مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” -33
قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه
لأجلِ أن تفرحوا بعض مَن كان من غيرِ المسلمين بفضل الله تعالى دخل في الإسلام بسبب هذه المجالس وتواصل معنا على الخاص والآن يُقام عندَهم مجالس في بيوتِهم ومنهم بفضل الله تعالى مَن هو صرّحَ وأعلنَ أنه تشهّد وحصلت فوائد كثيرة جدا جدا جدا أكثر مِن أنْ تُحصى أن تُحصَر في هذا المقام الآن.
فزيدوا في نشر الخير وتواصلوا فيما بينَكم لدعوةِ الناس ولتذكيرِهم لحضور مجلس العلم
بارك الله وزادكم من الخير والبركة وزوّدكم ورفعَكم فوق كثيرٍ من خلقِه درجات.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدِنا محمدٍ طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وأصحابِه الطيبين الطاهرين
(صحيفة 161)
*وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: علمُ الدينِ يُعرِّفُ الشخصَ بحقوقِ اللهِ وحقوقِ الخلق وهذا هو السعادةُ والفلاحُ والنجاح لأنّ مَن تعلّمَ حقوقَ اللهِ وحقوقَ الخلق وقام بذلك يصيرُ في الآخرةِ من أهلِ الدرجاتِ العُلى، في الآخرةِ الجنةُ درجات كما أنّ في الدنيا الناس درجات هذا يكونُ أغنى من هذا وهذا يكونُ أغنى من هذا، في الجنةِ أيضًا درجات الخلقُ ليسوا كلُّهم مُتساوِيين.
*وقال رضي الله عنه: الذي تعلّمَ علمَ الدين وعملَ به هو الوليّ والأولياء اللهُ خصّهم في الجنة لِما ليس لغيرِهم أعدّ لهم نعيمًا أخفاه عن كلّ الخلق الملائكةُ لا يعرفونَه ولا أحدٌ من خلقِ الله، هذا لا يُنالُ إلا بتعلمِ علمِ الدين إنْ تعلّمَ علمَ الدين يعرفُ المحرّماتِ والواجباتِ والسنن فإذا تعلّمَ وعمِلَ بهذا يكونُ منْ خيارِ خلقِ اللهِ الذين أعدَّ اللهُ لهم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشر، لا يعملُه إلا الله.
بدونِ علمِ الدين الذي يشتغلُ بالعبادات يظنُّ أنه صار في درجةٍ عالية وهو يكون في الحضيضِ الأسفل لأنه لا يضمَنُ صلاتَه أنها صحيحة مقبولة وصيامَه كذلك وإنْ حجَّ فحجُّه لا يضمَنُ أنْ يكونَ مقبولًا، بالعلم يعرف والزكاة والصيامُ والحجُّ الصحيحُ والزواجُ أيضًا، قد يكونُ الرجلُ جاهلًا يتزوّج ونكاحُه يكونُ باطلًا لأنه طلَع غيرَ موافقٍ لشروطِ النكاح ولا يدري هو يظنُّ أنّ نكاحَه صحيح وفي الباطن يكونُ فيه خلل، زواجُه هذا ما وافقَ الشرع.
(هنا عبارة مهمة نقف عندَها وهي أنّ الأولياءَ لهم نعيمٌ خاص في الجنة لا يُشاركُهم فيه غيرُهم –يعني من عامةِ الناس- والجنة درجات فأعلى أعلى أعلى درجة أعلى مرتبة في الجنة هي لنبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، هذه الدرجة الرفيعة المباركة العظيمة الجليلة. ثم بعدَه صلى الله عليه وسلم يأتي الرسلُ على حسب باقي مقاماتِهم، وكما قال سيّدُنا أبو هريرة رضي الله عنه “خيارُ الأنبياءِ خمسة محمدٌ إبراهيم موسى عيسى ونوح” هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام هم أفضل الأنبياء والرسول وهم أولو العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وكما قال أبو هريرة “وخيارُهم محمد صلى الله عليه وسلم” وأبو هريرة رضي الله عنه ما قال هذا الكلام من تلقاءِ نفسِه ومن رأيِه، نعم مِنْ حيثُ النقل هو موقوفٌ على أبي هريرة لكنْ في المعنى هذا الكلام له حكمُ الرفع يعني أنّ المعنى مرفوعٌ إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم لأنّ هذا يكون سمعَه أبو هريرة من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنّ التفضيل والتفاضل بين الأنبياء وتحديد أسماء الرسل هذا أفضل من هذا هذا ليس بالرأي يُتَكلَّمُ فيه بل هذا بالسماع بالنقل، فأبو هريرة يكون سمع هذا الكلام من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
فإذًا أعلى مرتبة في الجنة هي لسيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعدَه إبراهيم بعدَه موسى بعدَه عيسى بعدَه نوح عليهم الصلاة والسلام.
