السبت ديسمبر 21, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” – 89

 

                              الروح- كفى بالموتِ واعظًا

                                بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على سيّدِنا محمدٍ رسولِ الله وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَن والاه

يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى وغفر له ولوالديه ومشايخه

*وقال الإمامُ الهرري رضي الله عنه في الحديثِ عن الحكمة من خلقِ الروح قبل الجسد، الروح هو الأصل لولا الروح لم يكن للجسد قيمة ووجودُ الروحِ قبلَ الأجساد دليلٌ على أنّ الروحَ هو الأصل لشرفِها خلقَها الله قبل الجسد ولذلك الجسد قد يهلكُ بأيدي الكفار.

كم من الأنبياءِ قتلهم الكفار من جملتِهم يحيى عليه الصلاة والسلام لكنْ هم أهانوا الجسد أما الروح فهو عند اللهِ عزيزٌ كريمٌ على الله، مهما لعبَ الكفارُ بأبدانِ المؤمنين فالروحُ لا ينقُصُ شرفُها عند اللهِ عزّ وجل.

)إذا أردْنا أنْ نفصّل ونتكلم عن أجساد الأنبياء أيضًا وعن أجساد الأولياء والصلَحاء إنْ أهانَها الكفار ولعبوا بها هذا لا يُنقِصُها عند الله تعالى لأنها أجسادٌ مشرّفةٌ مُكرَّمةٌ لها قيمةٌ واحترامٌ عظيم، وقتل الكفار لنبيٍّ من الأنبياء زيادةٌ في الكفر، فقتلُ النبيِّ كفر وقصد قتلِه كفر وإهانتُه كفرٌ كما أنّ إهانةَ جسد النبيّ صلى الله عليه وسلم كفر.

هنا مرادُه أنّ الكفارَ أهانوا هذا الجسد وهذا لا يُنقصُه عند الله، مثلًا جسد زكريا أو جسد يحيى عليهما الصلاة والسلام هذا لا يُنقصُهما عند الله ولا الروح لأنهما من الأنبياء، والكفار إنما ينالونَ من هذا الجسد ولا يصلون إلى الروح وليس لهم تصرّف أو تسلط على الروح، لذلك الكفار مهما فعلوا بأجساد الأنبياء هذا لا يُنقصُ من الأنبياء لا من أرواحِهم ولا من أجسادِهم.

ثم عندما يقول الروحُ هو الأصل وهو مشرَّف أو له شأن مرادُه أرواح الأنبياء الأولياء والصلَحاء، أما أرواح الكفار لا قيمةَ لها أيضًا هي في المعنى ليس لها احترامٌ عند الله ولا عند العقَلاء الأذكياء لأنّ الأرواح أرواحٌ مشرّفة مكرّمة وهي أرواحُ الأنبياءِ والصلَحاء والأتقياء وأرواحٌ خبيثة ملعونة وهي أرواح الكفار.

فالكافر جسدُه وروحُه ليس له قيمة ولا احترام لأنّ اللهَ قال {أولئكَ هم شرُّ البرِية}-سورة البينة/6-

لا نقول أرواحُ الكفار لها عند اللهِ قيمة معَظَّمةٌ لها احترام، لا، إنما أرواحُ الأنبياء والأتقياء والصلَحاء هي الأرواح المشرّفة.

الروحُ هو الأصل وبهذا الروح الإنسانُ يكونُ حيًّا فإذا مات وخرجتْ الروحُ من الجسد هذا الروح يصير كقطعةِ الخشب أو كالحجر لهذا قال الروحُ هو الأصل، لكن الأرواح المشرّفة والمكرّمة والمُعظَّمة هي أرواح الأنبياء والملائكة أرواح الأولياء والصلَحاء، أما الكفار فلا يكون لهم اعتبار من حيثُ القيمة والمعنى كأرواح الأنبياء والأولياء حاشى، فرقٌ كبيرٌ بين هؤلاء وبين هؤلاء.

الله عزّ وجل قال {إنّ شرّ الدوآبِّ عندَ الله الذين كفروا فهم  لا يؤمنون}-سورة الأنفال/55-(

 

*وقال رضي الله عنه: إنّ الروحَ إذا قُبِضَت تبِعَها البصر ينظرُ إليها عندما يخرجُ الروح، ينظرُ إليها ولولا أنّ الناسَ يُطبِقونَ عيْني الميّت لجمَدَت على ذلك.

والروح تخرجُ من الرأس من هنا أو من اليافوخ مِن حيثُ دخلَتْ.

)هذا الكلام ردٌّ على بعض السفهاء الملاحدة الكفَرة الذين يقولون الله روح ويقولون الله أنثى، مثل واحد دكتور في لبنان وامرأة مصرية تقول الله روح يعني الله أنثى، وهذا الخبيث يقول أمنا اللاية، والعياذ بالله، انظروا إلى ركاكةِ وسخافةِ هذا الكلام ويقول هيدا إذا كان في الله.

هنا قال الشيخ الروح إذا خرجَت يتْبَعُها البصر، فالروحُ كلفظ يُذَكَّر ويؤَنَّث لا على ما قالَه هذا الخبيث وتلك الساقطة الله روح على زعمِهم فاللهُ أنثى، لأنه وردَ في الحديث الذي رواه عددٌ من الأئمةِ والعلماء والمحدّثين مثل القرطبي والحافظ البيهقي رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم [إذا خرجَ الروحُ تبِعَه البصر]-رواه مسلم والبيهقي وأحمد وغيرهم- ما قال إذا خرجَت الروح لأنّ كلمة الروح تُذَكَّر وتؤنَّث.

فعندما يخرج الروح من الجسد من اليافوخ هذه الروح عندما تخرج البصر يتبعُه لذلك يكونُ فاتحًا عينيه والناسُ يُغمِضونَ له عينيه.

يقال الروحُ هي والروحُ هو هذا يذَكَّر ويؤَنَّث كلفظ واللهُ ليس روحًا وليس له روح ولا يشبه الأرواح، والذي يقول الله روح لذلك هو أنثى فهذا من أشدِّ الكافرين.

وقد ذكرْنا في درس الأمس أنّ المحدّث الشيخ عبدُ الغني النابلسي رحمه الله قال “مَنْ سمّى اللهَ روحًا كفر”

اللهُ هو خالقُ الروح {ويسألونَك عن الروح قل الروحُ منْ أمرِ ربي}-سورة الإسراء/85- كيف يكونُ هو روحًا؟ هل يكونُ خالقًا لنفسِه على زعمِهم؟ هل يكونُ جزءًا أو جسمًا أو حجمًا؟

نعم نحن لا نعرف حقيقة الروح، بعض المؤلفين أو المفسّرين يقولون جوهر أبيض جوهر أحمر أخضر حجمٌ كذا ويتكلمونَ عن صفة الروح وشكلِها، هذا لم يردْ في الحديث، حقيقة الروح لا يعلمُه إلا الله ونحن نقف عند هذا الحد لكنْ نقول الروح هي أو هو شىءٌ مخلوق ولها بداية وليست أزلية بدليل أنّ اللهَ قال {قل اللهُ خالقُ كلِّ شىء}-سورة الرعد/16- والروحُ شىء فهي مخلوقة.

وهذه الآية {ويسألونَك عن الروح قل الروحُ من أمرِ ربي}-سورة الإسراء/85- فكيف يكونُ هو روحًا؟

هكذا نكون أثبتْنا أنّ اللهَ ليس روحًا ولا يشبهُ الأرواح ولا هو حالٌّ في الأرواح ولا له روح ومَنْ قال بواحدةٍ من هذه الكلمات فهو كافر.

الله يقول {ولم يكن له كفُوًا أحد}-سورة الإخلاص/4- ليس للهِ شبيهًا أحد وليس لله مثيلًا أحد.

فإذا قيل الله تعالى ليس روحًا فإذًا كيف تقولون هو الله؟ كما قلنا أنّ اللهَ ليس أنثى وأنّ اللهَ ليس روحًا واللهُ ليس ذكرًا وليس جسدًا لكن في خطابِنا لله باللفظ نقول هو الله لأنّ هذا يدلُّ على التعظيم أما الذي يقول هي الله يكون شتم الله استخفّ بالله مع أنّ اللهَ ليس ذكرًا لا هو رجل ولا هو أنثى، حاشى، هو خالقُ الرجال وخالقُ النساء فلا يكونُ رجلًا ولا يكونُ أنثى، أما اللفظ بخطابِنا وذكرِنا ومناداتِنا لله، اللفظ يُنادى بلفظٍ مذكّر.

ثم في القرآن الكريم الله هو الذي قال عن ذاتِه المقدّس {هو الله}-سورة الحشر/22- ما قال هي الله.

