الخميس ديسمبر 12, 2024

مجلس درس “سمعت الشيخ يقول” رقم (19)

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَنْ والاه

يقول مصنِّف هذا الكتاب الشيخ عماد الدين جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

(صحيفة 135)

الجرأةُ في قول الحق

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: لا يَكمُلُ إيمانُ المؤمن حتى يكونَ جريئًا في قولِ الحق الحمدُ لله جماعتُنا  فيهم جُرءاء

(الإنسان إذا أراد أنْ يكونَ كاملَ الإيمان عليه بتقوى الله لأنّ الإنسانَ بالتقوى  يكمُلُ إيمانُه، ومن تقوى الله أنْ يكونَ الإنسانُ قوّالًا بالحقِّ جريئًا في الدعوة إلى دين الله. منْ تقوى الله أنْ يكونَ الإنسانُ جاهرًا بالحقّ بلا مُوارَبة ولا مداهنة على حسابِ الدينِ والشريعة.

والإيمان يكمُل بالأعمال الصالحة، فمَنْ كان تاركًا لبعض الفرائض والواجبات يكون ناقصَ الإيمان لا يكونُ كاملَ الإيمان، وعندما نقول مؤمنٌ كاملُ الإيمان ومؤمنٌ ناقص الإيمان فهذا ليس تكفيرًا للمؤمن الذي قلنا عنه ناقص الإيمان لأننا لمْ ننفِ عنه أصل الإيمان، هو مؤمن مسلم لكنْ لم يبلغ كمالَ الإيمان لتقصيرِه في الواجبات لم يصل إلى الكمال بتركِه الفرائض أو لارتكابِه المحرّمات.

ففي قولِنا عن مؤمنٍ فاسق ناقص الإيمان ليس تكفيرًا له، ثم ورد في بعض الأحاديث كما في قولِه صلى الله عليه وسلم [لا إيمانَ لمَنْ لا أمانةَ له] هنا يريد لا إيمانَ كاملًا لا يريد نفي أصلِ الإيمانِ عنه.

فالمسلمُ إذا كان أمينًا في العلم في الدين في المال أمينًا في النصيحة في الأقوال في الأفعال هذه صفةُ مدحٍ له وهذا من كمالِ الإيمان أنْ يكونَ الإنسانُ أمينًا، فإذا كان خائنًا يقال ناقص الإيمان ولا يكونُ تكفيرًا له، يعني لا يكونُ إخراجًا له من الإسلام، ليس كما تقول فلان سبّ الصلاة أو فلان سبّ الله أو سبّ الإسلام أو سبّ القرآن، هذا صار كافرًا خارجًا من الإسلام لا إيمانَ عندَه بالمرة صار مرتدًّا عن الإسلام، أما المسلم الناقص الإيمان المؤمن الناقص الإيمان هذا ليس تكفيرًا له إنما المراد أنه ليس كاملَ الإيمان، يعني ليس تقيًّا ليس صالحًا، ففي هذا الحديث [لا إيمانَ لمَنْ لا أمانةَ له] يعني لا إيمانَ منْ حيثُ الكمال، إيمانُه ليس كاملًا كالأتقياء كالصلَحاء إنما هو خائنٌ آكلٌ للأمانة مُضيِّعٌ للأمانة فهو ناقصُ الإيمان، يعني مسلم عاصي مسلم مذنب، مسلمٌ مُضيِّعٌ لفرض مُرتِكبٌ للمحرمات وليس إخراجًا له من الإسلام.

لذلك من صفات المؤمن الكامل أنْ يكونَ جريئًا في قولِ الحق. ما المقصودُ من الجرأةِ في قولِ الحق؟ حمايةُ الدين نشرُ الحق التحذير من الفساد، إنقاذُ الناسِ من الفساد، ليست المسئلة في الجرأةِ في قول الحق كما يقول البعض عرض عضلات، لا ليست هكذا إنما لتنفيذِ أمرِ اللهِ تعالى {تأمرونَ بالمعروف وتنهَوْنَ عن المنكر}[آل عمران/١١٠] فإذا كان الشيخُ جبانًا وإذا كان المدرِّسُ رِعْدِيدًا وإذا كان الأستاذُ مُتراجِعًا مُتَهاتِفًا على الدنيا وإذا كان الداعية مُتلوِّنًا وإذا كان الخطيبُ مُداهِنًا، ماذا يصيرُ في المجتمع؟ ماذا يصير بين الناس؟ تعُمُّ المُنكرات وتنتشر، فالجرأُة في قولِ الحق من صفاتِ الأنبياء والأولياء والعلماء الصلَحاء، ليس كل العلماء صلحاء إنما العالمُ الصالحُ هو العالِمُ الربانيُّ، وهو العالمُ العامِلُ بعلمِه يعني العالِم التقيّ، هذا العالِمُ الصالحُ.

فالجرأةُ في قولِ الحق صفةٌ عظيمةٌ، صفة كريمة، صفةُ مدحٍ وكمال للإنسان المؤمن التقي الصالح.

لذلك قال رحمه الله “لا يَكمُلُ إيمانُ المؤمن حتى يكونَ جريئًا في قول الحق” لأنه إنْ ضيّعَ الحق تضيعُ مصالح كثيرة وأحكام عديدة.

