السبت يوليو 27, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (51)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلّم على سيّدِنا محمدٍ رسولِ الله وعلى آلِ بيتِهِ وصحابتِهِ ومَنْ والاه

)صحيفة 188(

 

يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

العلم والعمل

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: سيّدُنا عيسى عليه السلام مِنْ جملةِ حِكَمِه أنه قال “مَنْ تعلّمَ وعلِمَ وعمِلَ بما تعلَّم فذلك يُدعى عظيمًا في ملكوتِ السمواتِ” قبل أنْ يُعرَف ويُشهَرَ بين أهلِ الأرض جبريلُ يُنادي في ملكوتِ السمواتِ كلِّها – أي ملائكةِ سبعِ سموات – إنّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبّوه، ثم يُوضَعُ له القَبولُ في الأرض.

هنا العددُ الذي يعرفُهُ منَ البشرِ قليل ولكنْ هناك الملائكةُ كلُّهم يعرفونَه

)الذي يعرفُهُ المراد بهذا الشخص الذي أخلصَ لله وتعلّم  وعمِلَ بما تعلّم وعمِلَ اشتغلَ بهذا العلم أمرَ بالمعروفِ ونهى عن المنكر مع الصدقِ والإخلاص، عن هذا الشخص هنا يقول الشيخ رحمه الله الذين يعرفونَه هنا في الدنيا من البشر قليل(

 

وقال الإمام الهرري: ولكن هناك الملائكةُ كلُّهم يعرِفونَهُ وفي الأرضِ المؤمنونَ الأخيار يعرِفونَهُ، اللهُ يُلقي محبَّتَهُ في قلوبِ المؤمنينَ الأخيار ولو حارَبه الفاسدون.

الأتقياءُ يُلقي اللهُ في قلوبِهم محبَّتَهُ، الملائكةُ هم أكثرُ خلقِ الله.

)عيسى عليه الصلاة والسلام هو أحد الخمسة منْ أولي العزم من الرسلِ عليهم الصلاة والسلام، وعيسى عليه الصلاة والسلام عُرِفَ وشُهرَ بكَثرةِ حِكَمِه وبقوّةِ زُهدِه وصبرِه عليه الصلاة والسلام، ونُقِلَ عنه العديد والكثير منَ العِبَر والعِظات.

فمِن هذه العِبَر والحِكَم والدُّرَر أنه عليه الصلاة والسلام فيما يُروى عنه أنه كان يقول “كمْ مِنْ جسدٍ صحيح ووجهٍ صبيح ولسانٍ فصيح غدًا منَ النار في جهنّمَ يصيح”. وكان يقول في ذمِّ هذه الدنيا “اعبروها ولا تَعمُروها” “الدنيا قنطرة فاعبُروها ولا تعمُروها” لأنّ الدنيا طريقُ المسافر لنْ نُخلَّدَ ولنْ نبقى فيها إنما هي كطريقِ المسافر الذي في نهايةِ أمرِه يعودُ إلى وطنِهِ ويرجِع إلى أهلِه.

وهكذا حالُنا نحنُ البشر في هذه الدنيا سنرحلُ عنها.

وكان عليه الصلاة والسلام عُرِفَ أيضًا بقوّتِهِ في الزهد. فكان مِنْ زهدِ عيسى عليه الصلاة والسلام أنه لمْ يتّخِذْ يبتًا لنفسِه، بل كان يَبيت حيثُ يُدرِكُهُ المساء في المسجد أو في البرّية أو في الوادي، لم يتخّذْ قصرًا ولا بيتًا لنفسِهِ، وهذا مِنْ شدّةِ زهدِهِ عليه الصلاة والسلام.

تصوّروا كان عيسى عليه الصلاة والسلام يُحيي الليل في العبادات في الصلاة في الدعاء في التضرّع في البكاء وهو عليه الصلاة والسلام كان كثيرَ الذكرِ والعبادة شديدَ التواضعِ والزهدِ، يحيي الليل ثم يُصبِح صائمًا عليه الصلاة والسلام.

وكان إذا أصبحَ يمشَطُ شعَرَهُ ويدهَن على شفتيْه الزيت لأجلِ أنْ لا يُرى عليه أثرَ القيامِ والصيام. وكان منْ شدةِ زهدِهِ يلبَس الصوف أو الشعر الذي يؤخَذ منَ الغنام – الشياه – مِنْ غيرِ نَسجٍ، منْ غيرِ أنْ تدخلَ فيه يدُ الصناعة، يعني هذا الصوف أو الشعر الذي يُؤخَذُ منَ المَعز أو منَ الشياهِ يُعمَل منه بطريقةٍ يُلبَّد ثم يُعمَل منهُ جُبّة، كان يلبَسُ منه على جسدِه وكان يأتي على جلدهِ مباشرةً وهذا يُحتاج فيه إلى شدةِ الصبر وقوةِ الصبرِ والتحمّل، ليس كلّ أحد يستطيع ذلك.

أو يلبَس الثوب الخفيف يعني ثمنًا، ليس منَ الثيابِ الغالية ولا منَ الثيابِ التي يلبسُها الملوك والأمراءُ والأغنياء. كان زاهدًا في الدنيا عليه الصلاة والسلام وكان يأكلُ منْ نباتاتِ الأرضِ نِيئةً منْ غيرِ طبخ.

تصوّروا الآن لو أردْنا أنْ نُذَكِّرَ أهل لبنان بالهندباء مثلًا، عادة الناسُ لا يأكلونَها نِيئةً، بعضُ الناسِ يأكلونَ بعضَ عروقِها مع الزيتون مع البصل مع الزيت وما شابه، أما أنْ تكونَ هي الطعام الأساس بِلا طعامٍ آخر ونِيئةً هذا لا يعرفُهُ أهل بيروت وأظنّ أغلب أهل بلادِ الدنيا اليوم، هذا لا يفعلُهُ الناس اليوم إلا يُمكن النّدرة النادرة.

