السبت يوليو 27, 2024

مجلس كتاب “سمعت الشيخ يقول” 121

 

إنّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كان عنه مسؤولًا

 

قال فضيلة الشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني غفر الله له ولوالديه ومشايخه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدِنا محمد النبي الأمي العالي القدر العظيم الجاه وعلى آلِه وصحبِه ومَن والاه

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه  وخليلُه صلى الله عليه وسلم وشرّف وبارك وكرّم وعظّم وعلى جميعِ إخوانِه من النبيين والمرسلين ورضي الله عن جميعِ الأولياء والصالحين.

 

*قال الإمام الهرري رضي الله عنه وأرضاه: ويبقى عليه حسابٌ آخر عن الصلاة يُسأل وعن الزكاة إنْ كان عندَه مال وعن الصيام وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

(يعني الإنسان الذي تكلمنا عنه في درس الأمس الذي دخل  في المعاملات الباطلة المحرّمة المخالفة للشريعة وأكل المال بالحرام وتسلط على أموالِ الناس ظلمًا وبغيًا وعدوانًا هذا يُحاسَب على المال الذي أكله بالحرام وعن الطريقة التي دخل فيها وهناك حسابٌ أيضًا على أشياء أخرى عن الصلاة مثلًا هل صلّى أم ترك الصلاة، هل زكّى إن كانت وجبَت عليه ولم يُزَكِّ هذا أمرُه خطير ويكون عرّض نفسَه لغضب الله.

فإن كان أكل أموالَ الناسِ بالباطل هذه كبيرة وإن كان تاركًا للصلاة كبيرة ثانية وإن كانت الزكاة وجبتْ عليه وتركها كبيرة ثالثة، هكذا إن كان ترك الحج وكان مستطيعًا إلى أنْ مات ما حجّ وهو مستطيع لأنه ترك هذا الفرض هذا الواجب، هكذا في بقية الأمور والقضايا.

لذلك العاقل يُسرع ويُعَجِّل إلى تنفيذِ ما أمرَ اللهُ به، إذا كان مثلًا حجّ وترك الصلوات المكتوبة هذا لا يكون أدّى كل ما فرضَه الله إنما أدّى شيئًا مما فرضَ الله عليه. هو مستطيع حجّ لكنْ ترك الصلوات صلّى وترك صيام شهر رمضان وقد وجب عليه الصيام، هذا يكون أدّى بعض الفرائض وترك البعض فهذا لا يكونُ ناجيًا ولا يكون تقيًّا. ثم الإنسان لينظر إذا كان أدّى الفرائض في المقابل أيضًا هل اجتنب المحرّمات؟ مثلًا هذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل هذا من المحرمات، الذي يضربُ أمَّه ظلمًا وعدوانًا هذا من الموبِقات من عقوقِ الوالدين، كذلك الإنسان الذي كان يسرق وأخذ أموال الناس بالسرقة بالنهب بالاحتيال هذا يبقى في ذمّتِه عليه أنْ يرُدَّ لهم تلك الأموال.

بعض التجار اليوم يفرحون إذا كثُرَ المال في أيديهم لكنْ لا ينظرون أنّ الطريقَ الذي حصّلوا منه المال طريقٌ محرّم بل بعضُهم لا يبالي، وقد يُنصح ولا يلتفت والعياذ بالله تعالى.

فهذا لا يفرح أن المالَ صار كثيرًا في يدِه، هناك معاملات قد يكون المال دخل في مُلكِه نعم في بعض الصور، في بعض المعاملات المال صار ملكًا له لكنْ مع المعصية، مع الذم، مع الكبيرة أحيانًا حسب بعض المعاملات.