كم من العلماء لأنهم كانوا جُرءاء في قولِ الحق وجهَروا بالحق وواجهوا السلاطين والملوك والأمراء والحكام والوزراء والأغنياء، واجهوا جحافل الفساد وأهل الدنيا، جابَهوهم، كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كأبي حنيفة كمالك كالشافعي كالإمام المُزَني كالإمام أحمد بن نصر المَروَزِيّ الذي تكلّمْنا عن قصتِه الذي حُزَّ رأسُه وصارَ الرأسُ المقطوع يقرأ سورة يس، واجهُ الرؤساء والسلاطين ما خالف منهم بقي على الحق ودعا إلى الحق وجابهَ لم يعبأ بهم، وكان متوكلًا على الله، يرى نفسه رخيصة في نصرةِ الدين وخدمة الحق والإسلام.

وهكذا كم من علماء ماتوا في السجون كم من علماء شُرِّدوا كم من علماء قُتلوا نُصرةً لدينِ الله تأييدًا للحق، أنْ يكونَ الإنسانُ داعيًا للحق جاهرًا به.

قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم [أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائر] هذا الإمام أحمد كم ضُرِب وعُذّبَ وجُلِدَ يتعاقب على جلدِه أكثر من مائة جلاد في ليلةٍ واحدة يُغمَى عليه يُظَنّ به أنه قد مات، يُصَبّ عليه الماء فإذا أفاقَ عاودوا إلى جلدِه والعياذ بالله وهو ثابت على عقيدةِ أهلِ السنة لا يتكلم بكلام المعتزلة ولا يقولُ بقولِهم في مسئلة خلقِ القرآن لأجل أنْ لا يَتوهم الناس. هو لو قال عن اللفظ المنزّل المكتوب في المصاحف المقروء بالألسُن في اللغة العربية المَجموع بين دفَّتَي المصحف، لو قال عن هذا مخلوق لا يَكفُر، لكنْ مع ذلك خشيَ أنْ يقول القرآن مخلوق ولو عن هذا لأجلِ أنْ لا يُنقَلَ عنه خطأً ولأجلِ أنْ لا يفهمَ العامة أنّ هذا اللفظ الحرف والصوت واللغة أزليّ أبديّ وأنّ كلامَ اللهِ الذاتيّ مخلوق، لأجلِ أنْ لا يُظَنَّ هذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لم يقلْ هذه الكلمة، هم ألزَموه لكنْ ما أعطاهُم، لو قال عن اللفظ المنزّل القرآن مخلوق لا يكفُر لكنْ خشيَ من الناس العامة أنْ يظنوا أنّ كلامَ الله تعالى الذي هو صفةُ ذاتِه الأزلية، خشيَ أنْ يُظَنّ أنّ كلامَ اللهِ الذاتي حادثٌ مخلوقٌ له بداية، لأجلِ هذا ما قال هذه العبارة وكان يُضرَب ويُعذَّب ويُجلَد وسُجِنَ مدةً ما تكلّمَ بهذه الكلمة لأنّ الذي يعتقد أو يقول بأنّ كلامَ اللهِ الذاتي مخلوق حادث هذا ليس من المسلمين، الذي يقول أو يعتقد بأنّ صفةَ اللهِ الذاتية –يعني الكلام الأزلي الأبدي لله- مَن اعتقدَه حادثًا مَنْ اعتقدَه مخلوقًا بحرفٍ وصوتٍ ولغة هذا كافرٌ بالإجماع كما نقل الإجماعَ على كفرِه أبو بكر ابن سابق الصقِلّي الأشعريّ المالكي.

انظروا إلى ثباتِ الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه، وكثير من العلماء ثبتوا وكانوا جُرَءاء في قول الحق ولم يتراجعوا عن قول الحق ولا على حساب صحتِهم وأوقاتِهم ولا على حساب أولادِهم أو أموالِهم، بل اختاروا الآخرة، ما آثرَ الصحة والعافية والمال والأولاد بل آثرَ الآخرة، ثبتَ على الحق وربِحَ الآخرة، أما الذي يختار الدنيا ويخسر الآخرة ماذا يكون فعل؟ هو الذي يخسر.

لذلك هنيئًا للذي يقول الحق ويثبت عليه لا يتراجع لقولِ خبيثٍ أو زنديقٍ أو مشبِّه أو مجسم أو رأس فتنة أو ضلالة أو داعٍ إلى ضلالة إلى فساد أو زندقة.

كم منْ أناسٍ اليوم ممّن لهم شهرة في الفضائيات وفي مواقع التواصل يُطلَب منهم مقابل المال أنْ يتكلمَ بفتوى محرّفة فيقولون، كم مِن أدعياء الدعوى والعلم والدكترة والعالِمية يقال لهم قولوا هذه الفتوى مقابل منصب سياسي أو ديني على زعمِهم أو مالي فيُوافقون فيَنحرِفون يميلون يَزيغون يُحرّفونَ الحق لأجلِ أنْ يربحوا المال أو الكرسي أو الزعامة أو الشهرة الدنيوية الفارغة المُجَوَّفة العَفِنة.

لذلك الذي يقول الحق ابتغاءَ مرضاة الله ويثبتُ عليه وينشرُه ويدافعُ عنه له مرتبة عالية في الآخرة، هذا إذا مات لأجلِ الدين له مرتبة الشهداء.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال [ومَنْ قُتلَ دون دينه فهو شهيد] رواه الحافظ السيوطي.

