السبت يونيو 14, 2025

مُعتقد الصّوفية

قولهم في التوحيد:

اجتمعت الصوفية على أن الله واحد لا شريك له، فرد صمد، قديم لا ابتداء لوجوده، عالم لا تخفى عليه خافية، قادر على تكوين ما سبقت به إرادته، فعال لما يريد لا يعجزه عن ذلك شيء ولا تخلف لمراده وهو سبحانه مدبر كل شيء، حي لا كحياتنا متعال عن النقص والسوء، موصوف بكل كمال يليق به، منزه عن كل نقص في حقه، مسمى بكل ما للخلق بوجه من الوجوه، لا يشبه ذاته الذوات ولا صفاته الصفات، لا يجري عليه شيء من سمات المخلوقين الدالة على حدثهم، لم يزل سابقاً متقدماً للمحدثات موجوداً قبل كل شيء، لا قديم غيره ولا إله سواه.

ليس بجسم ولا شبح ولا صورة ولا شخص ولا جوهر ولا عرض، لا اجتماع له ولا افتراق،لا يتحرك ولا يسكن، ولا ينقص ولا يزداد، ليس بذي أبعاض ولا أجزاء، ولا جوارح ولا أعضاء ولا بذي جهات ولا أماكن، لا تجري  عليه الآفات، ولا تأخذه السنات، ولا تداوله الأوقات، ولا تعينه الإشارات، لا يحويه مكان، ولا يجري عليه زمان، ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن، ولا تحيط به الأفكار، ولا تحجبه الأستار، ولا تدركه الأبصار.

فعله من غير مباشرة، وتفهيمه من غير ملاقاة، وهدايته من غير إيماء، لا تنازعه الهمم، ولا تخالطه الأفكار، ليس لذاته تكييف، ولا لفعله تكليف.

لا تحيط به العيون، ولا تهجم عليه الظنون، ولا تتغير صفاته، ولا تتبدل أسماؤه، لم يزل كذلك، ولا يزال كذلك، هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء، موجود بلا كيف ولا مكان وهو بكل شيء عليم، علمه ليس كعلمنا، يعلم الأشياء قبل حدوثها، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } سمعه وبصره ليس كأسماع وأبصار الورى فهم يسمعون بالأذن والصماخ وتموج الهواء ويبصرون بالحدقة وانعكاس الصور في الضوء والنور والله سبحانه منزه عن ذلك كله يسمع الأصوات بسمع أزلي أبدي ليس بسمع حادث عند حدوث الأصوات ويرى برؤية أزلية ليست حادثة عند وجود المبصرات.

وكلامه قديم أزلي لا ابتداء له كسائر صفاته لأن الذات الأزلي لا يقوم به صفة حادثة وما كان كذلك لا يكون حرفاً ولا صوتاً ولغة ولا يبتدأ ولا يختتم، فمن تكلم بالحروف فهو معلول ومن كان كلامه باعتقاب فهو مضطر.

وكلام الله أمر ونهي وخبر ووعد ووعيد وقصص وأمثال، والله لم يزل آمراً ناهياً مخبراً واعداً موعداً حامداً ذاماً. فالقرآن والتوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب السماوية إن قصد بها الكلام الذاتي فهي أزلية ليست بحرف ولا صوت، وإن قصد بها اللفظ المنزل الذي بعضه بلغة العرب وبعضه بالعبرانية وبعضه بالسريانية فهو حادث مخلوق لله لكنها ليست من تصنيف ملك ولا بشر فهي عبارات عن الكلام الذاتي الذي لا يوصف بأنه عربي ولا بأنه عبراني ولا بأنه سرياني، وكل يطلق عليه كلام الله، أي أن صفة الكلام القائمة بذات الله أي الثابتة له سبحانه  يقال لها كلام الله، واللفظ المنزل الذي هو عبارة عنه يقال له كلام الله.

وتقريب ذلك أن لفظ الجلالة (الله) عبارة عن ذات أزلي قديم أبدي، فإذا قلنا (نعبد الله) فذلك الذات هو المقصود،وإذا كتب هذا اللفظ فقيل: ما هذا؟ يقال (الله) بمعنى أن هذه الحروف تدل على ذلك الذات الأزلي الأبدي لا بمعنى أن هذه الحروف هي الذات الذي نعبده، فتبين من ذلك كله أن القرآن له إطلاقان أي له معنيان:

الأول: إطلاقه على الكلام الذاتي الذي ليس له بحرف ولا صوت ولا لغة عربية ولا غيرها.

والثاني: إطلاقه على اللفظ المنزل الذي يقرؤه المؤمنون.