وهناك معاملات أخرى المال لا يصيرُ ملكًا له ما دخلَ في ملكِه يعني يبقى مُطالَبًا بأنْ يرُدَّ هذا المال للذين أخذه منهم ذمّتُه تبقى مشغولة لو ذهب إلى الحج هذا لا يسقط عنه. مثلًا الإنسان الذي كان يأكل المال بالباطل أخذ مالًا مسروقًا من تاجر آخر، واحد يعمل في التجارة، تاجر آخر أخذ مالًا بالسرقة يعني ما دخلَ في مُلكِه جاء إليك أنت جارُه في المحل في الدكان في المنطقة في السوق وأنت تعرف أنه يسرق ويأتي بهذه البضائع وهي ما دخلَت في مُلكِه، أنت لو صورةً عملتَ طريقة البيع والشراء معه ما دخلت في مُلكِك أيضًا، يعني أنت مُطالَبٌ أنْ تردَّ هذا المال للذين سرقَه منهم، هذا المال ما صار ملكًا لك، فلو مرّ عشرون سنة على هذه العملية وذهبت إلى الحج وتصلي وتعلمتَ الفرض العيني وتأتي إلى الجامع لكنْ ذمّتك لا زالت مشغولة، هذا المال أنت مُطالَبٌ به عليك بردِّه لمَن سُرِقَ منهم ولو لم تكن أنت مَن سرقتَ مباشرةً لكنْ أخذتَ من السارق لو بصورة البيع والشراء، ليس بيعًا وشراءً صحيحًا، هذا لا يجوز ولا يدخل في مُلكِكَ وحرام وهذا تشجيعٌ له على السرقة وذمّتُك ما زالت مشغولة إلى أنْ تردّ هذا المال ليس لصديقِك السارق التاجر إنما للذين هو سرقَ منهم أو أخذ منهم بطريقة الاحتيال، فأنت عليك أنْ تردّ هذا المال لهم، لا تقل صار لها ثلاثين سنة أو أكثر، لا زالت بذمتِك، لو رحتَ إلى الحج ثلاث مرات لا زالت في ذمتِك، الذي يُسقِطُه عنك الحج هو ما بينك وبين الله من الذنوب والمعاصي أما حقوق بني آدم تبقى في ذمتك.

وهناك أمور أخرى تبقى في ذمتِك كقضاء الصلوات هذا لا يُسقِطُه الحج، ومثل قضاء الزكاة كأن يكون واحدًا ميسورًا معه مال عنده عقارات اشتراها بنية التجارة عنده ذهب وجبَت فيه الزكاة عنده أموال وجبتْ فيها الزكاة مرّت سنة لم يُزَكِّ مرّت السنة الثانية لم يُزكِّ مرت الثالثة والرابعة أو أكثر لم يُزَكِّ هذا صار مُطالَبًا أنْ يُزَكّي عن هذه السنوات التي لم يُزَكِّ بها كل هذه السنين هذا كله يبقى في ذمتِه عليه أنْ يؤَدّيَها، لو راح إلى الحج ورجع هذه الزكاة تبقى في ذمتِه يُسأل عنه وذمّته مشغولة بذلك والحج لا يُسقِطُه، هذا حقٌّ للفقراء اللهُ جعله في مالك.

لو رحتَ إلى الحج ورجعت أنت من ناحية تستفيد لكنْ من ناحية ثانية هذه الأمور لا تسقط عنك كقضاء الصلاة كقضاء الصيام قضاء الزكاة كل هذا عليك أنْ تقضيه، وكذلك حقوق بني آدم تبِعات ومظالم الناس هذا يبقى في ذمتِك.

أما لو واحد كان وقع في بعض الكبائر لكنْ ليس من هذا القبيل وليس مما فيه حقوق وتبعات وأموال لبني آدم، وقع في بعض الكبائر وفي بعض الصغائر هذا الذي يذهب عنه بالحج كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي في البخاري وغيره، قال عليه الصلاة والسلام [مَن حجّ فلم يرفُثْ ولم يفسُق خرجَ من ذنوبِه كيومَ ولدَتْهُ أمُّه]

يعني تلك الذنوب مُحِيَت عنه أما ما كان من قضاء صلاة وصيام وزكاة وحج وتبِعات وحقوق الناس وحق زوجة له كالمهر مثلًا أو كان أخذ من مالِها وقال لها أُرجِعُه لكِ أو اقترضَ منها هذا يبقى في ذمتِه لو هي زوجتُه هذا لا يسقط بالحج بل عليه أنْ يردَّ لها هذا المال.

بعض الناس الجهال يظنون اليوم أنّ المهر الذي لهذه المرأة التي هو تزوّجها انمحى لأنها صارت زوجته، هذا ليس صحيحًا هذا ملكها وحقّها وهو مطالَبٌ بأنْ يدفعَ لها المهر، هذا يبقى في ذمتِه، وكثير من الناس لا يدفعون هذا المهر لزوجاتِهم فيموت هذا الزوج فيكون ثبت لها المهر والإرث، المهر الذي لها عليه هذا بمعنى الديْن، لو مات وعليه ديون أليست هذه الديون قبل أنْ تُقسَّم الترِكة تُدفَع هذه الديون لأصحابِها؟ بلى، لو عليه زكوات لو عليه كفارات ونذور لو عليه أجر حج  وعمرة وكان هو مستطيعًا ووجبت عليه ولم يحج كل هذا يُخرَج من التركة قبل أنْ تُقَسَّم، كذلك الوصايا على حسب ما أذِن به الشرع ثم بعد هذا تُقَسَّم الترِكة.

