الجمعة يوليو 26, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (5)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيِّدِنا أبي القاسم محمدٍ طه الأمين وعلى آلِ بيتِهِ وصحابتِه الطيبين الطاهرين

يقولُ جامعُ هذا الكتاب عماد الدين الشيخ جميل حليم الحسيني رضي الله عنه وعن شيخِه (صحيفة 108)

(هذه هنا ملاحظة كلمة رضي الله عنه في مثلِ هذا الموضع لأجلِ أنْ لا يتوهّمَ البعض أنها خاصة بالولي والتقي والصالح والعالِم لا، إنما الإنسان يقول لأخيه المسلم اللهُ يرضى عنك، هذا من بابِ الدعاء، أمّا عندما يُقال عن الأئمة والعلماء الكبار رضي اللهُ عنهم فهذا دعاء لهم أيضًا بمزيد الخير والبركة لهم، أمّا للعوامِّ كأمثالِنا فإذا قيلَ لهم رضي اللهُ عنك فهذا منْ بابِ الدعاء. لِيُتَنبَّه لأجلِ أنْ لا يظنّ البعض أنَّ هذه الكلمة خاصة فقط للأولياء أو للعلماء الكبار. الأم أحيانًا تقول لابنِها اللهُ يرضى عنك، هذا منْ بابِ الدعاء).

 

عبادةُ اللهِ وحدَه

قال الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه: اللهُ تعالى خلقَ البشر ليَعْبُدوه لِيُسلِموا لِيَعمَلوا بدينِ اللهِ الإسلام. قال الله تعالى {وما خلقْتُ الجنَّ والإنسَ إلا لِيَعْبُدون}[الطور/٥٦] معنى الآية أنا أمرتُ الإنسَ والجنّ أنْ يعبُدوني، أي لا يعبُدوا غيري.

(اللهُ تعالى لا ينتفع بنا ما خلقَنا لِيُحَقِّقَ بنا لنفْسِهِ نفعًا ولا لِيَدْفَعَ بنا عنْ نفسِهِ ضُرًّا، حاشى، اللهُ تعالى هو القويُّ العزيز لا يحتاجُ إلينا ولا للأنبياء ولا للملائكة ولا للأولياء. اللهُ لا يحتاجُ إلى أحد، اللهُ خلقَنا لِيَأمرَنا بعبادتِهِ، فنحنُ إنْ أطَعْنا الله نحنُ مَنْ يَنتَفِع أمّا اللهُ لا ينتفع بشىء ولا يرجو شيئًا ولا يتحقق له نفع منْ أحد حاشى لأنَّ اللهَ تعالى كمالُهُ ذاتيٌّ أزليٌّ أبديّ. فاللهُ تعالى لا يقبلُ زيادةً في الكمال، لا يزدادُ كمالًا حاشى، نقول الأنبياء يزدادونَ كمالًا الأولياء الملائكة يزدادونَ كمالًا، أمّا اللهُ ليس هكذا، اللهُ كمالُهُ أزليٌّ أبديٌّ لا يزدادُ كمالًا لا ينتفعُ بأحد ولا بشىءٍ.

فإذًا اللهُ ما خلَقَنا ليَنْتَفِعَ بنا حاشى، لنَنْتَفِعَ نحنُ إنْ أطَعْنا اللهَ وعبَدْناه. اللهُ يقول {يآ أيها الناس أنتمُ الفقرآءُ إلى الله واللهُ هو الغنيُّ الحميد}[فاطر/١٥])

 

وقال رضي الله عنه: تفسير الآية {أفَرأيْتَ مَنِ اتّخذَ إلهَهُ هواه}[الجاثية/٢٣] معناه عند ذلك المشركِ إله، اللهُ ما أثبتَ له الألوهية، الآيةُ نزلَتْ في شأنِ أُناسٍ منَ العربِ في الجاهلية إذا رأوا حجرًا جميلَ المنظر حسنَ المنظر يأخذونَهُ فيَعْبُدونَهُ ثمّ إذا صادفوا آخرَ أحلى منه يرْمونَ هذا ويأخذونَ الآخَرَ فيَعْبُدونَهُ، في هذا نزلتِ الآية {أفرَأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهَهُ هواه}[الجاثية/٢٣] معناه ذمٌّ لهم، ما أثبَتَ القرآن أنه يوجَدُ إلهٌ غيرُ الله.

(وهنا أيضًا بعضُ الناس الجهال الذين يدّعونَ العلمَ والمشيَخة أخطأوا في فهْمِ هذه الآية فحرَّفوا معناها والعياذُ باللهِ تعالى فضلّوا وأضلّوا هم ومَنْ تبِعَهم.

قال هذا المدّعي – والشريط عندنا – قال للناس يا ناس كم إله في بالكون؟ قالوا له لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، قال أخطأتُمْ، والعياذُ  بالله.

يعني أولًا سؤالهُ غلط قولُهُ كم إله في بالكون هذا خطأ ولا يجوز ولا يصِحّ ولا يُوافق التوحيد ولا القرآن، هم أجابوا فقالوا لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، قال لهم أخطأتُم، وهذا تكذيبٌ للقرآن، اللهُ تعالى {لآ إله إلا أنا فاعبُدون}[الأنبياء/٢٥] {وإلهُكمْ إلهٌ واحدٌ}[البقرة/١٦٣] يقول {قل هو اللهُ أحد}[الإخلاص/١]

 

أما هذا المدّعي قال والعياذُ بالله خطأ، على زعمِه، ثم قال يا أنا بطلع الصواب يا أنتو، على زعمِهِ وهذا أيضًا تكذيبٌ للإسلام، ثم احتّج بهذه الآية قال في الكون إلهين على زعمِهِ، قال {أفرأيتَ منِ اتّخذَ إلهَهَ هواه}[الجاثية/٢٣] ثم قال الهوى إلهٌ يشارك مع الله، حاشى، والعياذُ بالله، أطلقَ الألوهية على الهوى ثم قال يشارك مع الله، وكل هذا الكلام تكذيب لله والقرآنِ والإسلام ولدعوةِ الأنبياء.