أما بعدَ الأنبياء الرسل وبعد الأنبياء الغير رسل يأتي أعلى البشر بعد الأنبياء في الأولياء أبو بكر رضي الله عنه فهو أفضل الأولياء وهكذا تأتي مقامات الأولياء من البشر في الجنة الأعلى فالأعلى ثم عموم الأولياء لهم نعيم خاص، هذا النعيم الخاص لا يُشاركُهم فيه العامة من المسلمين، لا يُشاركُهم من المسلمين مَن ماتَ عاصيًا فعذِّبَ ثم دخل الجنة لا، إنما هؤلاء الأتقياء الأولياء الصلَحاء لهم نعيمٌ خاص أعلى من النعيم الذي يشترك فيه كل أهل الجنة لأنّ الجنةَ درجات.
ولذلك مرّ في الحديث القدسي يقول اللهُ عز وجل [[أعددتُ لعبادي الصالحين -ما قال لكل المسلمين- ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعَت ولا خطرَ على قلبِ بشر]]
هذا نعيمٌ خاص لا يُشاركُهم فيه العوام، ثم أقل واحد من أهل الجنة أقل المسلمين في الجنة له كهذه الدنيا على عشرِ أمثالِها، وهنا لما نقول أقل أهل الجنة يعني مرتبةً في الجنة ومع ذلك الشىء الذي له في الجنة من النعيم المقيم العظيم الذي لا يزولُ ولا ينقطع شىءٌ عظيمٌ عظيمٌ كبيرٌ جدا جدا، لكن الأتقياء الأولياء الصلَحاء مرتبتُهم أعلى من عامة المسلمين، لذلك جاء في هذا الحديث القدسي ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر.
من هو الولي؟ الوليُّ هو الإنسانُ المسلم الذي تعلّمَ الفرضَ العينيَّ أدّى الواجبات واجتنبَ المحرّمات وأكثرَ من نوافلِ الطاعات، مَن مات على ذلك يعني مَن وصل إلى الولاية مات وليا له مرتبة عظيمة في الجنة.
بعض الأتقياء الصلَحاء يصلون إلى الولاية وبعضُهم قد لا يصل إلى الولاية. يعني بعض الذين يدخلون في التقوى يدخلون في الصلاح يدخلون يُكمِلون يصلون إلى الولاية، لكنْ بعضُ الناس قد همّتُهم تضعُف فلا يُكثِرون من النوافل التي هي شرطٌ في أمرِ الولاية بل يقتصرون على الواجبات وعلى اجتناب المحرّمات، هؤلاء تركوا شرطًا من شروطِ الولاية.
فهذا الذي صار تقيا صالحًا ولو لم يصل إلى الولاية هذا أيضًا شأنُه عظيمٌ في الجنة ليس شيئًا هيّنًا، بل التقوى مرتبة عالية وعظيمة في الجنة لكن الولي أفضل وأعلى من التقي الغير ولي.
ثم هؤلاء الذين وصلوا إلى هذه المرتبة التقيُّ والصالحُ والولي كل هؤلاء في أمنٍ وأمان لكنْ مقاماتُهم في الجنة تكون أعلى على حسب كثرة الطاعات والعبادات في الدنيا، {إنّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم}[الحجرات/١٣] فعلى حسب العمل والتقوى والخشوع وعلى حسب الهمة في الطاعات والعبادات تكون المقامات أعلى في الجنة، فالجنةُ درجات.
فأنتَ إذا دُعيتَ إلى خير لا تقل فلانٌ يَنوبُ عني، إذا ناب عنك في هذا الخير حصّله هو أنتَ ماذا تكون فعلتَ؟ ضيّعتَ على نفسِك.
إذا قال لك صديقُك تعالى لنمشي لزيارة هذا المريض اذهب معه لا تقل له اذهب وحدَك، هو يكون حصّل هذا الثواب والأجر أنت ماذا تكون حصّلتَ؟
إذا قال لك تعالى نحضر مجلس العلم تعال نصلي على جنازة هذا المسلم تعال نفعل هذا الخير تعال نساعد هذا المريض تعال نساعد هذا الفقير، شاركْ أنتَ أعمل لا تقل فلانٌ يعمل عني، فلانٌ عملَ عملَ لنفسِه أما أنت ماذا عملتَ؟
إذا كنتَ مدرِّسًا مثلًا وقيل لكم نحتاج إلى مدرّس في هذا العزاء لا تقل يوجَد غيري يدرِّس، غيرُك إنْ ذهب فدرّس نال تلك الفضيلة أما أنت ماذا فعلتَ في هذا الوقت؟ تشاهد التلفزيون؟ أم ماذا تفعل؟ تشرب هذا الذي يسمى الأركيلة مثلًا؟ أو عند البحر في النهر في الجبل؟ إذا ضيّعتَ على نفسِك أنتَ خسرْتَ هذه المقامات وهذه الحسنات.
إذًا لا تقل فلانٌ ينوبُ عني وفلان يعمل عني وفلان يذهب بدلًا عني، أنت اعمل لأنك بذلك ترقى في المقامات وتعلو في الدرجات.
الولي مقامُه أعلى من التقي الغير ولي وهكذا على حسب الدرجات وعلى حسب التقوى يكون النعيم أكبر وأعظم وأعلى في الجنة.
