الجمعة يوليو 26, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” – 99

 

                                  أحوال الناس بعد الموت

الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدِنا محمدٍ رسولِ الله وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَن والاه

قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه

وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: كلُّ شىءٍ يُحزِنُ المسلم أو يؤْلِمُه له فيه كفارةٌ وله فيه أجر لو صدعَ رأسُه له أجر ولو أصابَه زكامٌ له أجر.

)في الدنيا المسلم ينالُ خيرات وبركات كثيرة إنْ صبر على ما يصيبُه من الألم.

هل تعرفونَ يا إخواني ويا أخواتي أنّ العبدَ يُكتَبُ له عند اللهِ منزِلة عالية وهو لا يكونُ له الكثير من العمل ثم اللهُ تعالى يُبَلِّغُهُ هذه المنزلة بأنْ يُكَثِّرَ عليه المصائب والبلايا فيصبر ويعلو في المقامات فيصل إلى تلك المنزلة.

أحيانًا قد تنظرونَ إلى الناس تروْنَ هذا الإنسان يصلي الخمس يصوم رمضان ولا يُعرَف له كثير عمل لا يُعرَف له مجاهدات وقيام في الساحات للدفاعِ عن الدين ولا يُعرَف له الكثير من الطاعاتِ والأذكار والنوافل والتهجّد لكنْ بصبرِه على البلاء بتسليمِه يبلغ المراتب العليّة لكنّه كان يؤدّي الواجبات ولا يُعرَف بين الناس بكثرةِ العبادات، انظروا يكون له منزلة عند الله عالية وهو لا يُعرَف بكثرة العمل، إذًا كيف يبلغ هذه المنزلة؟ بكثرة البلايا التي تنزل عليه بكثرة المصائب وهو يصبر فيربح يستفيد.

المسلم إذا مرضَ وهو قاعد في البيت صابر يأخذ الأجر الثواب. الإنسان إذا كان بحُسنِ خلقِه يأخذ من الأجر ما لا يحيطُ به علمًا إلا الله، هذا بحسنِ الخُلق وذاك بالقيام وهذا بالصيام وهذا بالصبرِ على البلايا، اللهُ أكرمُ الأكرمين.

قال عليه الصلاة والسلام [إنّ العبدَ لَيبلُغُ بحُسنِ خلقِه درجةَ الصائمِ القائم]

 ذاك يقوم الليل ويصوم النهار وهذا يؤدّي الواجبات ويجتنب المحرّمات فكيف يبْلُغ إلى مرتبةِ ذاك؟ بحُسنِ الخُلق.

وهكذا المسلم إذا أصابَه صداع هم ليس جراحة في جسدِه، تعكّرَ مِزاجُهُ خاطرُه صار عندَه ضيق انزعاج توتّر صبرَ له أجر، نزلَت عليه مصيبة صبر له أجر، أصابَه الصداع صبرَ له أجر، صار معه مغص صبر له أجر، صار معه إسهال مات صار شهيدًا.

ورد في الحديث [مَنْ قتلَه بطنُه فهو شهيد] رواه السيوطي.

مولانا الغوث الرفاعي نال الشهادة بالإسهال. تصوّروا مثلًا إذا كان المسلم صار عنده حرارة شديدة شوكة شاكتْه نحلة عقصتْه ذبابة أزعجتْه وهو صابر له أجر وثواب، وكلما زاد كلما كان الأجرُ أكبر.

يعني إذا كان حرارة صداع مغص وهم وغم وحمّى وإسهال وجوع وسهر وتعب له ثواب أجر، فكلما زاد كان الأجرُ أعظم.

فافرحوا بنعمة الإسلام، ماذا تريدونَ بعد هذا؟ وأنتم جالسون تأخذون الحسنات وتجمّعون الثواب والأجر والبركة، أيُّ نعمةٍ هذه؟ هذا بسبب الإسلام.

أما الكافر لو نزلَ على رأسِه حجر ويُضرَب ويمر عليه دولاب سيارة وما شابه ليس له ذرة من الثواب لأنه كافر، أما بالإسلام تنال ما تنال من الخيرات والأجر والبركات والثواب بصبرِك على المصائب والبلايا.

الرسول عليه الصلاة والسلام يقول [وإنّ عِظَمَ الأجرِ مع عِظَمِ البلاء]

يعني واحد يدُه تُوجِعُه والثاني قُطِعَت يدُه هذا الذي قُطِعَت يدُه أجرُه أعظم، هذا صبر وهذا صبرَ، واحد احترق إصبعَه الخنصَر صبر له أجر وواحد آخر احترقت كلّ يدِه، هذا أجرُه أعظم وهكذا..

واحد مثلًا دخل في إصبعِه شوكة وواحد آخر دخل في إصبعِه إزميل وهو يعمل ضربه بيده بدل الخشبة من غير قصد، صبر له أجر وثواب.

[وإنّ عِظَمَ الأجرِ مع عِظَمِ البلاء]

 

*وألمُ الموتِ أشدُّ ألمٍ في الدنيا يصيبُ الإنسانَ المؤمنَ فله أجرٌ بألمِ الموت.