ما معنى هذه الآية؟ الآية ليس فيها ولا تُعطي أنّ الهوى إله مع الله حاشى، ولا قالت هناك إلهٌ شريكٌ لله حاشى، وحاشى أنْ يكونَ فيها ذلك. الآية تُخبِرُ الرسول صلى الله عليه وسلم عنْ فِعلِ الجاهليّ المُشرِكِ – الشخص المشرك في الجاهلية – كان يعبُدُ الحجر فإذا كان في السفر ورأى حجرًا أجمل منَ الأول تركَ الأول وعبدَ الثاني، فالآية نزلَتْ تُخبرُ الرسول صلى الله عليه وسلم عنْ فِعلِ المشركين {أفرأيتَ مَنِ اتَّخذَ إلَهَهُ هواه}[الجاثية/٢٣] يعني هل أٌخبِرْتَ يا محمد، أَعَلِمْتَ يا محمد بفعلِ هذا الجاهلي المشرك؟ الآية مُقيّدة تقول إنّ هذا المشرك اتّخذَ الحجرَ إلهًا له.

هذا معنى الآية وليس معناها أنّ الهوى إله يشارك مع الله, وهذا التفسير الذي بيّنتُهُ الآن قالَهُ وفسَّرَهُ ترجُمان القرآن عبدُ الله بنُ عباس رضي الله عنهما كما روى ذلك الحاكم عنْ عبدِ اللهِ بنِ عباس.

 

فإذًا الآية تُخبِرُنا عن فعلِ المشركين ولا تقول إنّ الهوى إله مع الله ولا تقول إنّ اللهَ معه شريك. بل المسلم الصغير المميّز يعرِف أنَّ مَنْ نسبَ إلى الله الشريك فهو كافر ليس منَ المسلمين.

فهذا المُحرِّف لا يكونُ شيخًا ولا وليًّا ولا شيخَ طريقة ولا عالمًا ولا مفسِّرًا بل هو محرِّفٌ لدينِ اللهِ تعالى.

إذًا انتبهوا كلمة الإله لا تُطلَق إلا على الله، مَنْ أطلَقَها على غيرِ اللهِ فقدْ أشركَ بالله. ولوْ كانَ يصِحّ أنْ تُطْلَقَ على غيرِ اللهِ على زعمِهم لما صحَّتْ كلمة لا إله إلا الله، إذًا هذا معنى الآية {أفرأيتَ مَنِ اتَّخذَ إلهَهُ هواه}[الجاثية/٢٣] إخبارٌ عن حالِ المشرك وعمّا كانَ يعبُدُهُ منَ الحجارة في الماضي وكان يترك هذا الحجر ويعبُدُ حجرًا أجمل منظرًا منه، هذا معنى الآية.

أمّا مَنْ قال إنَّ الهوى إلهٌ يشارك مع الله فقد كذّبَ الله وجعلَ للهِ شريكًا وهذا لا يكونُ منَ المسلمين).

 

عقيدةُ أهلِ السنةِ والجماعة

قال الإمام الهرريُّ رضي الله عنه: إنَّ طرُقَ الخيرِ كثيرة وبعضُها أفضلُ منْ بعض، بعضُها يكونُ أكثرَ نفعًا منْ بعض فينبغي تقديمُ الأهم فالأهم. فأهمُّ أمورِ الدينِ وأوْلاها للاهتمامِ به عقيدةُ أهلِ السنةِ والجماعة التي عليها السلفُ والخلَف. السلفُ هم أهلُ القرونِ الثلاثةِ الأولى هؤلاءِ كلُّهم على ما عليه الصحابة ولا يزالُ هذا مستمرًّا إلى يومِ القيامةِ وذلك لأنَّ اللهَ وعدَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم ألّا تضِلَّ أمّتُهُ وأنَّ جمهورَهُم لا يضِلّون أمّا مَنْ شذَّ عنهم فهو يَضِلُّ لا مَحالة، لا بد، فهو ضالٌّ وقدْ حصلَ هذا.

(وهنا فوائد منها أنّ طرقَ الخيرِ كثيرة لكنْ ليست في مرتبةٍ واحدة بعضُها أعلى منْ بعض، بعضُ الخيرِ أعلى وأكبر وأنفع منْ بعض. لذلك كان الإيمان باللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم أفضل منْ كلِّ الأعمال. لذلك ينبغي على الآباء والأمهات أنْ ينتبهوا أنَّ أفضلَ ما يُقَدِّمونَهُ لأبنائِهم ليس اللباس الغالي الثمن أو الطعام أو الشراب أو السيارات أو أنْ يُسجَّلوا في مدارس دُنيوية مشهورة، لا، ليس هذا أفضل ما يقَدَّم للأولاد، أفضل ما يُقَدَّم للأولادِ عقيدة أهلِ السنة والجماعة وأنْ يُنَشَّأوا على هذه العقيدة، هذا أعظم وأفضل ما يُقَدَّم للأولاد، وأعظم وأفضلُ ما يُقَدِّمُهُ الدُّعاةُ والمشايخ للطلَبةِ والناس، وأعظم وأفضل ما يُقَدِّمُه الإخوة والأصحاب لبعضِهم البعض أنْ ينشروا عقيدةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، عقيدةَ أهلِ السنةِ والجماعة، عقيدةَ السلفِ والخلَف.

