قالَ اللهُ تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [سورة الزخرف: 67]، اللهُ تعالى يُخبرُنا في هذه الآيةِ بأن الناسَ الذينَ كانوا في الدنيا أخلاءَ ينقلبونَ في الآخرةِ أعداءٌ بعضُهم لبعضٍ إلا المتقينَ أي أن المتقينَ تبقى محبتُهم بينَهم في الآخرةِ ومودتُهم لا تنقطعُ. أما ما سوى هؤلاءِ الناسُ مهما كانت صداقتُهم في الدنيا قويةً، يومَ القيامةِ هذا عدوٌّ لهذا وهذا عدوٌّ لهذا.
{الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} من هم المتقونَ؟ المتقونَ هُمُ الذينَ يقومونَ بحقوقِ الله وحقوقِ العبادِ، هُمُ الذينَ أدَّوا مَا افْتَرَضَ اللهُ عليهِمْ واجْتَنَبُوا ما حَرَّمَ عليهِمْ وعامَلُوا العِبادَ مُعاملَةً صَحيحةً مُوافِقَةٌ لِشَرْعِ اللهِ، أي: أدَّوا الواجباتِ المتعلقةَ بالعباداتِ البدنيةِ كالصلاةِ وصيامِ رمضانَ والزكاةِ والحجِّ إلى غيرِ ذلكَ وتجنبوا ما حَرَّمَ اللهُ.
واللهُ أوصى الأولينَ والآخرينَ بتقواهُ، قالَ تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا} [سورة النساء: 131]. «فالتقوى أن تعملَ بطاعةِ اللهِ على نورٍ مِنَ اللهِ ترجو ثوابَ اللهِ، وأن تتركَ معصيةَ اللهِ على نورٍ مِنَ اللهِ تخافُ عقابَ اللهِ». فلا يكونُ تقيًّا مَنْ لم يلزمْ حدودَ اللهِ تعالى في حقوقِ اللهِ وحقوقِ العباد.
وأعظمُ حقوقِ اللهِ الإيمانُ بهِ وبرسولهِ، أي: أعظمُ ما فرضَهُ اللهُ على العبادِ هو الإيمانُ باللهِ ورسولِهِ، فمن عرفَ اللهَ تباركَ وتعالى كما يليقُ بِهِ، أي: أنَّهُ اعتقدَ أنَّ اللهَ موجودٌ مِنْ غيرِ أن يُشْبِهَهُ شيءٌ، وأيقنَ أنَّهُ لا يستحقُّ أحدٌ أن يُعبَدَ غيرُهُ، وعرفَ رسولَهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم كما يليقُ بهِ وأيقنَ في نفسِهِ بأنَّ محمدًا رسولٌ مِنَ اللهِ، صادقٌ في كلِّ ما جاءَ بهِ، ما حسَّنَهُ رسولُ اللهِ فهو حسنٌ وما قبَّحَهُ رسولُ اللهِ فهو قبيحٌ لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أيَّدَهُ بمعجزاتٍ كثيرةٍ شاهدةٍ على صدقِهِ فقد أدَّى أعظمَ حقوقِ اللهِ.
يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ، الناسُ اليومَ يتوادُونَ ويتعاونونَ أكثرُهم على المعاصي. قليلٌ مِنْ بينِ المسلمينَ مَنْ لا يتعاونُ مع أهلهِ ومع غيرهِ على معصيةِ اللهِ، هؤلاء أحباءُ اللهِ. وأما الذينَ يتعاونونَ في الدنيا مع أهالِيهم أو مع غيرِ أهاليهم على معصيةِ اللهِ أعداءٌ يومَ القيامةِ.
فيومَ القيامةِ الإنسانُ يَهرُبُ ممن لهُ عليهِ تبعةٌ {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [سورة عبس: 34 – 36] إنْ كانَ لأمِّهِ عليهِ تبعةٌ يهربُ منها وإنْ كانَ لأبيهِ تبعةٌ يهربُ منهُ.
أما إنْ لم يكُنْ ظلمَهم وليسَ عليهِ تبعةٌ لا يفرُّ منهم، إنْ كانَ هوَ له عليهم تبعةٌ يفرونَ منهُ، {وَصَاحِبَتِهِ}، أي: زوجتِهِ، {وَبَنِيهِ}، أي: أبنائهِ.
مِنَ الآنَ فليفكرِ الإنسانُ، الأمُّ لتفكرْ والأبُ ليفكرْ والأخُ ليفكرْ في أمرِ الآخرةِ حتى لا يندمَ يومَ القيامةِ. فمن كانت محبتُهم بينَهم على ما يُخالفُ كتابَ اللهِ وسُنّةَ نبيِّهِ فأولئك يتنافرونَ يومَ القيامةِ ويتكارهونَ لأنّهُ تظهرُ لهم ذلكَ اليومَ الحقائقُ التي كانت خافيةً عليهم في الدنيا. فكيفَ يُمَيِّزُ هؤلاءِ مِنْ هؤلاءِ بدونِ معرفةِ عقيدةِ أهلِ السُّنَّة ومعرفةِ ما كانَ عليهِ الرسولُ من أعمالِ الدينِ؟ كيفَ كانَ يصلي وكيفَ كانَ يصومُ وكيفَ كانَ يذكرُ؟
العملُ القليلُ مِنْ أمورِ الدّينِ الذي يعملُ على بصيرةٍ وعلمٍ بموافقةِ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أي ما ثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم خيرٌ مِنَ العملِ الكثيرِ المخالفِ لِما كانَ عليهِ الرّسولُ صلى الله عليه وسلم.
اللَّهُمَّ أَرِنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه
وأَرِنَا الباطلَ باطلاً وارزقنا اجتنابَه