بسم اللهِ الرحمن الرحيم
درسٌ ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمّد العبدري الحبشي رحمه الله تعالى في التاسع من شهر جمادى الأولى سنة إحدى وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق للخامس عشر من شهر ءاذار سنة إحدى وثمانين وتسعمائة وألف في بيروت وهو في بيان أقسام البدعة. قال رحمه الله رحمةً واسعةً
الحمدُ لله رب العالمين وصلاةُ الله البر الرحيم والملائكةِ المقرَّبين على سيدنا محمّد أشرف الـمُـرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين.
أما بعدُ فإنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله تعالى وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ مُحْدَثاتُها وكلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلُّ بِدعَةٍ ضلالةٌ اهـ والحديثُ رواهُ مُسلمٌ([1]) بهذا اللفظِ وعند النسائيّ([2]) والبيهقيّ([3]) زيادةُ وكلُّ ضلالةٍ في النارِ اهـ.
ثمَّ البدعةُ ذهبَ الناسُ في تفسيرها مذهبَين أحدُهما أنَّ البدعةَ قسمانِ إحداهُما بدعةُ ضلالةٍ والأخرى بدعةُ هُدَى، قال الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنه في ما ثبتَ عنهُ بالإسنادِ المتصل بدعةُ الضلالةِ ما كان على خلاف الكتابِ والسنةِ والإجماعِ والأثَرِ، ما أُحدِثَ على خلافِ الكتابِ والسنةِ والإجماعِ والأثرِ. يعني بالكتاب القرءانَ وبالسنة الحديثَ وبالإجماع إجماعَ الفقهاءِ المجتهدين أي مجتهدي أمة محمّد صلى الله عليه وسلم وبالأثر أثرَ الصحابةِ والتابعين لهم بإحسانٍ، قال الشافعيّ رضيَ الله عنه في تفسير بدعة الضلالة هذا، وأما ما أُحْدِثَ ولم يكن على خلاف ذلك فليسَ بدعةَ ضلالةٍ، فإذًا قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلُّ مُحدَثَةٍ بِدْعةٌ وكلُّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ الـمُـرادُ به ما أحدِثَ على خلافِ الكتاب والسنة والإجماعِ والأثر فهذه هيَ التي حكمَ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأنها بدعةُ الضلالةِ ومِن ذلك بِدَعٌ أحدِثَتْ في الاعتقادِ كعقيدةِ الخوارجِ وهيَ تكفيرُ المسلمِ بارتِكابِ معصيةٍ هذه أحْدِثَتْ على خلافِ الكتاب والسنة والإجماع والأثر، وأما الكتاب فقوله تبارك وتعالى في سورة النساء ﴿إنَّ اللهَ لا يغْفِرُ أن يُشرَكَ بهِ ويغفرُ ما دُونَ ذلكَ لِمَن يشآءُ﴾([4]) فقوله ﴿ما دُونَ ذلكَ﴾ يُفهِمُنا أنَّ مرتكبَ الكبيرةِ لا يكفُرُ ولا يخلُدُ في النارِ خلودًا أبديًّا وأنَّ اللهَ يغفرُ الكبيرةَ للمسلمِ إنْ شاءَ ويُعذِّبُهُ عليها إنْ شاء، هذا الذي تعطيه هذه الآيةُ ﴿ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لِمَن يشآءُ﴾.