 

عقيدةُ الصحابةِ هذه التي نحنُ عليها يعني التي عليها الأشاعرة والماتريدية. وعندما يقول العلماء عقيدة السلف ليس المراد بالسلف هؤلاء المشبهة المجسمة الذين يقولون بأنَّ اللهَ جسم وجسد وقاعد وجالس ويُكَفِّرونَ المسلمين المتوَسِّلين والمُستَغيثين والمُتَبرِّكين والذي يستَغيثونَ بالرسولِ في المولدِ النبويّ الشريف، لا ليس هؤلاءِ هم السلف، هؤلاء الذين يُكفِّرونَ الأمة السلفُ منهم براء.

 

السلفُ هم أهلُ القرونِ الثلاثةِ الأولى، يعني أول مائة سنة التي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وثاني مائة سنة وثالث مائة سنة. هذه القرون الثلاثة الأولى، مَنْ كانوا في هذه القرون منْ حيثُ الإجمال هم أفضل منْ غيرِهم، نقول منْ حيثُ الإجمال لأنَّ التقيّ الآن أفضل منَ الفاسق الذي كان في تلكَ القرونِ الأولى الثلاثة.

فمثلًا عمر بن عبد العزيز رضي اللهُ عنه وأرضاه أفضل ممّنْ كانَ في زمنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ولمْ يكنْ تقيًّا صالحًا، لأنَّ عمر كان تقيًّا صالحًا إمامًا مجتهدًا عابدًا ناسكًا زاهدًا ورِعًا وكان منَ الخلفاء الراشدين وكان ممّنْ يجتمِعونَ بالخَضِر يقظة، فلو كانَ فرد منَ الأفرادِ الذين كانوا في زمنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وهذا الفرد لمْ يكنْ تقيًّا صالحًا فعمر بن عبد العزيز أفضل منه، وهكذا دائمًا التقي أفضل مِنْ غيرِ التقي لأنَّ اللهَ قال {إنَّ أكرَمَكُمْ عندَ اللهِ أتْقاكُمْ}[الحجرا/١٣].

 

بعضُ مَنْ كان في زمنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ذهب فقتلَ عمار بن ياسر، هذا رجل كان في حجةِ الوداع وسمِعَ الرسول عليه السلام يقول [لا ترجِعوا بعدي كفّارًا يضربُ بعضُكمْ رقابَ بعضٍ] ثم ذهبَ إلى عمار بن ياسر وقتله، وعمار بن ياسر أحدُ السبعةِ الأوائل الذين أسلموا، مَنْ قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم فيه [الجنةُ تشتاق لعمّار]، مَنْ قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم [مُلِىءَ إيمانًا منْ قرنِهِ إلى مُشاشِه] هذا عمار بن ياسر جاء هذا الرجل فقتله.

 

هل هذا الرجل لأنهُ كان في حجةِ الوداع وكان في زمنِ الرسول يُقال إنه أفضل منْ عمر بن عبدِ العزيز؟ أو أفضل مثلًا منْ أويس القرني؟ لا، إذًا العبرةُ عند اللهِ بالتقوى.

فعمر بن عبد العزيز أفضل منْ هذا الرجل أبو الغادية الذي قتلَ عمّارًا رضي الله عنه وأرضاه. فإذًا يا إخواني ويا أخواتي العبرةُ عند اللهِ بالتقوى.

 

منْ هم السلف؟ هم مَنْ كان في زمنِ الصحابةِ ومَنْ بعدَهم ضمنَ القرونِ الثلاثةِ الأولى هؤلاء السلف كانوا على عقيدةِ الرسول. والأشاعرة والماتريدية اليوم على عقيدة السلف يعني على عقيدةِ الصحابةِ رضوانُ اللهِ عليهم، يعني على عقيدةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.

فالعبرةُ بتقديمِ الأوْلَى فالأوْلَى ليست كلّ أمورِ الخيرِ في مرتبةٍ واحدة، بعضُها أفضل منْ بعض، بعضُها أعلى منْ بعض.

فلذلك ينبغي على الآباءِ والأمهات أنْ يكونوا منَ الأذكياء ويعرفوا كيف يُقَدِّموا هذا الأمر العظيم وهذه العقيدة الشريفة لا أنْ يُقَدِّموا لهم أمورَ الدنيا وفي أمورِ الدينِ يُهْمِلونَهم يُضَيِّعونَهم فيَضيعون فإذا كبُرَ الأولاد ضيَّعوا الآباء والأمهات، وهذه تكون حُرقة في القلبِ وحسرة.

 

لذلك اعرِفوا الأوْلويّات واعرفوا الأمور بمَراتِبهِا، ليس كلّ الأمورِ في مرتبةٍ واحدة كما قال شيخُنا رحمه الله “قدِّم الأوْلى فالأوْلى عمُر الإنسان قصير وهو يسير ولا يسَع لكلِّ شىء فقدِّم الأوْلى فالأوْلى”).

وقال رضي الله عنه: إنّ أعظمَ نِعَمِ اللهِ تعالى عقيدةُ أهلِ السنةِ التي كان عليها الصحابة ومَنْ تَبِعَهم وتوارثَها المسلمونَ الخلفَ عن السلفِ منذُ أربعةَ عشرَ قرنًا. وهذا المذهب عقيدةُ أهلِ السنةِ والجماعة هو الذي كان عليه الخلفاءُ والسلاطين.

ومنْ جملةِ السلاطين الذين كانوا على هذه العقيدةِ الأشعرية السلطانُ صلاحُ الدينِ الأيوبي رحمه الله.

كان السلطانُ صلاحُ الدينِ الأيوبي واسمُهُ يوسف عالمًا حافظًا للقرآنِ وحافظًا لكتابِ التنبيه في الفقهِ الشافعي وحافظًا لكتابِ الحماسة. كانَ شديدَ الاهتمامِ بعقيدةِ أهلِ السنةِ العقيدةِ الأشعرية، كان يأمرُ المُؤَذِّنينَ أنْ يقرءوا العقيدةَ الأشعريةَ على المآذنِ ليَسْمَعَ جيران المسجد، ثم قرَّرَ تدريسَ العقيدةِ الأشعرية للصغارِ والكبار، حتى الصغار التي في الكتاتيب.

 

وهذه العقيدة هذا الكتاب الذي يُسمّى حدائقَ الفصول وجواهرَ العقول.

(أعظمُ نعمةٍ يُحَصِّلُها الإنسانُ منْ هذه الدنيا أنْ يكونَ على الإيمانِ، على الإسلام. وردَ في الحديثِ الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله [إنَّ اللهَ يُعطي الدنيا لِمَنْ يحبّ ولِمَنْ  لا يحب ولا يعطي الإيمانَ إلا لِمَنْ يحب]

واسمعوا ماذا قال الشيخ رحمه الله في معنى هذا الحديث “فمَنْ أُعطِيَ الدنيا ولمْ يُعطَ الإيمان في المعنى كأنهُ ما أُعطِيَ شيئًا” يعني قارون وهامان وفرعون وشداد بن عاد والوزراء والأمراء  والأثرياء والحكام الكفار ملكوا الدنيا والأرض وملكوا الذهب لكنْ مَنْ ماتَ منهم على الكفر مخلَّدٌ في جهنم، فماذا تكون فعلَتْ لهم الدنيا وهذه الأموال؟ لا شىء، ففي المعنى كأنه ما أعطيَ شيئًا وإنْ أعطيَ الدنيا لكنّه لمْ يُعطَ الإيمان.

 

والآن انتبهوا في المقابل “ومَنْ أعطيَ الإيمان ولمْ يعطَ الدنيا فكأنهُ ما مُنِعَ شيئًا” لأنهُ بوفاتِهِ على الإيمانِ سيدخُل الجنةَ حيثُ النعيم المُقيم الذي لا ينقطع ولا يزول إلى أبدِ الآبدين, وأقل مسلم لهُ في الجنةِ كهذه الدنيا على عشرِ أمثالِها.

ومنْ مِنْ حكامِ ورؤساء وزعماء الدنيا حصّلَ في الدنيا أكثر منْ هذه الدنيا بزيادةِ شبرٍ واحد؟ لا أحد، ولا يقدرونَ على ذلك، أما أقل مسلم في الجنة له كهذه الدنيا على عشرِ أمثالِها، إذًا منْ هو الرابح؟ المسلم.

 

لذلك كان تعليم العقيدة الإسلامية السنية الأشعرية الشريفة ونشرها بين الناس أفضل منْ توزيعِ المال والطعام والشراب واللباس والمسكن عليهم.

لماذا؟

لو أنّ إنسانًا كان يعيشُ في القصورِ ولا يشكو منْ مرض وعندَهُ كلّ ما يشتهيهِ منَ الدنيا وماتَ على الكفرِ يكونُ في جهنم.

ولوْ أنّ مسلمًا ينام في الشارع ولا يلبَس إلا الخَيش وهو مريض ولا يجدُ دواءً وليس له مسكَنًا ولا طعامًا ولا شرابًا وهو مدفوعٌ بالأبواب وماتَ في الشوارع، لكنّهُ على الإسلام على الإيمان في القيامةِ يكونُ في الجنة في دارِ السعادةِ الأبدية.

فأيُّ الأمريْنِ أعظم؟ نشرُ التوحيدِ والعقيدة أم الذهب والمال؟ العقيدة، لأنّك بالعقيدةِ بالإسلام بالإيمان بالتوحيد بالتنزيه بتجنُّبِ الكفر تدخل الجنة. أمّا لو كان الإنسانُ على الكفرِ وحصّلَ الدنيا بحذافيرِها ومات على الكفرِ يكونُ في جهنم.

 

أينَ قارون؟ أليس اللهُ ضربَ لنا مثلًا بقارون في القرآن الذي يُضرَبُ به المثل بكثرةِ أموالِهِ إلى اليوم، عندما نقول خزائن قارون ليست هذه الخزائن الحديدية الصناديق الصغيرة التي توضَع تحت السرير أو بينَ الثياب في الخزانة، لا، خزائن قارون يعني بيوت وغُرَف مليئة بالذهب واليواقيت والجواهر والأموال وكانت كالتلال، مع ذلك اللهُ قال {فخسَفْنا به وبدارِهِ الأرض}[القصص/٨١] عندَما قال موسى عليه الصلاة والسلام “يا أرضُ خُذيهِمْ” اضطربَت الأرض وتزلزلت وجعلَتْ تُحضِر خزائن وكنوز وأموال قارون كأمثالِ التلال، وقارون يقول يا موسى ارحمني والأرض تتشقق وتبتلع قارون ومَنْ معه.

 

إذا كانت هذه الأموال ما أنْقَذَتْهُ في الدنيا فهلْ تُنْقِذُهُ منْ جهنم؟ لا والله.

إذًا أفضل وأعظم شىء عقيدة الإسلام، عقيدة أهلِ السنةِ والجماعة العقيدة الأشعرية الماتريدية، هذا في رأسِ الأولويات في الطليعة في أفضلِ الأعمال لأنهُ صلى الله عليه وسلم قال [أفضلُ الأعمالِ إيمانٌ باللهِ ورسولِه] وهذه الأفضلية المُطلَقة.

لذلك كان السلاطين الذين هم مِنْ أهلِ الفَهمِ والتقوى يعْتَنونَ بهذه العقيدة ويعمَلونَ على نشرِها وإذاعَتِها للناس كالسلطان صلاح الدين الأيوبي، كالسلطان محمود نور الدين زنكي الشهيد، كالسلطان محمد الفاتح كالسلطان سليمان القانوني، وكثُر ليس هؤلاء فقط لا، بل يوجَد كثير منْ سلاطينِ الإسلامِ كانوا على العقيدةِ الأشعريةِ الماتريدية. محمد الفاتح وسليمان القانوني كانا على العقيدةِ الماتريدية، أما السلطان صلاح الدين كان على العقيدةِ الأشعرية وهذا حقّ وهذا حق رضي الله عنهم جميعًا.