الآن في الدنيا لو واحد قال لملِك أو للأمير أو للقائد أو للزعيم أو للرئيس تعالَي إليّ كيف حالكِ ما أخباركِ؟ هذا ماذا يعتبرونَه؟ يمكن الملِك يغضب فيقتلُك إنْ قلتَ له ذلك يعتبرونَها إهانة.

فإذًا اللهُ تعالى مِنْ بابِ أولى أنْ يُعَظّمَ لفظًا أيضًا، ويعظَّم ويقَدَّس ويُمَجَّد، الله تعالى فرضٌ علينا أنْ نقدِّسَه واجبٌ علينا أنْ نحترمَه، ففي اللفظ أيضًا يُعَظَّم ويُتكلَّم عنه بما يدلّ على التعظيم والتقديس والتمجيد.

الله ليس له شبيهٌ ولا مثيل لكنْ لو قلنا مثلًا البحرُ الكبير هل بقولِنا البحر كبير يكون معناه أنّ البحر ذكر؟ لا، إذا قلنا الجبل هل الجبل ذكر؟ لا.

في بعض الأشياء قد يُتكلَّم أو يُستعمَل تذكير اللفظ ولا يكونُ المُسَمّى بهذا الاسمِ ذكرًا.

كما أنّ اللهَ ليس روحًا فهو ليس أنثى اللهُ ليس ذكرًا ليس جسدًا ليس حجمًا فلا يقال عن الله تعالى أنثى هذا كفرٌ صريح، ولا يقال الله روح هذا كفرٌ صريح ولا يقال الله ذكر هذا كفرٌ صريح.

قال الإمام الطحاوي رحمه الله “ومَنْ وصف اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر”

والطحاوي أبو جعفر أحمد بنُ سلامة الوراق المصري رضي الله عنه من أئمة السلف وهذه العقيدة الطحاوية التي هو جمعها ليس هو ابتكَرَها من عندِ نفسِه بمعنى أنه جاء بدينٍ جديد، لا، بل بمعنى أنه جمع عقيدة النبيّ والصحابة وإجماع الأمة لكنْ صار يقال لها العقيدة الطحاوية لأنه هو جمعَها، نسبةً إليه لأنه هو الجامع لهذه الألفاظ لعقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة.

وهذه الرسالة العقيدة الطحاوية الأمة تقبّلَتْها وأقبلَت عليها حفظًا ودراسةً وتعليمًا وشرحًا وتأليفًا ونظْمًا في الشرق والغرب والسلف والخلف لأنها عقيدة أهلِ السنة والجماعة.

في هذه العقيدة الطحاوية قال في أولِها “أما بعد، فهذا ذِكرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ” يعني ليست خاصة بأبي حنيفةَ وصاحبيه ولا بالمذهب الحنفي بل هي عقيدة أهلِ السنة والجماعة، لأنه قال في أولِ الرسالة بعد المقدمة “ومَنْ وصفَ اللهَ بمعنًى من معاني البشر فقد كفر”

معنى بمعنًى أي بصفة، مثلًا إذا قال ” ومن وصف الله بمعنًى من معاني البشر فقد كفر” كأنه قال ومن وصف اللهَ بمعنًى من معاني الملائكة، ومن وصف اللهَ بمعنى من معاني الجن ومن وصف الله بمعنًى من معاني الحجر، ومن وصف اللهَ بمعنى من معاني البهائم، ومن وصف الله بمعنى من معاني الجمادات فقد كفر، لأنّ النتيجة واحد والمعنى واحد لأنّ كل هذه الأجناس مخلوقة والبشر مخلوقون فكأنه اكتفى بذكرِ واحد عن ذكر البقية.

بعبارةٍ أخرة كأنه قال ومَنْ وصف اللهَ بصفة من صفةِ أحدِ المخلوقين فهو كافر، هذا بلفظ أو بتعبير أو بمعنى آخر، أو كأنه قال ومن وصف الله بصفةٍ واحدة من صفات أحد المخلوقين فهو كافر، وهذا إجماع، والذكورية من صفات المخلوقين والأنوثة من صفات المخلوقين والروح مخلوقة.