الثبات على الحق يا أهلَ الحق، الثبات على الحق يا مَنْ يخافونَ اللهَ ويَرجُونَ ثوابَه ويَرجُونَ الآخرة، الثبات على الحق هذه صفةُ الجُرَءاء الأتقياء الكاملينَ من عباد الله تعالى, أما المداهن والمتَلَوِّن والمُذَبْذَب والمُنافق والدجال والشيطان والعفريت والمحتال هذا لا يسأل عن الحق يريد الدنيا فيُحرّف ويغيّر الفتوى على حسب العمُلات، كهذا الشيخ الدجال الدكتور الذي له شهرة في الدنيا بعدما ضرب الناتو ليبيا قال على زعمه والعياذ بالله “لو كان الرسولُ موجودًا الآن لوضعَ يدَه في يد الناتو” نعوذ بالله من مسخ القلوب، هذا مفتي شياطين، كيف يقول على ضرب ليبيا وهو بلد إسلامي وكم وكم في هذا البلد من أهلِ الخير والفضل ومن أهل التقوى والعلم والصلاح والصدق والثبات والدفاع عن الدين، كم فيه من الطيبين هذا البلد، هذا البلد الطيب العظيم الذي فيه الكثير من الخير للأمة وللمسلمين عندما ضربَه الناتو فرحَ هذا الشيخ المفتي الدكتور لأجلِ المال وأيّدَ ضربة الناتو لليبيا، نسأل اللهَ السلامة، هذا كيف يلقى الرسول يوم القيامة؟ ماذا يقول؟ والله يقول في القرآن الكريم {وقِفوهم إنهم مسؤولون}[الصافات/٢٤] لن تكونَ على رأسهِ تلك العِمامة البالية يوم القيامة، لن تكون تلك الجبة العَفِنة معه يوم القيامة، لن تكون تلك المناصب وتلك الملايين من الدولارات، لن تكون معه في مواقف القيامة سيخرجُ من القبر وحدَه وحيدًا فريدًا ماذا سيفعل يومَ القيامة؟ مَنْ سيكون معه؟ مَنْ سيُدافع عنه؟ ماذا سيقول عن هذه الفتوى يومَ القيامة؟ كيف يُبرّر لهذه الضربة لليبيا؟ يُفتي بإباحةِ هذه الضربة، يعني موافق كأنه يقول الرسولُ يُوافقُكم على ذلك، كأنه يقول الرسول كان يهنِّؤُكم على ذلك، هذا تحريفٌ لدينِ الله، عن الظلم عن القتل عن هتكِ أعراضِ المسلمين عن تدميرِ ثرَواتِهم وإحراقِ خيراتِهم، هذا شيخ؟ هذا شيطان بعِمامة.

أبو جهل كان يضع العِمامة، أبو لهب كان يضع اللفة، العبرةُ عند الله بالتقوى ليست بالملابس ولا بالأشكال ولا بالأسماء ولا بالصيتِ الذائع في الدنيا ولا بالمناصب العفِنة، انظروا إليهم بعد دفنِهم، انظروا إليهم بعدَما يُجرَّدونَ عن مناصبِهم وعن مواقعِهم وعن أموالِهم وعن أسمائِهم، انظروا إليهم عندما يُجرَّدونَ منْ تلكَ المناصب الزائلة الزائفة، انظروا إليهم بعد دفنِهم بثلاثة أيام تحت التراب كيف أنّ هذه العيون تسيلُ على الخدود كيف أنّ البطونَ تتفتّق وتتفجّر وكيف أنّ الدود يَغلي فيها وكيف أنّ الثعابين والعقارب والأفاعي تأكل وتنهشُ في أبدانِهم، يُحرِّفونَ دينَ الله، يحرّفونَ شريعةَ الله تعالى ويتسترون بالعِمامة والمشيخَة.

هذه دال الدكتور لا تنفعُكم في الآخرة لن تكونَ معكم في القبر، دال الدكتور التي دوّخَتكم وأعمَتْكم، لماذا تحرّفون شريعةَ الله؟ مرة يقول يجوز بيع الخمر والخنزير ومرة يقول كان الرسول وافق الناتو ووضع يدَه في يدِه على ضرب ليبيا، ومرةً يقول يجوز للمسلمة أنْ تكون تحت الكافر في الغرب، وذاك الملعون الذي يقول إنّ اليهوديّ والكافر يدخل الجنة والجنة ليست للمسلمين فقط، وذا ك الشيطان الثالث الذي يقول إنّ اللهَ  له ذيلٌ يوم القيامة ويضربُ بذيْلِه على رؤوسِ المبتدعة في مواقف القيامة، يشبهونَ اللهَ بخلقِه ينسُبونَ لله الشكل والجسم والحركة والسكون والقعود والجلوس وذاك يكذّب القرآن وهذا يكذّب الإسلام وهذا يستحلّ الظلم وهتك أعراض المسلمين وتدميرِ ثرواتِهم وحرقِ خيراتِهم ثم يدّعونَ العلمَ والمشيخة، هؤلاء الإسلامُ منهم براء والرسولُ منهم براء والقرآنُ منهم براء.