ثم هذا النعيم الذي أعدّه اللهُ للمؤمنين في الجنة منه ما هو نعيمٌ عام يعني يشترك فيه كل أهل الجنة الأنبياء الرسل والأنبياء الغير رسل والأنبياء بكلِّ مقاماتِهم ثم عامة المسلمين الذين بعدَهم، كلّ هؤلاء يشتركون في أنواع من النعيم النعيم العام الذي أعدّه اللهُ لأهلِ الجنة، ومن هذا النعيم العام الذي هو لكلّ أهلِ الجنة أنهم يَحيَوْنَ فيها فلا يموتونَ، خلودٌ في النعيم إلى غيرِ نهاية، لا موت، الله قال في القرآن في آخر آيةٍ من سورة البيّنة عن أهل الجنة {خالدينَ فيها أبدًا}[البينة/٨]
هناك الواحد من أهل الجنة وهذا لكل أهلِ الجنة يعني خلود إلى غير نهاية إلى أبد الآبدين في النعيم في الفرح في السعادة في السرور في الاطمئنان، هذا من النعيم العام الذي يشترك فيه كل أهل الجنة.
من النعيم العام أيضًا كلّهم يكونون أصحّاء فلا يسقمونَ أبدًا لا يصيبُهم مرض ولا ألم ولا شىء يُقلِقُهم لا في أبدانِهم ولا حتى في خواطرِهم ولا يحصلُ لهم هناك مُكَدِّر أو مزعج، لا تحصل لهم هناك مُنَغّصات، يعني حتى مجرد التعب والإرهاق هذا لا يحصل لهم هناك بل هم في همةٍ ونشاط ونعيم إلى أبد الآبدين فلا يحصل لهم مرض بالمرة، يعني أقل الألم لا يحصل لهم في الجنة.
يصحّونَ هناك فلا يسقَمونَ أبدًا، يَحيَوْنَ فلا يموتونَ أبدًا، يكونونَ شبابًا فلا يهرَمونَ أبدًا.
أيضًا هناك في الجنة كلُّهم بعمر الشباب يعني مَن مات من المسلمين وعمرُه مثلًا ألف سنة، حصل أنْ عاش بعض الناس أكثر من ألف سنة، هذا الصعبُ ذو القرنين رحمه الله ورضي عنه حكمَ الأرض ألفي سنة
والصعبُ ذو القرنينِ أمسى ملكُه ألفَينِ عامًا ثم صارَ رميمًا
بعضُ الناسِ قد يعيش إلى أكثر من ذلك، هذا الخضر عليه السلام ما زال حيًّا إلى اليوم على قول بعضِ العلماء وهكذا نبيُّ اللهِ عيسى صلى الله عليه وسلم ما زال حيًّا إلى اليوم، وتعرفونَ كم عاش نبيُّ اللهِ نوح صلى الله عليه وسلم وهكذا كثير من الأمم السابقة عمّروا وعاشوا طويلًا، بعضُ البشر عاشوا أكثر من ألفيْ سنة، هذا في الجنة يكون بعمر الشباب.
كذلك الذي مات وعمرُه دقيقة مثلًا وُلِدَ خرَجَ من بطنِ أمِّه وفيه حياةٌ مستقرة استهلَّ صارخًا اختلجَ ثم مات هذا في الجنة يكون بعمر الشباب، لو مات عمرُه نصف دقيقة، دقيقة، خمس دقائق نصف ساعة ساعة يوم أسبوع شهر سنة، في الجنة يكون بعمر الشباب ثلاث وثلاثون سنة، الذي مات عجوزًا والذي مات شابا صغيرًا والذي مات عمره ساعة كل هؤلاء في عمر الشباب في الجنة وهذا ليس بعزيزٍ على الله.
فإذا قلتَ لي يعني يُخلَّدونَ هناك في الجنة إلى أبدِ الآبدين فلا تظهر عليهم آثار الشيخوخة وانكسار القوة والانهيار والخرس والتعب والخرف لا يحصل لهم؟ لا يحصل لهم لأننا نتكلم عن الجنة، والجنة لا تمشي عليها أمور البشر التي عليها في الدنيا إنما يختلف الأمر فيها، الله جعلَها للبقاء والخلود.
إذا أردْنا أنْ نضربَ مثالًا في الدنيا بعض العلماء يقول الخضر عليه السلام هو من أبناء آدم من صلبِه، الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابِه الذي ألّفَهُ في حياة الخضر وفي أخبار الخضر يقول إنّ بعض العلماء قال إنّ الخضر هو من أبناء آدم لصلبِه، وبعضُهم يقول كان من أيام موسى، وهناك أقوال أخَر، فلو أخذْنا بالقول الذي يقول إنّه من أبناء آدم لصلبِه وبعض المحققين من العلماء يقولون ما زال حيًّا إلى الآن، الآن كم يكون عمرُه؟ والذين يروْنَه من الأولياء والصلَحاء لا يقولون إنه بهيئةِ عجوزٍ منهار يزحَفُ زحفًا على الأرض بل يذكرون أنهم رأوْه بهمةِ الشباب الأصحاء الأقوياء، وكم ألف سنة على هذا القول كم يكون عمرُه؟
وعلى هذا القول لا زال بصحة وهمةٍ ونشاط، وبعضُ الأولياء والصلَحاء يروْنَه يقظةً، يجتمعونَ بالخضر عليه السلام يقظةً، ومن هؤلاء الأئمة الكبار الأجلاء العِظام الخلفاء الراشدين المجتهدين الصلحاء الأطهار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، كان يجمع بالخضر يقظةً، وهكذا كان له مستشار من العلماء الصلَحاء الأولياء الأخيار المجتهدين يقال له رجاءُ بنُ حَيْوى، هذا أيضًا يقال إنه رآه يقظةً.
