الجمعة يوليو 26, 2024

هل وَقَعَ خلافٌ بينَ ابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ حَوْلَ رُؤْيَةِ رسولِ الله لرَبِّهِ بقلبهِ ليلةَ المعراج ؟؟

جمهورُ أهلِ السُّـنَّةِ على أنَّ رسولَ الله ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، رأى رَبَّهُ ليلةَ المعراجِ بفؤادِه أي بقلبهِ ولم تكن رؤيتُه لرَبِّهِ بعينهِ .. واستدلُّوا على ذلك بقول الله تعالى في سورةِ النجم (( ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأى )) .. والمرادُ بالفؤادِ فؤادُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. وليس المرادُ فؤادَ جبريلَ عليه السَّلام ..

وأمَّا قولُ بعضِ أهلِ هذا العصرِ إنَّ رسولَ الله رأى ربَّه ليلةَ المعراجِ بعينيهِ فهو قولٌ مردود .. ومن قاله لا يُبَدَّعُ ولا يُفَسَّقُ ولكنْ يُخَطَّأ ..

والقولُ الصَّحيح الرَّاجح أنه رءاهُ بقلبهِ ولم يَرَهُ بعينيهِ كما ثَبَتَ ذلكَ عن أبي ذَر الْغِفَارِيِّ .. فقد رَوَى ابنُ خُزَيْمَةَ في كتابهِ (التوحيد) والدَّارَقُطْنيُّ في كتابهِ (الرُّؤية) عن أبي ذَرٍّ أنه قال :” رءاه بقلبهِ ولم يَرَهُ بعينهِ ” .. وهذا هو الصَّحيح المعتمد ..

ورَوَى الطَّبَرَانيُّ في (المعجمِ الأوسطِ) بإسنادٍ قويٍّ كما قال الحافظُ ابن حَجَرٍ عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :” رأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ مرَّتين ” ..

ورَوَى الإمامُ مسلم في[(صحيحه)/كتاب الإيمان]عن أبي العاليةَ عن ابنِ عَبَّاسٍ أنه قال :” رءاهُ بفؤادِه مَرَّتَيْنِ ” .. يريد ابنُ عَبَّاسٍ أنَّ رسولَ الله مُحَمَّدًا ، صلَّى الله عليه وسلَّم ، رأى رَبَّهُ بقلبهِ مرَّتينِ ولم يَرَهُ بعينهِ .. قال ذلك عند شرحهِ للآية (( ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأَى )) ..

ومعنى الرُّؤْيَةِ بالقلب أنَّ الله خَلَقَ ليلةَ المعراجِ في قلب رسولِ الله قُوَّةً بها رأى رسولُ الله رَبَّهُ .. بهذِه القُوَّةِ التي جعلها الله في قلب رسول الله ليلةَ المعراجِ رأى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ ليلةَ المعراج .. هذه القُوَّةُ هي نفسُها التي تكونُ في العينِ والتي نرى نحن بها .. هذه القُوَّةُ جعلها الله تلك الليلةَ في قلب نبيِّه مُحَمَّدٍ فرأى بها ربَّه .. وليس هذا صعبًا على الله .. أليس جعل الله في جبل الطُّورِ قُوَّةً بها رأى الجبلُ ربَّه .. ذاك الجبلُ لمَّا رأى رَبَّهُ بتلكَ القُوَّةِ التي تكونُ عادةً في أعيننا لم يتمالكْ فاندكَّ أي تهدَّم ..

قال الله تعالى (( فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دَكًّا وخَرَّ موسى صَعِقًا )) .. انظر الآية 143 من سورة الأعراف.. ولكنْ سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ تمالكَ لأنَّ الله ثبَّته تلكَ اللحظة في تلك الليلة ..

وأمَّا قولُ عائشةَ رضي الله عنها :” مَنْ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا رأى رَبَّهُ فقد أَعْظَمَ على الله الفِرْيَةَ ” فقد قال الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في كتابه[(فتح الباري)/الجزء 8/الصَّحيفة 608]ما نصُّه :” وعلى هذا يمكنُ الجمع بين إثباتِ ابنِ عَبَّاسٍ ونَفْيِ عائشةَ بأن يُحْمَلَ نفيُها على رؤيةِ البَصَرِ ويُحْمَلُ إثباتُ ابنِ عَبَّاسٍ على رؤيةِ القلب “ا.هـ..

وكلامُ عائشةَ ، رضي الله عنها ، ذكره مسلم في (صحيحه) والتِّرْمِذِيُّ في (سننه) ..

قالت عائشة :” مَنْ زَعَمَ أنَّ مُحَمَّدًا رأى رَبَّهُ فقد أَعْظَمَ على الله الفِرْيَةَ ” ..

تريد عائشةُ أنَّ مَنْ زَعَمَ أنَّ رسولَ الله مُحَمَّدًا رأى رَبَّهُ فقد افترى وكَذَبَ على الله .. والفِرْيَةُ في اللغةِ الكَذِبُ .. ولكنَّ الحافظَ ابنَ حَجَرٍ جَمَعَ بينَ نَفْيِ عائشةَ للرُّؤْيَةِ وإثباتِ عبدِ الله بنِ العَبَّاسِ لها بقوله :” إنَّ نَفْيَ عائشةَ يُحْمَلُ على نَفْيِ الرُّؤية بالبصر ويُحْمَلُ إثباتُ ابنِ عبَّاسٍ على إثباتِ الرُّؤية بالقلب ” .. وبهذا أمكن الجمع بين نفي عائشةَ للرُّؤيةِ وإثباتِ ابنِ عبَّاسٍ لها ..

وأمَّا الحديثُ الذي رواه الإمامُ مسلمٌ عن أبي ذَرٍّ وفيه أنه قال لرسول الله :” هل رأيتَ رَبَّكَ يا رسولَ الله ؟؟” ،

فقالَ :” نورٌ ، أنَّى أراه ” ،

فقد نقل الحافظُ العِرَاقِيُّ أنَّ الإمامَ أحمدَ استنكره ..

ولو صَحَّ الحديثُ لكان معناهُ منعني نورٌ مخلوقٌ من رؤيةِ الله بعينيَّ .. والتقدير : فاعلٌ لفعلٍ محذوفٍ تقديرُه منعني .. معناه منعني نورٌ خَلَقَهُ الله أمامَ عينيَّ من أنْ أرى رَبِّي بعينيَّ .. وليس في الحديثِ دليلٌ على أنَّ الرَّسُولَ ما رأى رَبَّهُ بالمرَّة .. ولا يخفى أنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَ هذا الحديثَ ، فقد قال بعد أن رواهُ في (سننه) :” هذا حديثٌ حَسَن ” .. انظر [(سنن الترمذيِّ)/كتاب تفسير القرءان عن رسول الله]..

والحمدُ لله رَبِّ العالَمين