يعني أمه وأبوه لا يفرحا أنه ترك مالًا ومات عنده مالًا كثيرًا ومهر زوجته كبير ولم يدفعه لها، قد يكون مهرَها مثلًا خمسين ألف دولار، يعطونَها المهر وهذا من جملة الديون التي عليه قبل أنْ تُقَسّم التركة، أجر حجة وعمرة تُخرَج قبل أنْ تُقَسَّم التركة، فلا يقولون هو ترك خمسين ألف دولار نتقاسمهم بيننا، هذا يُدفَع أولًا لأصحاب الديون.

فهذه الزوجة ثبت لها في ذمة زوجِها أولًا المهر ثم لها حصة في الإرث، فتأخذ الدين الذي لها وهو المهر وتأخذ حصتها من التركة.

ثم كم من الرجال الذين يموتون ولا يدفعون لزوجاتِهم المهور ولا يقولون لأهلِهم، يعرف هو مثلًا أنّ أباه ظالم وأخاه ظالم ولن يدفعوا لها مهرَها ويسكت ليضيعَ عليها الحق هذا في ذمتِه، هذا كالذي كان في حالٍ خطرة وهو يُنازع ويموت وللناس عليه حقوق تضيع بموتِه وهو قادر أنْ يوصي ويبيّن وينبّه فتضيع هذه الحقوق، سكوتُه هذا فيه معصية يعني هذا الزوج في هذه الصورة والحالة عليه ذنبٌ ومعصية لأنه سكت ليُضيِّع حقَّ زوجتِه التي لها عليه، ما قال لأبيه الظالم يا أبي انتبه هذه زوجتي لها عليّ حقوق ولم أدفع لها مهرَها ادفع أنت هذا مالها، برِّئوا لي ذمتي هذا المال موجود، يا أخي هذا المال ادفع لها منه المهر، يترك هذا الأمر وهؤلاء الظلّام يعلمون أنه لم يدفع لها المهر.

وقلت البارحة وقبل البارحة أنّ هناك أناسٌ لا يُوَرِّثون أختهم، مات أبوهم وترك نساء ورجال ويقولون نحن لا نوَرّث النساء، أنتم مَن إذا كان اللهُ أعطاها حقها {للذكرِ مثلُ حظِّ الأنثَيَيْن}-سورة النساء/11- أنت تقول لا أوَرّث أختي ولا المرأة؟ الله تعالى أعطاها حقا في ذلك فمن أنت يا جهول يا غشوم؟

من الناس مَن يضيّعون بعض الواجبات، فإذا كنتَ أنت أدّيتَ بعض الواجبات وتركت البعض هذا لا يدلُّ على أنك تقيًّا.

إذا أدّيتَ الواجبات كلَّها لكنْ من ناحية ثانية انغمستَ بالمحرمات كالزنا كشرب الخمر كأكل الربا كالظلم كأكل حق الزوجة وأكل حقوق الناس والسرقات التي أخذتَها أنت قلتُ لك ما دخل في مُلكِكَ هو في ذمتِك عليك أنْ تؤدّيه وأنت مسؤول عنه وهذا لا يسقط بالحج.

هذه المسائل ينبغي أنْ تُروَّج وتُنشَر بين الناس لأن كثيرًا من الجهال يقعون في ذلك. بعض الجهال يأخذون المال المسروق فيقولون نذهب إلى الحج، لو رحتَ عشرين مرة إلى الحج هذا يبقى في ذمتك. بعضهم يترك الصلوات يصير عمره ستون عامًا يقول أذهب إلى الحج، لو رحت على الحج هذا القضاء يبقى في ذمتك بدليل أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام وكما روى البخاري والحافظ ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال [مَن نام عن صلاةٍ أو نسيَها فليُصلِّها إذا ذكرها لا كفارةَ لها إلا ذلك] يعني لا بالحج ولا بالتصدق على الفقراء ولا أنْ تعمرَ جامعًا هذا يبقى في ذمتِك، لا كفارة لها إلا القضاء.