 

واسمعوا ماذا كان يفعلُ السلطان صلاح الدين الأيوبي (يوسف بن أيوب)  رضي اللهُ عنه وأرضاه، هذا السلطان العادل الذي كان تقيًّا وليًّا فقيهًا زاهدًا صالحًا وكان يحفظ القرآنَ عنْ ظهرِ قلب.

أنا سمعتُ عنْ شيخِنا قال عن السلطان صلاح الدين “أنا أعتقدُهُ وليًّا”.

هذا السلطان صلاح الدين الأيوبي منْ شدةِ عنايتِهِ واهتمامِه بالعقيدةِ الأشعريةِ – عندَما كان ملِكًا سلطانًا كان رئيسًا على ثلاث عشرةَ بلدًا، اليوم هذه الإمارات السبع والجزيرة العربية وبر الشام وبر مصر ومصر والمغرب العربي كانوا تحتَ سلطةِ السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله رحمة واسعة – هذا السلطان أمرَ المؤذنين في وقتِ السحر أنْ يقرءوا وأنْ يُعلنوا بالعقيدةِ الأشعرية على المنائر لأجلِ أنْ يسمعَها الناسُ في البيوت وكانت تُحَفَّظ للأطفال الصغار في الكتاتيب. وكان رحمه الله رحمة واسعة رتّب المؤذنين الذين يُعلِنونَ هذه العقيدة قبل الفجر.

 

وإذا سألْتني كيف يُعلن هذا قبلَ الفجرِ الناسُ يسمعون؟ قبلَ الفجرِ في تلكَ الأيام نعم الناسُ كانوا يستيقظونَ للتهجد يقومون لقيامِ الليل، ليس كحالِ أكثرِ الناسِ اليوم حالُهم أكل ونوم وتلفزيون، قستْ قلوبُهم بسببِ التلفزيون، كانوا يعمُرونَ أوقاتَهم بالطاعاتِ والعبادات فيسمعُ الناس في بيوتِهم هذه العقيدة والأطفال عندَما يذهبونَ في الصباحِ إلى الكتّاب يحفظونَ هذه العقيدة.

ومِنْ جُمْلَتِها هذه الكلمات:

وصانعُ العالمِ لا تحويهِ قطرٌ تعالى اللهُ عنْ تشبيهِ   قد كان موجودًا ولا مكان وحكمُه الآن على ما كان (يعني موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا مكان) هذا الكلام منذُ ثمانمائة سنة السلطان صلاح الدين كان يعلّم ذلك للكبار والصغار في البيوت والمساجد والمدارس وأمر العالم الفقيه محمد بن هبة الله البرمكي بنشرِ هذا الكتاب لأنه كان له عناية خاصة بالعقيدة الأشعرية، هذا الكتاب الذي عُرِف بالعقيدةِ الصلاحية نسبةً للسلطان لأنّ هذا الفقيه أهْداهُ للسلطان صلاح الدين فأقبلَ عليه وأمرَ بإقرائِهِ ونشرِهِ بينَ الناس.

 

قال: “قدْ كان موجودًا ولا مكانَ (هذا الكلام منذ ثمانمائة سنة ليس شيئًا جديدًا) اليوم بعضُ الجهالِ عندَما يسمعونَ منا أو منْ أيّ أشعري أو ماتريدي في الأرض نقول اللهُ لا مكانَ له، يقول الجاهل هذا شىء جديد لا يقول أنا جاهل علِّموني، يقول عن أصلِ الدين جديد والعياذُ بالله، هذا منْ عمَى وفسادِ القلب .

فالحاصل أنّ هذا السلطان رحمه الله كان له عناية كبيرة وعمِلَ على نشرِها وأكثر منْ ذلك بنى مدرسةً في القاهرة قريبة منْ قبرِ الإمامِ الشافعي رضي الله عنه وسُمِّيَت بالمدرسة الناصرية، لتخريجِ الطلاب على العقيدةِ الأشعرية ثم يُوَزّعِهم في المدن والبلاد والأقضية حتى إلى القرى لنشرِ عقيدة أهلِ السنة, هذا من ثمانمائةِ سنة، يعني ما نُدرِّسُهُ نحنُ اليوم ليس شيئًا جديدًا.

 

 وهذا السلطان محمد الفاتح على هذه العقيدة كان كما في كتاب الذخيرة الذي أُلِّفَ بأمر من السلطان محمد الفاتح وفيه فصول في تنزيه اللهِ عن الكيفية والكمية والجهة والحجم، هذا موجود ومطبوع. وشيخُهُ وأستاذُهُ القاضي الفقيه (الشافعي والحنفي) المفسّر اللغوي أحمد بن عثمان بن مراد الكَوراني وفي تركيا يُقال له مُلّا كوراني، له كتاب اسمُهُ “الدُّرَر اللوامع” يقول فيه “المجسِّمُ كافر وإنْ صامَ وصلّى” يعني بزعمِهِ.

وله كتابٌ كبيرٌ ضخم اسمه “الكوثر الجاري إلى رياضِ أحاديثِ صحيح البخاري” فيه ينقل الإجماعَ والاتفاق على تنزيه اللهِ عنِ المكانِ والجهة، على هذا كان السلطان محمد الفاتح وسلاطين الدولة العثمانية الذين يُكذَب عليهم اليوم منْ بعضِ الدجالين المحَرِّفين، منْ بعضِ الأفلامِ الوضيعة ومنْ بعضِ المسلسلاتِ الرخيصة، هم نشروا الإسلام لأكثر منْ ستمائة سنة وهم ينشرونَ الإسلامَ في الأرض، لهذا اغتاظَ أعداؤُهم، لأنهم كانوا يَمْحَقونَ الكفر وينشرونَ الإسلام.