إذًا مَن قال الله ذكر مَن قال الله أنثى مَنْ قال الله روح مَنْ قال الله له روح مَنْ قال الله يشبه الروح مَنْ قال الله حلّ في الأرواح مَن قال الله جزءٌ من الروح مَن قال الروح جزءٌ من الله فهو كافرٌ بإجماع الأمة، ومَن وصف اللهَ بمعنى من معاني البشر فقد كفر(

 

الموت

قال الإمامُ الهرري  رضي الله عنه: الدنيا مزرعةُ الآخرة مَن زرعَ هنا خيرًا يحصُدُه في الآخرة المعنى أنّ مَنْ عرَف اللهَ وآمنَ برسولِه صلى الله عليه وسلم وأدّى الواجباتِ واجتنبَ المحرّمات هذا فازَ في الآخرة.

)هنا العنوان الموت، مجرد العنوان وحدَه موعظة تذكرة ينبغي إذا سمعنا به أنْ نتّعظ وأنْ تتحركَ القلوب وأنْ نستعد لِما بعد الموت ونستعد للقبر وأنْ نستعدَّ للآخرة، فالموت يُذَكِّرُكَ بأنّك راحلٌ عن الدنيا وأنك في دار الفناء ويذكرُك بأنك لست في الجنة وأنك في دار الغم والهم، الموت يذكرُك بأنك ضعيف وأنك ضعيف وأنك عاجز وأنك مغلوب، الموت يذكرُك بأنك كنتَ معدومًا فخلقَك اللهُ خلقَ فيك الروح، {تبارك الذي بيدِه المُلك وهو على كلِّ شىءٍ قدير الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ليَبلُوَكُمْ أيُّكمْ أحسنُ عملًا}[سورة الملك/١-2]

الله سبحانه هو خالقُ الموت والحياة وهو الذي أوْجَدَنا وهو الذي يُميتُنا فينبغي أنْ نتّعظ.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [كفى بالموتِ واعظًا]

وكان سيدُنا عمر رضي الله عنه وأرضاه نقش هذه العبارة على خاتمِه ليتذكر دائمًا الموت، كفى بالموتِ واعظًا يا عمر.

وهذا سيدُنا الإمامُ الجليل الشافعيُّ رضي الله عنه وأرضاه كان يُكثِر من حملِ العصا فسُئلَ عن ذلك أنت تحملُ العصا وأحيانًا لا تكونُ مريضًا فما المعنى والحكمة والمغزى والفائدة؟

قال لأتذكّر دائمًا أنني في رحيل.

والرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [أكثِروا مِنْ ذكرِ هاذمِ اللذات]

الإكثار من ذكر الموت يُرَقِّقُ القلب ويُحرّكُهُ ويساعدُك على الاستعداد للآخرة وأنّ عزرائيل عليه السلام يُفاجئَك وأنه لن يستأذن على الأبواب ولن يمنعَنه الحُجّاب بل أينما كنتَ وأينما كنتُ وأينما كنا إذا انتهى الأجل بلحظةٍ يَقبِضُنا، بلحظةٍ خفيفة في الغواصات في قاموس البحر في الجوّ في الطائرات على رؤوس الجبال في أجواف الوديان أينما كنا، في البر في البحر في القصور، بلحظةٍ يقبِضُنا.

ذكر القرطبيُّ رحمه الله أنّ إنسانًا جاء إلى سليمان عليه السلام فقال له يا نبيَّ الله أنا خائف، هذا الإنسان كان يريد أنْ يبتعدَ عن الأسباب الظاهرة للموت، هو لا يعرف يقينًا كيف ومتى سيموت، نظرَ إلى شخص في المجلس، كان ملَك الموت ينظر إلى هذا الرجل في مجلس سليمان وملَك الموت كان قد أُمرَ أنْ يقبضَه في الهند ماذا يفعل في مجلس سليمان، جاء إلى سليمان يستنجدُ به يظن بنفسِه أنه سيهرب إلى مكان بعيد فطلب من سليمان أنْ ينقلَه إلى مكانٍ بعيد فأمر الريح أنْ تحملَه إلى الهند بلحظة كان عزرائيل ينتظرُه فقبضَه في الهند.

أين المهرب أين ستتحصّن أين ستختبىء؟ لو بملجأ سبعين طابق تحت الأرض عزرائيل يقبِضُنا بلحظة، أليس هناك أناسٌ يموتونَ في الطائرات؟ أليس بالسيارات وبالملاجىء وبالمستشفيات يموتون؟  أليس أطباء تموت؟ بلى، لن يبقى دكتور على وجه الأرض ليس فقط الدكتور كلنا سنموت.

إذًا هذا الأمر لا مهربَ منه ولا مفرَّ فلْنَتّعِظ ولْنعتبر عزرائيل بلحظة يقبِضُنا.