عيسى عليه السلام كان يأكل الخبيزة والملوخية نِيةً، ويأكل منَ الأشجار نِيئةً منْ غيرِ طبخ عليه الصلاة والسلام، هذا طعامُهُ كان يكتفي بشىء قليل وكان منَ الحكمة أنه لمْ يتّخِذْ بيتًا لنفسِهِ لأجلِ أنْ لا يأتي مَنْ يعبُد هذا البيت أو هذا المكان الذي اتّخَذَهُ منزلًا ثابتًا بيتًا له في كلِّ أحوالِهِ.

فعيسى عليه الصلاة والسلام سُمِّيَ المسيح على بعضِ الأقوال منَ السياحة كان يسوحُ في الأرض، ليس الكزدورة وشمّة الهوا ليس التبولة والحمص بطحينة لا، السياحة هنا لأنه كان ينتقل في الأرض منْ قرية إلى قرية ومن مكانٍ إلى مكان ومن جبلٍ إلى ساحل لنشرِ الإسلام لدعوةِ الناسِ للإسلام. هكذا كان عيسى عليه الصلاة والسلام كما قال اللهُ في القرآن {وقال المسيحُ يآ بني إسرائيلَ اعبُدوا اللهَ ربّي وربَّكم إنه مَنْ يُشرِكْ بالله فقدْ حرَّمَ اللهُ عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمينَ مِنْ أنصار}]المائدة/٧٢]

عيسى صبر وتحمّل ودعا إلى الإسلام واهْتدى خلقٌ به وبسببِه ثم تكالبَت اليهود وتآمروا عليه وافترَوا على أمِّه الصدّيقة الزكية الطاهرة البتول مريم الولية الصالحة النقية رضي الله عنها. ماتت السيدة مريم والمسيحُ عليه السلام لم يُقتَل بل رُفِعَ إلى السماء كما قال اللهُ في القرآن {وما قتلوهُ يقينًا}[النساء/١٥٧] فعيسى لمْ يُقتَلْ ولم يُصلَب كما قال اللهُ تعالى {وما قتلوهُ وما صلَبوه ولكنْ شبِّهَ لهم}[النساء/١٥٧] فالمسيحُ عليه السلام صبرَ مع زهدِهِ ومع تحمُّلِهِ إلى أنْ رُفِعَ إلى السماء وفي يومٍ منَ الأيام سينزل إلى الأرض ويدعو إلى عبادةِ الله وتوْحيدِه وإلى اتّباعِ الإسلامِ وشريعةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم كما قال اللهُ في سورةِ الزخرف {وإنهُ لَعِلمٌ للساعة}[الزخرف/٦١] يعني نزول عيسى إلى الأرض منْ علامات الساعة الكبرى.

وقدْ روى الحاكم في المستدرك – المستدرك فيه أحاديث موضوعة وفيه أحاديث ظاهرُها التجسيم والتشبيه فلا تُعتمَد ولا تُؤخَذ ولا يُبْنَى عليها ولا تكونُ مُعتبَرةً صحيحة – ففي المستدرَك وردَ فيه حديث وهو صحيح قال صلى الله عليه وسلم [لَيُوشِكَنَّ أنْ ينزِلَ فيكم عيسى ابنُ مريمَ حكَمًا مُقْسِطًا ولَيَسْلُكَنَّ فجًّا حاجًّا أو مُعتمِرًا] وفي رواية [وليَسلُكَنَّ فجًّا روْحاء حاجًّا أو مُعتمِرًا وليَأتيَنَّ قبري حتى يُسلِّمَ عليَّ ولَأرُدَّنَّ عليه]

إذًا المسيحُ عليه السلام حيٌّ لم يمُتْ لمْ يُقتَلْ ولا ماتَ عندما رُفِعَ إلى السماء، بل رُفِعَ وهو حيّ وليس نائمًا بل كان مستيقِظًا. في بعضِ كتبِ التفسير يقولون في هذه الفترة مات فرفَعَه الله ثم أحياهُ في السماء، هذا غيرُ صحيح، وبعضُهم يقولُ كان نائمًا فرفَعَهُ إلى السماء فاستيقظَ وهذا غيرُ صحيح، الصحيحُ الثابت الذي يدخلُ في معنى المعجزات أنه كان حيًّا مسْتيقِظًا، هذه معجزة لعيسى عليه الصلاة والسلام.

ومِنْ مقالاتِهِ الكريمة الشريفة هذه العبارة التي مرّتْ معنا في أول الدرس على أنّ العبارات التي بعدَها هي شرحٌ وبيانٌ لها، أما الذي قالها عيسى عليه الصلاة والسلام هي العبارة الأولى التي تبدأ منْ قولِهِ “مَنْ تعلّمَ وعلِمَ وعمِلَ بما تعلّمَ فذلك يُدعَى عظيمًا في ملكوتِ السموات”

والذي بعدَهُ شرحٌ لشيخِنا على أنّ في الشرحِ أيضًا شىء أخذَهُ الشيخ رحمه الله منَ الأحاديثِ الشريفة مثلًا وردَ في الحديث أنّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا، والإنسانُ الذي يحبُّهُ الله هو المسلم السنّي ليس البدعيّ في الاعتقاد ليس المشبِّه ليس المجسِّم ليس القدريّ ليس الذي يُكفِّر الصحابة ليس الذي يطعن في عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة لا منْ هؤلاء التحريرية ولا منْ البهائية ولا منَ القاديانية ولا منْ كلّ فرقِ أهلِ الضلال كالمشبِّهة المجسِّمة التكفيريين ولا مَنْ كان على مِنوالِهم، بلْ يكونُ منْ أهلِ السنة والجماعة يعني أنْ يكونَ على عقيدةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وفي الأحكام على شريعةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، يعني الأشاعرة والماتريدية، فإذًا المسلم الذي تعلّم الفرضَ العينيى أدّى الواجبات اجتنبَ المحرّمات صار تقيًّا صارَ صالحًا فإنْ زادَ على هذه الشروط شرطًا وهو الإكثارُ منَ النوافل صارَ وليًّا.

