الجمعة يوليو 26, 2024

نشأة موسى عليه السلام وقتله للرجل القبطي

مكث موسى عليه السلام عند أمه ترضعه حتى فطمته ثم ردته إليهم، فنشأ عليه السلام في حجر فرعون وزوجته ءاسيا واتخذاه ولدًا، وشبّ عليه السلام في قصر فرعون وعاش فيه معززًا مكرمًا وكان يعيش عيشة أبناء الملوك فيركب مراكب فرعون ويلبس ما يلبس فرعون.

وترعرع عليه السلام بين قومه حتى إذا بلغ أشده ءاتاه الله تعالى حُكمًا وعلمًا، وذات يوم ركب فرعون مركبًا وليس عنده موسى عليه السلام فلما جاء موسى ركب في إثره يتبعه فأدركه المقيل في مدينة من مدن مصر القديمة، وبينما هو يتجول في طرقها وكان الوقت وقت ظهيرة والأسواق مغلقة والناس في بيوتهم وجد رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر قبطي من ءال فرعون اعتدى على ذاك الإسرائيلي، فلما مر موسى عليه السلام استغاثه الإسرائيلي ليخلصه من شر ذلك القبطي، فأقبل موسى عليه السلام نحو القبطي يريد أن يمنعه من الاعتداء ويدفع الأذى عن ذاك الإسرائيلي فوكزه موسى عليه السلام – ضربه بجمع يده- فقضى عليه وقتله وخرّ القبطي على الأرض ميتًا، فندم موسى عليه السلام على ذلك وكانت هذه معصية صغيرة من سيدنا موسى عليه السلام وذلك لأنه لا ينبغي لنبي من الأنبياء أن يقتل حتى يؤمر أو يؤذن له بالقتل، وتاب سيدنا موسى عليه السلام من هذا الذنب وقبل الله تعالى توبته وغفر له، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام: {ولمَّا بلغَ أشُدَّهُ واستوى ءاتيناهُ حُكمًا وعِلمًا وكذلكَ نَجزي المُحسنين* ودخلَ المدينةَ على حينٍ غفلةً مِنْ أهلِها فوجدَ فيها رجُلينِ يقتتلانِ هذا من شيعتهِ وهذا من عدُوّهِ فاستغاثهُ الذي من شيعتِهِ على الذي من عدوهِ فوكزهُ موسى فقضى عليهِ قالَ هذا مِنْ عملِ الشيطانِ إنَّهُ عدوٌّ مُضِلٌّ مبينٌ* قال ربِّ إنِّي ظلمتُ نفسي فاغفرْ لي فغفرَ لهُ إنَّهُ هُوَ الغفورُ الرَّحيمُ* قالَ ربِّ بما أنعمتَ عليَّ فلن أكونَ ظهيرًا للمُجرمين} [سورة القصص/١٤-١٧].

ولما قتل موسى عليه السلام ذلك القبطي الذي هو من أتباع فرعون أصبح عليه السلام في المدينة التي دخلها خائفًا على نفسه من فرعون وأتباعه ويترقب وينتظر سوءًا يناله منهم إذا علموا أن هذا القتيل إنما قتله موسى عليه السلام في نصرة رجل من بني إسرائيل فتقوى بذلك ظنونهم أن موسى منهم ويترتب على ذلك أمر عظيم، ولم يكن احد من الناس قد رأى موسى عليه السلام يقتل القبطي إلا ذاك الرجل الإسرائلي، وكان الأقباط أتباع فرعون قد أتوا فرعون وقد غاظهم وأغضبهم قتل واحد منهم، وطلبوا منه أن يأخذ لهم بثأرهم من بني إسرائيل وقالوا له: إن بني إشرائيل قتلوا رجلاً منا فخذ لنا بحقنا، فقال لهم فرعون: ائتوني بقاتله ومن يشد عليه لآخذ لكم حقكم، فبينما هم يطوفون يبحثون عن القاتل ويتلمسون الأخبار إذ وقعت حادثة أخرى بين ذاك الإسرائيلي وأحد الأقباط في اليوم الثاني وإذا موسى عليه السلام يمر فرأى ذاك الإسرائيلي يقاتل قبطيًا فرعونيًا ءاخر فاستغاثه هذا الإسرائيلي على خصمه الفرعوني، فتقدم موسى عليه السلام غاضبًا وهو يريد أن يبطش بذلك الفرعوني القبطي، ولكن لما رأى هذا الإسرائيلي غضب موسى عليه السلام ورأى ءاثار الغضب على وجهه وسمعه يقول معنفًا له على كثرة مخاصمته: {إنَّكَ لغويٌّ مُبينٌ} ورءاه وقد همّ أن يبطش بهذا الفرعوني فظن أنه يريده فخاف على نفسه فقال لموسى عليه السلام حينئذ: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس، فسمع الفرعوني هذا الكلام وانطلق وذهب مسرعًا إلى فرعون وجماعته وأخبرهم أن موسى هو الذي قتل ذاك الرجل القبطي، فما كان من فرعون لما سمع هذا الخبر إلا أن أمر جنده أن يبحثوا عن موسى ويأتوه به ليقتله، حتى لا يتجرأ أحد من بني إسرائيل على قتل أحد من أتباعه الأقباط، فذهب الجند يفتشون ويبحثون عن موسى عليه السلام في طرقات المدينة، وكان رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم إيمانه يقال إنه “حزقيل” قد علم بأمر فرعون بالإتيان بموسى ليقتله فما كان منه إلا أن سبقهم إلى موسى عليه السلام من طريق أقرب وأخبره بالخبر وبمؤامرة فرعون وجنده وطلب منه ناصحًا مشفقًا عليه أن يخرج من مصر خوفًا عليه من فرعون وجنوده، وقبل موسى عليه السلام نصيحته وخرج من مصر إلى أرض “مدين” ودعا ربه أن يهديه الطريق إليها وأن ينجيه من شر فرعون، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن نبيه موسى عليه السلام: {فأصبحَ في المدينةِ خائفًا يترقَّبُ فإذا الذي استنصرهُ بالأمسِ يستصرخهُ قالَ لهُ موسى إنَّكَ لغويٌّ مبينٌ* فلمَّا أنْ أرادَ أن يبطشَ بالذي هوَ عدوٌّ لهما قالَ يا موسى أتريدُ أن تقتلني كما قتلتَ نفسًا بالأمسِ إنْ تريدُ إلا أن تكونَ جبَّارًا في الأرض وما تريدُ أن تكونَ مِنَ المُصلحين* وجاءَ رجلٌ مِنْ أقصا المدينةِ يسعى قالَ يا موسى إنَّ الملأ يأتمرونَ بكَ ليقتلوكَ فاخرُج إني لكَ مِنَ الناصحين* فخرجَ منها خائفًا يترقبُ قالَ ربِّ نجِّني مِنَ القومِ الظالمين} [سورة القصص/١٨-٢١].