وتعرفونَ ماذا فعل السلطان محمد الفاتح رحمه الله ورضي عنه هذا الذي بشّرَ به الرسول قبل مجيئِهِ بنحو ثمانمائة سنة؟

بنى مدرسةً في اسطنبول تسَع منَ الطلبة خمسةَ عشرَ ألفَ طالبًا لتخريجِهم على العقيدةِ الماتريدية ثم يُوَزَّعونَ في البلادِ التي كانتْ تُفْتَح لأنّ الدولةَ العثمانية كانت تفتح البلاد وتضع المفتي والقاضي والعالِم والشيخ والمفسّر يتركونَهم وينتقلونَ إلى بلدٍ أخرى، فكانَ يوزِّعُهم منْ هذه المدرسة إلى البلاد والمدن والأقضية والقرى ثم رأى أنّ الحاجةَ ما سُدَّتْ فعمِلَ مدرسةً ثانية بهذا الحجم خارج اسطنبول.

أما هذه التي في اسطنبول أصولُها أساساتُها مُتَهَدّمة وأكثرُها ذهب، ما زالت إلى اليوم، أنا ذهبتُ ورأيتُها في اسطنبول، هذا كان منْ آثار محمد الفاتح.

وهكذا كان السلطان محمود نور الدين زنكي الشهيد المدفون في دمشق رحمة اللهِ عليه رحمةً واسعة الذي كان زاهدًا عابدًا وليًّا صالحًا وكان صديقًا للخَضر أيضًا، وكان أستاذًا للسلطان صلاح الدين الأيوبي، كان يُرى دائمًا حزينًا لا يضحك فسُئلَ عنْ ذلك قال” إنني لأسْتحي منَ الله أنْ أضحكَ وبيتُ المَقْدِسِ في الأسر”.

إذًا العقيدة السنّية الأشعرية هذا أعظمُ نِعَمِ اللهِ على عبادِهِ أنْ يكونوا على ذلك ويثْبُتوا عليها لأنها عقيدة النبيّ والصحابة عقيدة السلف والخَلف والأشاعرة والماتريدية وعليها كان الفقهاء والحفّاظُ والأتقياءُ والسلاطين والصُّلَحاءُ منْ عبادِ اللهِ والسوادُ الأعظمُ على ذلك.

 

قال عليه الصلاة والسلام [ستفْتَرِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقة كلُّهم في النارِ إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي] 

واسمعوا ماذا قال الإمام الفقيه اللغوي النَّحوي محمد مرتضى الزبيدي في كتابهِ “إتحاف السادة المتّقين بشرحِ إحياءِ علومِ الدين” قال”وحيثُ يُطلَقُ أهلُ السنةِ والجماعة فالمُرادُ بهم الأشاعرةُ والماتريدية” هم السوادُ الأعظم الذي مدحَهُمُ القرءان ومدحهُمُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم.

فكونوا على هذه العقيدة ولا تتزحزَحوا عنها قدِّموها لأبنائكم وقدِّموها للكبارِ والصغار، قدِّموها لكلِّ الناس لأنها الأصلُ والأساسُ بدونِها خراب، بدونِها هلاك، بدونِها دمار لا تصِحّ الطاعات والعبادات بل مَنْ كذّبَها وخالفَها وماتَ على خِلافِها لا يكونُ منَ المسلمين لأنّنا قلنا عقيدة الرسولِ صلى الله عليه وسلم عقيدة الإسلام عقيدة السواد الأعظم الذين مدَحهم الرسول.

 

أليس قال عليه الصلاة والسلام [المتمسِّكُ بسنّتي عندَ فسادِ أمتي له أجرُ شهيد]؟سنتي يعني شريعتي عقيدةً وأحكامًا يعني الذي يتمسك بهذه العقيدة ويموتُ عليها فهو منْ أهلِ السعادةِ الأبديةِ منْ أهلِ النّجاة.

وهذا الصحابي الجليل أبو مسعودٍ البَدريّ رضي الله عنه وأرضاهُ قال “ما كان اللهُ لِيَجْمَعَ أمّةَ محمدٍ على ضلالة”.

إذًا هذا السوادُ الأعظم هذا جمهورُ الأمة، وقدْ وردَ في عدّةِ أحاديث، أليس قال صلى الله عليه وسلم [ما أنا عليه وأصحابي]؟ أليس قال [السواد الأعظم] إذًا لا بدَّ للإنسان الذي يريد النجاة أنْ يكونَ في جماعةِ الصحابة، في جماعةِ أهلِ السنةِ والجماعة، في جماعةِ الأشاعرة والماتريدية، كلّ هؤلاء عقيدتُهم واحدة ليس دينًا جديدًا لا، أيام الصحابةِ كان يُقال الجماعة ثم قيل أهل السنة والجماعة ثم صارَ يُقال السوادُ الأعظم أو جمهور الأمةِ الإسلامية أو المحمدية، ثم في بدايةِ القرنِ الرابع الهجري تجدّدَ لهم هذا الاسم الأشاعرة والماتريدية لنفسِ الجماعة، لأنهُ كان أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي قاما لِنُصرةِ عقيدةِ الصحابة في كلِّ الارض ونصَبا عليها الأدلة العقلية والسمْعية النقلية الآيات والأحاديث، وناظَرا فرَق الضلال وأهل الأهواء فكسَروهم وظهر أهل السنةِ في الأرضِ ففرِحَ كلّ أهلِ السنةِ في الدنيا فصاروا ينسبونَ أنفسَهم إليهما، هذا يقول أنا ماتريدي وهذا يقول أنا أشعري نسبةً إليهما لأبي الحسن ولأبي منصور رضي اللهُ عنهما، لكنْ العقيدة هي هي عقيدة الصحابة وعقيدة الرسول عليه الصلاة والسلام).