وردَ في القرآن {إنَّ الذين قالوا ربُّنا الله ثمّ استقاموا}[الأحقاف/١٣] إذًا عقيدة إيمان إسلام. هذا الأصل الإيمان والإسلام الاعتقاد الصحيح التنزيه والتوحيد الابتعاد عنِ التشبيه والتجسيم وعن عقيدةِ القدرية المعتزلة وعنْ عقيدةِ كلِّ الفِرقِ الضالة المُنحرِفة أهلِ البِدَعِ والأهواء، إنما يكونُ على عقيدةِ أهلِ السنة والجماعة.

فهذا الإنسان يكون أولًا على الاعتقادِ الصحيح يؤدّي الواجبات يجتنِب المحرّمات يُكثِر منَ النوافل النتيجة كما قال تعالى في الآية {إنَّ الذين قالوا ربُّنا الله ثم اسْتقاموا تتنزّلُ عليهم الملآئكة}[فصلت/٣٠] هؤلاء منَ الأولياء.

وفي الصحيح روى ابنُ حبان أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال [قل آمنتُ باللهِ ثم استقِمْ ] هذا الأصل.

وسيّدُنا وإمامُنا وقدوتُنا وغوثُنا ومَفْزَعُنا وملْجَؤُنا ووسيلتُنا الغوثُ الرفاعيُّ الكبير رضي الله عنه وأرضاهُ ونفعَنا ببركاتِه وأسرارِه وأنوارِهِ وأمدَّنا بمدِده وجعلنا تحتَ أنظارِه وثبَّتَنا على حبِّه ونهجِهِ وطريقتِهِ إلى الممات قال رضي الله عنه وأرضاه وأفاضَ علينا منْ بركاتِه “الاستقامة عينُ الكرامة”

فإذًا وردَ في الحديث أنّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا أمرَ جبريل أنْ يُحبَّهُ، جبريل يحبُّ هذا العبد ثم جبريل يُنادي في السموات أّنّ اللهَ أحبَّ فلانًا فأحبّوه فيُحبُّهُ أهلُ السماء يعني الملائكة والملائكة كلّهم أولياء أطهار ليس فيهم كافر، ليس فيهم فاجر ليس فيهم مَنْ كفرَ بعدَ أنْ كان منهم، لا، ليس فيهم مَنْ زنا، ليس كما يُكذَب على هاروت وماروت أنهما أنزِلا إلى الأرض وهذا للأسف أيضًا موجود في المستدرك، يقولون-  وهذا غير صحيح – نزَلا إلى الأرض ثم شرِبا الخمر وقتلا الصبي وزَنَيا بهذه المرأة التي يُقال لها الزُّهرة، هذا لا يليقُ بعِصمةِ الملائكة.

اللهُ قال في القرآن عن الملائكة {وهم بأمرِهِ يعملون}[الأنبياء/٢٧]

ثم الملائكة ليسوا ذكورًا كيفَ زَنَوا؟ وليسوا إناثًا ولا يأكلون ولا يشربون كيف شرِبوا الخمر؟ ولا يفعلون إلا ما أمرَهم الله كيف قتلوا الصبي؟ إذًا هذا كذب على هاروت وماروت وهذا منَ الإسرائيليات، منَ الأكاذيب والأباطيل.

كما أنّ في المستدركِ أيضًا حديثُ الأوْعال وهذا حديثٌ لا يصح وفي بعضِ ألفاظِهِ تجسيمٌ صريح لا يُقبَلُ فيه التأويل ولا عبرةَ بِمَنْ أوّلَهُ لأنه أصلًا لا يصح.

فالحاصل أنّ بعضَ الناسِ يكذِبونَ على الملائكة يقولون هاروت وماروت زنَيا أكلا شرِبا مُسِخا إلى نجميْن، هذا كلُّه كذب. وبعضُ الناس يقول إبليس طاووس الملائكة، وبعضُ الناس يقول عزرائيل قال لو كنتُ أعرفُ الموت هكذا يُخيف ما كنتُ قبَضْتُ روحَ أحد، وهذا كذب.

اللهُ قال في القرآن في سورة السجدة {قل يتَوفّاكم ملَكُ الموتِ الذي وُكِّلَ بكم}[السجدة/١١] هو مأمورٌ منَ الله، واللهُ يقول {وهم بأمرِهِ يعملون}[الأنبياء/٢٧] واللهُ يقول {لا يعصونَ اللهَ ما أمَرَهم ويفعلونَ ما يؤمرون}[التحريم/٦] واللهُ يقول {بلْ عبادٌ مُكرَمون} ]الأنبياء/٢٦]

إذًا الملائكة كلُّهم أولياء فيُحبّونَ هذا الإنسان التقي الصالح في الأرض، هم سكان السموات وكلّ سماء مشحونة بالملائكة أكثر منَ التي قبلَها فيصيرُ محبوبًا عند الملائكة ومعروفًا بينَهم فيُحبُّهُ كلّ أهل السموات يعني كلّ الملائكة الذين في السموات والناس في الأرض كم يكون عددُهم بالنسبةِ لعددِ الملائكة؟

 قال بعضُ العلماء الإنسُ والجنُّ والشجر وأوراق الشجر وقطرات الماء والحَصى والرمال كلّ هذا بالنسبةِ للملائكةِ كَعُشرِ العُشُر.