الخوارجُ خالفَتْ هذا الذي جاءَ به الكتابُ أنَّ الله تعالى يغفرُ الكبائرَ لمن يشاءُ من المسلمينَ خالفتْ فقالتْ مرتكبُ الكبيرةِ كافرٌ خارجٌ من الإسلامِ وإنهُ يَخْلُدُ في النارِ خلودًا أبديًّا لم يَقصُروا الكفرَ على الإشراكِ بالله تعالى وما في معناهُ كسَبِّهِ تعالى وسبّ نبيِّهِ أو أيّ نبيٍّ من أنبيائِهِ أو سبّ ملَكٍ من ملائكتِهِ الذينَ ثبتَ وشُهرَ بين المسلمين أنهم من ملائكةِ الله كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش ومالك خازن النار ورضوان خازن الجنة، وكلُّ ما هو تكذيبٌ للرسول صلى الله عليه وسلم معنًى وإنْ لم تكن العبارةُ صريحةً فهو كفرٌ حكمُهُ حكمُ الشرك بالله تعالى وكذلك جَحْدُ ما عُلِمَ أنه من دين الله تعالى ضرورةً أي عِلْمًا ظاهِرًا بين المسلمين لا يختصُّ به العلماءُ دونَ غيرهم بل هو ظاهرٌ أنه من أمورِ الدين عند العلماءِ وغيرِهم كوجوبِ الصلواتِ الخمس وحرمةِ الزِّنَى وحرمةِ شرب الخمرِ وأشباهِ ذلك، فكل ذلك مُلحَقٌ بالشرك فكما أنَّ الشركَ لا يُغفَرُ كذلك هذه الأشياءُ من الكفرِ لا تُغفَرُ إنما يُغفَرُ الكفرُ بالرجوعِ إلى الإسلامِ، إذا كانَ الشخصُ مسلمًا ثم خرجَ منهُ فقَطَعَ إسلامَهُ فإذا رجع عن ذلك الكفرِ فتشهَّدَ غُفرَ ذلكَ الكفرُ الذي وقعَ فيه برجوعهِ إلى الإسلامِ قال تبارك وتعالى: ﴿قُل لِلَّذِينَ كفَرُوا إن يَنتَهُوا يُغفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾([5])، إن يَنْتَهُوا أي عنِ الكفر بالدخولِ في الإسلامِ إن خرجوا عن الكفر فدخلوا في الإسلامِ غُفِرَ لهم كفرهم فالكفر لا يُغفر إلا بهذا لا يُغفرُ بقولِ أستغفرُ اللهَ لا يُغفرُ بالتصدقِ لا يغفرُ بمحبة المسلمين ومعاونتهم ومناصرتهم ضد الكفار مهما ساعدَ الكافرُ المسلمينَ وقاتلَ معهم وبذَلَ مُهْجَتَهُ في نُصرةِ المسلمينَ وقُتِلَ فهو لا يُغفر له كفرُهُ إلا بالدخولِ في الإسلامِ. فبدعةُ الضلالةِ مثلُ بدعة الخوارجِ في الاعتقادِ ولأنهم اعتقدوا اعتقادًا يُخالفُ كتابَ الله خالفوا قوله تعالى: ﴿ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لِمَن يشآءُ﴾([6]) ، وخالفوا الأحاديثَ النبويةَ ومِن جُمْلَتِها حديثُ عُبادةَ بنِ الصامتِ الذي رواهُ البخاريُّ وغيرُهُ أنه صلى الله عليه وسلم قال بايِعُوني على أنْ لا تُشرِكُوا باللهِ شيئًا ولا تَسْرِقُوا ولا تَزْنُوا ولا تَقتُلوا أولادَكُم ولا تأتُوا ببُهتانٍ تَفْتَرُونَهُ بينَ أيديكُمْ وأرجُلِكُمْ فمَنْ وفَى بذلكَ فأجْرُهُ على اللهِ ومَنِ انْتَهَكَ شيئًا من ذلكَ فأَمْرُهُ إلى اللهِ إنْ شاءَ عفا عنهُ وإن شاءَ عاقَبَهُ اهـ قال فبايَعْناه على ذلك([7]) اهـ.
هذا الحديثُ أيضًا صريحٌ في أنَّ مَن ارتكبَ الزّنَى أو السرقة أو القتل ظُلمًا أو فعلَ نحوَ ذلكَ ثم ماتَ ولم يَتُبْ فإنهُ تحتَ المشيئةِ إنْ شاءَ الله يعفُو عنه أي لا يُعذِّبُهُ على هذا الذنبِ وإنْ شاءَ عذَّبَهُ. وهناكَ أحاديثُ كثيرةٌ صِحاحٌ تدلُّ على هذا المعنى أنَّ مُرتَكبي الكبيرة أمرُهُم مُفَوَّضٌ إلى الله تعالى منهم مَن يسامحهم الله ومنهم من يعذِّبه الله وبدعةُ الخوارجِ هذه تُخالفُ هذه الأحاديثَ كلَّها، فذلكَ أي بدعَتُهم من جُملةِ ما يدخلُ تحتَ قول النبي صلى الله عليه وسلم وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ لأنهم أحدَثُوا ما لا يوافقُ كتابَ اللهِ وسنةَ رسولِهِ.
