أَحِبَّ الْمَسَاكِينَ
قَالَ الإِمَامُ الْهَرَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَهُ النِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.
أَمَّا بَعْدُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِى حَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِىَّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَهُ أَشْيَاءَ أَوْصَاهُ بِهَا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ زِدْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ «أَحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ وَلا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ وَانْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ». مَعْنَى الْجُمْلَةِ الأَخِيرَةِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «لا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ وَانْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ» أَنَّهُ يَنْبَغِى أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ دُونَهُ أَىْ إِلَى مَنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ فِى الرِّزْقِ وَقُوَّةِ الْجِسْمِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ نَظَرُهُ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ يَكُونُ ذَلِكَ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَوْلاهُ مِنَ النِّعَمِ. هَذَا فِى أُمُورِ الدُّنْيَا الرِّزْقِ وَصِحَّةِ الْجِسْمِ أَمَّا فِى أُمُورِ الدِّينِ فَالْمَطْلُوبُ مِنَ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِى الدِّينِ حَتَّى يَتَرَقَّى فِى الدِّينِ فَيَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الَّذِينَ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عَالِيَةٌ، وَقَدْ يَجُرُّ الإِنْسَانَ النَّظَرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِى أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ يَسْعَى فِى تَكْثِيرِ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْحَرَامِ حَتَّى يَبْلُغَ مَرْتَبَةَ ذَلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِى هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ مَالًا فَيَهْلِك، يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَلاكِهِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ وَأَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا يُعَلِّقُونَ قُلُوبَهُمْ بِالدُّنْيَا لِأَنَّ الَّذِى يُعَلِّقُ قَلْبَهُ بِالدُّنْيَا يَهْلِك، يَنْجَرُّ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ إِلَى الْكَبَائِرِ.
كَانَ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ غَنِىٌّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَلَهُ ابْنُ أَخٍ، هَذَا ابْنُ أَخِيهِ مُتَعَلِّقٌ قَلْبُهُ بِالْمَالِ، اسْتَغْرَقَ قَلْبُهُ فِى حُبِّ الْمَالِ فَفَكَّرَ كَيْفَ يَصِلُ إِلَى مَالِ عَمِّهِ هَذَا حَتَّى يَتَنَعَّمَ بِهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى بَابِ أُنَاسٍ لَيْسَ لَهُمْ عَلاقَةٌ بِهَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَقَالَ هَؤُلاءِ قَتَلُوا عَمِّى. فَهَؤُلاءِ ثَارُوا وَعَشِيرَةُ هَذَا الَّذِى لَمْ يَعْلَمُوا بِحَالِهِ أَيْضًا ثَارُوا فَصَارَ يَحْدُثُ بَيْنَهُمُ الْقِتَالُ. ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِينَا نَبِىُّ اللَّهِ، لا نَتَقَاتَلُ بَلْ نَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَأَخْبَرُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْقِصَّةِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ، قَالَ لَهُمْ تَذْبَحُونَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ فَتَضْرِبُونَ هَذَا الْقَتِيلَ بِبَعْضٍ مِنْهَا بِجُزْءٍ مِنْهَا فَفَعَلُوا فَأَحْيَى اللَّهُ هَذَا الْقَتِيلَ الْمَيِّتَ فَنَطَقَ قَالَ قَتَلَنِى ابْنُ أَخِى. إِلَى هَذَا الْحَدِّ يُوصِلُ حُبُّ الْمَالِ، التَّعَلُّقُ بِالْمَالِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ وَأَشَدَّ مِنْ هَذَا لِذَلِكَ الرَّسُولُ أَوْصَى بِأَنْ يَنْظُرَ الْمُسْلِمُ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ فِى أُمُورِ الْمَعِيشَةِ، فِى أُمُورِ الدُّنْيَا لا يَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ.
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الأَمِينِ وَءَالِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ.