الجمعة أكتوبر 18, 2024

أبيّ بن كعب سيد القراء

ترجمته:
هو أبو المنذر ويكنى أبا الطفيل أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، الأنصاري النجاري سيد القراء.

كان ممن شهدوا العقبة التي حضرها سبعون من الأنصار، وشهد بدرًا كذلك وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإمام ابن الجوزي في “صفة الصفوة” مترجمًا له: “وهو أحد الذين حفظوا القرءان كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الذين كانوا يُفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي “حلية الأولياء” أن مسروقًا سأل أبيًّا عن شيء، فقال له أبيّ: أكان بعد أي هل حدث ذلك، فقال مسروق: لا، فقال أُبيّ: فاحمنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا.

وجاء في وصفه أنه كان دحداحًا، أي ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير.

حدَّث عنه بنوه: محمد والطفيل وعبد الله، وأنس بن مالك وابن عباس، وسويد بن غفلة، وزِرُّ بن حُبيش، وأبو العالية الرياحي، وأبو عثمان النهدي، وسليمان بن صُرد، وسهل بن سعد، وأبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وكثيرون غيرهم.

من مناقبه:
كان أبيّ بن كعب الأنصاري رضي الله عنه أحد القراء الذين سهل الله لهم تعلم قراءة القرءان وأحكامه من النبي صلى الله عليه وسلم الذي علّمه من أحكام القراءة وعلوم القرءان ما لم يعلمه أحدًا من الصحابة الكرام، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن سعد في طبقاته وهو: “أقرأُ أمتي أبيّ بن كعب”.

وكان أبيّ رضي الله عنه يكتب في الجاهلية حيث كانت الكتابة قليلة في العرب، فلما أسلم جعل يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان واحدًا من الأربعة الذين قال عنهم أنس بن مالك: جمع القرءان [أي حفظًا وعلمًا] على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي.

وقد أمر الله تبارك وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقرأ القرءان كله على أبيّ رضي الله عنه، ففي “حلية الأولياء” بالإسناد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبيّ رضي الله عنه: “إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك القرءان”، فقال أبيّ: الله سمّاني لك [أي هل ذُكرت باسمي] قال صلى الله عليه وسلم: “نعم، سمّاك لي”، فجعل أبيّ يبكي.

وفي “سير أعلام النبلاء” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يا أبا المنذر، إني أُمرت أن أعرض عليك القرءان”، فقال أبيّ: بالله ءامنت وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت، فردّ النبي صلى الله عليه وسلم القول، فقال أبيّ: يا رسول الله، وذُكرت هناك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “نعم، باسمك ونسبك في الملإ الأعلى”، فقال أبيّ: اقرأ إذًا يا رسول الله.

وكان له من سعة العلم ما شهد له به الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: من أراد أن يسأل عن القرءان فليأتِ أبيّ بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأتِ زيدًا، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأتِ معاذًا، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني خازنًا وقاسمًا.

وفي “حلية الأولياء” عن أُبيّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: “أبا المنذر، أي ءاية من كتاب الله عز وجل معك أعظم”، فقال رضي الله عنه: الله ورسوله أعلم، قال عليه الصلاة والسلام: “أبا المنذر، أي ءاية من كتاب الله معك أعظم” فقال أبيّ: [لا إله إلا هو الحي القيوم]، قال أبيّ: فضرب صدري وقال: “ليهنك العلم أبا المنذر”.

وسأل أبيّ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جزاء الحمى قال عليه الصلاة والسلام: “تُجرى الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قَدم أو ضرب عليه عِرق”، فقال أبيّ: اللهم إني أسألك حُمى لا تمنعني خروجًا في سبيلك، ولا خروجًا إلى بيتك، ولا مسجد نبيك، فلم يُمس أُبيّ قط إلا وبه حمى.

وذكر عنه ابن سعد في طبقاته بالإسناد عن أبي المهلب عن أبيّ بن كعب أنه كان يختم القرءان في ثماني ليالٍ، وكان تميم الداري يختمه في سبع.

روى أبو نعيم في “الحلية” والذهبي في سيره أن رجلاً استوصى أبيّ بن كعب، فقال له: اتخذ كتاب الله إمامًا، وارض به قاضيًا وحَكمًا، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع مُطاع، وشاهد لا يُتهم، فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحَكَم ما بينكم، وخبركم وخبر من بعدكم.

وفي الحلية أيضًا بالإسناد عن أبي العالية عن أبيّ رضي الله عنه أنه قال: عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيلٍ وسنةٍ، ذكر الرحمن عز وجل ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل، فتمسه النار، وليس من عبد على سبيل وسُنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله عز وجل، إلا كان مَثله كمثل شجرة يبس ورقها، فبينا هي كذلك إذ أصابتها الريح فتحاتت عنها ورقها، إلا تحاتَّت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله وسنته، فانظروا أعمالكم، فإن كانت اجتهادًا أو اقتصادًا أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم.

وعن مسلم بن شداد عبيد بن عمير، عن أُبيّ بن كعب أنه قال: ما من عبد ترك شيئًا لله عز وجل إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح، إلا أتاه الله ما هو أشد عليه منه، من حيث لا يحتسب.

ومن أقواله أيضًا: المؤمن بين أربع، إن ابتُلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل.

وفاته:
ورد عدة أقوال في وفاته رضي الله عنه، فمنهم من قال إنه توفي سنة تسع عشرة للهجرة، ومنهم من قال: سنة اثنتين وعشرين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنهم من قال: توفي في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، على قولين: الأول أن وفاته كانت سنة ثلاثين، والثاني أنها كانت سنة اثنتين وثلاثين.

رحم الله سيد القراء أبيّ بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.