فلا بد من الجرأة في قولِ الحق فالدنيا لا تُغني عن الآخرةِ شيئًا الدنيا ليست هي الآخرة ليست هي منتهى الأمر  ستموت ستموت الآن أو فيما بعد، إذا متَّ ميتةً عزيزة مدافعًا عن الدين يا سعدَكَ ويا فوزَكَ ويا هناك، وإنْ متَّ موْتَةَ الكلاب وأنت كافر تدافع عن الكفر وتنشر الكفر وتكذّب اللهَ والرسول ماذا تنفعُكَ كلّ الدنيا وكل المناصب الدنيوية ماذا تفعل لك إذا متَّ مِيتةَ الجبناء مِيتةَ المنافقينَ الزنادقة ماذا ستعمل لك الدنيا والمناصب والأموال ومئات المليارات من الدولارات؟ كل هذا لن يكونَ معك في قبرِك، قل الحقَّ ولا تبالِ، قال صلى الله عليه وسلم [رحمَ اللهُ عمرَ يقولُ الحقَّ وإنْ كانَ مرًّا لقد تركَه الحقُّ وما له مِنْ صديق]).

 

وقال الهرري رضي الله عنه: علَّمْناهمُ الجُرأةَ فاسْتأسَدوا في قولِ الحق.

(علّمناهمُ الجرأةَ يعني قول الحق، فاستأسدوا لقولِ الحق يعني الدين لخدمةِ الدين لخدمة الإسلام،  ليس للانتصارِ لأنفسِهم ولا لظلمِ الناس ولا  للاعتداءِ على الناس ولا لأكلِ أموالِ الناسِ بالباطل ولا لهَتكِ أعراضِ المسلمين، لا، وأنتم تعرفون، أليس قُتلَ الشيخ الشهيد البطل المجاهد نزار حلبي رحمه الله ظلمًا وعُدوانًا وبغيًا؟ ماذا فعلَ أتْباعُهُ؟ هل أحرقوا البلد؟ لا، هل جرّوا البلد إلى فتنة؟ لا، هل أعطَوْا أعداءَ الدينِ والإسلامِ ما يريدونَ منْ مفسَدةٍ عظيمة في الداخل؟ لا، إذًا انظروا وقارنوا عندما قُتلَ هذا الشيخ العظيم المِقدام البطل الذي خدم الدين والإسلام والدعوة وبنَى للأمة والمسلمين ولم يبْنِ لنفسِه، مات رحمه الله مقتولًا قُتِلَ مُقبِلًا غير مُدبرٍ ولا توجَد مؤسسة واحدة في أسماء أولادِه أو زوجتِه، إنما بنى للأمة.

عندما قُتلَ شيخنا نزار حلبي إخوانُنا صبروا ثبتوا لم يتراجعوا لم ينجرّوا إلى فتنة ولا إلى فساد، ماذا كان يريد الأعداء؟ أنْ يُحرقوا البلد، لكنْ إخوانُنا أذكى ثبتوا ونشروا العلم وطلعوا بالمؤسسات وعلّموا الناسَ الدين ولم ينجرفوا إلى فتنةٍ داخلية مع أنّ الذي قُتلَ شيخُهم، لكن انضبطوا، إذًا أينَ الجرأة؟ لأجلِ الدين، ليست لمجرد الانتقام للنفس ليس لأجلِ المال والدنيا ليس لأجل التسلط على عبادِ الله ظلمًا وعدوانًا، لا، عندما ضُرِبوا صبروا، عندما قُتلَ شيخهم صبروا لكنْ عندما يُفتَرى على الدين ويُكذَب على الدين لا يسكتون لكنْ بالعلم، يعني يُبيِّنون بالعلم يردُّونَ بالأدلة لا يَنساقونَ إلى فتنةٍ وخراب وسفك دماء، وتاريخُ إخوانِنا يشهد لهم، تاريخُهم ليس مُلوَّثًا ليس مُشوَّهًا ليس مسْوَدًّا بسفكِ دماء الأبرياء إنما هم يصبرونَ على أذى الناس لكنْ يدافعون عن الدين بالعلم والدليل والبرهان {قل هاتوا برهانكم إنْ كنتم صادقين}[النمل/٦٤]

لذلك قال الشيخ رحمه الله “علّمْناهم الجرأةَ” يعني في قول الحق لأجل الحق لنشر العلم والدين “فاسْتأسدوا في قول الحق” يعني  لأجل الدين لأجل العلم، عندما ترى صبيًّا دون البلوغ في مسجدٍ من المساجد يقوم خطيب جاهل على المنبر فيمدح الكفر والضلال، فيقوم هذا الصبي يمسك بساق المنبر يقول له يا شيخ يا شيخ اللهُ يقول {إنّ الدينَ عند الله الإسلام}[آل عمران/١٩]، صبي دون البلوغ يرد على شيخ على المنبر يمدح الكفر بآيةٍ من كتاب الله وخرج، الدفاع عن الدين القول بالعلم بالدليل بالبرهان هذا معنى “فاستأسدوا في قول الحق”).

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: الشجاعةُ تُكتَسَب.