أما ما أُحْدِثَ ولم يخالفْ كتابَ اللهِ تعالى ولا سنّةَ نبيِّهِ وإنْ لم يكن مذكورًا بعبارةٍ صريحةٍ في القرءانِ والحديثِ فذلكَ لا يُسمَّى بدعةَ الضلالةِ بل ذلكَ بدعةُ هُدًى لِفاعِلِها ثوابٌ عندَ الله وذلكَ مثلُ الاحتفالِ بمولدِ الرسولِ في شهرِ ربيعٍ صلى الله وسلم على رسوله فهذا أحدِثَ بعدَ الرسول صلى الله عليه وسلم في حدودِ القرنِ السابعِ أحدِثَ هذا، أوَّلُ مَن أحدَثَهُ مَلِكٌ كان يحكُمُ إربِلَ، أحدَثَهُ حبًّا في نبيّ الله تعالى تشريفًا وتكريمًا وإظهارًا لفَرَحِهِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولظُهُورِهِ إلى الدنيا في مثل ذلكَ الوقتِ ووافقهُ العلماءُ على هذا من مُحَدّثينَ وفقهاءَ وصوفيةٍ، ما أحدٌ منهم خالَفَهُ كلُّهم وافقوهُ حتى إنَّ مِن المحدّثين الحفاظِ مَن ألَّفَ له كتابًا في المولدِ سماهُ التنويرَ في مولدِ البشيرِ النذيرِ ولا يُعلَمُ في علماءِ الإسلام أو حفّاظ الحديث أحدٌ استَنكَرَ ذلك حتى هذا الحافظُ الـمُـلقَّبُ بأمير المؤمنين في الحديثِ وخاتمةِ الحُفَّاظِ ابنُ حجر العسقلاني أقرَّ ذلك. هذا من جملة بدع الهُدى التي هيَ ليست داخلةً تحتَ قوله عليه الصلاة والسلام وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ.
كذلكَ أشياءُ كثيرةٌ مِن جُملتِها أحدُ الأذانَين قبل صلاة الجمعة الذي كان أحدهما هو الأذانَ المعمولَ بهِ في عهدِ الرسولِ وفي عهدِ أبي بكر وفي عهدِ عمرَ فاستحدثَ عثمانُ بنُ عفانَ أذانًا ثانيًا فهذا العملُ الذي عمله عثمان بن عفان أحْدِثَ بعد الرسول لكنه ليس مما ذمَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدخُلُ قوله عليه الصلاة والسلام وكلُّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ.
كذلك لا يدخلُ ما أحدثهُ علماءُ الحديث في إملاءِ الحديث، لهم عادةٌ اتخذوها واستحبُّوها وذكروها في كتب المصطلح في كتب اصطلاحِ الحديث، استحدثوا أمرًا وهو أنه في مجلس الإملاءِ يُبَسْمِلُ الـمُـمْلي ويحمد الله ويُثني عليه ويُصلي على نبيهِ ثم يقرأ شيئًا من القرءانِ بقراءةِ قارئٍ حسنِ الصوتِ ثم يُقال بعدَ ذلكَ ما ذكرْتَ رَحِمَكَ اللهُ يخاطب الـمُـسْتملي أي الـمُـبلِّغُ يُخاطِبُ الـمُـمْلي أي الـمُـحَدِّثَ الذي يُمْلي يقول هذا الـمُـسْتَملي مخاطبًا له ما ذكرْتَ رحمكَ الله فيبدأ الـمُـمْلي بسردِ الإسنادِ والحديثِ، علماءُ الحديث قالوا في كتبهم في كتب المصطلحِ إنَّ هذا شيءٌ مُستَحبٌّ ولم يكن في عهد الرسول ولا الصحابة ولا التابعين لكنْ هذا شيءٌ موافقٌ لما جاء به الرسولُ وجاء به الكتابُ والسنة ليس مما يخالف فنَعُدُّ هذا بدعةَ هُدًى لا نَعُدُّه بدعةَ ضلالةٍ.