فإذا أحبّكَ فلان وعِلّان مَنْ يكون هؤلاء عددُهم بالنسبةِ للملائكة؟ العبرةُ أنْ تكونَ محبوبًا عندَ الأتقياءِ في الأرض عند الصالحين ليس عندَ الفسَقة والفَجَرة، ليس عندَ الكًذَبة ليس عند الزناة والظلمة وشارِبو الخمر، ليس عند مَنْ يعيشونَ في الفسقِ والفجور، هؤلاء لو كانوا مليون وعشَرة ملايين شخص وأحبوكَ حبًّا شديدًا كالعدم لا عبرةَ بهم، العبرةُ أنْ يحبَّك الاولياء والأتقياء ومَنْ أجمَعَ الأولياءُ على محبَّتِهِ وعلى مدحِهِ فهذا دليلُ خيرٍ له عندَ الله وعلامةٌ تدلُّ على حُسنِ حالِه عندَ الله لأنّ الأولياءَ لا يُجمِعونَ على محبّةِ إنسانٍ ومدحِهِ إلا وقدْ سبَقَتْ له العناية منَ الله.

أما الغوغاء والجَهَلة وهذا المُتكبّر وذاك المُتَمَشيِخ وهذا المُنتفِخ وذاك المُتَعجرف هؤلاء لا وزنَ لهم ولا عبرةَ بهم، العبرةُ بأهلِ الله بالأتقياء، وليست العبرة بأهلِ الشهرةِ الفارغة – في الميزان لا يساوي قشرة بصلة –

العبرةُ عند اللهِ بالتقوى {إنَّ أكرَمَكمْ عندَ اللهِ أتْقاكُمْ}]الحجرات/١٣]

فالحاصلُ هذا الإنسان تحبُّهُ الملائكة قال الرسول عليه الصلاة والسلام [ثم يوضَع له القَبول في الأرض] يعني عند الأخيار يصير محبوبًا عند الأتقياء، يعني يحبُّه أهل الأرض من الصلَحاء الأخيار الأنقياء الأطهار، هؤلاء محبّتُهم تنفع.

نحنُ العوامّ إذا تعلّقْنا بحبِّ وليٍّ كأبي بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه محبَّتُنا لأبي بكر تنفعُنا، فلو كان أبو بكر رضي الله عنه أحبَّ مسلمًا هذا المسلم كمْ ينتفع بمحبّةِ أبي بكر رضي اللهُ عنه؟

إذا كنا نحنُ العوامّ أحْبَبْنا وليًّا بصدقٍ وإخلاصٍ لأنهُ حبيبُ الله، ليس لغرضٍ دنيوي، محبّتُنا لهذا الولي تنفَعُنا لأنّ الرسول عليه السلام قال [المرءُ مَعَ مَنْ أحبَّ يومَ القيامة]

إذا هذا الولي الصالح الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه أحبّ مسلمًا هذا المسلم كم ينتفع بمحبّة أبي بكر له؟ كم ينتفع بمحبة عمر رضي الله عنه له؟ كم ينتفع بمحبة عثمان رضي الله عنه له؟ كم ينتفع بمحبةِ علي رضي الله عنه له؟ وهكذا الأولياء في هذا العصر إذا أحبّوا إنسانًا وأجمعوا على مدحِهِ فهذه علامةُ خيرٍ له عندَ الله لأنّهم لا يُجمِعونَ على محبّةِ إنسانٍ إلا وقدْ سبقَتْ له العناية منَ الله لأنهم يحبّونَهُ بهذا الإلهام وهذه الإشارة التي وردَتْ في الحديث بعدَما يكون صارَ محبوبًا لأهلِ السموات الملائكة يوضَع له القَبول في الأرض فيصير محبوبًا عند أولياءِ الله.

هكذا الإشارة، فهؤلاء الأولياء محبتهم نافعةِ بلا شك، أما الفجار فلا عبرةَ بهم ولو ملأوا السهلَ والوادي ولو غَطَّوا وجهَ البحر وملأوا الجبال وهم بين فاسق وفاجرٍ ومُخادِعٍ وكاذبٍ وخوّان وظَلوم ومُنافق وكان يحبُّكَ ماذا تنفعُكَ محبَّتُه؟

هؤلاء لا عبرة بهم ولا وزنَ لهم بل العبرةُ بمحبةِ الأتقياءِ والأولياءِ والصلحاء.

وأنتم يا إخواني لا تنتظروا منَ الناس أنْ يُثنُوا عليكم ولا تعملوا لأجلِ أنْ يُحبّكَم هذا الولي بل أنتم اعملوا لله مخلصين هذا الوليّ عند ذلك بالإلهام يحبُّكم، اللهُ يضع محبّتَكم في قلبِ هذا الولي، أما أنتم ابتِداءً لا تصلّونَ لأجلِ أنْ يحبَّكم لا تصومونَ لا تتصدّقون لأجلِ أنْ يمدحَكم الولي لا، بل أنتم تصومون وتصلون وتعملونَ بالطاعات والعبادات مخلصين لله، بصدقٍ وإخلاص، فإذا أخلصْتَ صرتَ حبيبًا للهِ تعالى صرتَ محبوبًا عندَ الملائكة في السموات ويوضَع لك القَبول في الأرض فتصير محبوبًا عند أهلِ الأرض يعني الأتقياء الأخيار الصلَحاء وليس الفسقة والفجَرة فهؤلاء لا عبرةَ بهم.