 

 

الكافر لا يُغفَرُ له ذنبُهُ إلا بالإسلام

قال الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه: معنى الحديث [اللهم اغفرْ لقومي فإنهم لا يعلمون] اللهم اغفرْ لهم بالإسلام، اللهم اغفر لقومي أي الكافرين، فإنهم لا يعلمون، اغفر لهم بالإسلام، اغفرْ لهم بالدخولِ في الإسلام ليس معناه قبلَ أنْ يدخلوا في الإسلام امْحُ عنهم ذنوبَهم، هذا الدعاء معناه امحُ عنهم كفرَهمْ بالإسلام.

الكافرُ الأصليُّ لا يُغفَرُ له ذنبُهُ إلا بالإسلام مهما تصدّقَ وخدمَ الفقراء والمساكين والأرامل لا تُغفَرُ له أصغرُ معصيةٍ، لا تُغفَرُ له.

 

وقال رضي الله عنه: أيُّ إنسانٍ كذّبَ شريعةَ الإسلامِ بأيِّ وجهٍ كان لا يغفِرُ اللهُ له إلا بالإسلام. كفّارةُ الكفرِ الدخولُ في الإسلام، {قل للذين كفروا إنْ ينتهوا يُغفَرْ لهم ما قدْ سلَف} معناه الكفار إذا تركوا الكفر يُغفَرُ لهم ما قد سبَق. الكافر لو كان قتلَ ألفَ مسلم إذا أسلمَ غُفِرَ له بإسلامِهِ.

 

وقال رضي الله عنه: لا ينفعُ الكافرُ شىءٌ منْ أعمالِهِ في الآخرة لأنه كافرٌ باللهِ ورسولِهِ، الحشراتُ عندَ اللهِ خيرٌ منَ الكافر. اللهُ تعالى أنزلَ في القرآنِ آية {إنّ شرَّ الدّوآبِّ عندَ اللهِ الذين كفروا فهم لا يؤمنون}[الأنفال/٥٥]

الكافرُ الذي يموتُ على كفرِهِ شرّ خلقِ الله، كلُّ ما خلقَ اللهُ منَ الحشراتِ والسِّباع خيرٌ عند اللهِ منَ الكفار، هم جزاؤُهم إنْ عمِلوا الإحسانَ مع الناسِ في الدنيا جزاؤهم في الرزقِ والصحةِ أما في الآخرة ليس لهم شىءٌ منَ الثوابِ والأجر.

 

(ومنْ جملةِ الأدلة التي تؤكد على أنّ الكافر لا يُغفَر له إلا بالإسلام ولا يُغفَر له إلا أنْ يتركَ الكفر ويتشهّد ويدخل في الإسلام الإجماع والأحاديث. فمثلًا الرسولُ صلى الله عليه وسلم كما وردَ في صحيحِ ابنِ حبان وغيرِهِ قال للكافر الذي يريدُ أنْ يُدافعَ عنه وعنِ المسلمين [أسلِمْ ثم قاتِلْ] أولًا الإسلام، هذه واحدة.

 

الثانية حديث جبريل المشهور عندما سئِلَ عنِ الإيمانِ قال “أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكته وكتبِه ورسلِه” إلى آخرِ الحديث. فموْضع الشاهد أنّ الإيمان هو الأصل هو الأساس وأنّ الكافر لا يُغفَر له إلا إنْ أسلم.

 

ومِنْ جملة الدليل على ذلك ما قاله نوحٌ عليه السلام لقومِه {فقلتُ استغفروا ربّكمْ}[نوح/١٠] معناه أسلموا ادخلوا في الإسلام، اطلبوا من الله أنْ يغفِرَ لكم بتَرْكِكُم الكفر بتشهُّدِكمْ بدخولِكم في الإسلام يغفرْ لكمْ إنْ أسلَمْتم، هذا معنى {فقلتُ استغفروا ربَّكم إنه كان غفّارًا}[نوح/١٠] لأنّ الكافر لا يُغفَر له إلا بالإسلام.

ومنْ جملةِ الدليلِ على ذلك الحديث المتواتر قال صلى الله عليه وسلم [أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ الناسَ حتى يشهدوا أْنْ لا إلهَ إلا الله وأنّي رسولُ الله] وفي بعضِ الروايات [وأنَّ محمدًا رسولُ الله] ما قال حتى يتركوا قتالَنا، ما قال حتى يُحسِنوا إلينا، ما قال حتى يعملوا إحسانًا للناس، لا، قال [أمرْتُ أنْ أُقاتلَ الناسَ حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأني رسولُ الله]

 

وكذلك منْ جملةِ الأدلةِ الآية القرآنية {قلْ للذين كفروا إنْ ينتهوا يُغفَرْ لهم ما قدْ سلَف}[الأنفال/٣٨] هنا الشرط إنْ ينتهوا عن كفرِهم، الانتهاءُ عن الكفر يكونُ بالإسلام، بالإيمان، بالنطقِ بالشهادتين والدخول في الإسلام.

ومنْ جملةِ الأدلةِ ما وردَ في صحيحِ مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعَمرو بن العاص [ألَمْ تعلمْ أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما قبلَهُ] ما قالَ ألَمْ تعلم أنَّ الوضوءَ، ما قال ألمْ تعلم أنَّ الحجّ أو الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو قراءة القرآن، لا.

