الإثنين ديسمبر 8, 2025
  • ءايات موسى التسع

     

    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد له ولا ند له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه من انشق له القمر وسلم عليه الحجر وانقاد إليه الشجر هو فخر ربيعة ومضر صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.

    أما بعد، فيا عباد الله أوصيكم و نفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في القرءان الكريم : ) ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات ( هذه الآيات التسع البينات، ورد في كثير من كتب الحديث المشهورة تفسيرها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد ورد في جامع الترمذي ومستدرك الحاكم أن يهوديين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألا عن التسع ءايات ففسر لهما. وكانا قبل دخولهما عليه قال أحدهما للآخر : “إذهب بنا إلى هذا النبي لنسأله عن التسع ءايات” فقال للآخر : “إنك إن أسمعته هذا” أو “إنه إن سمع منك هذا تصير له أربعة أعين”، قال : “فإن سألناه فأجابنا عنها فإنه نبي”. فلما قال لهما : ((لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تقذفوا محصنة ولا تأكلوا الربا ولا تولوا يوم الزحف وعليكم معشر اليهود خاصة ألا تعدوا في السبت)) فقالا : “نشهد أنك نبي” فقبلا يديه ورجليه.  قال الترمذي حديث صحيح. وإنما سميت هذه التسع ءايات بينات لعظم أمرها.

    فقوله صلى الله عليه وسلم في عد التسع : ((ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله)) فيه نهي عن التجسس، فهذا مما أنزله الله تعالى في التوراة على موسى. ذكر الله تبارك وتعالى هذا الأمر من جملة الأمور التسعة التي أكد تحريمها، وكذلك ما دون القتل من الضرر والأذى لا يجوز لإنسان أن يتجسس ليذهب بالبرءاء إلى أهل السلطة والقوة. فقد روى الحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله بها أكلة من النار يوم القيامة ومن قام بمسلم مقام رياء وسمعة أقامه الله تعالى يوم القيامة مقام رياء وسمعة ومن لبس ثوبا بمسلم ألبسه الله تعالى يوم القيامة لباسا من نار)) المعنى أن الذي يتجسس ظلما فيأخذ بذلك مالا فيأكله، كأن يتخذ منه طعاما أو يلبس به ثيابا فإنه يجازى يوم القيامة جزاء وفاقا، يطعمه الله تعالى يوم القيامة طعاما في جهنم. وطعام جهنم هو الذي ذكره الله في القرءان. توجد شجرة إسمها الزقوم، رائحتها كريهة ومنظرها قبيح جدا لا تطاق، لكن، هم من شدة اضطرارهم، من شدة الجوع والحرق كأنهم يأكلونه بدون اختيار. ملائكة العذاب يطعمونهم من هذا. هذا طعام أهل النار. ولهم هناك صنفان من الشراب أحدهما ماء إلى منتهى الحرارة يسقون منه، ويسقون أيضا من غسلين وهو ما يسيل من جلود أهل النار من القذر، لأنه كلما أنضجت النار جلودهم يكسون جلودا غيرها فيها رطوبة ثم تحترق هذه وقد سال منها شىء كثير من المستقذر فهذا الذي يسيل من جلودهم جعله الله شراب أهل النار، قال تعالى: ) ليس لهم طعام إلا من ضريع  لا يسمن ولا يغني من جوع ( وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ((من قام بمسلم مقام رياء وسمعة أقامه الله تعالى يوم القيامة مقام رياء وسمعة)) فمعناه أن الذي يرتكب هذه المعصية وهي أن يقصد الإنسان رفع شأن نفسه عند الناس وتهشيم شخص آخر ظلما إما في وجهه أو خلفه لينظر إليه بعين الإجلال وليحمد فيهشم الآخر فيوم القيامة يفضحه الله يكشف الله تبارك وتعالى حاله، يقال عنه يوم القيامة : “إن فلانا قام يوم كذا مقام كذا” تكون شديدة على النفس في ذلك الملأ العظيم، أما هنا الفضيحة تكون أمام واحد أو اثنين أو عشرة أو عشرين أو نحو ذلك لا توازي تلك الفضيحة التي تكون في الآخرة يوم يجمع الله الأولين والآخرين.

    ومع أن من جملة كبائر الذنوب السعاية بالمسلم إلا أن من كان مفسدا لا يهدأ من إفساده ولا يترك الناس من ضرره، وإذا نصحته بينك وبينه لا ينتصح، فإن كان لا يرتفع إلا برفع أمره إلى ذي سلطان ليقطعه عن هذا الضرر فإن ذلك جائز، أما الذي يشي بمسلم ليتوصل بذلك إلى مقام الدنيا الفاني، أي ليشبع بطنه فإن ذلك ويل له عند الله يوم القيامة.

    وفي ءاخر الحديث أن هذين اليهودين لما أخبرهما رسول الله بتلك الآيات التسع، وهم يعلمون أن محمدا أمي لا يقرأ إنجيلا ولا توراة بل كان لا يقرأ مكتوبا لأنه لم يتعلم الخط، ما دخل مدرسة يتعلم فيها الخط ولا درس على شخص انفرادا لأن أهل الكتاب الذين كانوا بالمدينة تواتر عندهم أن محمدا أمي، كان معلوما ذلك عند اليهود في مكة والمدينة كما كان معروفا ذلك بين أهل بلده، بين أهل مكة، لذلك قالا : “إن سألناه فأجابنا فإنه نبي”، فلما سألاه فأجابهما على ما هو مذكور في كتابهم التوراة، قالا : “نشهد أنك نبي”. فقبلا يديه ورجليه، فقال لهما : ((ما يمنعكما أن تسلما)) قالا : “إن نبي الله داود دعا الله تعالى أن لا تخرج النبوة من ذريته فنحن نخاف إن ءامنا بك أن تقتلنا اليهود”. عللا ترك اتباعهما لمحمد بأمرين، أحدهما افتراء وهو أن داود دعا أن لا تخرج النبوة من ذريته، هذا افتراء على داود. داود لم يقل إن النبوة لا تخرج من ذريته ولا طلب من الله تعالى ذلك إنما افتريا هذا افتراء، والأمر الثاني دعواهما أنهما إن اتبعا محمدا تقتلهما اليهود.

    هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    الخطبة الثانية:

    إن الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يـهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.

    أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم .

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز : }يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم، يوم  ترونـها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد{.

    واعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم أمركم بالصلاة على نبيه الكريم فقال : }إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين  ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما{ اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ءال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهم استر عوراتنا وءامن روعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شر ما نتخوف.

              عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم واتقوه يجعل لكم من أمركم مخرجا، وأقم الصلاة.