الجمعة مارس 29, 2024
      • أوهام الألباني:
      • وهِم الألباني في تعيين أبي طيبة لكونه اقتصر في البحث عن ترجمته في كتاب «التقريب»:

      قال الألباني في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الصحيحة»([1]) عند حديث([2]): «ما رأيتُ مثلَ النارِ نام هاربُها، ولا مثلَ الجنةِ نام طالبُها» ما نصّه: «ثم وجدت للحديث شاهدين مرفوعين يتقوى لهما، الأول عن عمر بن الخطاب مرفوعًا به، أخرجه السهمي في «تاريخ جرجان»([3]) من طريق سعد بن سعيد، عن أبي طيبة عن كرز بن وبرة، عن الربيع بن خيثم عنه. قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد: الربيع هذا ثقة مخضرم، وكرز بن وبرة أورد ابن أبي حاتم من رواية جماعة من الثقات عنه ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وطوّل ترجمته جدًّا السَّهمي([4]) قال: «وكان معروفًا بالزهد والعبادة»، وأبو طيبة اسمه عبد الله بن مسلم السلمي قال الحافظ: «صدوق يهم»، وسعد بن سعيد وهو الجرجاني».اهـ.

      الرَّدُّ:

      أبو طيبة الذي وَهِمَ الألباني في اسمه هو عيسى بن سليمان الجرجاني وإليك بيان ذلك:

      • ذكر السَّهمي في ترجمة كرز بن وبرة أن من الرواة عنه أبا طيبة عيسى بن سليمان الدارمي الجرجاني، فلم يفطن لذلك الألباني.
      • لو رجع الألباني إلى ترجمة أبي طيبة عيسى بن سليمان في كتاب السّهمي([5]) لوجد أنه يروي عن كرز بن وبرة ويروي عنه سعد بن سعيد.
      • ترجم ابن عدي في كامله لأبي طيبة عيسى بن سليمان وذكر في أثناء ترجمته هذا الحديث([6]) من طريق سعد بن سعيد عن أبي طيبة عن كرز، ومن طريق ابن عدي أخرجه السَّهمي في موضعين من تاريخه([7])، فلو رجع هذا المدّعي إلى كامل ابن عدي لظهر له أن أبا طيبة هو عيسى وليس عبد الله، وهكذا يفعل الجهل بأهله.
      • أبو طيبة عبد الله بن مسلم ترجم له الحافظ ابن حجر وغيره([8]) ولم يذكروا في ترجمته سعدًا ولا كرزًا، فتبين من خلال ما قدّمناه أن الألباني ليس له باع بمعرفة الرجال، لا سيما وأن الكتب التي تترجم للرواة متوفرة لديه، ومع ذلك وَهِمَ في قوله إن أبا طيبة هو عبد الله بن مسلم السلمي الذي لم يذكر في الرواة عنه سعد ولا ذكر أنه يروي عن كرز بخلاف أبي طيبة عيسى الجرجاني، فعجبًا له كيف يجزم بأنه السّلمي!
      • وَهِمَ الألباني في قوله عند الحديث السابق بأنه ورد موقوفًا على الحسن:

      قال الألباني في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الصحيحة»([9]): «وقد أخرجه ابن المبارك([10]) أيضًا (28) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: فذكره موقوفًا عليه وهو الأشبه».اهـ.

      الرَّدُّ:

      الصواب: أنه موقوف على هرم بن حيان كما في «الزهد» الذي أحال عليه هذا المدّعي، ففي «الزهد» ما نصّه: «عن الحسن قال: قال هرم بن حيان: ما رأيت مثل النار نام هاربها»، فعجبًا له كيف جعله من موقوف الحسن، والحسن يصرّح أنه من قول هرم بن حيان، وقد أخرجه أبو نعيم أيضًا في الحلية([11]) في ترجمة هرم هذا عن الحسن عنه، فتأمّل!

      • وهم الألباني في عزوه حديثًا لأبي جحيفة من طريق خنيس: قال الألباني في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الصحيحة»([12]) ما نّصه: «حديث: «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين» روي عن جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وأنس بن مالك وأبو جحيفة وجابر بن عبد الله، وأما حديث أبي جحيفة فيرويه خُنَيْس بن بكر بن خنيس، حدَّثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه به، أخرجه ابن حبان([13]) وكذا ابن ماجه([14]) والدولابي في «الكنى»([15]) من طرق عنه، قلت – أي: الألباني -: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير خنيس هذا، قال صالح جزرة: ضعيف».اهـ.

      الرَّدُّ:

      وَهِمَ الألباني في قوله إن حديث ابن ماجه من طريق خُنَيْس، وإنما رواه ابن ماجه من طريق أخيه عبد القدوس بن بكر بن خنيس، عن مالك بن مغول، ومن ثمَّ ضعّف هذا الحديث لوهم وقع فيه من غير تثبّت ولا تحرّ، ورواية خنيس بن بكر أخرجها ابن حبان والدولابي فحسب!

      • وَهِمَ الألباني في قوله أبو الزنباع وابن مقلاص من رجال البخاري:

      قال الألباني في كتابه «الإرواء»([16]) ما نصّه: «عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد أن رسول الله بعث خالد بن الوليد إلى ناس من خثعم فاعتصموا بالسجود» الحديث، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»([17]): حدَّثنا أبو الزنباع روح بن الفرج وعمر بن عبد العزيز بن مقلاص، نا يوسف بن عدي، نا حفص بن غياث به، وهذا سند رجاله ثقات رجال البخاري إلا ابن غياث كان تغيّر حفظه قليلًا كما في «التقريب».اهـ.

