السبت يوليو 27, 2024

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول” رقم (49)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلّم على سيّدِنا محمد رسولِ اللهِ وعلى آلِ بيتِهِ وصحابتِه ومَنْ والاه

صحيفة 183

يقول الشيخ جميل حليم الحسيني حفظه الله تعالى

حدّثوا الناسَ بما يعرفون

قال الإمامُ الهرري رضي الله عنه: قال سيّدُنا علي رضي الله عنه “حدِّثوا الناسَ بما يعرِفون أتُحِبّونَ أنْ يُكَذّبَ اللهُ ورسولُهُ؟” رواه البخاري

معناه إذا حدّثْتَ إنسانًا بحديث تعرفُ أنه لا يصلُ فهمُ هذا الإنسان الذي تُخاطبُه إلى حقيقةِ هذا الأمر بلْ يفْهمُه على غيرِ وجهِهِ فإنَّ ذلك فتنة فلماذا تحدِّثُهُ به؟

)هذا اللفظ وقريب منه في بعضِ ألفاظِهِ وفي بعضِ طرقِهِ وفي معناه يُروى مرفوعًا أيضًا وهذا فيه تأكيدٌ على أهميةِ هذا التوجيه والتنبيه وهذا مما ينبغي للدعاةِ للمشايخ للأساتذة للأئمة للخُطباء أنْ يعرفوا ماذا ينْتَقوا ويختاروا للناس للعامة، لأنّ منَ الناس لو ذكرْتَ لهم شيئًا صحيحًا لو كان مذكورًأ في القرآن لكنْ تعرفُهُ ما زالَ جديدًا ما زالَ بعيدًا عن التسليم فقدْ لا يقبَل منك.

فمَنْ تعرف منه أنه يُعارِض والعياذ باللهِ تعالى هذه الآية الشريفة رأفةً به الآن لا تذكُر أمامَهُ ولا تتكلّم أمامَهُ بهذا الأمر الذي سيُنْكِرُهُ وأنتَ تعرفُ ذلك، أو تعرف أنّ هذا الحديث إذا ذكرتَهُ أمامَ هذا الإنسان الجاهل أو الجديد أو المُبْتَدِىء قدْ يعترض والعياذُ باللهِ تعالى فتنْتقل به في أسلوب التعليم والتقديم بما يقبل ليَصِل إلى أنْ يقبلَ ما كان يرفُضُهُ في بدايةِ أمرِهِ.

يعني التدرّج، فتذكر به تكلِّمُهُ بالأمور التي يقبلُها التي يسَلِّمُ بها ثم شيئًا فشيئًا يُسَلِّمُ لكلّ ما جاءَ في الشرع. وهذا للأسف من الأشياءِ المُحزِنة المؤسفة أنْ تجدَ بعضَ الناسِ يُعارضونَكَ ولا يقبَلونَ معك مع أنّ المؤمن والعاقل يسَلّم لكلِّ ما جاءَ في دينِ الله، يسلّم لكلّ ما جاء في القرآن، لكلّ ما جاء في الحديث الصحيح لكلّ ما أجمَعَتْ عليه الأمة.

وانتبهوا، هنا فرقٌ بين الإنسان المُعترض على الدين المعترض على القرآن المعترض على الإسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ليس منَ المسلمين.

أما مَنْ كان مُبْتَدئًا لم يُصَرِّحْ ولا قال لك أنا أعترض على القرآن ولا على الإسلام ولا على ما قال الرسول لا، إنما بعض الأمور بسببِ جهلِهِ قدْ لا يفهم المعنى المُراد منها، فأنتَ منَ الحكمة والحنكة والرحمة والذكاء ينبغي أنْ تتلَطّفَ به إلى أنْ يصلَ إلى هذه المرحلة بحيثُ يقبَل كلّ ما جاءَ في الإسلامِ والقرآن.

أما مَنْ كان صرَّحَ أو عارضَ أو هو والعياذُ بالله تعالى يقول ليس كلّ ما في الإسلامِ يقبَلُهُ العقل أو يقول ليس كل ما في القرآنِ يقبلُهُ العقل أو يقول الإسلام بأمورٍ لا يقبلُها العقل، هذا مُعترض على الدين ليس منَ المسلمين.

مثل بعض الملاحدة اليوم الذين يقولون القرآن ظلمَ المرأة أو الإسلام ظلم المرأة، أو يقولون الإسلام ما أنصفَ المرأة، هؤلاء كفار ليسوا منَ المسلمين.

يجبُ التسليم لكلِّ ما جاء به القرآن لكلِّ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.

بعضُ أدعياءِ المشيَخة اليوم يقولون نحنُ يكفينا القرآن، على زعمِهم لسنا بحاجة لكلام الرسول، صلى الله عليه وسلم. هؤلاء ملاحدة وزنادقة لو كانوا يلبسون العمائم واللفات لو قيلَ له فلان الفلاني مع نسبتِه إلى الجامعة أو الكلية أو المؤسسة التي تخرج منها، بعضُهم ملاحدة.

منْ نحو ثلاث سنوات ناقشْنا بعض هؤلاء وهم يدّعون المشيخة يرفضون كلّ السنة النبوية وكل ما جاء عن الرسول، هؤلاء زنادقة.

