الإثنين ديسمبر 15, 2025
أهمية العلم ورؤية الله في الآخرة
 

   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين.

   أما بعد فقد جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم »لا يشبع مؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة« معناه لا ينبغي أن يمل المؤمن من الاكتساب من طاعة الله، لا يقل أنا عملت كذا وكذا من الحسنات أكتفي بذلك فيتكاسل عن الازدياد، ثم من الخير الذي لا ينبغي أن يشبع منه علم الدين، الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من العلم ولم يأمره الله في القرءان الكريم بطلب الازدياد من شىء إلا من العلم وهذا يدل على عظم شأن العلم عند الله تعالى، قال تعالى ﴿وقل رب زدني علما﴾ أي قل يا محمد رب زدني علما فينبغي لكل مؤمن أن يكون حاله هذا لا يشبع من علم الدين، إذا كان رسول الله الذي هو أعلم الأولين والآخرين أمره الله بطلب الازدياد من العلم فكيف غيره.
   وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »لا تزول يوم القيامة قدما عبد حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين أخذه وفيما أنفقه«. المعنى أن الإنسان لا تزول قدماه عن موقف الحساب يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه أي يسأل ماذا عملت منذ بلغت، أديت ما فرض الله عليك واجتنبت ما حرم عليك؟ فإن كان فعل ذلك نجا وسلم وإن لم يكن فعل ذلك هلك، ويسأل عن جسده فيما أبلاه فإن أبلاه في طاعة الله سعد ونجا مع الناجين وإن أبلى جسده في معصية الله خسر وهلك، ويسأل عن علمه ماذا عمل فيه أي يسأل هل تعلمت علم الدين الذي فرضه الله عليك، فمن تعلم القسم الضروري وعمل به سعد ونجا أما من لم يتعلم أو أهمل العمل بعد أن تعلم خسر وخاب وهلك. قال علي رضي الله عنه: »ويل لمن لا يعلم وويل لمن علم ثم لم يعمل« والويل هو الهلاك الشديد أي شدة العذاب. وأما قوله صلى الله عليه وسلم »وعن ماله من أين أخذه وفيما أنفقه« فمعناه أن الإنسان يسأل يوم القيامة عن المال الذي في يده في الدنيا فإن كان أخذه من طريق حلال لا يكون عليه مؤاخذة لكن بشرط أن يكون ما أنفقه فيه أمر أباحه الشرع. فالناس في أمر المال ثلاثة أصناف: اثنان هالكان وواحد ناج، فالهالكان أحدهما الذي جمع المال من حرام والآخر الذي جمعه من حلال ثم صرفه في الحرام.

   علم الدين هو العلم النافع في الدنيا والآخرة، علم الدين حياة الإسلام ولن يهلك الناس ما دام علم الدين منتشرا بينهم إنما يهلك الناس إذا ذهب العلم أو قل من يعلم علم الدين فعندئذ يعظم الهلاك، بالعلم يميز الإنسان المال الحلال من المال الحرام ويميز به الكفر من الإيمان. هذا سيدنا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه كان يعبد الله في خلوة فجاءه الشيطان على هيئة نور عظيم وقال له: »يا عبدي يا عبد القادر قد أسقطت عنك الفرائض وأحللت لك المحرمات« فقال له سيدنا عبد القادر: »قد خسئت يا لعين« فتبدى الضوء وبقي الصوت، وقال له الشيطان: »لقد غلبتني بعلمك يا عبد القادر وإني قد أغويت أربعين عابدا بهذه الطريقة«. سيدنا العارف بالله عبد القادر الجيلاني بعلمه عرف أنه الشيطان لأنه كان تعلم أن الله ليس كمثله شىء فالله تعالى ليس نورا بمعنى الضوء بل هو خالق النور كما قال تعالى ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ أي خلق الظلمات والنور، والذي كلمه كلمه بصوت وكلام الله ليس حرفا ولا صوتا ولا لغة، لا يبتدأ ولا يختتم ولا يشبه كلام الخلق.

   الإسلام نعمة عظيمة، أعظم نعمة يعطاها الإنسان في هذه الدنيا هو الإسلام والإسلام شرط لقبول الأعمال الصالحة بدليل قوله تعالى ﴿ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة﴾ فالله تعالى شرط لقبول الأعمال الصالحة الإيمان بقوله ﴿وهو مؤمن﴾ وبدليل ما جاء في صحيح البخاري أن رجلا مشركا أراد أن يقاتل مع المسلمين قال: يا رسول الله أسلم أم أقاتل، قال: »أسلم ثم قاتل« فأسلم فقاتل فقتل، فقال الرسول: »عمل قليلا وأجر كثيرا« أي لأنه نال الشهادة بعد أن هدم الإسلام كل ذنب قدمه فالفضل للإسلام لأنه لو لم يسلم لم ينفعه أي عمل يعمله. وقد قال الإمام الغزالي رحمه الله: »لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود« أي أن من لم يعرف الله بل يشبهه بخلقه بالضوء أو غيره أو اعتقد أنه ساكن في السماء أو أنه جالس على العرش أو وصفه بصفة من صفات البشر فهذا عبادته تكون لشىء توهمه في مخيلته فيكون مشركا بالله فلا تصح عبادته. هؤلاء الوهابية عندهم إثبات أصل الجلوس لله ليس تشبيها له بخلقه فيقولون الله جالس على العرش ثم يقولون ولكن ليس كجلوسنا فأين عقولهم؟ الجلوس كيفما كان هو من صفات الخلق كيف يقال الله جالس على العرش هذا شتم لله، على زعمهم عظموا الله هذا ليس تعظيما، جعلوه كخلقه له نصف أعلى ونصف أسفل، خلقه يجلسون البقر والحمار والكلب والخنزير والبشر والجن والملائكة يجلسون، جعلوه كخلقه ما مدحوه. وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: »لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين« فاعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل عبد الله بن جدعان من التصدق على المحتاجين وصلة الرحم وغير ذلك غير نافع له لأنه لم يكن يؤمن بالله واليوم الآخر. هذا عبد الله بن جدعان كان في بدء أمره مفسدا شريرا مؤذيا حتى أن أباه من شدة ما كرهه ومل منه قال له أمام جمع من الناس: أنت لست ابني، فطرده فكره الحياة فقال أطلب الموت فخرج خارج مكة فتوجه إلى جبل فوجد شقا قال: أدخل هذا الشق لعل فيه ما يريحني من الحياة، فدخل فوجد ثعبانا كبيرا عيناه جوهرتان مضيئتان فظنه ثعبانا حقيقيا فاقترب منه فوجده ثعبانا كله ذهب ثم وراءه في الشق وجد رجالا ليسوا من أهل ذلك الزمان ووجد عند رؤوسهم لوحا من فضة مكتوب فيه بيت شعر:

 صاح هل ريت أو سمعت براع