      الرَّدُّ:

      شيخ الطبراني أبو الزنباع روح بن الفرج لم يخرج له أصحاب الكتب الستة شيئًا، ولذلك أورده المزي في «تهذيب الكمال»([18]) في «التمييز» وهي الأسماء التي تتفق مع أسماء المترجَم لهم في كتابه ومن أهل عصرهم وليسوا من رجال أصحاب الكتب الستة وكذا أورده الحافظ ابن حجر في كتابيه «التهذيب»([19])، و«التقريب»([20])، ونبّه فيهما إلى أنه أي أبا الزنباع ليس من أصحاب الكتب الستة بقوله «تمييز» فلم يتفطن لذلك الألباني، ولعله لم يفهم معنى اصطلاحهما.

      وكذلك وَهِمَ في إدخال عمر بن عبد العزيز بن مقلاص في رجال البخاري مع أن الحافظ المزي والحافظ ابن حجر عندما ترجما([21]) له أشارا إلى أنه من رواة النسائي فقط ولم يخرج له بقية أصحاب الكتب الستة فضلًا عن البخاري.

      فعجبًا له كيف يخلط هذا الخلط وهو يزعم أنه مضى عليه عشرات السنين في التحقيق والتدقيق ورد الفروع إلى الأصول، ويعيب على غيره إذا حصل منه مثل ما وقع هو فيه بالغمز واللمز والحط من قدره وشأنه وسوء الأدب.

      • وهم الألباني في فهم كلام البخاري:

      قال الألباني في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» ما نصّه([22]): «حديث: «إياكم والحسدَ، فإن الحسدَ يأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطبَ» ضعيف… البخاري في «التاريخ»([23])… عن إبراهيم بن أبي أُسيد عن جدّه عن أبي هريرة مرفوعًا، وقال البخاري: لا يصح».اهـ.

      الرَّدُّ:

      وهم هذا المدّعي في قوله على هذا الحديث: «قال البخاري: «لا يصح»، فأوهم بذلك حكم البخاري على الحديث، وليس كذلك، وإنما يرجع قول البخاري: «لا يصح» إلى ضبط إبراهيم بن أُسيد بضم الهمزة وسياق كلامه يدل على ذلك بقوله: «ويقال ابن أبي أُسيد، ولا يصح»، وإليك عبارته كاملة: «إبراهيم ابن أبي أسيد المدني البراد عن جده، عن أبي هريرة، عن النبي قال: «إياكم والحسدَ، فإنه يأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطبَ»، روى عنه سليمان بن بلال وأبو ضمرة، ويقلا: ابن أبي أُسيد، ولا يصح».اهـ.

      وقد ردّ الحافظ أحمد الغماري على المناوي شارح «الجامع الصغير» لوقوعه في هذا الوهم، فقال عند قول المناوي([24]): «وذكر البخاري إبراهيم هذا في تاريخه الكبير، وذكر له هذا الحديث، وقال: لا يصح» ما نصه([25]): «قلت: هذا تحريف، لم يقل البخاري ذلك في الحديث، وإنما قاله في ضبط اسم الرجل»، وذكر ما قاله البخاري، ثم قال: «يعني الأول بالفتح والثاني بالضم، ولا يصح، فحرّفه الشارح وحمله على الحديث».اهـ.

      [1])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/674 رقم 953).

      [2])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة جهنم، باب: (10) (4/715)، قال الترمذي: «هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيـى بن عبيد الله، ويحيـى بن عبيد الله ضعيف عند أكثر أهل الحديث، تكلم فيه شعبة».اهـ.

      [3])) السهمي، تاريخ جرجان (ص343 و377).

      [4])) السهمي، تاريخ جرجان (ص336).

      [5])) السهمي، تاريخ جرجان (ص285).

      [6])) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال (5/256، 257).

      [7])) السهمي، تاريخ جرجان (ص343 و377).

      [8])) المزي، تهذيب الكمال (16/133)، ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب (6/27)، ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص382)، البخاري، التاريخ الكبير (5/191)، ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل (5/165)، ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان (2/504)، وغيرهما.

      [9])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/673، رقم 953).

      [10])) ابن المبارك، الزهد (ص9، رقم 28).

      [11])) أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء (2/119).

      [12])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/491 رقم 824).

      [13])) أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، كتاب إخباره  عن مناقب الصحابة رجالها ونسائهم، 9/25).

      [14])) أخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب: في فضائل أصحاب رسول الله ، (1/36).

      [15])) الدولابي، الكنى (1/120).

      [16])) الألباني، إرواء الغليل (5/31).

      [17])) الطبراني، المعجم الكبير (4/114).

      [18])) المزي، تهذيب الكمال (9/250).

      [19])) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب (3/256).

      [20])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص253).

      [21])) المزي، تهذيب الكمال (21/431)، ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب (7/417)، ابن حجر العسقلاني، التقريب (ص483).

      [22])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (4/375).

      [23])) البخاري، التاريخ الكبير (1/272، 273).

      [24])) المناوي، فيض القدير (3/125).

      [25])) أحمد الغماري، المداوي (3/114).