الدرس التاسع والأربعون
أحكام النكاح
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.
أما بعد فقد قال الله تبارك وتعالى فى سورة البقرة ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون﴾
هذه الآية هى ءاخر ما نزل من القرءان. هو القرءان نزل فى ظرف ثلاث وعشرين سنة فقد نزل الوحى على الرسول ﷺ وعمره أربعون سنة ثم استمر بمكة ثلاث عشرة سنة والقرءان ينزل عليه الشىء بعد الشىء ثم هاجر إلى المدينة المنورة بأمر من الله تعالى ثم عاش فى المدينة عشر سنوات والقرءان ينزل عليه، ولم يكن النزول على ترتيب التلاوة وإنما علمهم رسول الله ﷺ ترتيب التلاوة بعد ذلك.
ثم التقوى عبارة عن أداء الواجبات واجتناب المحرمات، والواجبات هى الأمور التى يستحق من تركها العذاب فى الآخرة. ثم الواجبات لها مراتب فأعلى الواجبات وأفضلها الإيمان بالله ورسوله ثم الصلوات الخمس ثم صيام رمضان. ومن جملة الواجبات العمليات أن يعرف المسلم المكلف المحتاج لتعلم أمور النكاح كيف يصح النكاح وكيف يحصل الطلاق، هذا من الواجبات ومن لم يتعلمه هلك لأنه قد يقع فى أمر حرمه الله تعالى وهو لا يدرى أنه وقع فى الحرام فكان من الواجب أن يتعلم المكلف الذى يريد النكاح كيف يصح النكاح وكيف ينفسخ بعد انعقاده.
وقد قال رسول الله ﷺ فى وصيته بالنساء استحللتم فروجهن بكلمة الله اهـ [رواه مسلم] معنى كلمة الله صيغة العقد أى الزواج شرطه الصيغة أى الكلمة التى يقولها أبو البنت للزوج أو لوكيل الزوج، مثلا يقول للزوج زوجتك بنتى فلانة ويقول الزوج قبلت زواجها، هذه هى كلمة الله بحضور الشاهدين المسلمين الذكرين عند الشافعى. لا يصح عقد النكاح إلا بولى وشاهدى عدل عند الشافعى.
ويشترط فى الولى والشاهدين ستة شروط الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والعدالة. قال رسول الله ﷺ لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل اهـ [رواه ابن حبان فى صحيحه] ويشترط فى الولى والشاهدين أن يكونا سميعين بصيرين عارفين بلسان المتعاقدين متيقظين. ويجوز أن يوكل الولى والزوج فإن كان الوكيل عن الزوج حاضرا يقول لولى البنت قبلت زواجها لموكلى فلان أو قبلت زواجها له ويسمى الخاطب والشاهدان يسمعان وينظران إليها ويريانها، وإن كانا يعرفانها قبل ذلك يكفى رؤية الشاهدين قبل ذلك وكذلك إن كانا يعرفان أنها فلانة بنت فلان يكفى هذا للشاهدين. أما إن كانت هى غائبة والشاهدان لا يعرفانها بعينها ولا باسمها ونسبها فهذه الشهادة لم تصح ولم يصح النكاح.
ويشترط أن تكون الصيغة باللغة العربية بلفظ زوجتك أو أنكحتك أو بترجمة هاتين الكلمتين لغير اللغة العربية ولو كانا يعرفان العربية أما بغير هاتين الكلمتين أى بغير لفظ التزويج والإنكاح فعند الشافعى لا يصح، أما عند الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه فيصح التزويج بلفظ التزويج وبلفظ الإنكاح وما يعطى معناهما فإذا قال وهبت بنتى زوجة لك فقال قبلت زواجها صح النكاح عنده. أما سوى هذا من الكلام فليس شرطا لصحة النكاح كتسمية المهر عند النكاح فإنه إن لم يسم صح العقد ووجب مهر المثل. وليس شرطا قراءة الفاتحة ولا تلاوة الخطبة التى تقرأ عند العقد إنما الخطبة فى عقد النكاح سنة. كان رسول الله ﷺ علمهم أن يقولوا إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾ [سورة النساء] ﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ [سورة ءال عمران] ﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾ [سورة الأحزاب] اهـ [رواه أبو داود فى سننه] هذه هى خطبة النكاح لكنها ليست ضرورية إنما فيها ثواب فإما أن يقرأها الأب وإما أن يقرأها الزوج، والفاتحة فيها بركة ولكنها ليست ركنا فى العقد وليست شرطا له إنما يشترط لصحة العقد حضور شاهدين مسلمين ذكرين أو ذكر وامرأتين مسلمتين عند أبى حنيفة رضى الله عنه.