كان مرةً يخرج عمر بن عبد العزيز ومعه إنسان يُماشيه يُمسِكُ بيدِه، قال رجاء لعمر مَن هذا الذي كنتَ تُماشِيه؟ قال: رأيتَه؟ قال نعم، قال: هذا الخضر، ما أراكَ إلا صالحًا.
هذا الخضر عليه السلام على هذا القول كم يكون عمرُه إلى الآن ولا يكون بصورة هذا العجوز الفاني المُنكسِر الذي يزحف زحفًا على الأرض إنما يُرى بهيئةِ الرجل الشديد النشيط القوي يجتمع ببعض الأولياء ثم يختفي.
إذا كان في الدنيا هكذا فكيف في الجنة؟ والجنة ليست كالدنيا، الدنيا دار تعب وهم وغم ودار أمراض وموت وهذا لا وجودَ له في الجنة، فإذا كان هذا المثال في الدنيا عن الخضر.
والمسيح أيضًا عليه السلام سينزل إلى الأرض ويجاهد ويقاتل وذهب من بلد إلى بلد ويذهب للحج والعمرة ويذهب لزيارة النبيّ صلى الله عليه وسلم ويُرى عندما ينزل إلى الأرض بهيئة القويّ النشيط المبارك العظيم، إذا كان هذا في الدنيا فكيف في الجنة؟
فعندما نقول شبابٌ فلا هرم حياةٌ فلا موت صحةٌ فلا سقَم هذا ليس معناه أنّ بعد مرور مئات آلاف السنين عليهم في الجنة تنكسر قوّتُهم يهرَمون يمرضون يموتون، حاشى، هذا لا يحصل في الجنة لأنّ اللهَ قال {خالدينَ فيهآ أبدًا}[البينة/٨] أيضًا من جملةِ النعيم العام أنّ كل أهلِ الجنة ينعَمونَ فيها فلا يبأسونَ أبدًا، لا يحصل لهم فيها بؤس ولا هم ولا غم ولا انزعاج ولا نكد ولا ألم ولا ما يُزعجُهم بل في نعيمٍ دائم، هذا من النعيم العام الذي يشترك فيه كل أهلِ الجنة لكنْ تبقى هناك مقامات وتبقى هناك درجات ويبقى هناك نعيم خاص يكون للأتقياء والأولياء والأنبياء والرسل لا يُشاركُهم فيه العامة كما أنّ النعيمَ الخاص الذي للأنبياء لا يُشاركُهم فيه الأولياء، كما أنّ النعيمَ الخاص للأنبياء الرسل لا يُشاركُهم فيه مَن دونَهم في المراتب، إذًا الجنة درجات، لكنْ أقل أقل أقل مسلم في الجنة له كهذه الدنيا على عشرِ أمثالِها، نعيم الجنة شىءٌ عظيمٌ جدا تصوّروا معي من جملةِ النعمي الذي أعدّه اللهُ للمؤمنين في الجنة أنّ ثيابَ أهلِ الجنة لا تدخلُها يد الصناعة إنما هي تخرجُ من شجرة يقال لها طوبى كما ورد في حديثٍ رواه الإمامُ الحافظ البيهقي رحمه الله، تتفتّق أكمام هذه الشجرة عن ثياب أهل الجنة، وهذه الثياب أجمل من ثياب ملوك الأرض، أجمل وأعظم منظرًا هيئةً رائحةً وأعظم من ثياب ملوكِ الأرضِ جميعًا، يعني لو اجتمع كل ملوكِ الأرض كل زعماء الأرض ماذا تكون ثيابُهم من حيثُ الجمال؟ ثيابُ أهلِ الجنة أجمل وأعظم.
تصوّروا معي ثياب أهل الدنيا من الملوك والسلطين والأغنياء والخلفاء لو كانت من الذهب من الياقوت من الماس من الجواهر واللآلىء تتكسر تتحطم تخرب تفنى تُنتِن، هذا ثيابُ أهلِ الدنيا، أما ثيابُ أهلِ الجنة الثوبُ الواحد منا إلى أبد الآبدين لا يُنتِن لا يتّسخ لا تخرج منه رائحة نتِنة لا يتهرّأ لا يتعفّن، والواحد من أهل الجنة له أثوابٌ كثيرة ليس ثوبًا واحدًا بل أشكال وألوان من الثياب، ثياب أهل الجنة تتفتق أكمام شجرة طوبى عن هذه الثياب فيَلبَسونَها تزيدُ فيهم جمالًا، بعض أهل الجنة في الجمال أجمل من البدر في ليلة التمام، بعض أهل الجنة أجمل من الكوكب الدري، هذا على حسب تقواهم.