انتبهوا لهذه النواحي ولهذه المسائل، أما بعض الذنوب الكبائر والصغائر التي ليست من هذا القبيل فهذه قد يغفرها اللهُ لك ببعض الأعمال الصالحة وقد يغفرُها لك بالاستغفار بالوضوء بالصلاة قد يغفرها لك بالتصدق على الفقراء قد يغفرها بقول لا حول ولا قوة إلا بالله، قد يغفرها لك بقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيوم، هذا حتى الكبائر ليس فقط الصغائر، إذا كان بعض الكبائر تُغفَر بهذا اللفظ.

قال عليه الصلاة والسلام [مَن قال أستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإنْ كان قد فرّ من الزحف]

الفرار من الزحف هو من كبائر الذنوب من الموبقات، بل عدّها الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث من السبع الموبِقات أي المُهلِكات، كل واحدة من هذه الذنوب بمفردِه يكونُ مُهلِكًا لمَن ارتكبه ويستحق أن يُعذَّبَ في جهنم، انظروا هذا الذنب العظيم الكبير الرسول عليه الصلاة والسلام يقول بأنه يُغفَر لك بقول أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيوم وأتوب إليه، على أنّ مِن فضل الله ورحمته مَن مات من المسلمين مُجتنِبًا الكبائر الصغائر التي هي عليه لا يُعذَّب عليها، لا في القبر ولا في مواقف القيامة ولا في جهنم على هذه الصغائر والدليل على ذلك من القرآن {إنْ تجتنبوا كبآئرَ ما تُنْهَونَ عنه نُكَفِّرْ عنكم سيّئاتِكم}-سورة النساء/31-

الآن قد يأتي أخرق أحمق فيقول هذا الكلام يشجّع على فعل المعاصي، يقال له كذبتَ افتريتَ أنت ضعيف الفهم لأنها لو كانت تشجع على فعل المعاصي كيف أنزلها اللهُ قرآنًا؟ هل القرآن يشجع على المعاصي؟ حاشا، هل القرآن يحمّس ويشجع على المعاصي حتى الصغائر؟ حاشا، لا للصغائر ولا للكبائر، إذا كان هذا لا يشجع على الصغائر كيف تقول نحن نشجع على الصغائر؟ نقول له كذبتَ نحن لا نشجع على الصغائر نحن نقول التوبةُ واجبة فورًا من الكبائر والصغائر وفي كتاب شيخِنا في آخر فصل من كتاب البغية وفي شرحه يقول “تجب التوبةُ فورًا من الكبائر والصغائر” كما تجب من الكبائر تجب من الصغائر ويقول فورًا، هذا الذي نحن نقولهُ لكنْ هذا حكم شرع نحن نبيّنه، الله ما أنزل هذا الدين ليُدفَن وما أنزل الشرع ليُدفَن إنما ليعلم الناس ويعلموا به، الله أنزل الشرع لأجل أنْ يُشهر ويُعلّم للناس ويُعمل به، بل على العكس هذا لا يشجع على الصغائر بل على الاستغفار والتوبة والطاعات ويشجع على الإقبال إلى العبادات لأنّ الإنسان منا قد يقع في الكبائر والصغائر نحن لسنا ملائكة نحن بشر عوام وأكثر المسلمين ليسوا أتقياء، إذا كان الشيخ رحمه الله من أكثر خمسة عشر سنة أنا سمعته يقول اليوم قد تجد في كل مليون من المسلمين قد تجد تقيًّا واحدًا وقد لا تجد، يعني حال أكثر الناس ليسوا أتقياء، فقد يقع في الصغيرة وقد يقع في الكبيرة، والنبي يقول “مَن قال أستغفرُ اللهَ الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيوم وأتوبُ إليه غُفرَ له وإنْ كان قد فرّ من الزحف” فهل نقول هذا تشجيع على المعصية أم تشجيعٌ على فعل الطاعات؟ تشجيعٌ على الاستغفار وفعل الطاعات والوضوء والصلاة والعبادات على هذا تشجيع ليس على فعل المعاصي.