)أشد من الزوبعة، هذه كم تخيف؟ الناسُ يرتعبونَ منها، آلام سكرات الموت تخيف أكثر من هذه الزوبعة التي تُهدّم بيوت أحيانًا وتجرف سيارات وشاحنات وما شابه، تروْنَ عواميد الكهرباء للبلدية تتطاير، بيوتًا نتقلع من مكانِها، شاحنات تتحطم، هذا منظر مُرعب مخيف، سكرات الموت والآلام التي في سكرات الموت تُخيف أكثر من الزوبعة التي تدمّر البيوت وتُهدِّمُها وتجرِفُها.

سكرات الموت شىءٌ صعب عجيب، لكن قلتُ لكم في الدرس السابق الأنبياء والأولياء والصلَحاء يُشدَّد عليهم رفعةً لهم في درجاتِهم لا لأنّ اللهَ يُبغِضُهم حاشى، لأنّ بعضَ الجهالِ يُطلِقون يُعمّمون يقولون كلُّ ذي عاهةٍ جبار، هذا الكلام باطل لا يصحّ إطلاقُه، الأنبياء هم أشدُّ الناسِ بلاءً، أليس سيّدنا شعيب مُدةً فقدَ بصرَه ثم رجعَ إليه، أيضًا سيّدنا يعقوب عليهما الصلاة والسلام.

الصبر على هذه المشقات والصعاب فيه أجرٌ عظيم فكيف على سكرات الموت الذي هو أشدّ من ضربةِ ألف سيف فالأجر فيها عظيمٌ جدا للأنبياء والأولياء والصلَحاء والأتقياء والأخيار لذلك يُشدَّد عليهم لأنّ اللهَ يحبُّهم، إنّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا ابْتلاه.

رأيتم مقياس كيف مقياس الشرع ومقياس أهل الدنيا الأعوج وميزانُهم الذين يقولون هيدا هنيئَا له لم يُصَب بمصيبةٍ بحياتِه اللا بحبو، على زعمِهم، يحرّفون اسم الله ثم يقولون الله يحبه لأنه ما أصيب ببلاء وهذا الكلام كذب.

امرأة عُرضَت على الرسولِ صلى الله عليه وسلم ليتزوّجَها والدتها التي عرضَتها في رواية وقيل الأب عرض على الرسول إنّ ابنتي كذا وكذا وفيها من الجمال والحُسن حتى إنه  لم يُصدَع لها رأس، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم [لا حاجةَ لي فيها] قال العلماء: لأنّ اللهَ ما أرادَ بها خيرًا عظيمًا أنْ يتزوّجها الرسول لأنها لو كانت من أهلِ البلاء لتزوّجَها، لو كانت تنزل عليها الآلام والمصائب كان تزوّجَها.

في الماضي كانوا يعتبرونَ مَنْ لا يُصاب ببلاء قليل حظٍّ، ليس مَن يكونُ جامدًا كالعمود كما يقال لا يُكسَر ولا يتعب ولا يمرض ولا ينزعج ولا يبكي ولا ينغم ولا يصيبه الهم والنكد والألم، المسلم العكس، على الأتقياء على الأنبياء على الأولياء يُكثَّر عليهم البلاء والغم والهم والمصائب وبلايا الدنيا تكثَّر على أحبابِ اللهِ تعالى، [إنّ اللهَ إذا أحبَّ عبدًا ابتلاه]

لذلك انظروا ماذا نزل على الأنبياء وماذا أصابهم، هؤلاء الجهال يقولون الله يحبّه ما ابتلاه بمصيبةٍ قط، هذا جهل وليس هو الواقع، ففرقٌ كبيرٌ بين مقياس الشرع الشريف وبين مقياس أهل الدنيا المنحرف الأعوج، التقاليد والعادات التي هي على خلاف الشرع لا عبرةَ بها(

 

*ألمُ الموتِ أشدُّ بكثيرٍ منَ الزوبعةِ التي تدمِّرُ البيوت.

*وقال رضي الله عنه: الموتُ إذا خيفَ منه لا يضرُّ العقيدة إنما الذي يضرُّ الاعتقاد أنّ الموتَ ضررٌ لكلِّ مسلم أي لا خيرَ فيه.

)الإنسان مطلوب أن يخافَ من الموت وأنْ يستحضرَ في قلبِه أنه سيموت، الموت بالنسبة لبعض الناس مخيف أكثر من البعض لأنّ الكفار إذا ماتوا إلى جهنم.

كل مصائب الدنيا لو اجتمعَت على شخصٍ واحد مثلًا الأمراض الحسية، ماذا يخطرُ ببالكم؟ في الأول يحبسونَه يربطونَه يُجوِّعونَه يعلّقونَه من عينِه أو من أذنِه أو من رقبتِه أو من رجلِه ورأسه نزولًا، يكبون عليه ماء ساخن ثم ثلج ثم يضعونَه في فرن الغاز ثم في الثلاجة، أو يضعونَ له يده في الفرامة ويده الثانية بالمولينكس وهكذا…. ثم صاروا يقطّعون منه قطعًا قطعًا إلى أنْ يموت، كل هذا كلا شىء بالنسبة للحظةِ عذاب في جهنم، نسأل اللهَ السلامة والأمنَ والأمان وحسنَ الختام.