ويشترط لصحة النكاح أن لا تكون المرأة أو البنت فى عدة الغير، أما فى عدة الشخص الذى كان طلقها طلاقا له رجعة بعده [كأن بقى له طلقة أو طلقتان] فإن أراد إرجاعها يصح له ضمن عدته، ثم من شروط النكاح إن كانت المرأة مسلمة أن يكون الزوج مسلما فلا يصح عقد نكاح المسلمة على الكافر نصرانيا كان أو يهوديا أو درزيا أو مجوسيا أو مرتدا.
وولى النكاح الأب المسلم ثم الجد المسلم ثم أخوها المسلم ثم ابن أخيها المسلم فإن لم يكن ابن الأخ فعمها فإن لم يكن فابن العم من كان منهم مسلما ثم القاضى، فإن لم يرض ولى النكاح تزويجها بغير سبب شرعى تمنع عنادا ليعذبها فالقاضى هو وليها، فإن كان القاضى لا يجرى العقد بدون دفع رسوم تحكم هى وخاطبها إنسانا دينا مسلما يكون هو بدرجة القاضى لها يقولان لهذا المسلم الدين الذى يفهم أحكام النكاح حكمناك فى زواجنا ثم يقول هو للخاطب زوجتك محكمتى فلانة فيقول قبلت زواجها.
ويصح عقد النكاح ولو فى غير المحكمة ولو مازحا مع استيفاء شروط العقد. قال رسول الله ﷺ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة اهـ [رواه أبو داود فى سننه].
والمهر لا بد منه ولو لم يذكراه لكنه يسن ذكر المهر فى صلب العقد فإن هى رضيت بقلة المهر صح النكاح أما بدون رضاها فلا يجوز لأبيها أن يذكر مهرا تافها.
أما رضا البنت فى الزواج فإنه إن كانت البنت بكرا وزوجها أبوها فإن لم يكن فجدها أبو أبيها بدون رضاها بإنسان كفء لها ثبت هذا النكاح، وأما إذا زوجها بدون رضاها بمن ليس فى مستواها [أى ليس كفئا لها] فلا يصح هذا النكاح، أما الثيب فلا يعقد النكاح عليها إلا بإذنها مطلقا، حتى سكوتها لا يكفى لأن الثيب أحق بنفسها. أما غير الأب والجد فلا يصح لهم إجراء العقد على البكر بدون إذنها.
ومن شروط النكاح أيضا أن لا يكون الرجل [أو المرأة] محرما بحج أو عمرة فلا يثبت عقد النكاح فى حال الإحرام بالحج والعمرة بل هو باطل.
وإن أذنت البنت البكر بالمهر القليل صح النكاح أما إن هى لم ترضى فلا يجوز له أن يجرى عليها العقد بأقل من مهر المثل، مهر المثل معناه المهر الذى يرغب به لنساء عصباتها كعماتها ولا يثبت أقل منه.
ثم إذا أجرى العقد لشخص كان يظهر الإسلام ثم تبين أنه كافر وقت إجراء العقد تبين أن ذلك النكاح غير ثابت، لا تكون زوجة له، هى حرام عليه فإذا علمت ذلك فحرام عليها أن تمكنه من نفسها وحرام على أهلها أن يمكنوه منها، أما إذا كان وقت إجراء العقد مسلما ثم سب الله بعد الدخول ثم تشهد بنية الدخول فى الإسلام قبل أن تنقضى العدة لم يلزمه عقد جديد وهذا مذهب الشافعى ثم لو تكرر منه عدة مرات أنه يكفر بالسب ثم قبل أن تنتهى العدة يعود إلى الإسلام فلا يلزمه عقد جديد.