 قال الغزالي رحمه الله أنّ جبارًا من جبابرةِ بني إسرائيل كان اختلى في قصرِه بنفسِه وقال لخدمِه وحرسِه أنْ لا يُدخِلوا عليه أحدًا اليوم إلى القصر، وبينما هو يتجوّلُ في القصر رأى أنّ شخصًا حضرَ عليه فجأة، فقال له هذا الجبار هذا الحاكم الطاغي منْ أنت ومَن الذي أدخلَكَ عليّ الدار؟ قال: أما أنا فمَنْ لا يمتنعُ مني كلُّ جبارٍ عنيد ولا شيطانٍ مَريد، وأما الذي أدخلني الدار فربُّها، فقال الحاكم الغاشمُ الظالم: إذًا أنتَ ملَكُ الموت؟ قال: أنا ملَكُ الموت، قال فأمْهِلني ساعةً كي أُحدِثَ عهدًا –يعني شيئًا من الوقت يريد أنْ يتوب- فقال له عزرائيل: هيهات انقضَتْ أنفاسُك، فقال إلى أين؟ قال: إلى لظى نزّاعة للشّوى، فقبضَه بلحظة ووقع على الأرضِ ميْتًا.

فلا الحرس ولا العساكر ولا الحُجّاب ولا الخُدّام ولا القصور ولا القلاع، كل هذا ما استطاع أنْ يمنع من دخولِ عزرائيل عليه السلام.

فيا إخواني ويا أخواتي، أكثروا من ذكرِ هاذم اللذات لأنه يرَقّق القلب ويذكر بالقبر والموت والآخرة وبالاستعداد للآخرة.

ومن حِكَمِ ذلك أنه ما كان من أمورِ الدنيا والمُلهِيات إلا قلّلَه وما كان في قليلٍ من عملِ الطاعاتِ والخيرات وأمور الآخرة إلا كثّرَه، لأنك تصير تعمل أكثر وتتوب عما فعلتَ من المعاصي والآثام.

اليوم بعض المغفّلين والحمقى إذا كنت في درس وتكلمت عن الموت يقولون ما هذا التعقيد والتخلّف والرجعية والتخويف ما هذا الكلام؟

هؤلاء والعياذ بالله قسَتْ قلوبُهم، إنْ كان بليلة عرسِك أعطيتَ درسًا عن الموت أو عن الجنة ونعيمها هذا لا يغيّر من الأجل لا بالافراح ولا بالأتراح، إذا كنتَ في الأحزان تكلمتَ عن الأفراح يصير الحزن فرح؟ وإذا كنت في الأفراح تكلمتَ عن الأتراح وإذا في العرس تكلمتَ عن الموت يصير عمركَ أطول؟ لا والله العمر واحد لا تموت قبل انتهاء الأجل ولا بنفَس ولا بلحظة لأنّ عقيدةَ الإسلام والمسلمين ما قدّره اللهُ في الأزل لا يتغيّر.

الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه الحاكم [إنّ روحَ القدُس نفثَ في رُوعِي أنَّ نفسًا لنْ تموتَ حتى تسْتَوْفِيَ رزقَها وأجلَها فاتّقوا اللهَ وأجمِلوا في الطلب خذوا ما حلّ ودَعوا ما حرُم]-رواه الحاكم في المستدرك-

هذا بعض ألفاظ الحديث، وهناك ألفاظٌ قريبةٌ منه لكنْ موضع الشاهد الذي نريدُه الآن قال [إنّ روحَ القدس] يعني جبريل رئيس الملائكة وله عدة أسماء منها الروح ومنها روحُ القدُس لطهارتِه لقداستِه لأنه طاهرٌ من الذنوب عليه السلام، والله يقول عن الملائكة {لا يعصونَ اللهَ مآ أمرَهم ويفعلونَ ما يؤمَرون}-سورة التحريم/6-

رُوعِي يعني قلبي، يعني أخبرَني وأوْحى إليّ أعطاني أخبرَني أنّ نفسًا لن تموتَ حتى تستوفيَ رزقَها وأجلَها، وهذه عقيدة كما أنّ الأمة أجمَعت على أنّ تقديرَ الله الأزلي الأبدي لا يتغيّر الله في الأزل قدّر لكلِّ إنسان في أيِّ لحظةٍ يموت، لو اجتمعَ كل أطباء الأرض على أنْ يؤخّروا هذا الإنسان عنْ أجلِه لحظة نَفَس لن يقدروا، ولو اجتمعت كل صواريخ الأرض ونزلت برأسه لن يموتَ قبل انتهاء أجلِه، أليس هناك أناسًا وقعت فيهم طائرات ولم يموتوا؟ أليس هناك أناسً انفجرت فيهم سيارات ولم يموتوا؟ أليس هناك مَن تزلزت فيهم المباني والأرض ولم يموتوا؟