كل مصائب الدنيا من الهم والغم والجوع والتعب والضرب والحبس وما شابه مع التعذيب وتقطيع الجسد لو اجتمع على الكافر في الدنيا ثم مات كافرًا وأُلقيَ في جهنم هذا الذي رآه في الدنيا من كل أنواع العذاب التي تعذّبها كلا شىء بالنسبةِ لما يراه في جهنم، كلا شىء بالنسبة للحظة عذابٍ في النار، بل ذاك يُنسيه هذا.

هذا الكافر كل أنواع مصائب الدنيا التي كانت عليه كأنه في نعيم بالنسبة لعذاب جهنم، كأنه في الحدائق والبساتين يأكل ما يشتهيه، هذا في الدنيا، كل هذا الذي كان في الدنيا من المصائب كأنه كان في القصور والحدائق يدخل جهنم لحظة عذاب فيها يُنسيه كل الذي كان في الدنيا.

هذا الكافر الذي مات على الكفر عُجّلَ به إلى عذابٍ أعظم من عذاب الدنيا أولًا سكرات الموت ضرب الملائكة وتعذيبهم مجرد يرى ملائكة العذاب قلبُه يكاد يتمزّق، والآلام التي تحصل معه يزداد العذاب والنكد والألم، ثم يأتي عزرائيل فيقول له يا عدوّ الله أبشِرْ بسخطِ اللهِ وعذابِه، فرائصُه ترتعد يكاد قلبُه يتمزق من الفزع.

سكرات الموت، رأى عزرائيل بشّره بعذاب الله، عذاب بعد الموت، عذاب في القبر، عذاب في مواقف القيامة، كل هذا أهون منْ أنْ يُلقى في جهنم لأنّ عذاب جهنم أكبر من هذا.

تخيّلوا ما الذي ينزل به عندما يقول له عزرائيل أبشر بسخط الله وعذابِه، عذاب القبر بالنسبة للكافر عذابٌ عظيم عجيب يقال للأرض التَئِمي عليه فالأرض تلتئم تتضيّق عليه أضلاعُه، تخيّلوا الحيّات والعقارب والأفاعي تنهش من لحمِه تُمزّق من بدنِه وتأكل وهو يرى يشاهد يسمع ويُحس والعذاب في القبر حسيّ ومعنوي بالجسد والروح، لما يأتيه الثعبان الأفعى تدخل من فمِه وتخرج من دبرِه تأكل من أمعائِه تأكل في فمه تأكل في عينِه تمزّقُ قلبَه تأكل من كبدِه، ماذا يستطيع أنْ يفعل؟؟؟؟

تخيّلوا وهو في القبر تُسلَّط عليه الحشرات والعقارب والأفاعي والديدان لا يجرؤ أنْ يدفعَها عنه ولا يستطيع لأنها خُلقَت في القبر لتعذيبِه ولو كان ذا عضلات قوية.

تأكلُه الحشرات ثم تُخرجُه قذرًا برازًا هو وعضلاتُه ووجهه الجميل وعيناه الجميلتان وشعره الذي كان يتغنّى به ماله كل هذا لا يدفع عنه العذاب في القبر، كان معه ما يسمى هستيريا  كل الوقت على المرآة وانتفاخ وتعجرف وتكبّر يصير طعامًا للحشرات وتُخرجُه برازًا، هذا في القبر، وفي جهنم أشد.

كل ما رآه في الدنيا من عذاب هو بالنسبة لمواقف القيامة وعذاب جهنم كأنه في الدنيا كان في القصور والحدائق والبساتين والنعيم وكأنه ما رأى عذابًا في حياتِه وكل عذاب الدنيا بالنسبة لعذاب جهنم كواحد وقف على شاطىء البحر ووضع إصبعه في البحر فلينظر بماذا يرجع، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم [فلينظرْ بما ترجِع] هذا البلل ماذا يكون بالنسبة للبحر؟ كلا شىء، وهكذا عذاب الدنيا بالنسبة لعذاب الكفار في جهنم، والنعيم هكذا بالنسبة لنعيمِ أهل الجنة المؤمنين.

رأيتم لماذا كان الموت على الكافر مخيف أكثر منه على المسلم؟ لأنه يُنتَقَل منه من عذاب إلى عذاب إلى جهنم إلى أعظم وأكبر نار خلقَه الله.

سمعتم في الدنيا عن نار البراكين؟ نار البراكين كلا شىء بالنسبة لنار جهنم، الأفران الضخمة العملاقة الدولية التي يذوِّبون بها عواميد الكهرباء الضخمة الكبيرة؟ هناك أفران يذوّبون فيها القصدير والنحاس والحديد يصير سائلًا، هذه الأفران ونار البراكين كلا شىء بالنسبة لنار جهنم.

اللهُ يقول في القرآن {ولَعذابُ الآخرةِ أكبرُ لو كانوا يعلمون}-سورة الزمر/26- إذا كان أعظم وأشد نار في الدنيا هي جزء من سبعين من نار جهنم، يعني تكون نار جهنم أقوى من أقوى نار في الدنيا ب69 مرة.