وهذه الشجرة ورد في الحديث أنّ الراكب يسير في ظلّها مائة عام لا يقطعُها {وظلٍّ ممدود}[الواقعة/٣٠] هكذا ورد في القرآن.
فإذًا هذا مثالٌ عن النعيم الذي يكونُ في الجنة لأهل الجنة تلك الثياب العظيمة.
ومن النعيم الذي أعدّه اللهُ للمؤمنينَ في الجنة أنّ المؤمنَ هناك إذا اشتهى أنْ يأكل من ثمارِ الجنة، لماذا نقول إذا اشتهى؟ لأنّ الجنة ليس فيها جوع إنما الجوعُ والعطش والنغَص والتعب والتخمة والألم والتسمم هنا في الدنيا، أما هناك حاشى.
الله قال في القرآن {ولحمِ طيرٍ مما يشتهون}[الواقعة/٢١] اللحم بطبعِه طعامٌ ثقيل هذا بالنسبة لأهل الدنيا أما هناك في الجنة مع أنّ اللحمَ هنا بطبعِه ثقيل هناك يأكلونَه إذا اشتهوه، يعني تخيّل معي أنهم في شِبَع دائمًا لا يمرّ عليهم وقت يجوعون يأكلونَ تلذُّذًا يشربون تلذُّذًا، فإذا قلتَ لي ما معنى تلذذًا؟
أعطيكَ مثال أنت تعرفُه نحن الآن من قريب خرجنا من رمضان، الواحد في رمضان يجلس للإفطار يأكل حتى يشبع –بعض الناس هكذا- أمه تأخذ لقمة طعام تقول له اشتهيْتُ لك هذه اللقمة من يدي يقول لها ما عدتُ أستطيع ليس لها ممر لا مكانَ له، من أمِّه لا يأخذ لقمة لأنه امتلأ شبِع، زوجته لا يأخذ منها أختهُ كذلك ابنه لا يأخذ يقوم يريد الذهاب لغسل يديه، قبل أنْ يغادر مكان الطعام يكون هو أكل وشبِع إلى حد أنه لم يأكل لقمة من أمه ولا من زوجتِه لكنْ على الطاولة الثانية مثلًا الحلواء والعصير البارد الذي عرقَ الكوب من برودتِه، يقف فيأكل الحلواء ويشرب العصير البارد، أمُّه تنظر إليه وتقول له من يدي ما أكلتَ والآن وقفتَ تأكل الحلواء؟ يقول اشتهيتُ، وقفتَ تشرب العصير؟ يقول اشتهيْتُ، إذًا هو الآن يأكل الحلواء ويشرب العصير لا لأنه جائع لا لأنه يشكو الظمأ والعطش اشتهى فأكل اشتهى فشرب، أهلُ الجنةِ في شِبَعٍ دائم يأكلون ويشربونَ إذا اشتهَوا على أنه لا تحدث لهم هناك تُخمة ولا يتأذّوْن ولا يصيبُهم ضرر ولا يوجد في الجنة شىء يسمونه اشتراكات وتسمم وتخمة وتأذى من الطعام، هذا لا وجودَ له في الجنة إنما يأكل تلذذًا يشرب تلذذًا، فلذلك قلتُ إذا اشتهى أنْ يأكلَ من ثمار الجنة هذه الشجرة هي تنزل إليه وهو في مكانِه على عرشِه على كرسيِّه على سريرِه، الشجرةُ تدنو فيقطف الثمرة بلا تعب ولا مشقة ثم يأكل تلذذًا ويخلقُ اللهُ غيرَها ثم تعودُ الشجرة كما كانت.
الله يقول {قطوفُها دانية}[الحاقة/٢٣] هي تدنو يعني لا يتكلف أْن يصعد إلى الشجرة ليس كما يحصل في الدنيا في المزرعة والبستان والحبل يأتون بالسيبة والحبل ويطلعون على الأغصان ويربطونَها ويطلعونَ على الأشجار ويقعون وتنكسر يدهم، لا، هذا لا وجودَ له في الجنة، هذا هنا في الدنيا في دار التعب والمرض أما هناك الشجرةُ تنزل تدنو تتدلى والثمارُ فوقَه فيقطف هكذا بسهولة بلا تعب بلا مشقة بلا تأذّي بلا تكلّف ثم يأكل تلذذًا يخلق الله غيرَ هذه الثمرة ثم تعود الشجرة كما كانت قطوفُها دانية.
ثم هناك الثمار كالقلال، القِلال جمعُ قُلّة والقُلة هي الجرةُ الكبيرة التي يُقِلُّها الرجل الشديد.
