الأحد نوفمبر 9, 2025

قال المؤلف رحمه الله: [والبعثُ حقٌّ].

(الشرحُ): أنَّ بعث الله تعالى الموتى من القبور بأن يجمع أجزاءهم الأصلية ويعيدَ الأرواح إليها حقٌّ واقعٌ. ثم هل الأجزاء الأصلية لم تنعدم إنما زال اجتماعها فتفرقَتْ أو انعدمَتْ ثم أُعيدت في ذلك خلافٌ لعلماء أهلِ السُّنَّةِ والموافقُ لظواهر النصوص أنها تنعدم ثم تعاد.

والدليل على أنَّ البعث حق قوله تبارك وتعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 16]، وقوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79]، وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] إلى غير ذلك من النصوص القاطعة بحشر الأجساد.

قال المؤلف رحمه الله: [والوزنُ حَقٌّ].

(الشرحُ): أنَّ وزنَ الأعمالِ في الآخرةِ واقعٌ بلا ريبٍ ودليلُهُ قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: 8] وأمَّا كيفيته وشكلُ الميزان الذي يُعرف به مقادير الأعمال على التفصيلِ فعقولنا قاصرةٌ عن إدراك ذلك.

وهل توزن الكتب أو الأعمال وردَ بكلِّ ذلك نصٌّ ولا مانع من القول بكل ذلك فتوزن أحيانًا الأعمال وأحيانًا الكتب. فإن قيل كيف توزن الأعمال وهي حركات ونوايا فَعَلَها العبد قلنا لا مانع عقلًا من ذلك إذْ تُصَوَّرُ الحسناتُ بِصُوَرٍ حسنة والسيئات بِصُوَرٍ قبيحة وتوزن هذه وتوزن هذه أيْ تُوضع هذه في كفة وتلك في كفة.

قال المؤلف رحمه الله: [والكتابُ حَقٌّ].

(الشرحُ): أنه يَعْنِي بالكتاب الكتابَ المُثْبَتَ فيه طاعاتُ العباد ومعاصيهم يُؤْتَى المؤمنون كتبَهُمْ بأيمانهم والكفارُ بشمائلهم ووراءَ ظهورهم. والدليلُ السمعيُّ على ذلك قوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا} [الإسراء: 13]، وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 7، 8] والحساب اليسير هو الذي ليس فيه مناقشة لأنه صحَّ أنَّ مَن نُوقِشَ الحساب عُذِّبَ.

قال المؤلف رحمه الله: [والسؤالُ حَقٌّ].

(الشرحُ): أنَّه يجبُ الإيمانُ بحصولِ السؤالِ يوم القيامةِ لقوله تعالى: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ} [الحجر: 92]؛ ولقوله عليه الصلاةُ والسلام إنَّ الله يُدْنِي المؤمنَ يوم القيامة فيضع عليه كَنَفَهُ وسِتْرَهُ فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أيْ ربِّ حتّى قرَّرَهُ بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال الله تعالى سترتها عليك فلي الدنيا وأنا أغفرها لك اليومَ فيُعْطَى كتابَ حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادَى عليهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذَبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين اهـ. رواه البخاريُّ. والمراد بالظالمين الكفار لأن الكفر هو أعظم الظلم وما سواه بالنسبة له فكأنه ليس بظلم.

قال المؤلف رحمه الله: [والحوضُ حَقٌّ].

(الشرحُ): أنَّ الحوضَ مكانٌ أعدَّ الله فيه شرابًا لأهل الجنة يشربون منه قبل دخول الجنة وبعد مجاوزة الصراط فلا يصيبهم بعد ذلك ظمأٌ ويَصُبُّ فيه ميزابان مِن الجنة. وقد ورد في وصفِهِ ما رواه البخاريُّ في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم حَوْضِي مسيرةُ شهر ماؤه أبيضُ مِنَ اللبن وريحه أطيب مِن المسك وكيزانه كنجوم السماء مَن شرب منها فلا يظمأ أبدًا اهـ. ثم إنَّ لكلِّ نبيٍّ حوضًا لكن حوض نبيِّنا عليه الصلاة والسلامُ أكثر ورودًا.

قال المؤلف رحمه الله: [والصِّراطُ حَقٌّ].

(الشرحُ): أنَّ الصراطَ جسرٌ ممدودٌ على متن جهنم وقد اشتهر أنه أدقُّ مِنَ الشعرة وأحدُّ من السيف أخرجه مسلم من قول أبي سعيدٍ الخدريِّ وهذا كناية عن شدة هَوْلِهِ وليس المراد ظاهرَهُ بل هو عريضٌ لكنه مَزْلَقةٌ دحضٌ.

وأنكرتِ المعتزلةُ إتيانَ الكتابِ والميزانَ والحوضَ والصراطَ.

قال المؤلف رحمه الله: [والجنةُ حَقٌّ والنارُ حَقٌّ].

(الشرحُ): أنَّ الجنة والنار لا يستقل العقل بإدراك وجودِهِما فهما ثابتتان بالدلائل السمعية القطعية وبالإجماع والآياتُ والأحاديثُ الواردة في بيانهما أشهر مِن أن تخفى وأكثر من أن تُحصى. والمراد بإثباتهما عند أهل الحق إثباتُ وجودهما الآن أي أنهما مخلوقتان موجودتان الآنَ.

قال المؤلف رحمه الله: [وهُما مَخلوقَتَان الآنَ موجودَتَانِ].

(الشرحُ): أنه يستدل على وجود الجنة الآن بقولِ الله تبارك وتعالى في الجنة {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [ءال عمران: 133]، وبقوله في النار {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] وبقصةِ ءَادَمَ وحواءَ وإسكانهما الجنة التِي وُعِدَ المؤمنون أن يسكنوها في الآخرة وحَمْلُ ما جاء في ذلك على بستانٍ مِن بساتين الدنيا تلاعبٌ مخالفٌ لإجماع المسلمين.

قال المؤلف رحمه الله: [باقيتَانِ لا تَفنَيَانِ ولا يَفنى أهلُهُمَا].

(الشرحُ): أنَّ الجنة والنار دائمتان لا يطرأ عليهما عدمٌ مستمرٌّ ولا غير مستمر لقوله تعالى في حق الفريقين {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [النساء: 57 – 169] وأما ما قاله بعض ملاحدة المتصوفة من أنهما يهلكان ولو لحظةً تحقيقًا لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] فهو مخالفٌ للنصِّ والإجماع ولا داعِيَ إلى تأويلِهِ فإنَّ قولَهُ {كُلٌّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ليس نصًّا في أنَّ المراد بالوجه الذاتُ المقدسُ بل الوجْهُ هنا مُؤَوَّلٌ بالمُلك كما قاله البخاريُّ في صحيحه في تفسير سورة القصص، ويصح تأويله بأن المراد بوجهه كلُّ ما يُتَقَرَّب به إليه مِن الحسنات كما فسَّرَهُ سفيانُ الثورِيُّ.

وخالف في هذه المسألة الجهمية وقالوا إنهما تفنيان ويفنَى أهلُهما وهو قول باطل مخالف للكتاب والسُّنَّة والإجماع ليس عليه شبهةٌ فضلًا عن حجة. ووافقَ ابنُ تيمية جهمًا في جزءٍ مِن ضلالِهِ وهو قوله إن النار تفنَى مع أنه كان قبل ذلك قد قال في كتابه منهاج السُّنَّة النبوية إنهما باقيتان لا تفنيان وإنَّ أهل الحق متفقون على ذلك ولم يخالف إلا الجهمية فكفَّرهم المسلمون بذلك. اهـ.