روى الحافظ الضياء المقدسي وصححه أنّ جهنم اشتكتْ إلى ربِّها قالت: يا ربّ أكلَ بعضيَ بعضًا، فأُذِنَ لها بنفَسَيْن فأشدّ ما يكونُ من الحرّ في الصيف من نفَس جهنم وأشد ما يكونُ من برد في الشتاء منْ نفَسِ زمهريرِ جهنم.

إذا كان أشد حر وأشد برد في الدنيا نفسيْن من جهنم وكم هي بعيدة عن أرضِنا هذه، هي تحت الأرض السابعة، نحن هنا على وجه الأرضِ الأولى، فكم هي بعيدة عنا اليوم بالمسافة؟ وبعض الناس في بعض البلاد يموتون من الحر من الشمس وكم هي بعيدة عن الأرض؟

 أما يوم القيامة الشمس تدنو من رؤوس العباد ويغرق بعض الناس في عرقِهم منهم مَن يأخذ منه العرق إلى الكعبين ومنهم إلى نصف الساق ومنهم إلى الركبة ومنهم إلى الخاصرة ومنهم  إلى العجُز ومنهم  إلى السرة ومنهم إلى الصدر ومنهم مَن يغمرُه العرقُ ويَلجُمُه ويغطّيه ولا يموتون بهذا العرق، وكل واحد بعرق نفسِه من الذين يصابون بذلك، ثمةَ أناسٍ اللهُ يحفظُهم ويُبعدُهم عن ذلك ويُنَجّيهم، من الناس مَن يكونون في أمنٍ وأمان في فرح وسعادة وسرور يركبون على نوقٍ حمُر رحائلُها الذهب لم تر الخلائقُ مثلَها وهم الأتقياء والشهداء، منهم مَن يكون على منابر من نور وذهب في ظل العرش، هذا في موقف القيامة بعدُ ما دخل الكفارُ إلى النار منهم مَن يغرق في عرقِه في أرضِ الموقف وهذا ثبت في الحديث الذي رواه القرطبي والبيهقي والحاكم وغيرُ واحدٍ من الحفاظ وهو [تدنو الشمسُ من رؤوسِ العباد يوم القيامة ويصير الذي ذكرتُه لكم فكيف بجهنم؟ إذا كان هذا في موقف القيامة من الشمس تنزل يكون بينها وبين رؤوس الناس قدرَ ميلٍ واحد قدر نصف ساعة، فكيف لما يدخلون النار؟ كيف في النار؟ كيف في جهنم؟

يقال لو أنّ جزءًا من جهنم وُضِعَ على جبالِ الدنيا لأذابتْها كيف بمَن دخلَها ولا يموت، كيف بمَن يدخلُها يصير فيها؟ ومنهم مَن يكون عذابُه أشد من غيرِه، هم في جهنم على حسبِ شدّةِ كفرِهم ليس كل الكفار في درجةٍ واحدة من العذاب، هم كلّهم في جهنم لكنْ بعضُهم أشد من بعض، على حسب الكفر والفسوق والفجور ومحاربة الإسلام وتكذيب الله وقتل المسلمين.

فالحاصل هذا الكافر بالنسبة له الموت شىءٌ مرعب مخيف لأنه ينتقل إلى هذه المراحل التي تكلّمنا عنها.

بالنسبة للمسلم العاصي أقلّ من ذلك الكافر بآلاف الدرجات والمرات لكنْ مع ذلك لحظة واحدة من عذابٍ للفاسق المسلم في جهنم شىء عظيم ومُفزِع ومخيف ليس شيئًا سهلًا، سلَّمَنا اللهُ وإياكم منها.

ليس شيئًا سهلًا، المسلمُ العاصي لا يصل في العذاب إلى درجةِ عذاب أقل كافر في جهنم، درجة أقل كافر في جهنم كم يكون عذابُه؟  المسلم العاصي الذي يدخل جهنم لا يصل إلى تلك الدرجة بل أقل بكثير.

تقول لي فلان تأخذ منه النار إلى كعبيه أو جمرتين في أخمصِ قدميه فقط، أقول لك هذا عذابُه لكنْ إلى أبد الآبدين، المسلم يدخل ويخرج، فما يكون هذا بالنسبة لذاك؟ كلا شىء، لأنّ ذاك في جهنم ولو أخذَت منه إلى هذا القدر لكنْ هذا يستمر إلى أبد الآباد إلى غير نهاية، يعني بعد مئات آلاف ملايين ملايين مليارات السنين لا يطلع من جهنم الكافر يبقي فيها يُخلَّد فيها.

فالمسلم العاصي لا يصل في العذاب في جهنم إلى عذاب أقل كافر في جهنم، ثم هذا المسلم مصيرُه ومآلُه إلى الجنة لأنه مسلم.

 بعض المسلمين العصاة من أهل الكبائر الذين ماتوا بدون توبة –نحن فيما سبق تكلمنا بالتفصيل عن أحوالِهم لما تكلمنا عن الشفاعة وأنّ منهم مَن يخرج من النار بمحضِ رحمةِ الله ومنهم بشفاعةِ بعض الشافعين فصّلناه هذا- لكن الآن على وجه السرعة نقول هذا المسلم مصيرُه يخرج من النار ويدخل الجنة.