ثم إنّ اللهَ تعالى هو  أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين أليس غفر لهذا الذي من بني إسرائيل الذي قتل مائةَ نفس وهذه ليست معصية صغيرة ما نظر نظرة محرمة ما عمل مقدمات الزنا أو مقدمات السب يعني أشياء دون الكبائر، بل قتل مائة نفس، ثم ورد في الحديث أنّ هذا الرجل ذهب إلى عابد ليس عالمًا يتعبد بلا علم، قال له أنا قتلتُ تسعًا وتسعون نفسًا هل لي من توبة؟ قال لا، قتله كمّل به المائة، هذا الذي أفتى بدون علم فتواه كانت سببًا بقتله هو وجرأت هذا الإنسان على كبيرة زيادة على ما هو عليه، صاروا مائة، فسأل قال دلّوني على أعلمِ أهل الأرض، دلّوه على واحد من أهل العلم قال له أنا قتلتُ مائة نفس هل لي من توبة؟ قال نعم ومَن يحولُ بينك وبينها؟ هذا كلام أهل العلم، ثم قال اذهب إلى أرض كذا فإنّ فيها أناس صالحين تكون معهم، ذهب الرجل وقد عزم التوبة صمّم في قلبه جزم أقلع قصد الأرض التي هي أرض التوبة التي فيها الصالحين ليكون معهم، مشى فلما انتصف الطريق مات قبل أن يصل إلى تلك الأرض، فجاءت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، هؤلاء قالوا هو إلى أرض المعصية أقرب نحن نأخذُه وهؤلاء قالوا جاء تائبًا نحن نأخذُه فأوْحى اللهُ تعالى إليهم أنْ يحَكّموا واحدًا منهم بينهم، فأوْحى اللهُ لأرض الذنب والمعصية أنْ تباعَدي وإلى أرض التوبة أنْ اقتربي منه، فقال لهم هذا الملَك قيسوه إلى أيّ الأرضين أقرب فهو لها، ربّي أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، طلع أقرب إلى أرض التوبة شبر فأخذته ملائكة الرحمة، هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرَنا عنه فهل يكون الرسول مشجعًا على القتل بغير حق؟ حاشا، هل الرسول يشجع على الكبائر والفسوق والفجور؟ حاشا، لأنّ قتل النفس التي حرّم اللهُ إلا بالحق أكبر الكبائر بعد الكفر فهل يتجرأ خبيث أنْ يقول الرسول في هذا الحديث يشجع على القتل بغير حق؟ حاشا، هذا شرع يشجع الناس على التوبة ويرغّب الناس بها.

فلذلك يا إخواني ويا أخواتي الإنسان مُحاسَبٌ يوم القيامة عن هذه الصلاة هل أديتَ الزكاة إنْ كانت وجبت عليك هل حجَجتَ إن كنتَ مستطيعًا هل صمتَ  رمضان إن كان الصيام فرضًا عليك، سيُسأل عن الفرائض وسيُسأل عن المحرمات لم فعلتَ كذا لم ارتكبتَ كذا، فالإنسان له عدة مواقف يوم القيامة سيُسأل ويُحاسَب عنها ذلك اليوم)

 

*يقول رحمه الله: يُقال له لمَ لم تأمربالمعروف مَن كنتَ ترجو أنه يسمع

(هذا من جملة الواجبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليسأل كل واحد منا نفسهَ وأنا أنبّه نفسي وأنبّهكم اليوم قد يكون الواحد تعلم الفرض العيني وهو من أهل الحق وحبيبنا وعلى رأسنا وعيننا ونحبه لكنْ عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد وجب عليه ذلك هل قام بهذا الواجب؟ ليسأل نفسَه إن كان قصّر معناه ترك واجبًا وسيُسأل عن هذا يوم القيامة.

يعني لو كان الواحد مثلًا في دكانه أو في النزهة ورأى منكرًا لا يقل اليوم عطلة فيترك إنكار المنكر، هذا عمل أعمى القلب، في الطائرة والباخرة في السيارة والقطار مشي والجبل يوم الأحد وفي الوظيفة وفي بيت أخيك وفي بيت أختك وبيت أهلك رأيتَ منكرًا وفي الشارع في الطريق وأنت قادرٌ على الإنكار والذين فعلوا منكر هذا يقبل منك وهذا يخاف منك وهذا يحبك وهذا يُسايرك وأنت قادر، لم لم تُنكر؟ يعني أنت ضيّعتَ واجبًا، كل واحد يسأل نفسَه، ليست العبرة أنك تظن بنفسك التقوى والصلاح وأنا طيب وتقي، لا تكن مغرورًا بحيث يضحك عليك الشيطان يزيّن لك أنك تقيّا وأنت تترك الواجبات الفرائض تترك إنكار المنكرات، لو قرأتَ أورادًا من الفجر إلى الفجر وتارك الفرائض لستَ تقيًّا، ليس وردًا واحدًا أوراد، ومن المغرب إلى المغرب تشتغل بالأوراد وأنت تترك واجبًا لستَ تقيًّا.

