السبت سبتمبر 7, 2024

أقوال الإمام ذي النون المصريّ([1]) رضي الله عنه
(ت 245هـ)

روى الحافظ أبو نُعَيم الأصبهانيّ في حلية الأولياء([2]): «أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد البغداديّ في كتابه وقد رأيته، وحدّثني عنه عثمان بن محمد العثمانيّ، قال: أنشدني محمد بن عبد الملك بن هاشم لذي النون المصريّ  رحمه الله تعالى: [البسيط] [3][4] [5]

شكرًا لِـمَا خصَّنا مِنْ فَضْلِ نِعْمَتِهِ

 

منَ الهدى ولطيفِ الصُّنعِ والرَّفَدِ(1)

ربي تعالى فلا شىءٌ يُحيطُ بهِ

 

وَهْوَ المحيطُ بنا(2) في كلّ مُرْتَصَدِ

لا الأينُ والحيثُ حاشا كيفَ يُدْرِكُهُ

 

ولا يُحَدُّ بمقدارٍ ولا أَمَدِ(3)

وكَيْفَ يُدْرِكُهُ حدٌّ ولم تَرَهُ

 

عينٌ وليس له في المِثلِ من أَحَدِ

أمْ كيفَ يبلغُهُ وهْمٌ بلا شَبَهٍ

 

وقد تعالى عنِ الأشباهِ والولدِ

مَنْ أَنْشَأ(4) قبلَ الكونِ مبتدعًا

 

من غيرِ شىءٍ قديم كانَ في الأبدِ

ودهَّرَ الدَّهْرَ والأوقاتَ واختلفَتْ

 

بما يشاءُ فَلمْ يُنْقِصْ ولم يَزِدِ

إذ لا سماءٌ ولا أرضٌ ولا شبحٌ

 

في الكَونِ سبحانَهُ من قاهرٍ صَمَدِ

 

[6]وقال ذو النون المصري رضي الله عنه([7]): «مهما تصوّرت ببالك فالله بخلاف ذلك» اهـ. أي أنّ ما يتصوّره الإنسان بباله خيال ومثال، والله منـزّه عن ذلك كله. وهي قاعدة عظيمة مهمة جدًّا، فالله تعالى لا يدركه الوهم، وذلك لأنَّ الوهم يدرك الأشياء التي ألِفَها أو التي هي من جنس ما ألِفه كالإنسان والغمام والمطر والشجر والضوء والظلام والريح والظل ونحو ذلك، والإنسان يستطيع أن يتصوَّر الأشياء المخلوقة التي رآها والأشياء المخلوقة التي لم يَرَها، وأمَّا الله فلا تدركه تصوُّرات العباد ولا أوهامهم.

[1] ) ذو النون المصريّ ثوبان بن إبراهيم أبو الفياض أو أبو الفيض، ت 245هـ، شيخ الديار المصرية وأحد كبار الزهّاد العبّاد المشهورين. روى عن مالك والليث وابن لهيعة وفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة وطائفة. وروى عنه أحمد بن صبيح الفيوميّ وربيعة بن محمد الطائيّ وحسن بن مصعب والجنيد بن محمد الزاهد ومقدام بن داود الرعينيّ وآخرون. قال ابن يونس: «كان عالِـمًا فصيحًا حكيمًا» اهـ. سير أعلام النبلاء، الذهبيّ، 11/532، 536. الأعلام، الزركلي، 2/102.

 

[2] ) حلية الأولياء، أبو نُعَيم، 9/388.

 

[3] ) «الرفد: العطاء» اهـ. لسان العرب، ابن منظور، 3/181.

 

[4] )أي المحيط بنا علمًا، قال تعالى: اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًا {12} (الطلاق)، أما الإحاطة الحسّيّة بالحد والجهة فهذه لا تجوز على الله.

 

[5] ) «أمد: قال الراغب في المفردات: يقال باعتبار الغاية والزمان، عام في الغاية والمبدأ، ويعبر به مجازًا عن سائر المدة. والأمد المنتهى من الأعمار، يقال: ما أمدك؟ أي منتهى عمرك. قال شمر: الأمد منتهى الأجل» اهـ. المفردات في غريب القرآن، الأصبهاني، ص 25. تاج العروس، الزَّبيدي، مادة أ م د، 7/391.

 

[6] ) توجد كلمة ساقطة لأن وزن الشطر مكسور، وهكذا هي في الأصل ، ولعلها سقط من النُّسَّاخ.

 

[7] ) الرسالة القشيرية، القشيريّ، ص3. تاريخ دمشق، ابن عساكر، 17/404.