نكون تكلمنا عن الكافر وعن المسلم العاصي الذي يدخل جهنم، لما نقول المسلم العاصي الذي يدخل جهنم المراد به أهل الكبائر وهؤلاء ليسوا كلّهم يدخلون جهنم  بل قسم منهم، لأنّ قسمًا منهم قبل أنْ يدخلوها الله يُعفِيهم فيُدخِلُهم الجنة لا يُعذّبُهم.

الكافر أشدُّ عذابًا، المسلم أقل بكثير، التقي تكلمنا عنه، رأيتم كيف أنّ الموتَ بالنسبة لبعض الناس مخيف ومرعب ومُفزع يُخاف من الموت، لكنْ أين الضرر الذي يحذّر منه مولانا الشيخ؟ أنْ يعتبرَ الإنسان يعتقد أو يقول الموتُ ضررٌ على كل الناس، أو الموت شر لكل الناس، الموت خطر على كل الناس بالإطلاق هذا كفر، لأنه يكون كذّب القرآن والأنبياء والرسول والإسلام والإجماع لأنّ الأنبياء والأولياء والصالحين والشهداء والأطفال الذين ماتوا دون البلوغ كل هؤلاء ليس عليهم عذاب لا في القبر ولا في مواقف القيامة ولا يدخلون النار، كيف هو يعتبر أنّ الموتَ شرٌّ لكلّ أحدٍ على الإطلاق أو خطر أو ضرر أو عذاب لكلّ مَنْ يموت على الإطلاق، هذا الكفر، أما واحد يقول أنا أخاف نعم نخاف لكن الموت بحدّ ذاتِه ليس ضررًا أو عذابًا لكلّ أحد، هو عذاب ويُنتقَل به إلى عذاب أشد بالنسبة لبعض الناس.

بعض الناس لما يسمعوا فلانٌ مات يقولون بعيد الشر، لن يكونَ بعيدًا سيكونُ في حضنك وقلبك وبعيونك وقريب منك وعلينا كلنا وعلى الأهل والأقارب والأولاد، خُلقْنا لنموت، كلامُهم هذا جهل.

ماذا يعني كلامُهم بعيد الشر؟

تعرفون أنتم أنّ الموت للأنبياء والأولياء والصلحاء والأخيار والأطهار والأنقياء هو سعادة لهم. بعض الصحابة كان حلف أنْ لا يضحك -وهذا رواه الحافظ ابن أبي الدنيا- إلا إذا عرفتُ مصيري إلى أين فعندما بُشِّرَ بالجنةِ عند الموت ضحك، مات ضاحكًا.

إذًا الأمر مُخيف لكن لا تقل هو شر على كل العباد ولا هو عذاب على كل الناس ولا تقل الموت شر بالإطلاق شر لا، إنما هو بالنسبة للأولياء والأنبياء والصلحاء هو سعادة فرح نعيم ينتقلون إليه يُبَشَّرونَ برحمةِ الله ورضوانِه، عرفتُم أين الضرر؟ الضرر الخطر الهلاك أنْ يعتبرَ أنّ الموتَ شرٌّ لكلّ أحد لكلِّ الناس لكلِّ مَنْ يموت عذابٌ لكلّ أحد لكلّ من يموت على الإطلاق هنا الضرر الذي يؤدّي إلى الكفر لأنه ساوى بين الأنبياء والأولياء وبين الكفار وحاشى).

 

*الشهداءُ يستريحونَ من أتعابِ الدنيا

(الشهداء مراتب وأعلى مراتب الشهادات الشهادةُ في سبيلِ الله، هنا الشيخ يتكلم عن شهداء المعركة لكنْ في المعنى يذكر تحتهم أيضًا كل مَن مات بنوعٍ من أنواعِ الشهادات، قال يستريحون لأنّ الإنسانَ المسلم لو كان عاصيًا مات على الكبائر بنوعٍ من أنواع الشهادات هذا لا يُعذِّبُه الله، هذا من رحمة الله.

انظروا عظمَة الإسلام، الله أرحم الراحمين أكرم الأكرمين الله فعالٌ لما يريد، ثم انظروا إلى ما للإسلام مِن سر وبركة، لأنّ كل هذا الذي نتكلم عنه النجاة والفوز والأمن والأمان والشهادات هذا للمسلمين ليس للكفار، الله قال في القرآن {وبشّر المؤمنين بأنّ لهم منَ اللهِ فضلًا كبيرًا}-سورة الأحزاب/47-

في سورة الكهف {ويُبشّرَ المؤمنينَ الذين يعملونَ الصالحاتِ أنّ لهم أجرًا حسَنًا ماكثينَ فيه أبدًا}-سورة الكهف/2-3