وهناكَ بدَعُ ضلالةٍ لكن ليس إلى حدّ التحريم بل هي أقلُّ من التحريم مثلُ ما استحدثه بعض الناس وهو أنهم يَكتبون عند ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم صادًا مجردَةً بدلًا عن كلمة صلى الله عليه وسلم، وأما كتابة صلى الله عليه وسلم فهي بدعة مستحسنةٌ، ما كان الصحابة يكتبون عند ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة صلى الله عليه وسلم، ما كانوا يكتبون، ما ثبت عن صحابيّ قطُّ إنما هذا شيءٌ استحدثه أهل العلم أهل الحديث استحدثوه ورَأَوا ذلك موافقًا لما جاء به كتاب الله وسنة نبيه لم يَرَوهُ مخالفًا فاسْتَحَبُّوا ذلك، أيُّ كتاب من كتب الحديث تجدون فيه مع اسم الرسول كلمة صلى الله عليه وسلم أليس هذا مما عُلِمَ وشاع أنهُ موجودٌ في كتب الحديث ألا ترونَ كتابة صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسم الرسول يُتبِعُونَ كلمةَ عن النبيّ بصلى الله عليه وسلم، هذا ما كان أيامَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم إنما العلماءُ استحدثوه فهل نقول هذا دخل تحت قول الرسول كل بدعة ضلالة، لا، وماذا يكون حكم من يقول عن هذا إنها ضلالة ماذا يكون إذا احتجّ بأن هذا لم يفعله الرسول ولا الصحابة إذا احتجّ بهذا فأنكر ما يكون حكمه أليس يكون شاذًّا كذلك الذي يُنكِرُ عملَ المولدِ الاحتفالَ بمولد الرسول أو ينكر الجَهْرَ بالصلاة على النبيّ عقِبَ الأذان بصوت الأذان هذه أيضًا بدعةُ هُدًى ليست بدعة ضلالة، فمَنْ يرى عمل المولد والجهر بالصلاة على النبي بعد الأذان بدعة ضلالة فهو مردودٌ عليه قولُهُ. وقد حصل في دمشق قبل ثلاثين عامًا تقريبًا أنه أُذِّنَ في مسجد يُسمَّى مسجدَ الدَّقَّاقِ وأعْقَبَ المؤذنُ الأذان بالصلاة على النبيّ جهرًا فقال بعض الوهابيةِ الموجودين في صحن المسجد هذا حرامٌ مثلُ الذي يَنْكِحُ أمَّهُ فصارَ شِجارٌ شديدٌ وضَرْبٌ بينهم وبين مخالفيهم ثم رُفِعَ الأمرُ إلى مفتي ذلك الوقت أبو اليُسرِ عابدين فاستدعَى رئيسَ الوهابية فهدَّدَهُ بالنفيِ والطَّرْدِ إنْ عادَ إلى مثل هذا ورسم عليه أن لا يُدَرِّسَ بالمرة، رسمَ عليهِ الـمُـفتي أبو اليُسر رحمه الله أن لا يُدرّس وهدَّدَهُ بالنفي من سورية.
من خُبثِهِم جعلوا الصلاة على النبيّ جهرًا عقب الأذان على المئذنة كزِنى الشخص بأمه ويقولون نحن أهلُ الحديث أهل الكتاب والسنة.
هي الصلاة على النبي واردةٌ لكن الجهر بها بصوت عال بصوت الأذان ما نُقِلَ لنا عن عهد الرسول والصحابة والتابعين وأتباع التابعين إنما استُحدِثَ بعد سنة سبعمائة هجرية فقَبِلَهُ العلماءُ من الـمُـحَدّثينَ والصوفيةِ والفقهاءِ كلُّ المسلمين قبلوه إلا هؤلاء الوهابيةَ يزعمون أن هذا داخل تحت قول الرسول وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار([8]) اهـ أليس قال الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سَمِعْتُم المؤذِّنَ فقُولوا مِثلَما يقولُ ثمَّ صَلُّوا عليَّ([9]) اهـ أليس مرَّ المؤذن على كلمة أشهد أنَّ محمدًا رسول الله ثم أنهى الأذان هذا ذكرَ النبيَّ فإذًا مطلوبٌ منه أن يُصليَ على النبيّ لأنه ذَكَرهُ فمطلوبٌ منه أن يصليَ عليه فإذا عَمِلَ بحديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أيُّ بأسٍ عليه في ذلك إنْ جهرَ وإنْ أسرَّ وإن جهرَ بصوتِ الأذانِ أيُّ مانعٍ في ذلكَ كيف استجازوا أن يجعلوا هذا مثل الزّنَى بالأم كيف ساغ لهم أن يجعلوا الجهرَ بالصلاة على النبيّ عقبَ الأذانِ كالزّنَى بالأم هل قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا تُصَلُّوا عليَّ جهرًا هل قال ذلك هل يَجِدُونَ ذلك في حديثٍ ولو حديثٍ ضعيفٍ أو موضوعٍ لا يجدون، لا يجدون في حديث موضوع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تُصَلُّوا عليَّ جهرًا ولمَّا قال حديثَهُ هذا الذي ورد فيه إجابةُ المؤذن إذا سمِعتُم الـمُـؤذِّنَ فقولوا مثلما يقولُ ثم صلُّوا عليَّ اهـ قال سِرًّا ما قال ثم صلُّوا عليَّ سِرًّا ما قيَّدَ الصلاة عليه بأن تكون سِرًّا بل أطلق فإذًا لنا رخصةٌ إن شئنا نُسِرُّ وإن شئنا نجهر والمؤذن له رخصة لأنّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام حين قالَ مَنْ ذَكَرَني فليُصلِّ عليَّ ما قيَّدَ ذلك بأن يكون سِرًّا بل أطلقهُ نحن نعمل بإطلاقه ولو لم يَبْلَغْنا بأنَّ أحدًا من مُؤذِّني رسول الله صلى الله عليه وسلم جهرَ بالصلاةِ على النبي عَقِبَ الأذانِ كما نحن نجهر، لو لم يبلغنا ذلك لكنه هو عليه الصلاة والسلام ما قيَّد هذا الأمر بأن يكون سرًّا نأخذ بالإطلاق وذلك من رحمة الله الواسعة.