هذه بعض المعاني المتَعلقة بهذه العبارة التي قالها الشيخُ رحمه الله(

وقال رضي الله عنه: العلماء لهم شغل لهم وظيفةُ التعليمِ والعمل ويتهجّدونَ بالليل ثلاثَ ساعات أو ساعتينِ أو أكثر، هؤلاء العلماءُ العاملون 

)على سبيل المثال لأنّ بعضَ الأولياء قدْ يقوم أكثر الليل أو يُحيِي مُعظمَ الليل منهم مَنْ صارَ فيه ميلٌ شديد إلى تلاوةِ القرآن يبدأ بالخَتْمةِ يُنهي ثم يعود من جديد، وبعضُهم حبِّبَ إليه التهليل لا إله إلا الله لا إله إلا الله لا إله إلا الله، فيعمَل مائة ألف مرة مثلًا في اليوم والليلة، بعضُهم الصلاة على الرسولِ صلى الله عليه وسلم، بعضُهم الاستغفار، بعضُهم سبحان اللهِ والحمدُ لله لا إله إلا اللهُ واللهُ أكبر، أو غير ذلك منَ الأوراد، وبعضُهم يُحبَّبُ إليه الإكثار منَ الصلاة فيُصلّي ساعتين أو ثلاثة أو أكثر.

بعضُ السلفِ كان يقوم كلَّ الليلِ إلى الفجر إما بالصلاة أو بقراءةِ القرآن.

وأحدُ تلامذةِ شيخِنا وهو أيضًا منَ الأولياء والصلَحاء اسمُه الشيخ محمود المَعاني، كان في دمشق، في أولِ أمرِهِ عندَما تعرَّف إلى شيخِنا في القيمرية في القضاء في دمشق ولزِمَ شيخَنا مدةً وقرأ عليه في العقيدةِ وفي التوحيد وأخذَ منه الفقه ثم الشيخ أجازَهُ وصار يساعدُهُ ويُعاونُهُ في الدعوة، وكان الشيخ رحمه الله يُرسل الشيخ محمود المَعاني إلى المشايخ لبعضِ الأمور المتعلّقة بالدعوة، وكان يساعد شيخَنا في الدعوة، حتى إنّ الشيخ قال عنه كان نِعمَ العوْنِ لي عندما كنتُ في دمشق، وهذا مدحٌ عظيم.

ثم الشيخُ رحمه الله رجَعَ واستقرَّ في بيروت بعدَ مدّةٍ طويلة والشيخ محمود المَعاني اشتغل في الدعوة بالعلم إلى أنْ غلبَ عليه الخَلوة والانفراد عن الناس.

بعضُ الناس يغلِبُ عليهم هذا الحال وصار بين حلب- منطقة سيف الدولة – وبين دمشق نهر عائشة، وكنا نزورُهُ هناك في منطقة سيف الدولة، كلّما دخَلْنا عليه نراه منْشَغِلًا بالخلوة في أيِّ وقت في ليلٍ أو نهار يكونُ منشغِلًا بخَتمةِ القرآن, وأنا لا أذكر إلا أنه كان يترك الختمة أو التلاوة لأجلِ الصلاة مثلًا، يُكلِّمُنا كلمات خفيفة يؤنِسُنا يسأل عن الشيخ وإذا دخلَ وقتُ الصلاة نقوم نصلي معه ويرجِع إلى التلاوة، كان في كلِّ يوم له خَتمة رضي الله عنه وعن شيخِنا وعنْ كلِّ الصالحين.

بعضُ الناسِ يشتغل بالدعاء بعضُ الناس بالذكر بعضُهم بالتفكّر مع الحضور، يستحضر في  قلبِه الخوف منَ الله، وهذا التفكر مع الحضور يرَقِّق القلب ويساعد على الاستعداد للآخرة.

الأولياء أحوالُهم عديدة ومختلفة، بعضُ الأولياء الصلَحاء مثلًا كان يشتغل ببعضِ الأذكار نحو مائة مرة في اليوم، الاستغفار الصلاة على النبي أو ما شابه.

بعضُهم بتلاوةِ القرآنِ، بعضُهم بقيامِ الليلِ بالسجود ويطيل والصلاة والدعاء، أحوالُهم شتّى رضي الله عنهم ونفَعنا بهم.

فالأولياء ليسوا كُسالى ولا همُّهم الدنيا لا يشغلُهم التلفزيون، كلّ لحظة عندَهم يستعملونَها في خير.

إحدى الصالحات كانت تُوقِظ زوجَها في الليل للتهجّد تقول له “قمْ قدْ سبقَنا القوم” وهي ولية، تتهم نفسَها بالتقصير، هذا حالُهم رضي الله عنهم ونفعَنا بهم(

 

وقال رضي الله عنه: مَنْ أرادَ اللهُ به خيرًا يُيَسّر له علمَ الدين والعملَ به على مذهبِ أهل السنةِ والجماعة.