ليس كهذا المخرّف الذي يلبس لفة وطربوش يطلع يقول مين قال أنّ الجنةَ للمسلمين فقط، هذا وأمثالُه يعملون لإرضاء الكفار يقول إنّ اليهودي النصراني عنده كل الملل كل المشركين كل الكفار إذا أحسنوا إلى الناس بزعمِه يدخلون الجنة، الجنة هي خلقٌ لله اللهُ ربُّها اللهُ مالكُها وهو أخبرَنا أنه يُدخلُ المسلمين إليها، اللهُ يفعل ما يشاء، أنت تريد أنْ تحكمَ الله يا كافر؟ اللهُ أخبرَنا بأنّ الجنةَ للمؤمنين {واللهُ يدعو إلى دار السلام}-سورة يونس/25- وقال {وبشّر المؤمنين} ما قال وبشّر الكافرين أمثالك وأمثال الذي تتكلم عنهم، آياتٌ كثيرة {إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات}-سورة البقرة/277-

أين الإيمان والإسلام بالنسبة لإخوانك الكفار الذي غضبتَ لأجلِهم وتريد إدخالهم الجنة على زعمِك، والله إنْ بقيتَ على هذا لَتَكوننّ معهم في جهنم ولفتك هذه لن تكونَ على رأسك في جهنم ولا تُدخلك الجنة إذا  بقيتَ على هذه الحالة يا كافر يا زنديق يا مَن كذّبتَ الله، تريد أنْ تكذّبَ الله وتريد أنْ تتألّى على الله وتريد على زعمِك أنْ تغيّرَ مشيئةَ الله وخبرَ الله وتريد أنْ تحكمَ الله بزعمك يا ملعون؟

الجنة لله أنت أيُّ شىءٍ لك أنت مَنْ؟

لذلك هؤلاء يُداهنونَ الكفار ليَرضَوا عنهم ولنْ يرضَوا عنكم، أنتم بالنسبة لهم كالنعل أنت وأمثالك يا مَنْ تُمهّدون للكفار وللعقائد الشركية ولعقائد الكفر والضلال وتمدحوهم وتُثنوا عليهم وتجعلوهم أحباب موسى وعيسى وإبراهيم وأنتم كذابون دجالون لن يرضى عنكم هؤلاء، هؤلاء يعاملوكم كما يعاملون الحذاء يشتروكم ويلبسوكم بلحظة وكما يعاملون الجورب يُقلَب وجه وقفا ولما يعفّن يرموه في الزبالة والحذاء ينزعونه  لما ينتهوا منه، أنتم كذلك بالنسبة لهم لن يرضَوا عنكم لن يقبَلوكم لنْ يقرّبوكم، أنتم يستعملوكم كالورقة التي يستنجي بها الواحد ثم يرميها، أنتم هكذا لأنكم كذّبتم الله تجرّأتم على الله تجرأتم على القرآن تجرّأتم على دين الله، تريدون الوثني والبوذي والمجوسي والهندوسي والسيخي والمشرك واليهودي يكونون مع محمد وإبراهيم وموسى وعيسى في الجنة؟ الله أصدق الصادقين أصدق القائلين قال {مثلُ الذين كفروا بربِّهم أعمالُهم كرمادٍ اشتدّتْ به الريحُ في يومٍ عاصفٍ}-سورة إبراهيم/18-

{وقدِمْنا إلى ما عمِلوا مِنْ عملٍ فجعلْناه هباءً منثورًا}-سورة الفرقان/6- هذا القرآن، أنتم ماذا تريدون؟ تكذّبونَ الله؟

فإذًا الجنةُ للمسلم والنارُ للكافر، الموت بالنسبة لبعضِ الناس سعادة وفرح.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [الدنيا سجنُ المؤمنِ وسَنَتُه فإذا فارقَ الدنيا فارق الدنيا والسنة] يعني المؤمن التقي في الدنيا يكون كأنه في سجن فإذا طلع من الدنيا انطلق إلى السعة والنعيم والفرح والسعادة والاطمئنان.

تصوّرا  إذا كان فقط لا زال في القبر وكان من الأتقياء الأولياء الصلحاء يوَسَّع عليهم مدّ البصر ويمتلىء بأنوار وأعطار الجنة والخضار ورائحة الجنة تأتي إليه إلى القبر، وللأنبياء أكثر من هذا نعيم وبركة وأنوار وفرح وسعادة الأنبياء أعظم بكثير مما يحصل للأولياء، كم يكون نعيمًا واسعًا كبيرًا جليلًا مُفرِحًا بالنسبة للأنبياء؟

فإذًا لما قال للشهداء يدخل تحتَها كل مَن مات بنوعٍ من أنواعِ الشهادات لأنّ الشهادات بكلّ أنواعِها نجاةٌ من العذاب.

فالمسلم إذا مات غرَقًا مات حرَقًا قُتلَ ظلمًا، إذا ترَدّى فمات، إذا غرِقَ فمات، إذا أصيبَ بالطاعون –المطعونُ شهيد ورد في الحديث- وموتُ الغريبِ شهادة، ومَنْ قتلَه بطنُه فهو شهيد، والمرأةُ تموتُ بجُمعٍ شهيدة ومَن مات بمرضِ ذاتِ الجَنبِ كان شهيدًا.

يا إخواننا طلاب العلم والمشايخ والدعاة أنْ لا تشبعوا من طلب والعلم ولا تنقطعوا عن طلب العلم لو صرتم مشايخ ودعاة ودكاترة والناس يقفون لكم ويفتحون لكم الصالونات ابقَوا طلبة علم.