أليس هناك مَنْ نزلت عليهم الصواريخ ولم يموتوا؟ بلى، إذًا ليس النار والصواريخ والسكاكين هم مَنْ يخلقون الموت، الله قال {الذي خلقَ الموتَ والحياةَ}-سورة الملك/2- الله خلقَنا في هذه الدنيا بفضلِه وكرمه، الله منّ علينا بأنْ أوجَدَنا وأحيانا وأعطانا الصحة والعافية والجسد والمال وهذه الحياة وهو الذي يُميتُنا بقدرتِه سبحانه وتعالى.

إذًا ينبغي أْن نستعدّ قبل فواتِ الأوان، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول [أكثِروا من ذكرِ هاذم اللذات] كفى بالموتِ واعظًا.

اليوم هناك أناسٌ يشتغلون مع الأموات ولا يتّعظون، أتعجّب وأستغرب لما نرى في الأفلام بعض الأشخاص في المشرَحة يُقطّعون جثث الأطفال النساء الكبار والصغار كأنهم ينزِعون أوراق الخسة ويضحك ويلعب ومنهم مَنْ يكون يشرب السيجارة وبعضُهم ربما يكون يشرب الخمر لا يتأثرون لا يتّعظون سبحان الخالق العظيم، ترى بعضَهم يلعبون بالموتى لا يتّعظون.

اليوم ترى أناسًا يمرّونَ قرب المقابر كأنه يمرّ بمعمل رخام لا يتّعظ ولا يعتبر ولا يخطر له ولا يقول أنّ هؤلاء كانوا كما أنا الآن يأكلون ويشربون يضحكون ويلعبون وها هم الآن تحت التراب منهم في عذابٍ وجحيمٍ وويلات وحسَرات وبكاء وندم ومنهم في هناء ونعيم وفرح واطمئنان وسرور، فلْنعتبرْ ولْنتّعِظ نمرُّ قرب المقبرة لنتأثر لأننا يمكن بلحظة نموت ونصيرتحت التراب، هذا إنْ دُفِنّا وإنْ كان لنا قبر، لكن الآن إذا رأينا المقابر فلْنتّعظْ ولْنعتبِرْ قبل أن نموتَ وقبل أنْ نُوضَع تحت التراب وقبلَ أنْ يُفاجئَنا عزرائيل.

قيل لبعض الحُكماء ولبعض العلماء أين الدور وكان صبيًّا حكيمًا؟ رجل دخل البلد فسأل صبيًّا فقال له يا غلام أين الدور؟ أين البيوت؟ فدلّهُ على مكان وأشارَ له وقال له: خلف هذا الجدار، ذهب خلف الجدار رأى المقابر، تفاجأ، قال هذا الصبي إما أنه أبله أم أنه يريدُ شيئًا، عاد لعندِه قال له: يا غلام، سألتُكَ عن الدور دلَلْتني على المقابر؟

اسمعوا جواب الصغار في الماضي، نحن الكبار لنستيقظ ولْنفِق من غفلتِنا ونرى الأطفال في الماضي كيف كانوا كبارًا في تفكيرِهم، قال له الصبي للرجل: يا عم، ما رأينا أحدًا يأتي من هناك –يعني من المقبرة وأشار إلى البيوت- لكننا رأينا كل الذين هنا يُحمَلونَ إلى هناك، يعني البيت الحقيقي هو القبر.

بيتُك الحقيقي هو قبرُك زيّنْه ونوّرْه بتقوى الله ليس بالكنبايات بستين ألف دولار ولا بثريا بثلاثة عشر دولار ولا بسجاد بثلاثين ألف دولار، بيتك الحقيقي متر بمتر ونصف زيِّن قبرَك بتقوى الله، زيّنْ قبرَك بالعمل الصالح قبل أنْ توضعَ فيه وقبل أنْ تموت.

