر محروم من المغفرة إن منع الناس من الإسلام أو لم يمنع (وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم »من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) أى أن الإنسان إذا مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وتجنب عبادة غيره (وأن محمدا عبده ورسوله و)يشهد (أن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم) أى أن المسيح بشارة الله لمريم التى بشرتها بها الملائكة بأمره قبل أن تحمل به (وروح منه) أى أن روح المسيح روح صادرة من الله خلقا وتكوينا أى روحه روح مشرف كريم على الله (و)يشهد أن (الجنة حق والنار حق) معناه أنهما موجودتان وباقيتان وأنهما دارا جزاء فالجنة دار جزاء للمؤمنين والنار دار جزاء للكافرين (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل«) أى ولو كان من أهل الكبائر (رواه البخارى ومسلم، وفى حديث ءاخر »فإن الله حرم على النار) أى الدوام فيها إلى الأبد (من قال لا إله إلا الله يبتغى بذلك وجه الله« رواه البخارى) أى يبتغى القرب إلى الله تبارك وتعالى ومعناه إن قال ذلك معتقدا فى قلبه لا منافقا ليرضى المسلمين وهو فى قلبه غير راض بالإسلام. ومن اعتقد أن الوجه إذا أضيف إلى الله فى القرءان أو فى الحديث معناه الجسد الذى هو مركب على البدن فهو لم يعرف ربه لأن هذه هيئة الإنسان والملائكة والجن والبهائم فكيف يكون خالق العالم مثلهم، والمراد بهذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث التى لم يذكر فيها شهادة أن محمدا رسول الله ما يشمل الشهادة الأخرى لأن ذكر الشهادة الأولى صار فى عرف الشرع ملحوظا فيه الشهادة الثانية (و)ليس المعنى بهذا الحديث وشبهه أن الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله بدون الشهادة الأخرى يكفى للنجاة من الخلود الأبدى فى النار بل (يجب قرن الإيمان برسالة محمد بشهادة أن لا إله إلا الله) فاعتقاد أن لا إله إلا الله وحده لا يكفى ما لم يقرن باعتقاد أن محمدا رسول الله (وذلك أقل شىء يحصل به النجاة من الخلود الأبدى فى النار) بدليل قوله تعالى ﴿ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا﴾ فتحمل هذه الأحاديث على ما يوافق هذه الآية فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتى مناقضا للقرءان ومن توهم خلاف ذلك فهو لقصور فهمه وشدة جهله.