ورد في حديث رواه السيوطي وإنْ كان في إسنادِه في بعض الطرق مَن ضعَّفَه لكن عند جماهير علماء المصطلَح والدراية والرواية والجمهور كما نقل ذلك ابن الصلاح والنووي والسيوطي وغيرهم أنّ الحديث الضعيف يُروى في فضائل الأعمال، هذا الحديث الذي رواه السيوطي فيه بشرى لطلبة العلم الذي يستمرّونَ عليه إلى أنْ يموتوا أنّ مَن مات طالبًا للعلمِ مات شهيدًا، ابقَوا طلبة علم واسمعوا مني ولا تظنوا بأنفسِكم صرتم كبارًا ولم تعودوا بحاجة، كلنا بحاجة، الشيخ عبد الله رضي الله عنه كان رجلًا جمع العلوم والفنون في صدرِه وكان في الماضي الناس يتوزّعون على ستين سبعين عالم  لكلّ عالم فن من كل العلوم والفنون والطرق والتسليك والإرشاد والأوراد والأسرار والبركات والخوارق وغيرِها، مع فنون العلم بكل الأنواع يطلع عندنا يمكن أكثر من ستين عنوان، الناس تتوزّع على هذه المشايخ الذين تخصص كل واحد منهم بشىء، الشيخ عبد الله في هذا العصر كان جمعَ كل هذه الفنون ومع ذلك هذا الرجل العالم العظيم مع الولاية والتقوى والصلاح مع الزهد والعبادة مع المجاهدة والتعب، مع المرض والسفر في الحضر وفي كل الأوقات ينصر الدين ينشر العلم ويحذّر من المنكرات مع الجرأة العجيبة وقف في وجوه كل جحافل الضلالة والكفر والفتنة في الدنيا في الأرض في وقتٍ واحد لم يعْبأ بهم لم يبالِ بهم، مع ذلك يقول “لو أعلمُ أنّ هناك مَن يجيبُني على كلِّ أسئلتي لرحلْتُ إليه ولو إلى بلاد الهند”

يعني ابقَ طالبَ علم، هذا الحديث الذي رواه السيوطي يقول أنّ الإنسان إذا مات طالبًا للعلمِ يموتُ شهيدًا، فالذي يموت بأيِّ نوعٍ من أنواع الشهادات نجّاه اللهُ من العذاب لا في القبر يُعذَّب ولا في مواقف القيامة ولا يدخل جهنم، يدخل الجنة بلا سابق عذاب.

تذكّروا أنّ كلَّ أنواعِ الشهادات للمسلم، الشهادةُ من خصائص المسلم، هل تعلمونَ لماذا؟

العلماء مثل ابن جماعة وابن دقيق العيد وغيرهما يقولون “الشهيدُ مَن شهدَ اللهُ له بالجنة”، وبعضُهم يقول “الشهيد مَن شهدَت له الملائكة بالجنة”، هذا هل يحصل للكافر؟

الشهادة من خصائص المسلم لأنّ الشهيدَ يكونُ في الجنة، كيف تكون الجنة والعياذ بالله مرتعًا للمشركين والبوذيين والمجوس والهندوس والسيخ ومَن يسبّونَ اللهَ ويُشرِكونَ به ويدوسونَ على المصحف ويشتمون الأولياء والملائكة؟ حاشى، هي للمسلمين كما ببينت الآيات الكثيرة.

يقول الشيخ الشهداء يعني كل مَن مات بنوعٍ من أنواع الشهادات  لا يُعذّب ارتاح خلص من الدنيا ومصائبها وهمها وغمها وأمراضها ومتاعبها وبلاياها انتقل إلى الراحة والسعادة.

لنعطي مثالًا للتقريب لنُوَضِّحَ الصورة مع أنّ الفارقَ كبير، إذا واحد مثلًا صار له سنوات في الأسفار من بلد إلى بلد من بلد إلى بلد مشيًا بدون زاد بدون طعام مع المخاطر والمتاعب والوحوش والضباع والسباع والوديان والجبال والسهول والبراري والثلوج والحر ومع كل ما يلحقُه من حاجاتٍ خاصة كقضاء حاجة وغسل ووضوء وصلاة وهنا وجد وهنا لم يجد وهنا فقد الماء وهنا فقد التراب، ماذا يفعل؟ تخيّلوا كل هذه الحال وصار له ستين سنة من بلد إلى بلد ووصل إلى قصر من ملوك الأرض وفيه كل ما يشتهي كل ما يريد كل ما يُريحُه، بلحظات كم يرتاح؟ فقط إذا جلس كم يرتاح؟ هكذا الدنيا لما الإنسان يتركها ويكون تقيا ويُبشَّر عند الموت وما يلقاه في القبر من النعيم والإكرام في مواقف القيامة والسعادة والنعيم في الجنة يرتاح حتى إنه لو قيل لهذا التقي أو الولي أو الصالح تعال ارجع إلى الدنيا واحكمْها وكنْ ملِكًا فيها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب يقول لا أريد، لا يتمنى ولا يطلب ولا يحب أنْ يرجع لأنه بُشِّرَ برحمةِ الله ونعيمِه ورضوانِه يعرف أنّ ما أمامَه وما ينتظرُه من النعيم أعظم من كل ملذات الأرض التي حصل عليها كل ملوك الأرض والأغنياء.