أحيانًا قد تجد من أهلك في بيتك من زوجتك وهي تشتغل بالغيبة هل نهيْتَها؟ لعلها تغتاب أختك أو أختها أو الجيران أو تغتاب الكندرجي والفحام واللحام والناطور المسلم، مَن قال لك أن لكم أنْ تغتابوه لعله أفضل مني ومنك عند الله، ليس لأنه ناطور وأنت تشرب الأركيلة وزوجتك تشتغل بالغيبة وأنت تضحك وتبتسم لها، ما هذه الجلسة؟ جلسة معاصي وذنوب، اتقِ الله وقل لها إياك توبي إلى الله وإياك أنْ ترجعي إلى غيبة فلان أو غيبة فلانة.

كثير يحصل في البيوت غيبة والزوج يسكت، غيبة من الزوج والزوجة تسكت، لو كان زوجكِ عليك أنْ تنهيه عن المنكر، وقد تكون الغيبة من الأولاد من البنات يمكن يغتابون أولاد عمهم أو خالتهم وهذا يحصل أحيانًا، لا تضحك لهم وتقول أنا أبوكم وتصفق لهم وتضحك إنما تنهاهم.

يقال لهذا الذي ترك إنكار المنكر لماذا لم تُنكر المنكر لماذا تركتَ هذا الفرض هذا الواجب، وكان قادرًا على ذلك.

مطلوب هذا العمل العظيم والشرف الكبير أنْ يقوى بيننا ولا سيّما إنكار الكفريات، وكل المنكر، لكنْ الكفريات أمرُها أخطر بكثير لأنّ الذي يموت على الكفر يخَلّد في النار إلى أبد الآبدين، واليوم للأسف كثير من الناس تركوا إنكار المنكرات وقد قال صلى الله عليه وسلم [إنّ الناس إذا رأوا المنكرَ فلم يغَيّروه أوشك أنْ يعُمَّهم اللهُ بعقاب] رواه الإمام أحمد.

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول [ليس منا مَن لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر] ليس منا في هذا الموضع يعني ليس من أتقيائِنا ليس على طريقتِنا ليس من صالحِنا ليس ملتزمًا بشرعِنا التزامًا كاملًا

إذًا أين أنتم في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الكفريات والمنكرات، لذلك يا إخواني ويا أخواتي هذا عمل عظيم من عمل الأنبياء والأولياء والصلَحاء، إنكار المنكرات.

كم وكم من الناس اليوم تكاسلوا عن هذا الفرض عن هذا الواجب فانتشرت المنكرات وتوسّعت بين الناس وهذا خطر عظيم لأنه يُدمّر العائلات والأسَر ويجرّ الناس إلى أنْ يقلِّدَ بعضُهم بعضًا في فعل المنكرات وأنْ يمشوا مع أهل التشبيه والتجسيم والحلول والاتحاد والاعتزال وما شابه.

لذلك إنكار المنكرات من أفرض الفروض ومن أعظم الأعمال ومن أطيب العبادات فلا تقصّروا.

الإمام أحمد رضي الله عنه سُئل قيل له هذا يقوم الليل ويصوم النهار ويختم ويتهجد ويفعل ويفعل وهذا يحذّر -من أهل البدع الاعتقادية المنكَرة العقائد الفاسدة المحرّفة لعقيدة أهل السنة، هذا الشاب يحذّر من العقائد الباطلة- أيهما أحب إليك؟ قال: هذا إنما يعملُ لنفسِه –الذي يختم القرآن ويقوم الليل ويصوم النهار ويتهجد، بارك الله به لكنْ بشرط أنْ لا يكونَ تاركًا لواجب ويكون يعمل لنفسه- قال وأما هذا فإنما يعمل للأمة –يعني الذي يحذّر من المنكرات والعقائد الفاسدة هذا يعمل للأمة هذا أحب إليّ.

هذا الذي يقيس الأمور بمقياس الشرع الشريف، لذلك ورد عن بعض الأئمة الكبار كأبي علي الدقاق رضي الله عنه “الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس”

وكما ورد في الأثر “إذا ظهرت البدعُ وسكتَ العالِمُ لعنه الله” عالمٌ وملعون، البدع هنا يعني العقائد الفاسدة الخبيثة المخالفة للقرآن لعقيدة أهل السنة، إذا ظهرت وسكت العالم صار ملعونًا عند الله)

 

*ويقال له لمَ  لم تنهَ عن المنكر مَن كنتَ ترجو أن يسمعَ كلامَك ينتهي إن نهيْتَه وعن أعمال القلوب وأعمال العين وأعمال اليد وأعمال الرِّجل. الآخرةُ أمرُها شديد.