أهلُ السنةِ والجماعة هم الذين عقيدتُهم عقيدةُ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي الأحكام مُوافقة لِما كان عليه أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

)هذه قاعدة دائمًا كونوا على ذُكرٍ فيها واستحضار، كلّ مَنْ يشتغل بغيرِ علمِ وعقيدةِ  وفقهِ أهلِ السنةِ اعرِفوهُ أنه مَخذول لأنه لم يُوَفَّقْ للخير للصواب للحق، فهؤلاء المشبهة المجسمة وكلّ أهلِ البدعِ الاعتقادية الفاسدة المُخالفة لعقيدةِ الإسلام، كلّهُم قدْ خذَلهم اللهُ تعالى وأعماهم وأبعَدَهم عنِ الخير، أنتمْ دائمًا استحضروا كلّ مَنْ كان يشتغل بعلمِ أهلِ السنة وعلى عقيدةِ أهلِ السنة وبفقهِ ومنهجِ أهلِ السنة وعلى طريقةِ أهلِ السنة بالالتزام بالأحكام بالعقائد هذا على طريقةِ الصحابة يعني هذا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، أما مَنْ خالَفَهم مَنْ كذّبهم مَنْ عاداهم مَنْ حاربَهم مَنْ جاءَ بعقيدةٍ مُبتَكَرة، مَنْ جاء بعقيدةِ الاعتزال وكذّبَ بالقدر فقال إنّ الإنسانَ هو الذي يخلقُ أعمالَ نفسِهِ الاختيارية وليس الله يخلُقُها لوْ كان يُقال له الدكتور العلامة وله مواقع لا عبرةَ به، لو كان له كتب مؤلفة لا عبرة به.

الآن يوجَد دكاترة ينتسبونَ للسنة والسنةُ منهم براء يقولون بعقيدةِ الاعتزال وبعقيدةِ المجوس، يقولون والعياذُ بالله بوجود خالقِين لا يُحصَوْن.

وأما العقيدة التي جاء بها الأنبياء وعليها الملائكة والأولياء والصحابة وآل الرسول والسلف والخلف والأئمة الأربعة والأقطاب الأربعة والخلفاء الأربعة والطرق الأربعين، كل الصلَحاء على ما جاء في القرآن {قلِ اللهُ خالقُ كلِّ شىء}[الرعد/١٦] على ما جاء في القرآن {هل مِنْ خالِقٍ غيرُ الله}[فاطر/٣]، على ما جاء في القرآن {واللهُ خلقَكم وما تعملون}[الصافات/٩٦]

وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي وعددٌ منَ الحفاظ [إنّ لكلِّ أمةٍ مجوس ومجوسُ هذه الأمة الذين يقولون لا قدَر]

والحديث الذي رواه أبو حنيفة وعمِلَ به في العقائد قال صلى الله عليه وسلم [صِنفانِ منْ أمتي لا نصيبَ لهما في الإسلام المُرجِئةُ والقدرية] القدرية يعني المعتزلة، اليوم لا يُسمّونَ أنفسَهم قدرية ولا يُسمّونَ أنفسَهم معتزلة، توجَد فرقة منهم تسمّي نفسَها حزب التحرير أتباع تقيّ الدين النبَهاني وكتُبُهم موجودة وتشهدُ عليهم، نفس العقيدة، وفرق أخرى تدّعي الإسلام ويقولون بعقيدةِ المعتزلة ولو كانوا لا يُسمّونَ أنفسَهم معتزلة ولا قدرية لكنْ عقائدُهم ومؤلَّفاتُهم تشهدُ عليهم.

إذًا اعرِفوا كلَّ مَنْ كان على غيرِ مذهبِ وعقيدةِ الصحابة أهلِ السنةِ والجماعة الأشاعرة والماتريدية اعرِفوا أنّه مخذول لمْ يُوَفّقْ للهدى والصواب، فالحذر الحذر من هؤلاء  الدكاترة المشايخ الأحزاب الجماعات الجمعيات التي تدعو إلى عقائد تكذِّب القرآن، تكذّب عقيدة الرسول في المشيئة وفي عقائد التنزيه والتوحيد، هؤلاء خذلَهم الله وأصمّهم وأبعدَهم عن الخير(

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: اللهُ جعلَ حياتًا غيرَ هذه الحياة حياةً لا نهايةَ لها، بالنسبةِ لهذه الحياة جعلَ أعمارًا مُتفاوِتة جعلَ بعضَهم قِصارَ العمُر وجعلَ بعضَهم طِوالَ العُمر ثم على حسبِ العمل قد يكونُ هذا عمُرُه قصيرًا ويكونُ ربِحَ منَ الحسنات أكثرَ منَ الذي عمُرُه طويلٌ بسببِ العمل وقدْ يكونُ العكس

)ومِن خيرِ الناس مَنْ طالَ عمرُهُ وحسُنَ عملُهُ ومِنْ شرِّ الناسِ مَنْ طالَ عمرُهُ وساءَ عملُهُ، نسألُ اللهَ السلامة(

وقال الإمام: بعضُ الناس اللهُ يجمعُ لهم بين طولِ العمرِ وبينَ حُسنِ العملِ هذا أفضلُ منَ الذي أقصرُ عمرًا منه وأقلُّ عملًا.

ثم الإنسانُ يُسألُ في الآخرة هل تعلمتَ علمَ الدين فإنْ كان تعلّمَ يُسألُ سؤالًا آخَر هل عمِلتَ بما تعلّمتَ أنه فرضٌ هل أدّيْتَهُ وما تعلّمْتَ أنهُ حرامٌ هل تجنَّبْتَهُ، يُسألُ سؤاليْن، فمَنْ تعلّمَ علمَ الدينِ وعمِلَ به هذا مِنْ خِيارِ عبادِ اللهِ.

)لذلك وردَ في الحديث [وعنْ علمِه ماذا عمِلَ به] يعني في الحديث الذي فيه [لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربعة] منها [وعن علمِهِ ماذا عمِلَ به[

فكلٌّ منّا سيُسألُ هل تعلمتَ، فإنْ كان تعلّم يُسأل هذا السؤال الثاني هل أدّيْتَ وعمِلْتَ وطبَّقْتَ ما تعلّمْتَ؟

فإذًا لا بدّ للإنسان الذي يريد النجاة منَ العلمِ والعمل، انتبهوا مَنْ لمْ يتعلّم هذا حالُه خطير وسىّء.