(الشجاعةُ تُكتسَب، الإنسان ينبغي أنْ يرى نفسَه عندما تُنتَهَك حرُماتُ الله ماذا يفعل؟ يبقى ساكتًا مُتبَسِّمًا في وجهِ الذي ينتهك حرُماتُ الله أم يُبيِّن ويرُدّ؟ فإذا كانت نفسُهُ تحدِّثُه أنت الآن إنْ ردَدْتَ عليه يُسَجَّل عليك موقِفًا سيغضب منك سينتقم منك سينزعج منك لن يلتفت لن ينظر لن يكلّمَك، كل هذا لا عبرةَ به، إذا كنتَ تعرف منْ نفسِكَ الجُبن تعرف منْ نفسِك أنك رعديد، تعرف من نفسِك أنك مُتخاذل لا تدافع عن دين الله ينبغي أْنْ تتدرب وأنْ تعلّمَ نفسَك الجرأة وأنْ تعوِّدَها الجرأةَ، يعني بالحكمة والموعظة الحسنة لأنه فرقٌ كبيرٌ بين الجرأة والحكمة في محلِّها وبين المفسَدة والتهوُّر إنما نتكلم عن الجرأة في محلِّها يعني بالتي هي أحسن، أما لو تُعُرِّضَ إلى سيارةِ زوجتِك فستغضب وتنفجر كالبركان الثائر، إذًا أنت نفسُكَ مريضة تنفجر لأجلِ سيارةِ زوجتِك ولا تغضب  لأجلِ دينِ الله؟ تنفجر وتثور وتصرخ ثم تصير كأنك مجنون في الشارع لأجلِ أنْ تكُلِّمَ في ابنتِك في أختِكَ لأجلِ أن شُتِمتَ في الطريق، أما إذا تُعُرِّضَ لدينِ الله ولكتابِ الله ولرسولِ الله صلى الله عليه وسلم تبقى ساكتًا متبسِّمًا ضاحكًا مُداهِنًا متَذَبْذِبًا مُتلوِّنًا؟

إذًا أنت مريض، أنت جبانٌ ورعديد أنت خسيس لأنك لم تدافع عن دينِ الله وأنت قادر، أنت جبان لأنك لم تدافع عن كتابِ الله وأنت قادر، أما لأجلِ دولابِ سيارةِ ابنتِكَ تعمل مجزرة في الشارع.

إذًا لا بد للإنسانِ الذي يعرف من نفسِه الجُبن أنْ يُعوِّدَ نفسَه الجرأة في قولِ الحق والرد والبيان وليس المفسَدة والفتنة والضرر والخراب والدمار، هناك فرقٌ بين الشجاعة والجرأة في محلِّها وبين المفسدة والخراب والدمار والتهوّر.

مَنْ كان يعرفُ مِنْ نفسِه أنه لي جريئًا فلْيُدَرِّبْ نفسَه وليُعَوِّدْ نفسَه الجرأةَ على قولِ الحقِّ لأجلِ أنْ لا يدخلَ عليه النقص في دينِه لِتَخاذُلِهِ وسكوتِه وعدمِ دفاعِه عن دينِ اللهِ تعالى.

كم هو عظيمٌ عندما نقرأ ونسمع عن سيَرِ الأنبياء والأولياء والصلَحاء والوليات والفقيهات والعابدات منَ الجرأةِ العظيمة في نُصرةِ الدين في وجوه الطغاة البُغاة الظلَمة المشاهير لأجلِ دينِ اللهِ تعالى.

يقول الفقيه الشافعي الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله “مَنْ لا يقتحم المخاطر للدفاعِ عن دينِ الله فليس جنديًّا” يعني من جنود الدين من جنود الحق، الذي لا يرتكب المخاطر مع الحكمة ومع الجرأة في محلِّها مع الحذر والانتباه، أعيدُ وأؤكّد لا نتكلم عن فتنة ولا عن مفسدة ولا عن جرِّ الناس إلى مقتَلة لا، أتكلم عن القول بالحق عن بيان الحق، بلسانِك بالدليل بالبرهان بيِّنْ بلسانِك.

فإذًا الذي لا يقتحم المخاطر للدفاعِ عن دينِ الله لإعزازِ دينِ الله تعالى ليس جنديًّا).

 

وقال رضي الله عنه: معادنُ الرجالِ تُعرَفُ عند الشدائد.

وقال رضي الله عنه: أنا أحبُّ الأسود. ( أي الذي عنده جرأةٌ للدفاعِ عن الدين هذا مرادُهُ بالأسود، لا يتكلم لمجرد التشهي والفرح النفسي بأنْ ينظرَ إلى الناس يقتتلون، الأسود هنا الذين عندهم جرأة في الدفاعِ عن دينِ الله وفي قولِ الحق كهؤلاء الصبية دون البلوغ في زمنِ خلافةِ عمر رضي الله عنه في البحرين أحد زعماء الكفار له موقعٌ كبير عند أتْباعِه، يعني يُسمّونَه موقِعًا دينيًّا، شتم الرسول والعياذ بالله، أطفال في الشارع صبيان يلعبون معهم العصيّ عندما سمِعوه شتمَ الرسول صلى الله عليه وسلم لقّنوه درسًا، فعندما بلغَ ذلك عمر رضي الله عنه فرحَ فرحًا عظيمًا وقال “الآن عزّ الإسلام صبيةٌ يدافعونَ عنْ نبيِّهم هذا أحبّ إليّ منْ غنائمِ الحرب”

انظروا تمكّن حبّ الإسلام في النفوس، تمكّن حب الرسول في القلوب، صِبية يدافعونَ عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم)

 

وقال رضي الله عنه: الذي يحبُّ اللهَ يكونُ جريئًا بقولِ الحق لا يخافُ قولَ الحقِّ لأجلِ الناس هذه الجرأةُ مِنْ أعظمِ نِعَمِ الله.

