من هو الصوفي:
قال بشر بن الحارث: “الصوفي من صفا قلبه لله”.
وقال بعضهم: “الصوفي من صفت لله معاملته فصفت له من الله عز وجل كرامته”.
وقيل لبعضهم من الصوفي؟ فقال: “الذي لا يملك ولا يملك” يعني لا يسترقه الطمع.
وقال آخر: “هو الذي لا يملك شيئاً وإن ملكه بذله”.
وسئل سهل بن عبد الله التستري: من الصوفي فقال “من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر وانقطع إلى الله من البشر واستوى عنده الذهب والمدر”.
وسئل الجنيد سيد الطائفة الصوفية عن التصوف فقال: “تصفية القلب عن موافقة البرية ومفارقة الأخلاق الطبيعية وإخماد الصفات البشرية ومجانبة الدواعي النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بالعلوم الحقيقية واستعمال ما هو أولى على الأبدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله على الحقيقة وأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة”.
وقال ابن الحاج المالكي:
س التصوف لبس الصوف ترقعه |
|
| ولا بكاؤك إن غنّى المغنونا |
ولا صياح ولا رقص ولا طرب |
|
| ولا اختباط كأن قد صرت مجنونا |
بل التصوف أن تصفو بلا كدر |
|
| وتتبع الحق والقرآن والدّينا |
وأن تُرى خاشعاً لله مكتئباً |
|
| على ذنوبك طول الدهر محزونا |
وقال أبو علي الروذباري: “الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وأطعم الهوى ذوق الجفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى”.
فمن هذه الأقوال الذبية والدرر الماسية يتبين لنا أن التصوف الحقيقي ليس مجرد جبة صوف وضرب دفوف وتمايل صفوف ووضع الشرع على الرفوف، بل إن التصوف الحقيقي هو كمال قال السيد أحمد الرفاعي الكبير: “طريقنا علم وعمل” علم بالأحكام الشرعية وأعلاها وأوجبها علم العقيدة المتعلق بمعرفة ما يجب لله من الصفات وما يستحيل عليه من الصفات ومعرفة أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم وما يجب لهم وما يستحيل عليهم وعمل بالأحكام الشرعية من صلاة وصيام وحج وزكاة إلى غير ذلك من الواجبات.
قال الشيخ الحافظ المحدث الهرري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } “أي لينظر المرء ما يعد ويقدم لآخرته من العمل الصالح، والآخرة ينفع فيها تقوى الله. والتقوى هي أداء الواجبات واجتناب المحرمات، ومن جملة الواجبات تعلم العلم الشرعي، فلا يكون العبد من المتقين ما لم يتعلم ما فرض الله على عباده معرفته من علم دينه، فلا يكون مثل هذا متقياً مهما أتعب نفسه في العبادات وجاهد نفسه بتحمل مشقات العبادة وكفها عن هواها.
وأكثر المتصوفة اليوم لا يطلبون العلم الشرعي إلى القدر الكافي إنما يمليون إلى الإكثار من الذكر فهؤلاء لا يصيرون من أولياء الله الصالحين مهما تعبوا ومهما صحبوا أولياء الله وخدموهم إلا إذا أتتهم نفحة فيتعلمون ويجدون في العمل، فهؤلاء من أهل العناية، وأما الذين بقوا على ما هم عليه من الجهل وظنوا أنهم يصلون إلى الله بالذكر ومحبة الأولياء فهؤلاء مخدوعون”.
فيجب الحذر من بعض أدياء التصوف الذين شوهوا صورة التصوف الإسلامي الحقيقي فأسقطوا الواجبات وأباحوا المحظورات ومن هؤلاء فرقة تسمى التيجانية ظهرت في المغرب منذ نحو مائتي وسبعين سنة تنتسب إلى الشيخ أبي العباس التيجاني رحمه الله الذي هو بريء مما ألصق بطريقته من التحريف والشذوذ، فإنه كان عالماً أشعرياً. يقول هؤلاء المحرفون في كتبهم: “إن الذي يأخذ طريقتنا يصير أفضل من القطب من غيرنا”، وهذا خلاف قول الله تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } فالإنسان تكون منزلته أعلى عند الله بحسب التقوى، فمن كان أتقى لله يكون عند الله أعلى درجة ولو لم يكن له طريقة يلتزمها، ويقولون في بعض مؤلفاتهم: “إن الشيخ أبا العباس التيجاني أفضل أولياء الله من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة”، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم فإن الإجماع منعقد على أن أفضل اولياء الأمة هم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر وأهل بيعة الرضوان ثم بقية الأكابر من أولياء الصحابة والتابعين كأويس القرني الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر من قرن ثم من مراد” الحديث. ثم بعد ذلك أولياء الله الذين منهم السيد أحمد الرفاعي الكبير والسيد عبد القادر الجيلاني والسيد أحمد البدوي وأمثالهم.
ومن الفرق المنحرفة التي يجب الحذر منها فرقة تسمى الشاذلية اليشرطية، وهؤلاء ينتسبون إلى الشيخ علي نور الدين اليشرطي وهو مغربي الأصل نزل في عكا في فلسطين وكان رجلاً صالحاً من أصحاب الكرامات انتشرت طريقه في بعض البلاد كلبنان وسوريا، فحرفها بعض من ينتسب إليه وأدخلوا فيها ما لم ينزل الله من سلطان بل إنهم وقعوا في أكفر الكفر فقالوا: “إن الله داخل في كل شخص منا رجل أو امرأة في كل فرد من أفراد البشر، هكذا يعتقدون. وحرّفوا قول الله تعالى { الحَيُّ القَيُّومُ } يقولون: “القيوم معناه القائم فينا”، ثم شيخهم لما علم بهذا التحريف تبرأ منهم وسلم مشيخة الطريقة في لبنان إلى مفتي بيروت آنذاك الشيخ مصطفى نجا رحمه الله الذي كان من علماء لبنان والأولياء الأجلاء فصار يحذر منهم، ومن هذا التحريف والشطحات المهلكة.
وإنما دخل هذا الفساد على بعض المتصوفة بسبب قلة العلم وعدم اتباع الشرع المحمدي لذلك كان لزاماً علينا أن نبين عقيدة الصوفية ومنهجهم الصحيح.