 

إذًا الكافر لا يُغفَرُ له إلا بالإسلام، وتوبةُ الكافرِ الأصلي وكذا المُرتد هي بالشهادتين وهذا إجماع نقلَهُ إمامُنا الشافعي والحافظ أبو بكر بنُ المنذر.

هذه المسئلة ينبغي للكلِّ أنْ يفهَمَها مع الأدلة لأنَّ بعضَ أدعياءِ المشيَخة اليوم زادوا الجاهلينَ جهلًا، يقولونَ لِمَنْ سبَّ الله قل أستغفرُ الله، يقولون لِمَنْ هو على الكفر قل أستغفرُ الله، هؤلاء كذّبوا اللهَ وكذّبوا الإسلام لأنّ توبةَ الكافر الأصلي والمرتد تكونُ بتركِ الكفرِ بالنطقِ بالشهادتين بالدخولِ في دينِ الإسلام. وإلا لو كان بشىءٍ آخر لماذا الرسولُ صلى الله عليه وسلم لمْ يصلِّ على عمِّهِ لمّا مات؟ مع أنه كانَ يُدافعُ عن الرسول ويصدّق الرسول ويحبُّ الرسول وكان يدفع عنه الأذى والضر، وثبتَ في الدفاع عنه في وجه قبيلتِه وعشيرتِه، ما تخلّى عن حمايةِ الرسول، مع هذا كلّ هذا ما جعلَهُ مسلمًا لأنه لمْ يقلْ تلكَ الكلمة، قال له صلى الله عليه وسلم “يا عمّ قل لا إله إلا الله أشهدُ لك بها عند الله” قال لوْلا أنْ تُعَيِّرَني بها نساءُ قريش لأقرَرْتُ بها عينَك، ما قالَها، ماتَ ولمْ يدخلْ في الإسلام.

لذلك وردَ في الأحاديثِ عندَ أبي داود في مسندِ الشافعي في البخاري عند الشافعي [الضال] في مسندِ أبي داود [الكافر] في سننِ أبي داود [المشرك] مع كونِهِ كان يحبُّ النبيّ ويدافعُ عنِ النبيّ، بل وفيه نزلَتْ الآية التي في الأنعام {وهم يَنْأوْنَ عنه}[الأنعام/٢٦] كان يدافع عن النبي مع ذلك ما نفعَهُ لأنهُ لم يُسلِم لم ينطِقْ بالشهادتين، لمْ يدخلْ في الإسلام قال “أنا على ملّةِ عبدِ المطلب” والعياذُ باللهِ، يعني ما قبِلَ أنْ يتشهد.

لوْ كانَ يصِحّ بغيرِ الشهادتين كان الرسولُ فرِحَ به واعتبَرَهُ صارَ مسلمًا لكنْ قال “اذهبْ فوارِه” والأدلةُ على ذلك كثيرة.

ثم الكافر لا ينتفعُ بحسَنةٍ واحدةٍ يومَ القيامةِ لأنّ اللهَ قال {وقَدِمْنا إلى ما عمِلوا منْ عملٍ فجعَلْناهُ هبآءً منثورًا}[الفرقان/٢٣]

وقال تعالى أيضًا {مثلُ الذين كفروا بربِّهم أعمالُهم كرمادٍ اشتدّتْ بهِ الريحُ في يومٍ عاصف}[إبراهيم/١٨]

وفي الحديث قال الرسولُ عليه السلام [وأمّا الكافرُ فيُطعَمُ بحسناتِهِ في الدنيا فإذا أفْضَى إلى الآخرةِ لمْ يكنْ لهُم منها نصيب] بحسناتِهِ هنا يعني الأعمال الحسنَة التي يعملها في الدنيا مع الناس، ليس معنى [بحسناتِه] الثواب والأجر لا.

الذين ماتوا على الكفر اللهُ لا يرحمهُم في الآخرة، لا يغفرُ لهم ولا يدخلُهم الجنة.

{إنَّ اللهَ لعنَ الكافرينَ وأعدّ لهم سعيرًا* خالدينَ فيهآ أبدًا لا يجِدونَ وليًّا ولا نصيرًا}[الأحزاب/٦٤-٦٥]

وقال تعالى {ونادى أصحابُ النارِ أصحابَ الجنة أنْ أفيضُوا علينا منَ المآءِ أوْ ممّا رزَقَكُم الله قالوا إنّ اللهَ حرَّمَهُما على الكافرين}[الأعراف/٥٠]

لذلك يا إخواني ويا أخواتي اثبُتوا على عقيدةِ النبيِّ على الإسلامِ مع تجنُّبِ الكفريات، فالكافرُ هو أخسُّ شىءٍ خلقَهُ اللهُ على الإطلاق.

أليس الله يقول {أولئكَ هم شرُّ البَريّة}[البينة/٦]؟ كفروا بربِّهم، اللهُ خلقَهم ورزقهُم وأعطاهُمْ منَ النِّعَمِ ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى، نحنُ لا نستطيع أنْ نَعُدَّ هذه النِّعَم ولا نُحصيها، مع ذلك كفروا بربِّهم وأشركوا به وشتموهُ وكذّبوه وعبَدوا غيرَهُ كذّبوا نبيَّهُ كذّبوا دينَهُ كذّبوا القرآن، اللهُ يقول {أولئكَ هم شرُّ البريّة}[البينة/٦]

فالكافرُ أخسُّ شىءٍ خلقَهُ اللهُ على الإطلاق، البهيمةُ تأكلُ منْ رزقِ اللهِ لكنْ لا تكفر بالله، الكافر يأكلُ منْ رزقِ اللهِ ويكفر بالله.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن الكفار والمشركين [كفّوا عنِ الافتخارِ بهؤلاء الذين إنّما يُدَهْدِهُهُ الجُعَلُ بأنْفِهِ خيرٌ منهم]

إذًا العبرةُ عندَ اللهِ بالإسلام والتقوى.