(يقول هؤلاء الناس ماذا سيفعلون لي في القبر، أنت الآن مَنْ أقرب الناس إليك في الدنيا؟ زوجتُك؟ هل ستنزل معك في قبرِك؟ مَنْ أخوكَ أبوكَ أبناؤُكَ؟ هل سينْصُبونَ الخِيَم على قبرِكَ وينامونَ على قبرِك؟ سيضعونَ الترابَ عليك وينصرفون إلى أعمالِهم إلى وظائِفِهم إلى تحصيل الترِكة وربما سبّوكَ وشتموكَ إنْ كانت الترِكة قليلة، فكّرْ أنت هؤلاء الذين لأجلِهم تترك الدفاع عن الدين خوفًا منْ هؤلاء الناس، ماذا سيفعلونَ لك في قبرِك؟ ماذا سيدفعونَ عنك في آخرتِك؟ هم أصلًا في الدنيا ما استطاعوا أنْ يدفعوا عنك الموت، ولا المرض، فماذا يدفعونَ عنك في القبر؟ العذاب؟ ماذا يدفعونَ عنك في مواقفِ القيامة؟ الهوان والأهوال؟ ماذا يدفعون عنك في جهنم إنْ دخلْتَها؟ فكّرْ كنْ عند اللهِ من المرضيين ولا تراعِ خواطرَ الناس فتُضَيِّع الدين).

 

وقال رضي الله عنه: مهما كان الإنسانُ ضعيفًا فلْيُفكِّرْ في الآخرة (لأنك إنْ كان بدنُكَ ضعيفًا وإيمانُك كاملًا ويقينُكَ قويًّا فستُواجِه الجبال ستُواجه الجيوش لأنّ يقينَكَ راسخٌ لا يتزحزَح توكلُكَ على الله عظيم.

امرأةٌ شابة صحابية، خولة بنت الأزور شقّتْ جيشَ العدوِّ وحدَها.

هذه نُسَيبة بنت عمر أمُّ عُمارة رضي الله عنها في معركةِ أحد جعلتْ تُتَرِّس بجسدِها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تُحامي عنْ رسولِ الله في جسدِها وقفَتْ بينَه وبين العدو كأنها جعلت جسدَها درعًا له تضرب والسيف في يدِها وتُحامي ولا تتزحزح ولا تكشف عن رسولِ الله، أصييبَ ابنُها في المعركة، تصوّروا المشهد، واقفة تدافع عن الرسول تضرب تقاتل تُحامي ثم ترى أنّ ولدَها وقع جُرِحَ ضُرب في المعركة لم تترك الموقع، ذاك الموقع الذي فيه الشرف وفيه العز والكرامة في الدفاع عن رسولِ الله، حبُّها لابنِها ما جرّها لتركِ ذلك الموقع، حبُّها للرسول أعظم من حبِّها لابنِها بقيَت ثابتة متحمّسة مُندَفِعة مُقاتلة وهي تقول “قمْ يا بُنيَّ واضرب القوم” مِنْ غيرِ أنْ تكشف عن رسول الله وهي تُحامي عن رسول الله تُحرِّض ولدَها على القيام والقتال مرةً ثانية،  “قم يا بُنيَّ واضرب القوم” وهكذا إلى أنْ ضُرِبَت وأُصيبَت ولم تكشف ولا تتزحزح ولم تُلحِق الأذى بتقصيرٍ منها برسولِ الله، ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تطلبُ منه الدعاء في المعركة “يا رسولَ الله ادعُ اللهَ لي أنْ أكونَ معكَ في الجنة، فقال: اللهم اجعلهم معي في الجنة”.

بعدما انتهت المعركة ووضعت الحربُ أوزارَها قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم “رحمَ اللهُ أمَّ عُمارة ما الْتَفَتُّ يمينًا ولا شِمالًا يومَ أحدٍ إلا رأيتُها تضربُ دوني”.

انظروا هذه امرأة لكنها أثبَت من الجبال أرسخ من الجبال، فجسمُكَ إنْ كان ضعيفًا ويقينُكَ قويًّا، جسدُكَ إنْ كان هزيلًا وتوكُّلُكَ على الله كاملًا، بدنُك إنْ كان مريضًا وإيمانُك راسخًا فستُواجه الجيوش والجبال للقوة العظيمة التي في قلبِك ببركةِ الإيمان، بحبِّ رسولِ الله والإسلام).

وقال رضي الله عنه: ينبغي للمؤمن أنْ يغضبَ للهِ تعالى ويُنكرَ المنكرَ الكفرَ وما دونَ الكفرِ من المحرمات مُعتمِدًا متوكِّلًا على الله، القولُ بالحقِّ لا يقرِّبُ أجلًا ولا يقطعُ رزقًا.

(لأجل الحصولِ على هذه المراتب العلِية والمقامات السنية والأحوال الزكية لا بدّ أنْ تكونَ مخلصًا لله لا ليمْدَحَك الناس لا ليُقال عنك البطل لا ليُقال عنك الجرىء لا ليقال عنك الأسد، فإنْ حامَيتَ عن الدين وواجَهتَ رؤوسَ الكفرِ والضلال وجماعات الجهلِ والفساد رياءً فأنت فاسقٌ، ماذا عمِلتَ؟ ورَّطت نفسَك بالكبيرة.

إذًا دفاعُك عن الدين وحمايتُك للدين وقولُك بالحق وجرأتُك في قولِ الحق وثباتُك على الحق وتحذيرُك منْ أهلِ الضلال لا بدّ أنْ يكونَ لله، لا لتُمدَح أنت لا لِتُغدَقَ عليك المناصب ولا الألقاب ولا القصائد ولا عبارات الثناء والمديح، إنما لأجلِ اللهِ تعالى.

قيل للرسول صلى الله عليه وسلم “الرجل يُقاتِل يبتغي الأجرَ والذكرَ معًا ما له؟ قال: لا شىءَ له”.

تعرفون ما معنى يقاتل؟ يعني في أرض المعركة هو معرَّضٌ للقتل للذبح للشلل للعمى لبترِ أطرافِه للأسر، كل هذا ما جعلَه مُحصِّلًا للثوابِ والأجر ولا في المراتب العليّة ولا في مقام الشهداء والمجاهدين لأنه كان مُرائيًا.

رجع الرجلُ بالجوابِ إلى الناس فاسْتعظَموا ذلك قالوا ارجِعْ إلى رسولِ الله، رجعَ فسأله قال لا شىءَ له.

إذًا لو جمعَ بزعمِه في نيّتِه بين طلبِ الأجرِ والثوابِ من الله وبين أنْ يمدَحَه الناس لا يكونُ مُثابًا بل يكونُ موْزورًا عليه وزرٌ عظيم حُرِمَ الثوابَ والخير والبركة وإنْ قُتِلَ على تلكَ الحال لا يكونُ شهيدًا بل هو منْ أهلِ الكبائر.

إذًا أنْ تغضبوا لله وأنْ تدافعوا عن دينِ اللهِ لله وأنْ تُحامُوا عن كتابِ اللهِ لله، وأنْ تناصروا رسولَ الله لله، وأنْ تخدموا الدينَ  لله، وأنْ تنشروا العلمَ لله وأنْ تأمروا بالمعروفِ لله وأنْ تنهَوا عن المنكر لله وأنْ تتعلموا لله أنْ تُعلّموا لله وأنْ تُحسِنوا للناس لله لا لأجلِ الدنيا، الرياءُ ذنبٌ عظيمٌ، قال صلى الله عليه وسلم [اجتنبوا الرياءَ] وفي روايةٍ [اتّقوا الرياءَ فإنه الشركُ الاصغر] يعني ذنبٌ من الكبائر ليس مُخرِجًا من الدين ليس مُخرِجًا من الإسلام لكنْ لعِظَمِ هذا الذنب قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم [الشركُ الأصغر] يعني ذنبٌ من الكبائر.

أمرُكَ بالمعروف نهيُكَ عن المُنكر حمايتُك للدين تكون لله فليَكنْ غضبُكم دائمًا لله ليس لأنفسِكم ليس للدنيا إنما لله لأجلِ طلبِ الثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى، أما لحظِّ نفسكَ وشهوتِك ودنياك فلا تلتفت، ليكن عملُك لله لتربحَ الثواب، لتكنْ من أهلِ الدرجاتِ العالية بالإخلاص، لا خلاصَ إلا بالإخلاص، ولا خلاصَ إلا بمتابعةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، لا وصول إلا بمتابعةِ الرسول ولا خلاص إلا بالإخلاص.

لذلك علينا دائمًا أنْ نعملَ لله تعالى ليس لأجلِ الدنيا ولا لطلبِ مدحِ الناس لنا ولا لأجلِ المال إنما عملُنا للهِ عزّ وجل).

وقال رضي الله عنه: اللهُ تعالى كتبَ الأجلَ لكلِّ شخص متى يموت وبأيِّ سببٍ يموت إنْ كان بالقتل وإنْ كان على الفراش أو بالغرق أو بغيرِ ذلك، لا يموتُ الإنسانُ إلا بأجلِه ولا يأتي الإنسانَ رزقٌ إلا الذي كتبَ اللهُ له، اللهُ تعالى يرزُقنا جرأةً لقولِ الحقِّ ءامين.

(عقيدةُ المسلم أنّ اللهَ سبحانه وتعالى هو الذي قدّرَ الأرزاقَ والآجال، عقيدةٌ إسلامية راسخةٌ ثابتة، فما قدّرَهُ اللهُ في الأزل لا يتغيّر.

اللهُ يقول في القرآن {ما يُبَدَّلُ القولُ لديَّ}[ق/٢٩] وقال ربُّنا كما قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم في التفسير قال عليه الصلاة والسلام [وقال لي يا محمد إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدّ]

عقيدة الإسلام أنّ الآجال مُقَدَّرة بتقديرِ اللهِ الأزلي والأرزاق مقسومة لا تتبدّل وعقيدةُ المسلم أنّ ما قدّرَهُ اللهُ أنْ يكونَ رزقًا واصلًا إليك لا يستطيع آخر أنْ يصلَ إليه ليَأكلَه.

