مصعب بن عمير
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ
تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ القُرَشِيُّ العَبْدَرِيُّ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ.
مِنْ مَنَاقِبِهِ:
كَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِهِمْ وَمِنَ السَّابِقِيْنَ إِلَى الإِسْلَامِ، أَعْلَنَ إِسْلَامَهُ وَسَيِّدُنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الأَرْقَمِ، وَكَتَمَ إِسْلَامَهُ خَوْفًا مِنْ أُمِّهِ وَقَوْمِهِ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا، فَبَصَرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ العَبْدَرِيُّ يُصَلِّي، فَأَعْلَمَ أَهْلَهُ وَأُمَّهُ فَأَخَذُوْهُ فَحَبَسُوْهُ فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوْسًا إِلَى أَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الـحَبَشَةِ فِي الـهِجْرَةِ الأُوْلَى، وَعَادَ مِنَ الـحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ.
وَكَانَ مُصْعَبُ فَتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبَّانِهِ وَكَانَتْ أُمُّهُ كَثِيْرَةَ الـمَالِ تَكْسُوْهُ أَحْسَنَ مَا يَكُوْنُ مِنَ الثِّيَابِ وَأَرَقِّهِ، وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكَّةَ يَلْبَسُ الـحَضْرَمِيَّ مِنَ النِّعَالِ، فَكَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُهُ وَيَقُوْلُ: “مَا رَأَيْتُ بِـمَكَّةَ أَحَدًا لَـمَّةً وَلَا أَرَقَّ حُلَّةَ وَلَا أَنْعَمَ مَعِمَّةً مِنْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ”.
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ يَوْمًا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ وَهُوَ يَبْنِي الـمَسْجِدَ إِذْ قَالَ: أَقْبَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ قِطْعَةٌ نَمِرَةٌ قَدْ وَصَلَهَا بِقِطْعَةِ جِلْدٍ، فَلَمَّا رَءَاهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَسُوْا رُؤُوْسَهُمْ رَحْمَةً لَهً لِـمَا رَأَوْهُ مِنْ حَالِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَلْبَسُ فَاخِرَ الثِّيَابِ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ وَقَالَ:
“لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا، يَعْنِي مُصْعَبًا، وَمَا بِمَكَّةَ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ أَنْعَمَ عِنْدَ أَبَوَيْهِ نَعِيْمًا مِنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّغْبَةُ فِي الـخَيْرِ فِي حُبِّ اللهِ وَرَسُوْلِهِ”.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الـخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مُقْبِلًا وَعَلَيْهِ إِهَابُ [أَيْ جِلْدُ] كَبْشٍ قَدْ تَنْطِقُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “انْظُرُوْا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ يُغَدِّوَانِهِ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَدَعَاهُ حُبُّ اللهِ وَرَسُوْلِهِ إِلَى مَا تَرَوْنَ”.
هِجْرَتُهُ إِلَى الـمَدِيْنَةِ الـمُنَوَّرَةِ:
لَمَّا بَايَعَ العَقَبَةُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعُوْا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ سِرًّا وَتَلَوْا عَلَيْهِمُ القُرْءَانَ، وَكَانُوْا اثْنَيْ عَشَرَ شَخْصًا، وَبَعَثُوْا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ يُفَقِّهَنَا فِي الدِّيْنِ وَيُقْرِئُنَا القُرْءَانَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ فَقَدِمَ إِلَى الـمَدِيْنَةِ مُهَاجِرًا قَبَلَ مَقْدَمِ رَسُوْلِ اللهِ بِاثْنَتَي عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَنَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، وَكَانَ يَأْتِي الأَنْصَارَ فِي دُوْرِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ فَيَدْعُوْهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمْ القُرْءَانَ فَيُسْلِمُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ حَتَّى ظَهَرَ الإِسْلَامُ وَفَشَا فِي دُوْرِ الأَنْصَارِ كُلِّهَا وَكُسِّرَتْ أَصْنَامُهُمْ وَكَانَ الـمُسْلِمُوْنَ أَعَزَّ أَهْلِ الـمَدِيْنَةِ.
وَكَانَ مُصْعَبُ يُقْرِئُهُمُ القُرْءَانَ وَيُعَلِّمُهُمْ، فَكَتَبَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ أَنْ يُجَمِّعَ بَيْنَهُمْ، فَأَذِنَ لَهُ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: “انْظُرْ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي يَجْهَرُ فِيْهِ اليَهُوْدُ لِسَبْتِهْمْ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَازْدَلَفْ إِلَى اللهِ فِيْهِ بِرَكْعَتَيْنِ وَاخْطُبْ فِيْهِمْ” فَجَمَّعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَمَا ذَبَحَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا شَاةً، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ فِي الإِسْلَامِ جُمَعَةً. أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعَدُ بْنُ مُعَاذٍ.
وَفَاتُهُ:
يَوْمَ مَعْرَكَةِ أُحُدٍ حَمَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ اللِّوَاءَ، فَلَمَا جَالَ الـمُسْلِمُوْنَ ثَبَتَ بِهِ مُصْعَبٌ فَأَقْبَلَ ابْنُ قُمَيْئَةَ، وَهُوَ فَارِسٌ، فَضَرَبَ يَدَهُ اليُمْنَى فَقَطَعَهَا وَمُصْعَبٌ يَقُوْلُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُوْلٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [سُوْرَةُ ءَالِ عِمْرَانَ/144]. فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ اليُسْرَى فَحَنَا عَلَيْهِ ابْنُ قُمَيْئَةَ فَضَرَبَ يَدَهُ اليُسْرَى فَقَطَعَهَا، فَحَنَا عَلَى اللِوَاءِ، وَضَمَّهُ بِعَضُدَيِهِ إِلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُوْلٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِ الثَّالِثَةَ بَالْرُّمْحِ فَأَنْفَذَهُ وَانْدَقَّ الرُّمْحُ وَوَقَعَ مُصْعَبٌ وَسَقَطَ اللِّوَاءُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الفَضْلِ: قُتِلَ مُصْعَبٌ وَأَخَذَ اللِّوَاءَ مَلَكٌ فِي صُوْرَتِهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ لَهُ فِي ءَاخِرِ النَّهَارِ: تَقَدَّمْ يَا مُصْعَبُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الـمَلَكُ وَقَالَ: لَسْتُ بِـمُصْعَبٍ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَلَكٌ أُيِّدَ بِهِ.
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ مُنْجَعِفٌ عَلَى وَجْهِهِ [أَيْ مَصْرُوْعٌ] يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيْدًا، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مِنَ الـمُؤْمِنِيْنَ رِجَالٌ صَدَقُوْا مَا عَاهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوْا تَبْدِيْلًا} [سُوْرَةُ الأَحْزَابِ/23]. ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ أَنَّكُمْ شُهَدَاءٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ”، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: “أَيُّهَا النَّاسُ، ائْتُوْهُمْ فَزُوْرُوْهُمْ وَسَلِّمُوْا عَلَيْهِمْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا رَدُّوْا عَلَيْهِ السَّلَامَ” (رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ)
رَحِمَ اللهُ صَاحِبَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ الـجُوْدِ وَالـخَيْرِ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ.