الإثنين ديسمبر 15, 2025

أدبه رضي الله عنه في الأكل والشرب

وكان شيخنا رحمه الله عاملا بالسنة يجلس كما السنة إذا جلس للطعام جلس على الأرض يثني الرجل اليسرى ويرفع اليمنى كما السنة ويطعم جلساءه بيده ويكرمهم ويأكل بأصابعه الثلاثة فإذا فرغ من الطعام لعق الإناء بإصبعه ولحسه كما ورد في السنة، فقد قال رسول الله ﷺ: «القصعة تستغفر للاعقها»([1]) معناه تتكلم بقدرة الله تقول: اللهم اغفر له.

وكان رحمه الله عاملا بقول رسول لله ﷺ: «أبردوا بالطعام فإن الحار لا بركة فيه» رواه الحاكم، فلا يأكل الطعام إن كان شديد السخونة بل كان ينتظر حتى تخف سخونته، وإن كان شرابا حارا طلب تقليبه ليبرد.

ومرة كان أخي الشيخ نبيل مع الشيخ في البيت وحده فقال له شيخنا هات الطعام، فذهب أخي إلى المطبخ وفتح البراد فلم يجد شيئا فيه، فقال للشيخ: لا يوجد طعام، فقال له الشيخ: ألا يوجد زيت؟ قال: بلى، قال وخبز؟ قال: بلى، فقال الشيخ: هذا طعام هاته، لا تقل لا يوجد طعام. قال أخي فأكلنا خبزا وزيتا وكان هذا طعامنا ذلك اليوم.

وكن شيخنا رحمه الله كثيرا ما يكتفي بالخبز والزيت أو الخبز والبندورة، وأحيانا الخبز يوضع في ماء ساخن مع شيء من الملح وعليه اللبن، وأحيانا كان يأكل الخبز واللبن، وكان يقول لنا إن عادة العرب القديمة أنهم كانوا يأكلون مرتين فقط مرة أول النهار ومرة ءاخر النهار وهذا أوفق للصحة. وفي ءاخر حياته عندما اشتد به المرض كانت زوجته تطعمه الثريد فبعد نحو خمس لقيمات قال: اكتفيت، فألحت عليه ليزيد فلم يقبل واكتفى بذلك. ومرة أكل لقيمات ثم ألح عليه ليزيد فما كان يقبل، فقيل له إكراما لرسول الله كل هذه، فقال رضي الله عنه: رسول الله ﷺ يحب التقليل.

وكان كثيرا ما يأكل الثريد اتباعا رسول الله ﷺ لأنه كان يأكل الثريد، يقول عليه الصلاة والسلام: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» رواه البخاري ومسلم وأحمد.

وكان يقول: الثريد أسهل للهضم وأسهل في المضغ فلا يأخذ وقتا طويلا. وكثيرا ما كنا نأكل معه في الفطور الخبز مع الحليب وكان يضيف إليه الزيت.

وكان شيخنا رضي الله عنه شديد الإيثار على نفسه فيطعم من معه أطايب الطعام ويأكل الخبز والزيت والعسل، مرة وضع له «القريدس» المسلوق مع مرقه مع الخبز، وهذا بطلب من الطبيب، فأطعم الذين معه كل القريدس وأكل المرق والخبز، هو يريد الفائدة وليس اللذة، وكان كثيرا ما إذا قدم له الكبد المشوية وذلك بناء على طلب الطبيب أيضا أكل منه القليل وأطعم م، معه الباقي. وكان يطلب أن نشويه شيا خفيفا لأنه يكون أكثر نفعا.

ومرة رجع أحد طلاب شيخنا من السفر وكان قد سمن في هذا السفر فجلس صباحا مع الشيخ للطعام وكان يوجد الثريد ويوجد اللبن والجبن والزيتون، فصار هذا الطالب يخلط الثلاثة في لقمة واحدة والشيخ يراقبه، فقال له الشيخ: يا فلان، الصحابة كانوا يأكلون في الصباح طعاما واحدا، وفي المساء طعاما واحدا، أنت الآن تأكل من هذا فقط وقرب إليه الثريد ورفع تلك الثلاثة. عادات السادات سادات العادات وسادات الخلق هم الأنبياء والأولياء.

كنت ذات يوم ءاكل معه ولما أنهينا كان شيخنا كعادته في ذلك الوقت يشرب الشاي الأحمر عقب الطعام، وبينما نحن نشرب الشاي جاءت ابنتي وكان عمرها نحو ثلاث سنوات وقالت: أريد الشاي، فقال الشيخ رحمه الله: اسقها، فسقيتها فنجان الشاي الصغير، فلما أنهته قالت: أريد المزيد، فقال شيخنا رحمه الله: يكفي. فهلا عودنا أولادنا على عدم الحصول على كل ما يرغبون من طعام وشراب ونحو ذلك، تهذيب النفوس يبدأ به من الصغر.

([1]) في الحديث المرفوع: «من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة» رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد والبيهقي.