لذلك قال سيدُنا الإمامُ الغوثُ الرفاعيُّ الكبير رضي الله عنه وأرضاه “إني علمتُ أنّ رزقي لنْ يأكلَه غيري فاطمأنَّ بالي”

يا إخواني ويا أخواتي، طالما هذه هي عقيدةُ الإسلام فلماذا الخوف؟ طالما هذه عقيدةُ الإسلام فلماذا التراجع والتردد والتخاذل؟ لماذا التقصيرُ والتسويف والتأجيل؟

طالما أنّ الأجلَ مكتوبٌ إذًا أمرُك بالمعروف وجُرأتُكَ في قولِ الحقّ لن تقطعَ عليك أجلَكَ، قولُك بالحقِّ وجرأتُكَ في الدفاعِ عن الدين لن تُعجِّلَ  في قضاءِ أجلِكَ وموتِكَ قبلَ الوقتِ الذي قُدِّرَ لك.

لذلك لا تخافوا كونوا متوكلين على الله، أليس في المستدرك للحاكم على الصحيحين حديثِ ابنِ عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم [اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ]؟ وعدّ فيها [حياتَكَ قبلَ موتِكَ] اغتنمْ حياتَك قبلَ موتِك.

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم وغيره [إنّ روحَ القدس نفثَ في رُوعِي –قلبي- أنّ نفْسًا لنْ تموتَ حتى تسْتَوْفِيَ  رزقَها وأجَلَها]

*روح القدس: جبريل عليه السلام.

إنْ كان اللهُ قدّرَ لك في الأزل أنْ تعيشَ إلى مائةِ سنة وقمتَ الآن تحذّر من كلِّ أهلِ الضلال وأنت في عمر الأربعين، هل ستموتُ الآن؟

اللهُ قدّرَ لك في الأزل أنْ تعيش إلى المائة ستبقى إلى المائة، لو نزلَت عليك ليس الصواريخ، الطائرات التي تحمل الصواريخ، لو وقعَتْ عليك ليست الصواريخ التي في البارجات بل البارجات وقعَت عليك، لستَ وقعْتَ منْ بناء بل البناء وقعَ عليك، لن تموتَ قبلَ انتهاء الأجل.

كم مِنْ أشخاصٍ في الزلازل نزلَتْ عليهم أبنية من عشر طبقات الذين كانوا في الطبقة العليا ماتوا والذي كان في مدخل البناء بقيَ ثلاثة وأربعة أيام إلى أنْ رُفِعتْ الأنقاض وما زال على قيد الحياة.

كم منْ طفلٍ رُفِعَ منْ تحتِ الأبنية المُتهدّمة بعدَ خمسة أيام وهو على قيد الحياة، كم من إنسانٍ وقعَ في البحر فعاش إلى مدةٍ مديدة، وكم منْ أناسٍ ماتوا في البيوتِ في الغرف المكيّفة وعلى الفراش.

الآجالُ مقسومة ومكتوبة لا تخافوا، اللهُ سبحانه يفعل ما يشاء. فالجرأة وقولُ الحق والتحذير منْ أهلِ الضلال وفضحِهم وأنْ تمرَغَ أنوفَهم بالتراب هذا لنْ يقطعَ عليك أجلَك.

قال الشيخُ رحمه الله “إهانةُ أهلِ البِدَعِ جهاد” إغاظة الفاسقين الفاجرين المشبهة المجسمة والحلولية الإباحية ومكذّبي القرآن والإسلام وكل مللِ الكفرِ والضلال إغاظَتُهم جهاد، إغاظتُهم عملٌ يُظهرُ حقيّة الإسلام بقولِك الحق، لأنّك عندما تقول الحق هم يغتاظون أنت ماذا تعمل لهم؟

أنا قلتُ لكم، من غيرِ انجرار إلى فتنة ولا مفسدة، لكنْ بيِّن الحق.

فإذا كنتَ بتلاوتِكَ للقرآنِ هم يغتاظون ماذا تعمل؟ بقولِك للحق هم يغتاظون.

قل الحقّ وإنْ كان مرًّا لا تُبالِ توكلْ على الله مع الحكمة مع الانتباه مع الحذر مع عدم الانجرار إلى مفسدة إلى الخراب والدمار لأنّ الدعوة تقتضي الدعوة بالحكمة، هذا الذي ينبغي، فقولُ الحقِّ لا يقَدِّمُ أجلًا ولا يؤَخِّرُ رزقًا.

جعلني اللهُ وإياكم جُرَءاء في قول الحق يخدمونَ الدين يدافعونَ عن الإسلام فما أعظمَها منْ نعمة وما أعظَمَه من شرف أنْ نكونَ كذلك لأننا بهذا العمل قد نُعتَق من النار، بهذا العمل قد تُغفر لنا الكبائر والصغائر، بهذا العمل قد ننجو من عذابِ القبر ومن عذابِ النار.

فما أعظمَه من شرف أنْ تكونوا حماةً للإسلام مدافعينَ عن الدين

اللهم اجعلنا منهم واجمعْ لنا وللحاضرين معنا وللمسلمين والمسلمات بين خيري الدنيا والآخرة اشفِنا وعافِنا والطف بنا وبالمسلمين إنك على كل شىء قدير.

والحمد لله رب العالمين