يُروى أنّ أميرًا من الأمراء خرج في موكبِ إمارتِه، لمّا الأمير يخرج في العادة معه الحرس والخدم والحشم والمرافقة ويزدحم الناس، فمن الزحمة تطايرَ الغبار وصل إلى الأمير في الموكب، انزعجَ الأمير تضايق صار يدفع الغبار بيدِه عن نفسِه، رآهُ حكيمٌ من الصغار –يعني الذي أوتيَ الحكمة، صبيٌّ حكيم فهيم ذكي- كان مارًّا رأى هذا المنظر والأميرُ منزعج من الغبار وهذا الصبي جرىء قال له: يا أمير تضايقتَ من الغبار؟ قال الأمير نعم، فقال الصبي الغلام: يا أمير فكيف بك إذا أُهيلَ عليك التراب؟

أنت لا زلت في هذه الدنيا وبهذا العز وموكب الإمارة وقليل من الغبار تضايقت منه فكيف بك إذا وُضعتَ بقبركَ في حفرتِك ووُضِعَت عليك تلك الحجارة وسُوّيَ عليك التراب، مشهد مخيف عظيم نسأل اللهَ السلامة.

تخيلوا أنفسكم الآن قد الواحد يكون يسكن في بيت 200متر يقول ضاق خلقي ساعة بالبحر وساعة بالجبل وساعة بالكورنيش وساعة بالمسرح، سبحان الله العظيم، تخيّل نفسكَ في القبر متر بمتر، يضعونَ عليك البلاطة أو الصخور أو الحجارة ثم بعد هذا ينزِلون عليك التراب.

قال له يا أميرُ كيف بك إذا أهيل عليك التراب؟ بكى الأمير تأثر طلع قلبه رقيقًا وهذا خيرٌ له لمصلحتِه هو، قال: يا غلام، لماذا نكره الموت؟ قال: تكرهون الموت لأنكم عمّرتم دنياكم وخرّبتُم آخرتَكم والنفسُ تكره الانتقال من العمار إلى الخراب، فبيتُك الحقيقي هو القبر زيِّنْه بتقوى الله.

السيدة نفيسة رضي الله عنها كانت حفرت قبرَها بيدِها في مصر في بيتِها، كانت تنزل تقعد فيه فتختم القرآن.

بعض المترجمين لسيرتِها يقولون لما ماتت كانت ختَمتْ ستة آلاف ختمة، بعضُهم يقول ألفي ختمة، وهذا ليس شيئًا قليلًا.

أبو حنيفة رضي الله عنه يقال دُفِنَ في الموضع الذي أنْهى فيه سبعة آلاف ختمة، هكذا يُنَوَّر القبر، ليس كاليوم صاروا يتنافسَوْنَ كيف يزيّنون القبور بالرخام والزجاج والألوان والأضواء والصور، صاروا يضعونَ صورةَ الميت بالألوان وشمسية لأجل الشتاء، وواحدة جلبت مسجلة ووضعت على القبر أغنية للمطرب الذي يحبه خطيبها الميت، حسبنا الله ونعم الوكيل.

قال بعض العلماء “كم مِنْ قبرٍ يُزار وصاحبُه في النار” نسأل اللهَ السلامة والنجاة

لا قِبَلَ لنا ولا طاقةَ لنا بعذاب الله ولا بعذاب القبر ولا بأهوال القيامة ولا بعذاب جهنم، نحن ضعَفاء، الواحد منا يعرف من نفسه أنه ضعيف عاجز ومع ذلك ينسى ونتجرأ على المعصية ونرجع فنقع في المعصية، الله يتوب علينا ويغفر لنا ويرحمنا ويسامحنا بكرامةِ وجهِ محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل اللهُ قبورَنا وقبورَكم رياضًا من رياض الجنة إنه على كل شىءٍ قدير.

******اليوم أحببتُ أنْ تسمعوا هذه العبارات المهمة جدا في مسئلة التنزيه والتوحيد والعقيدة وتكفير المجسمة لأحد العلماء “زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم”

شرحُهُ فتحُ المُنعِم في بيان ما احتِيجَ لبيانِه من زاد المسلم تصنيف الشيخ محمد حبيب الله بن عبد الله الشنقيطي، في ترجمتِه ذكروا شيئًا كثيرًا عن قوتِه في العلوم في الأصول في الفقه في الحفظ وكان قاضيًا بل وبعضُهم قال كان من الحفاظ،

يقول في المجلد الرابع صحيفة 352

نقطة مهمة:

يقول رحمه الله: فقد قال تعالى {ثم استوى إلى السمآءِ وهي دخانٌ فقال لها وللأرضِ ائْتِيا طوْعًا أو كرهًا}-سورة فصلت/11- إلى غير ذلك مما يدلُّ على أنّ المرادَ بالاستواء غيرُ الاستقرار.