الإنسانُ الذي تعلّم هذا أدّى واجبًا الذي هو التعلّم فإنْ لمْ يعلمْ عليه ذنب ترك التعلّم، أما الأول لا تعلّم ولا عمِل. يعني الأول ذنبُهُ أقبحُ وأشدّ لأنه لا لذنبٍ واحدٍ بل لعدةِ ذنوب، أما هذا الثاني تعلّم يعني أدّى الواجب سقط عنه السؤال في الآخرة عن هذه القضية الأولى وهي تحصيلُ العلم لكنْ لم يعمَلْ يبقى عليه سؤال، فهذا تحتَ المشيئة.

وأما الذي تعلّمَ وعلِمَ مع الإخلاص هذا الناجي في القيامة.

فإذًا مَنْ لم يتعلّم هالك ومَنْ تعلّم ولمْ يعمَل هالِك ومَنْ تعلّمَ وعمِلَ مع الرياء هالك ومَنْ تعلّمَ وعمِلَ معَ الإخلاص هو الفائز الناجي نسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنا منهم(

وقال رضي الله عنه: مَنْ تعلّمَ عقيدةَ أهلِ السنة وثبتَ عليها ودافعَ عنها المخالفين وحذّرَ الناس منَ المخالفين له أجرٌ عظيم.

الرسول عليه الصلاة والسلام قال [المتمسِّكُ بسنّتي عندَ فسادِ أمّتي له أجرُ شهيد] هذا الحديثُ حديثٌ حسَنْ. هذا وقتنا ينطبِقُ على هذا الحديث  لأنهُ كثُرَ الدعاةُ باسمِ الدينِ إلى خلافِ الدين

)وهذه بشرى لِمَنْ يعمل بهذه الفائدة، يعني هذه بشرى للمسلم السنيّ الذي يتعلم ويعمل فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ينشر التوحيد ويعلّم العقيدة والتنزيه يحَذّر منَ الكفريات والمُنكَرات والضلالات، هذا الإنسانُ لو ماتَ في بيتِه على فراشِهِ ولو لمْ يُقتَل في أرضِ المعركة له أجرٌ يُشبِه أجر الشهداء، وشهيدُ المعركة رتبةٌ عالية، شهيدُ المعركةِ درجةٌ رفيعةٌ وعالية في الآخرة ليس شيئًا هيِّنًا.

وردَ في بعضِ الأحاديث أنّ الشهيدَ له في الجنة مائة درجة ما بين درجةٍ ودرجة كما بين السماء والأرض، بين السماء والأرض خمسمائة عام، إذا كان له مائة درجة بين كل درجة ودرجة خمسمائة عام كم تكون هذه المسافة والمساحة؟ شىءٌ عظيمٌ كبيرٌ واسعٌ شاسعٌ جدًّا جدًّا جدًّا في الجنة.

اليوم أغلى متر أرض في الدنيا يقولون في مكة أم في واشنطن؟ أين؟ هذا الذي نتكلم عنه الشهيد الذي قُتِلَ في أرضِ المعركة أو بسببِ القتال قُتِلَ في سبيلِ الله في الجنة له تلك المساحات ليس في الجنة، الدنيا فيها متاعب، ليس في الدنيا أرض ما فيها متاعب كلّ بقعة على الأرض فيها متاعب أما الجنة فليس فيها متاعب لا هم ولا غم ولا جوع ولا تعب ولا عُري ولا نُعاس.

قد يقول قائل أنا أتلذذ بالنوم أقول لأنك تتعب فتحتاج للنوم فتنام فترتاح فتلتذ لأنك متعَب، في الجنة لا يوجَد تعب فلا تحتاج للنوم بل قلوبُهم عامرة بالأنوار والفرح والسرور فالتعب والنعاس والنوم والألم والحزن والبؤس لا سبيلَ له إلى قلوبِهم، قلوبُهم عامرة بالفرحِ والسرور.

الجنة ما فيها تعب لا جسدي ولا فكري.

تخيّل معي كل هذه المساحات مجموعها مسافة خمسين ألف سنة في الجنة وقدْ وردَ في الحديث [موْضِعُ سوْطٍ في الجنة خيرٌ منَ الدنيا وما فيها] الكرباج، موضع شبر، وما فيها يعني من أمور الدنيا.

فالحاصل هذه الدنيا للزوال، أين المقرّ والمُستقر في النهاية؟

اشتغلْ ليكونَ مقرُّكَ الجنة بإذنِ الله، اثبتْ على الإسلام واعملْ بهذه الفائدة العظيمة انشر العقيدة انشر التوحيد الإسلام التنزيه حذِّر منَ الكفر والضلال ومنْ أهلِ الضلال بنشرِ العلم بتمكين الناس في العلم بتفقيه الناس، الرسول صلى الله عليه وسلم قال [بلِّغوا عني ولوْ آية]

وقال صلى الله عليه وسلم [نضّرَ اللهُ امرءًا سمِعَ مقالتي فوَعاها فأدّاها كما سمِعَها]

وقال صلى الله عليه وسلم [مَنْ خرجَ في طلبِ العلمِ فهو في سبيلِ الله حتى يرجِع]

إذًا اعملوا بهذه الفائدة.