(هناك شىء يقال له الواجبات القلبية هذا على كل مكلف أنْ يحافظ عليها، وشىء يقال له معاصي القلب معاصي الأذن معاصي اللسان معاصي اليد معاصي البطن معاصي الفرج معاصي الفرج، عليه أنْ يتجنَّبَها، الله قال في القرآن {إنّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كان عنه مسؤولًا}-سورة الإسراء/36-

هذه إشارة، هذه الأعضاء الثلاثة التي ذُكرَت في الآية السمع والبصر والفؤاد القلب، هذا العضو الصنوبري الشكل، هذه الجوارح الثلاثة التي ذُكرَت في هذه الآية ليست هي فقط التي عليها مسؤوليات ومحرمات إنما هذه إشارة لبقية جوارح وأعضاء البدن أي أنك مسؤول عن هذه الجوارح وعن بقية جوارِحِك وأعضاء جسدِك وبدنِك.

أنت يوم القيامة مسؤولٌ عن هذه الجوارح والأعضاء وهذه رد على جهَلاء العصر الذين يقولون يجوز التبرع بالأعضاء ويجوز توصّي بالتبرع بها بعد الموت أو أثناء الحياة أو بما يسمى بيعَها، هؤلاء جهَلاء كأنهم يتكلمون عن الكرسي والكنبة، أما رجلك وقلبك ويدك وعينك هذه ليست ملكًا لك ولا دخلت في ملككَ ولا تستطيع وهبهم ولا بيعهم لأحد ولا يصح ولا يجوز.

النبي عليه الصلاة والسلام قال [إنّ حرمةَ المؤمن أعظم عند الله من الكعبة]

كيف بعدما يموت المسلم يقطعونَه ويأخذوا عينه وقلبه وأعضاء وهذا بعد موته حرام فكيف في حياتِه؟

 وقال صلى الله عليه وسلم [كسر عظمِ الميت ككسرِه حيًّا] هذا الميت له حرمتُه كما كان في حياته، فهذا الإنسان المسلم تأتي أنت بعد موتِه وتقول نقطّعه كقطع غيار السيارات؟ المسلم لا أنت تستطيع بيعه وتشتري من أعضائه ولا هو نفسه لأنه لا يملك عين نفسه ولا يد نفسه هذه ليست ملكًا له، الله تفضّل عليك بهذه النعمة وجعل عليك مسؤوليات فيها.

لماذا يوجد معاصي اليد ومعاصي الرجل ومعاصي العين؟ أنت لا تملك هذه الجوارح.

يقول القاضي زكريا الأنصاري وكثير غيره “لا يجوز أنْ يؤخذَ من عظم الإنسان لجبر عظم إنسان آخر قد كُسر”

إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال [لعن اللهُ الواصلةَ والمُستوْصلة] إذا كان هذا في الشعر فكيف الذي يأخذ يد وعين وقلب وكلوة وما شابه؟ هذا حرام لا يجوز، هذه الأعضاء والجوارح أنت مسؤول عنها.

وهذا الآية ترد على هؤلاء الجهَلاء الذين قالوا ببيع الأعضاء، أو قد يقولون تبرع، حتى هذا لا يجوز ولا يصح ولا يدخل في ملكهم لأنّ هذه الأعضاء والجوارح لا أنت تملكها ولا أمك ولا أبوك.

على زعمِهم لما يموت يأتوا إلى زوجتهِ وهي توقّع لهم عملية نقل الأعضاء وأخذها والتبرع بها، أتظنين أنه حذاء من أحذيتك؟ أو فستان من فساتينك بالخزانة وتقولي لهم خذوه؟ هذا ليس ملكًا لكِ يا جاهلة لو كنتِ زوجته أو أمه لا تملكيه ولا أمه تملكه ولا أبوه، مَن أنتِ اليوم لو طلقكِ بالثلاث تذهبين لبيت أمك صرتِ تريدين الإمضاء لهم ليقطعونَه كالخروف؟ أيّ جهلٍ هذا؟

[إنّ حرمةَ المؤمن أعظمُ عند اللهِ من الكعبة] هكذا في الحديث والحديث الآخر [كسر عظم الميت ككسرِه حيًّا] وهذا يدخل فيه ما يفعله بعض حفاري القبور الجهلاء يكون واحد دفنوه من سنة أو سنة ونصف أو سنتين يموت واحد ثاني من نفس العيلة يرون الأول معظم جسده لا زال موجودًا العظام الكبيرة القفص الصدري الفخذ الرأس اليدين ما زالت موجودة أو ربما لحم وعظم لا زال موجودًا، يكسّرونَه ويجمعونَه ويضعونه في زاوية القبر وينزلون الجديد عليه، هذا حرام لا يجوز.