إلا شهداء المعركة يتمنّون أن يعودون إلى الدنيا ليس للدنيا لشرف الشهادة في سبيل الله والجهاد في سبيل الله ولينالَ شرف القتال في سبيل الله فيُقاتِل فيُقتَل فينال الشهادة للبشائر للشرف للثواب للعز.

تصوّروا شهيد المعركة لا يجد إلا كقرصة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

مثلًا إنْ هو في أرض المعركة ضُربَ بسيفٍ فقطعَه إلى قطعتين، هل تتخيّلون الألم الذي يحصل؟ هذه الضربة بالنسبة لشهيد المعركة لا يُحسّ بها إلا كقرصة، أحيانًا واحد يكون يمزح مع ابنِه أو صاحبه فيقرصه، هذا الذي يشعر به شهيد المعركة، ولو نزل عليه صاروخ غراد أو صاروخ عبر القارات ينزل في جنبِه وفرمَه وشقّفه وطحنه لا يجد إلا كقرصة، هكذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول أصدق خلقِ الله أصدق العالمين {ومآ آتاكمُ الرسولُ فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}-سورة الحشر/7-

هذا القرآن وهذا الحديث وهذا الدين، لهذا الغرض شهيد المعركة يريد أنْ يرجع إلى الدنيا ليس ليعيش في الدنيا وتعبها وغمها، لا، إنما لهذا الأمر وهذا ثابتٌ في الحديث(

*كذلك الأولياء

)الأولياء أعلى رتبةً من الشهداء الغير أولياء، مثلا الشهيد من جملة الأشياء التي له عندما يصاب ويقع منه الدم على الأرض، أول دفعة دم تقع منه غُفرَت ذنوبُه لو كان عليه كأمثال الجبال وكحبات رمال الأرض ذنوب ومعاصي، هو مسلم وشهيد وقلنا الشهادة من خصائص المسلم وكل أنواع الشهادات من خصائص المسلم.

الشهيد له تاج الوقار في الجنة الدرة فيه خيرٌ من الدنيا وما فيها، يشفع باثنين وسبعين شخص من المسلمين العصاة من أهلِ بيتِه، يوم القيامة يُبعَث والجرح الذي أصيبَ به في الدنيا يكونُ بالنسبة له يدلُّ على شهادتِه اللونُ لونُ الدم والريحُ ريحُ المسك، لا يأكلُه الدود لا ينتفخ لا يُجَيِّف لا يُدوِّد لا يتعفَّن لا يُنتِن لو بعد ستمائة سنة انهدمَ قبرُه يكون كما هو وهذا حصل وفيه حوادث كثيرة وتكلمنا في الدروس السابقة في موجة كورونا الأولى عن شهيد المعركة وأعطيت قصصًا وأمثلة حتى عن شهيد البحر الذي طلع رأسُه وقابل سفينة الكفار قال لهم “بلى أحياءٌ عند ربِّهم يُرزَقون” رأسٌ مقطوعٌ وحدَه، اللهُ تعالى جعل فيه هذا النطق تصديقًا للإسلام والقرآن.

شهيد المعركة له مراتب وله بشائر وخيرات كثيرة جدا، إذا كان هذا شهيد المعركة فكيف بالولي التقي الصالح؟ أعلى من شهيد المعركة الذي هو غير ولي، لأنه في التاريخ يوجد أئمة أولياء كانوا يخرجونَ للغزو والجهاد ويُقتَلونَ شهداء في سبيل الله، فالشهيدُ الولي أعظم من الوليّ الغير شهيد ورُتبتُه في الولاية أقل من هذا، نرجع للأصل الذي كنا قلناه {إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم}-سورة الحجرات/13-

بطريقة ثانية، اثنان وليّان واحد أعلى من الآخر في مقام الولاية ثم هذا نال مع مقامِه الأعلى نال الشهادة في سبيل الله، هذا أعلى من هذا بلا كلام.

فإذًا الشهيد الغير ولي الولي أعلى منه رتبةً، ثم هذا الولي ممّن يُعطَوْنَ في الجنة ما لا يُعطاه عامة الناس ولا يُعطاه مجرد الأتقياء الذين ليسوا أولياء، يعني أتقياء ليسوا أولياء، صلحاء ليسوا أولياء، شهداء ليسوا أولياء، هذا الولي في الجنة يُعطى من علُوِّ درجات النعيم وكثرتِها وألوانِها ما لا يُعطاه هؤلاء مع أنهم كلهم في غاية الفرح والسرور لا يحصل عندهم حقد وزعل وضغينة وانزعاج وبغضاء، لا، كلّهم في فرح، الانزعاج لا يحصل لهم ولا في الخاطر لا يتكدرون لا يتزعجون بل هم في فرح وسرور وأنس وسعادة لا مثيل لها في الدنيا، الله قال {ألا إنّ أوليآءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}-سورة يونس/62-