)يعني يقول الآيات التي ورد فيها الاستواء ليس المراد منها الاستقرار والقعود والجلوس والتحيّز والمُحاذاة، كل هذا منفيٌّ عن الله(

فالمجسّمةُ أخزاهم الله وكفى الإسلامَ شرَّهم ما قدَروا اللهَ تعالى حقَّ قدرِه

)ما عظّموا الله ولا قدّسوا الله ولا مجّدوا الله ولا نزّهوا الله ولا عرفوا أنْ يُقَدّروا الله يعني ما عرفوا أنْ يُعظموا الله(

وهو تعالى يُمهِلُهم كما يُمهِلُ عبَدةَ الأصنام (انظروا بماذا يصفُهم ويشبِّهُهم، بعبدةِ الأصنام)

ومَنْ جعلوهُ ثالثَ ثلاثة حتى يُهلِكَهم ويُخلِدَ الجميعَ في جهنم والعياذُ باللهِ تعالى.

)قرَن المجسمةَ بعبَدة الأصنام وبعبَدة المسيح وقال يكونونَ معهم مخلّدين في جهنم(

وإنما جزَمْتُ هنا بأنّ المجسمةَ كالكفرةِ (معناه كالكفَرة الذين يُعلنون الكفر، يعني هم وإنْ تستّروا بالإسلام وإنْ ادّعوا الإسلام فهم كالكفَرة الذين يُعلِنونَ الكفر، هذا مرادُه)

لأنهم لا يتوبون لكونِهم يحسَبون أنهم على شىء ألا إنهم همُ الكاذبون. وقد ذكرتُ في حرفِ الياء عند الحديثِ السابقِ ذكرُهُ تصريحَ الجلالِ السيوطي في شرحِ النّقاية بالاتفاق على كفرِ المجسّمة ولا قيمةَ لقولِ مَنْ قال إنّ المجسّمَ  لا يَكفُر إلا أنْ قال إنه جسمٌ  كالأجسام.

)يقول إنه نقل الاتفاقَ على كفر المجسمة ولو قالوا جسمٌ لا كالأجسام، ويقول لا معنى يعني لا قيمة ولا اعتبار لقولِ مَنْ قال إنّ المجسّم لا يَكفُر إلا إنْ قال إنه جسمٌ كالأجسام، يعني لو قال جسمٌ لا كالأجسام يعتبرُه كافر، أما الذي لا يُكفِّرُه إلا أنْ يقولَ جسمٌ كالأجسام يقول هذا لا معنى له لا اعتبارَ به لا قيمةَ له، فعنده المجسّم كافرٌ بالاتفاق سواءٌ قال جسمٌ كالأجسام أو قال جسمٌ لا كالأجسام(

لأنّ اعتقادَ الجسميةِ له تعالى يلزَمُ عليه تشبيهَه ببعض الأجسام

)هنا جعل المجسّم هو المشبّه والمشبّه هو المجسّم وهذا هو الصحيح(

ولو فُرِضَ أنه منْ أعلاها وأجملِها فاللهُ تعالى منزّهٌ عن شبهِ أيِّ شبهٍ كائنًا ما كان كما قال تعالى {ليس كمثلِه شىء}-سورة الشورى/11-

)هنا يقول إنّ المشبّه المجسّم لو شبّهَ اللهَ ببعض الأشياء لو كانت هذه الأشياء من أعظمِ الأجسام أو من أجملِها فهذا لا يدفعُ عنه التكفير ولا ينفيه عنه فهو كافر مع ذلك.

هذا نصٌّ للعلماء على تكفير المجسّمة وأنه بالاتفاق واعتبرهم كعبَدةِ الأصنامِ والمشركين وأنهم يُخلدونَ في جهنم، ثم قال عنهم “أخزاهم الله” فدعا عليهم ودعا أنْ يُسَلَّمَ الإسلام من شرِّهم.

هذا من جملة ردودِ أهلِ السنة والجماعة على المشبهة المجسّمة الذين ينعِقون في الليل والنهار والذين ينعِقون معهم للدفاعِ عنهم.

والحمد لله على أنْ وفّقَنا لمعرفة وفهمِ مذهب أهل السنة والجماعة