العلماء شبّه في هذه القضية بواحد مسلم نائم في بيته في غرفة نومه قد يكون بحالة خاصة أو نزع ثيابه عن جسده، يأتي ناس من الشارع يخلعون عليه الباب ويدخلون فجأةً، هل هذا يجوز؟ لا يجوز، هذا فيه انتهاك لحرمة المؤمن، في حياته هذا حرام فكيف يُفعَل هذا به بعد موتِه؟ [إنّ حرمةَ المؤمن أعظمُ عند الله من الكعبة] وكسرُ عظمِ الميت هذا عند الله حرام من الكبائر، هذا ككسرِه حيّا.

انتبهوا لا زوجته ولا أمه ولا أبوه ولا أولاده ولا كل القبيلة والعشيرة مجتمعة هذا كله لا معنى له.

وهؤلاء الجهال الذين يحرقون أنفسهم بسبب أنه لا يجد عملًا، هذا ارتكب أكبر الموبقات بعد الكفر وإن استحلّ ذلك كفر.

ولما صارت هذه موجة الانتحار وقتل النفس بعض الناس كفروا صاروا يكتبون على الفيس بوك والمواقع “منيح عمل” أو بعضهم يقول “حلال عليه” الذي يستحسن ويستحل الانتحار هذا كذّبَ شريعةَ الله، الله يقول {ولا تقتلوا أنفسَكم}-سورة النساء/29-

انتبهوا واحذروا الله يقول {ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنّ السمعَ والبصرَ والفؤاد}-سورة الإسراء/36-

{ولا تقفُ} لها تفسيران يعني لا تقل وتأتي بمعنى لا تتبِع ولا تعمل ما ليس لك به علم.

 وبفضل الله تعالى نحن هذه المنكرات عندما انتشرت حذرنا منها، مثلًا هذا كتاب الطبعة الأولى 2011 وطبعناه أكثر من مرة ووزعناه في لبنان والخارج على المشايخ على القضاة على المحاكم على الدكاترة والخطباء اسمه “فصل الكلام في أنّ إجهاض الجنين الحيّ وإحراق النفس وما يسمى تأجير الأرحام والتبرع بالإعضاء إثمٌ وحرام”

فالحذر الحذر من هذه الأمور وانتبهوا، أما مسئلة التبرع بالدم فهذا ليس من الأعضاء لأنّ هذا الدم الذي تتبرع به يخلفُه غيرُه كالبئر تأخذ منه ماء يأتي غيره، أنت لما تعطي محتاج للدم من جسمك هذا ليس حرامًا أولًا فيه فائدة لك وأحيانًا بعض أنواع الأمراض علاجها أن تخفف من الدم والحجامة أحيانًا قد تُعمل في الرأس تمنع من الجلطات ومن أن يدخل الإنسان في الكوما لكن مع الخبراء عندهم علم، اليوم صارت موضة عند بعض الناس يفتحون ويعملون أنفسهم خبراء بالحجامة وتركض الناس لعنده.

أنا سمعت من الشيخ رحمه الله قال “الحجامة علمٌ يُدرَس”

انتبه هناك أناس ليس عندهم خبرة قد يعلمون لك حجامة في أماكن يقتلونكَ أو في أوقات يؤدي بك إلى الضرر، قد يكون المكان الذي تُحجَم فيه صغير جدا وليس شرطًا أن ينزل منك كثير من الدم، وتحتاج لخبرة.

التبرع بالدم يجوز لا يجوز بيعهُ ولا يصح لأنه نجس، ولما تُخرجه من الجسد يخلف غيره ليس كالعين كالقلب كالرأس وليس كالأعضاء التي في الجسد.

هذا أمرٌ آخر وأحيانًا تكون لك الفائدة تخفف عنك أمراض.

هذه المسائل ينبغي أنْ يُـتَنبَّه لها

                                                                  والحمد لله رب العالمين