ثم هناك إذا اشتهى نوعًا من الفاكهة أو نوعًا من أشياء أخرى لا يقال له الآن مقطوعة وانتهى الموسم لا يقال له الآن جفّت خرِبت تعفّنَت لا، الله قال في القرآن {لا مقطوعة ولا ممنوعة}[الواقعة/٣٣] يعني في كل لحظة في كل وقتٍ تخطرُ على بالِه يحصل عليها لا ينتظر ليحصل عليها لأنّ الانتظار يسببُ الانزعاج التعب الضيق التوتر وهذا لا وجودَ له في الجنة، فلا يقال له انتظر بعد غد أو بعد أسبوع أو بعد شهر لتتمتع بكذا لتأكل كذا لتحصل على ثوبِ كذا لا، في اللحظة التي يخطر على باله هذا النوع من النعيم يحصل عليه، الجنة دار نعيم وتنعّم وليست دار انتظار وتحسُّر وانزعاج حاشى، هناك لا يحصل لهم انزعاج ولا قلق ولا اضطراب لا يتأذون لا يتألمون لا يتعبون.
وأشجار الجنة جميلة جدا رائعة الجمال تتمايل ويخرج منها صوتٌ جميل قلوبُهم تطرَب بهذا الصوت الجميل الرائع الذي يخرج من أصواتِ تمايل الشجر والأوراق والأنهار في الجنة تجري على أرض الجنة ليس في الوادي البعيد ليس في الوِهاد ولا في الأخاديد إنما تجري الأنهار على أرض الجنة بين الأشجار والقصور وإذا اشتاقَ أنْ يشربَ من نهر النهرُ يصعد إليه فيشرب تلذذًا ليس عن عطش، إن كان العسل المصفّى إنْ كان اللبن –الحليب- إن كان الماء الذي لا يتعفّن من طولِ المُكثِ والمدة إن كان الخمر الذي ليس كخمر الدنيا إلا أنّ الأسماء واحدة كما نقول ماء الجنة فهل ماء الجنة كماء الدنيا؟ لا، ماء الجنة ألذ من العسل المصفّى الذي في الدنيا فماذا تكون النسبة بينهما؟ الأسماء واحدة، فإذا كان الماء في الجنة ألذ من العسل المصفى الذي في الدنيا فكيف يكون العسل المصفّى الذي في الجنة؟
سبحان الله، على أنّ العسلَ المصفى في الجنة ليس هو الذي تُخرجُه النحل بل اللهُ بقدرتِه يُجريه أنهارًا واللهُ لا يُعجزُه شىء واللهُ على كل شىء قدير.
والخمر الذي في الجنة ليس كخمر الدنيا المحرّم الذي يصدَع الرأس ويُسكر، المكلف في الدنيا إذا شرب هذا الخمر يصيرُ آثِمًا خبيثًا ملعونًا فاسقًا مجرمًا ظالمًا، ثم إذا سكِرَ يصيرُ ألعوبةً للصغار والكبار ويصير أضحوكةً للناس وربما خلع ثيابه في الشارع وربما رُبط من يديه ورجليه بالشجر في الشارع كالبهائم وربما وُضع في رأسِه وعاء القاذورات وربما وُضِع على وجهِه اللبنة هذا بسبب السكر، انظروا ماذا يحصل هذا يصفعُه هذا يضربُه هذا يضحك عليه، هذا في الدينا، خمر الدنيا ليس كهذا حاشى بل الأسماءُ متفقة والصفات لا نسبةَ بينَها، كما نقول الثمار أسماؤُها واحدة لكنْ من حيث الحجم ولذة الطعم وطيب الرائحة لا مناسبةَ ولا نسبةَ بين فاكهة الجنة وفاكهة الدنيا.
وهكذا الخمر في الجنة هو طاهر ليس محرّمًا ليس نجسًا لا يصدَع الرأس لذيذُ الطعم يشربُه أهل الجنة يتلذذون أما خمرُ الدنيا تعرفون النتائج التي تحصل عنه.
وحتى من حيث التهيئة خمر الجنة ليس كخمر الدنيا، في بعض الضيَع بأقدامِهم يدوسونَ الأعناب بعد قطفِها من البساتين، وقديمًا كان هذا في الأحياء، وإنْ حصل الآن معامل ومصانع وماكينات للعصير والتحويل وما شابه لكنْ بعض القرى إلى الآن يدوسونَه بأقدامِهم، وهذا نجس أضف إلى ذلك الوسخ والزبالة ورائحة القدمين التي تطلع من السكران الذي يدعس بقدميه بهذا العنب وهذا العصير وبعدها يشربونه، هذا خمر الدنيا، انظروا إلى الرذالة يسكرون ويقعون في الرذالة ثم بعض الناس يشربون عصير من أقدام هؤلاء السفهاء الواحد منهم يكونُ قذِرًا وسِخًا نَجِسًا ربما بعضُهم يبول على بدنِه ولا يستنجي تعرفون الكفار والفسقة كثير منهم لا أقول الكل، قد يكون كافر لكنْ يتجنب البول لكنْ من حيث الغالب لا يستنزهون من البول بل كثير من فسقة المسلمين طلاب الجامعات والمعاهد يضمِّخونَ لحومَهم وثيابَهم بالبول فهؤلاء وسخ على وسخ ونجاسة على نجاسة وبعدَها يشربونَه.