وما معنى هنا المتمسكُ بسنتي عندَ فسادِ أمتي فله أجرُ شهيد؟

  هنا سنتي يعني شريعتي عقيدةً وأحكامًا، فهذا الداعي للعقيدة للإسلام لا بدَّ أنْ يكون على عقيدةِ الرسول وعلى شريعةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا الإنسان قال العلماء لهُ أجرٌ وثوابٌ كبيرٌ عظيمٌ يُشبهُ أجر الشهداء.

الشهيد قد يُحبَس في أرض المعركة قد يُعذّب قد يُضرَب قد يُمثِّلونَ بجسدِهِ قدْ يُذيقونَهُ أنواع العذاب ويُقطّعونَ أعضاءَ جسدِهِ ثم يقتلونَه. كم يكون له منزِلة عالية في الجنة ؟

أنت نائم في البيت وبالمكيّف لكنّك تعمل الشىء الذي ذكَرْناه أمر بالمعروف نهي عن المنكر نشر للعقيدة والإسلام والتوحيد والتنزيه تحذير منَ الكفر من الكفريات من المنكرات من الفساد من أهلِ الضلال تموتُ في بيتِكَ يكونُ لك أجر يشبه أجر الشهداء، أيُّ نِعمةٍ هذه؟

 رأيتُمْ عظمة وبركة الإسلام؟ رأيتم ما أعظم النّعم التي يعيشُ المسلم فيها؟

إذًا اعملوا بهذا.

[فله أجرُ شهيد] يعني له أجر يشبه أجر الشهيد فلا تفَوِّتوا على أنفسِكم هذا الخير، لا يعتاد الواحد منا يعطي نفسَهُ ما تريدُهُ منَ الكسل.

اليوم يوجَد أشخاص يستطيعون التدريس تعلموا وحصّلوا العلم من ست أو تسع سنوات أو عشرين سنة يحضر، ثلاثين سنة يسمع ويكتب ويسجل ويجلس في البيت تضييع عمر ويا حسرة العمر تمشي سبَهلَلًا، ومنهم مشايخ ومعهم شهادات وحصّلوا العلم لكنْ شهاداتِهم موضوعة بين الأوراق بالرف والجارور والناس باتت لا تعرفهم مشايخ لا يدرِّسون ولا يخطبون ولا يعلمون ولا يحضرونَ بعزاء ولا بجنازة ولا بجبر خاطر مسلم بمصيبة بمرض ببلية بمستشفى ولا يذهبون إلى بيوتِ الناس يدرّسونهم الدين والناس تحتاج لِمَنْ يعلِّمُها وقد تكلّمتُ منْ مدةٍ قريبة في هذا الأمر أنّ بعضَ المشايخ هم من أهلِ الحق من أهل السنة والجماعة منَ الأشاعرة والماتريدية، البعض نقول، غلبَ عليه الكسل والخوف من كورونا يقعد في بيتِه لا يزور ولا يُزار هذا شىءٌ مؤسف محزِن شىءٌ مخيف لأنّ الناس إذا اعتادوا هذه العادة صار فيما بينَهم والعياذُ بالله خرابًا وقطيعة بين الناس، هذا لا ينبغي.

الرسول قال [ولا تدابَروا] لأنّ في هذا التدابُر إضعاف لعملِ أهلِ الإسلام.

قال الله تعالى {وتعاونوا}[المائدة/٢] هذا القرآن وهذا الحديث، لماذا بعض المشايخ اليوم تعوّدوا الكسل الأكل الشرب النوم اللجوء والرُّكون إلى الدنيا أما الساحات والباحات والمساجد والتعازي والمساجد والمدافن مهجورة.

اليوم قيل لي فلان يريد مجلس علم في بيتِه، للأسف قيل لبعض الناس قال أنا في هذه المدة لا أذهب إلى بيوتِ الناس ودروسي أنا التي كانت عندي أوْقَفْتُها….

هل هذه عاداتُ الأنبياء؟ لا والله، هل هي عاداتُ الصحابة؟ لا والله، هل هي عادات أهل البيت؟ لا والله، هل هي عادات الأولياء؟ لا والله، هل هي عادات الأذكياء والصلَحاء؟ لا والله.

هذه عادات مَنْ غلبَ على قلبِهِ الخوف والجُبن والتأثر بعاداتِ غيرِ المسلمين وهذا شىءٌ مُحزن، لما نصل إلى مرحلة أنّ بعضَ الدعاة والمشايخ يقعدوا في بيوتِهم خائفين يتركونَ التعليم ويتركون الخروج للناس فلْيَبكوا على أنفسِهم.

أنا المرة الماضية قلت لهم اخرجوا للناس قبل أنْ تموتوا فلا يخرجُ الناس في جنائزِكم، اذهبوا خالطوا الناس وعلِّموهم الدين.

أليس وردَ في الحديث أنّ الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ ممّن لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم؟

كيف إذا كان هؤلاء الذين أنت تنقطع عنهم يُحسِنونَ إليك لا يُؤذوك يريدونَ منك أنْ تعلِّمَهم فقط، ويُحسِنونَ إليك وأنت تقطعُهم وتعمل الخلوة وكما يُقال “مريَّح”

سيأتيكَ الموت مريّح أو تعبان، شيخنا كان يقول مع التعب الشديد “التعب في الطاعة راحة”

فلْنَبكي على أنفسِنا ونُراجِع حساباتِنا مَنْ نقلِّد الأنبياء والأولياء والصلَحاء؟ أم الأعاجم والفسَقة والفجَرة؟

نعجّل بخدمة الدين والدعوة ونشر الإسلام والخروج للناس لخدمتِهم ولتعليمِهم قال صلى الله عليه وسلم [بلِّغوا عني ولوْ آية]

والحمد لله ربّ العالمين