والعياذ بالله من أين جاءوا بهذا الفكر الخبيث بأن يجعلوا هذا الأمرَ الذي ما فيه كراهيةٌ فضلًا عن المعصية مثلَ الزنَى بالأم من أين جاءهم هذا الخاطِرُ الخبيث.
الحاصلُ أنَّ ما أُحدِثَ وكان لا يخالف الكتاب والحديث ولا الإجماع ولا الأثر ثم رءَاهُ العلماءُ موافِقًا لما جاء به الرسولُ فهو بدعة حسنة ويقال بدعة مستحبة وقد سمَّى عمرُ بن الخطاب رضيَ الله عنه اجتماعَ الناس على قيام رمضان بعد أن ثبتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يخرج إلى الناس بعد أن كان خرج إليهم ليلتين فصلَّوا خَلْفَهُ جماعةً ترك الخروجَ إليهم وقال لهم في ذلك إنّي خَشِيتُ أنْ يُفرَضَ عليكم([10]) اهـ وعمر بن الخطاب بعد ذلك جمع الناس في عهدهِ في خلافته جمع الناس أولاً على إحدى عشرة ركعةً ثم على عشرين ركعةً سوى الوترِ وهذا الأمرُ الأخيرُ أي العمل الأخير من عمر بن الخطاب أنه جمع الناس على العشرين فلم يُنْكِرْ عليه أحدٌ من الصحابة بل كلُّهم رَضُوا بذلك ولم يخالِفْ أحدٌ منهم، ثم قال عمرُ رضي الله عنه نِعْمَتِ البدعةُ هذه والتي تَنامونَ عنها أفضلُ([11]) اهـ المعنى اجتماعُكُم في أول الليل على قيام رمضان شيءٌ حسنٌ نِعْمَتِ البدعةُ هذه والتي تَنامون عنها أفضَلُ أي ولو صلَّيتموها في ءاخرِ الليل كان أفضل.
مَدَحَها مَدَحَ هذه الفعلة التي فعلها ما ذمَّها ما قال هذا شيءٌ قطَعَهُ الرسولُ فكيفَ أنا أفعل بخلاف عادته، ما خَشِيَ أن يكون ذلك بدعةَ ضلالةٍ بل رأى ذلك بدعةً حسنةً فقال نِعْمَ البدعةُ هذه والتي تنامونَ عنها أفضل. وهذا رواه البخاري في صحيحه.
انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم.
[1])) رواه مسلمٌ باب تخفيف الصلاة والخطبة.
[2])) رواه النسائي في السنن الكبرى باب الغضب عند الموعظة والتعليم إذا رأى العالم ما يكره.
[3])) رواه البيهقي في الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد باب ذكر الأسماء التي رويناها على طريق الإيجاز.
[4])) سورة النساء/الآية 48.
[5])) سورة الأنفال/الآية 38.
[6])) سورة النساء/الآية 48.
[7])) رواه البخاري في صحيحه باب علامة الإيمان حب الأنصار.
[8])) رواه النسائي في سننه باب كيف الخطبة.
[9])) رواه مسلم في صحيحه باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه.
[10])) رواه البخاري في صحيحه باب تحريض النبيّ على صلاة الليل.
[11])) رواه مالك في الموطأ بابُ ما جاءَ في قيامِ رمضانَ.