وحتى الذي في المعامل والمصانع الذي لا تنالُه الأيدي إلا مع الكفوف والنظام الجديد لبعض الدول كل هذا لا يجعلهُ كخمر الجنة بل الحكم أنّ هذا في الدنيا محرّم فسق والأضرارُ معروفة أما ذاك ليس كهذا بل اللهُ بقدرتِه يُجريه أنهارًا، إذا كان العسل ليست النحلة هي التي تُخرجُه وثياب أهل الجنة لا تدخلُهُا يد الصناعة بل أكمام شجرة طوبى تتفتق عن هذه الثياب.
فالحاصل هناك نعيمٌ عظيمٌ وهناك الإنسان إذا اشتهى نوعًا من الفاكهة يحصل عليها فورًا لا يقال له الآن ممنوعة وغير موجودة، هذا في الدنيا، أحيانًا بعض الناس يبحثون عن فاكهة معينة فلا يجدون ثم يطلبون من بلد آخر، أما في الجنة في كل لحظة يحصل على ما يريد من النعيم.
ومرت معنا عبارة قلنا إذا اشتهى أنْ يأكل وكان على عرشِه أو كرسيّه أو سريرِه إذا كان لا يوجد نوم في الجنة فلماذا السرير؟ السرير في الجنة ليس لأجل النوم والإغفاء بل هو لأجل الجلوس والاتكاء، يعني بجِلستِهم يتلذذون.
الجنة لا يوجد فيها نوم ولا تعب ولا موت، إذا كان لا يوجد فيها ما يُزعج ولا ما يكَدّر حتى في الخاطر فهل يكون فيها موت؟ حاشى.
إذا قلتَ لي أنا أنام فأتلذذ أقول لك نعم لأنك تتعب لأنّ جسمك مُتعَب، بعض الناس يحصل له التعب الجسدي بعضُهم يحصل له التعب الفكري وبعضُهم يحصُل له التعب الجسدي والفكري معا فتنكسر قوّتُه فينعس فينام، لماذا تتلذذ أيضًا نمتَ في الدنيا؟ لأنك محتاجٌ للنوم أما الجنة ليس فيها ما يُزعج ولا ما يؤذي ولا ما يُقلِق ولا ما يُتعب لا في الخاطر ولا في البدن فلا نعاسَ هناك، يعني لا سبيل للنعاس إلى قلوبِهم لأنّ قلوبَهم عامرة بالفرح والأنوار والملذات فلا يجد النعاس سبيلًا إلى قلوبِهم، إذا ما كان يوجد نعاس يعني لا يوجد نوم النوم أنت تحتاجُه في الدنيا أما هناك في كل لحظة هم في همةٍ ونشاط وفرح ولذات ونعيم مِن أينَ يحصل لهم النوم ومن أين يأتيهم النعاس أو التعب أو النغص أو الصداع أو الألم؟ هذا لا وجودَ له في الجنة بل نعيمٌ دائمٌ إلى غير نهاية إلى أبد الآبدين.
هذا بعض الشىء من نعيم الجنة، النعيم العام الذي تكلّمنا عنه أولًا لكل أهل الجنة، نعيم خاص للرسل والأنبياء وأعلى الأولياء ثم لمَن بعدهم من الأولياء ثم الأتقياء الغير أولياء ثم لعامة المسلمين، وهذا الحديث القدسي الذي مر معنا دليلٌ على ذلك، الله يقول [[ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشر]]
يعني حتى رضوان عليه السلام خازن الجنة الذي هو في الجنة الآن لم يطّلع على كلّ أنواعِ وتفاصيل النعيم الذي أعدَّه الله للأتقياء والأنبياء والرسل في الجنة بل اطّلع على كثير من النعيم وعلى الكثير من الأنواع لكنْ هناك الكثير من النعيم الخاص حتى رضوان لم يطّلع عليه، حتى الملائكة الذين هم في الجنة لم يطّلعوا عليه، حتى الحور العين، الولدان المخلدين الذين هم في الجنة لا يعرفونَ كل هذه التفاصيل التي جعلها اللهُ خاصة بالأنبياء والرسل والأولياء، هناك في القيامة لما يدخل أهل الجنة إلى الجنة لهم أشياء عظيمة وكثيرة من النعيم ما لا يخطر لنا على بال ونحن هنا الآن في الدنيا، تخيّلوا معي من بداية الدنيا إلى الآن كم مرّ فيها من النعيم؟ والناسُ يتناقلون أخبارَ النعيم مع ذلك الله قال [[ولا خطر على قلب بشر]] يعني شىءٌ لم نطّلع عليه ولم يخطر على قلوبِنا، لذلك البطل العاقل الذكي الكيّس هو الذي يتقي اللهَ ويعمل ويجتهد ليصير من الصالحين من الأتقياء الأولياء فيكون من أصحاب النعيم الخاص الذي جعله اللهُ خاصا للأولياء في الجنة، والجنةُ تستحق أنْ يُعملَ لها تستحق أنْ يُتعَبَ لها بالثبات على الإسلام بتجنب الكفريات بالثبات على عقيدة أهل السنة بالقيام بالواجبات باجتناب المحرّمات بالإكثار من الطاعات بالمجاهدةِ والمكافحةِ خدمةً للدين ودفاعًا عن الدين وردًّا للضالين ودفعًا لشُبُهات المشبهة والمجسمة والممَوِّهين الذين ينشرون الضلالات بين الناس، الجنة تستحق أنْ يُتعَبَ لها، كم ستعيشونَ في هذه الدنيا؟ مائة سنة؟ ألف سنة؟ الجنة لا نهايةَ لها، ماذا تكون ألف سنة في الدنيا بالنسبة لخلود أبدي إلى غير نهاية في الجنة، هذه الألف سنة في الدنيا كلا شىء بالنسبة للخلود الأبدي في النعيم في الجنة فلو عشتم إلى ألف سنة في الدنيا –أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم قصيرة لكن في الأمم الماضية حصل كما قلتُ لكم- أما في الدنيا الآن لو عشتم إلى ألفِ سنة في التعب والتحمل والمرض والمشقات والتهديدات والمخاطر والإشاعات والافتراءات والأكاذيب والأباطيل والأراجيف وأنتم ثابتون على الحق صابرون على الطاعة متمسكون بالإسلام متجنّبونَ للكفريات والمعاصي كل هذه الألف سنة تنسَوْنَ التعبَ فيها أمامَ قولِ الملَكِ لكم عند الموت أبشِر برحمةِ اللهِ ورضوانِه، إذا كان عند سماعِكم لهذه الكلمة المباركة تنسَوْنَ تعب الألف سنة في الدنيا فكيف عند دخولِكم الجنة؟ فكيف بحصولِكم على ذلك النعيم العظيم الذي أعدّه اللهُ للأولياء وللصالحين في الجنة؟
الإنسانُ التقي الصالح يثبُت ويعمل لأنه يعرف أنّ هذه الدنيا لا قيمةَ لها، هذا فلان التقي فلانٌ الصالح كان يعمل كأنّ الجنةَ أمامَ عينيه من شدةِ اليقين كحارثة رضي الله عنه قال “وكأني بأهلِ الجنةِ يتزاورونَ فيها” معناه من شدةِ اليقين كأنه يراهم.
إذًا يا إخواني اثبتوا على الحق لو مع التعب في الدنيا، من يوجد في الدنيا لا يتعب؟ حتى الكفار الملوك الأغنياء يتعبون أنتم إنْ كنتم على الإيمان فتعِبتُم وصبرتُم الأجر عظيم ثم السعادة الأبدية في الجنة حيث السعادة التي لا انتهاء لها والنعيم الذي لا انقضاءَ له، فالبطل هو الذي يؤثرُ الآخرة على الدنيا.
اجعل همكَ همًّا واحدًا وهو أنْ تربحَ الآخرة، اجعل همك همًّا واحدًا وهو أنْ تكون من الأتقياء الصلحاء من أهل الجنة من أهل السعادة من أهل الفرح في الآخرة ولا تلتفت إلى الدنيا ولا إلى متاعبِها الدنيا كالراحلة إنْ ركِبْتَها أوصلَتْكَ وإنْ ركِبًتْكَ قتَلَتْكَ وقصَمَتْ ظهرَك ودقّت عنقَك فاحذر أنْ تركبَكَ وكن أنت راكبًا لها كالراحلة وتستعمل هذه الدنيا فيما ينفعُك وتحذر ما يضرُّك وتثبت على الإيمان والطاعة إلى الرحيل عن هذه الدنيا، فاتّخِذْها كالراحلة بل كن في الدنيا مع الدنيا كما أنك مع النار في بيتِك، كيف هذا؟ كيف تتعامل مع النار في بيتِك؟ تأخذ منها ما ينفعُك تسخّن الماء تغتسل تطبخ عليها تحصّل منافع كثيرة بهذه النار، تتوضأ بالماء الساخن في الشتاء والثلج والبرد تعمل كذا وكذا لها فوائد كثيرة، إذًا كيف تُعامل النار في بيتِك؟ بكل حذر، تأخذ منها ما ينفعك وتحذر كلَّ الحذر من أنْ تُحرِقَ أو تُحرِقَ أولادَكَ أو بيتَك والدنيا ضررُها أعظم إن اتّبَعْتَها وعصيتَ ربَّك وبِعتَ الآخرة وخسِرْتَ الآخرة لأجل الدنيا أهلكتَ نفسَك وكان ضرر الدنيا عليك أعظم من ضرر النار عليك لأنك إذا احترقتَ بدونَ قصدٍ منك فصبرتَ فمتَّ كنتَ شهيدًا.
قال سيدُنا الإمام الحسن رحمه الله “ولقد رأينا أقوامًا طلبوا الآخرة فرَبِحوها ومعها الدنيا –أخلصوا وصدقوا وطلبوا الآخرة ببركةِ صدقِهم وإخلاصِهم ربِحوا الآخرة وجاءتهم الدنيا تحت أقدامِهم- وأدركْنا أقوامًا طلبوا الدنيا –يعني تركوا الآخرة لم يعملوا لها باعوها اشتروا الدنيا- فخسروها ومعها الآخرة”
كونوا من الصنف الأول من الأذكياء الذين يطلبون الآخرة بصدقٍ وإخلاص بخشوعٍ وثبات بهذا تربحون الدنيا والآخرة.
ختم الله لي ولكم بالصلاح والولاية
والحمد لله رب العالمين