ثم منْ كفرِهم ليضْحكوا على الناس يقولون القرآن يكفينا ولسنا بحاجة لِما قالَهُ محمد. قولُهُم هذا القرآنُ يكفينا هذه حيلة ليَتوصّلوا بها إلى إضلالِ الناس وتركِهم ما قال الرسول ثم بعدَ ذلك ينتقلون بهم إلى تركِ القرآن وإلى معارضتِهِ.

فمِنْ شرطِ الإيمانِ بالله الإيمان بالرسولِ صلى الله عليه وسلم، ومِنْ شرطِ الإيمان بالرسول تصديقُه صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما قالَهُ، فمَنْ لمْ يصَدِّق الرسول لم يؤمنْ بالرسول ومَنْ لم يؤمنْ بالرسول لمْ يؤمنْ بالله، ومَن لم يؤمنْ باللهِ ورسولِهِ فهو كافر كما نصَّ القرآن على ذلك

}ومَنْ لم يؤمنْ باللهِ ورسولِهِ فإنّآ أعتَدْنا للكافرين سعيرًا{[الفتح/١٣]

ثم الله يقول في القرآن الكريم {ومآ آتاكمُ الرسولُ فخذوهُ}[الحشر/٧] فيُقال لهذا الملحد أو الزنديق تدّعي أنك تكتفي بالقرآن وأنكَ تأخذ بالقرآن؟ القرآنُ أمرَ بأنْ نأخذَ بالحديث بأنْ نأخذَ بالسنة، القرآنُ أمرَ أنْ نقتديَ بالرسولِ صلى الله عليه وسلمة وأنْ نتّبِعَ الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإذًا أنت زنديق تقول نكتفي بما قال القرآن للتمويه وبالحقيقة أنتَ عدّو القرآن وكافرٌ به لأنك تكَذِّب القرآن، القرآن فيه {ومآ آتاكمُ الرسول فخذوه}[الحشر/٧] هذا أمرٌ منَ الله {وما نهاكمْ عنه فانتهوا}[الحشر/٧]

ولاحظوا الآية ما قالت وما آتاكمُ الرسولُ منَ القرآنِ فخذوه لا، بل الآية أطلقَتْ يعني ما جاء به الرسول من القرآن أو السنة فهذا أمرٌ منَ اللهِ تعالى لنا لنأخذَ ما أمرَنا به الرسول وجاء به صلى الله عليه وسلم.

ثم إنّ اللهَ قال {وما ينطقُ عنِ الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يوحَى}[النجم/٣-٤] إذًا أينَ أنتم منْ هذه الآيات؟ أليس القرآن فيه {لتُبَيِّنَ للناس}[النحل/٤٤]؟ إذًا الرسول هو المُبيِّن عن الله وهو المفسّر للقرآن والمبيِّن للقرآن والأحكام.

القرآن أمرَنا أنْ نأخذَ بكلِّ ما قالَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم.

{ومآ آتاكمُ الرسولُ فخذوه وما نهاكمْ عنه فانتَهوا}[الحشر/٧] وقال ربُّنا في القرآن {ويُعَلِّمُهُمُ الكتابَ والحكمة}[البقرة/١٢٩] قال ابنُ عباس رضي الله عنهما الكتاب “القرآن والحكمة أي الحديث”

الحكمة يعني الحديث يعني السنة النبوية، هذا شىء غير القرآن. هناك القرآن الشريف وهناك شىء ثاني وهي السنة النبوية، إذًا القرآن أمرَنا بالأخذِ بالكتاب وبالحديثِ الصحيح.

 

إذا قال لكم قائل لكنْ هناك أحاديث باطلة ومُنكَرة وموضوعة، نحنُ لسنا عنْ هذا نتكلم، نتكلم عن الأحاديث الصحيحة نحنُ نُحذّر منها.

الرسول صلى الله عليه وسلم هو حذّرَ منَ الكذبِ عليه وقال [مَنْ يَقُلْ عليَّ ما لمْ أقُلْ فلْيَتَبَوَّأْ مقعدَهُ منَ النار] الرسول صلى الله عليه وسلم حذَّرَنا منَ الافتراءِ عليه ومنَ القولِ عليه بلا علم، نحنُ لسنا عن هذا نتكلم، كلامُنا عن الأحاديث الصحيحة الثابتة التي يُؤخَذ منها العقائد والأحكام.

فإذًا هؤلاء الذين يقولون نحنُ نكتفي بالقرآن يريدونَ الوصول إلى تركِ السنةِ إلى الطعن في السنة إلى تركِ ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم واعرِفوا أنهم شياطين دجاجلة ولو تسَمَّوا بأسماء إسلامية شيخ ودكتور وفقيه وباحيث ومحقق ومدقّق.

هؤلاء الجماعات يُسَمّونَ أنفسَهم قرآنيين على زعمِهم يأخذون بالقرآن وهؤلاء دجاجلة القرآنُ برىءٌ منهم، والقرآنُ أمرَ باتِّباعِ الرسولِ وبالأخذِ بسنةِ الرسول وبحديثِ الرسول صلى الله عليه وسلم.

إذًا يجبُ الإيمان والتصديق بكلِّ ما قالَهُ الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا فمَنْ شكَّ في صدقِ الرسولِ ليس منَ المسلمين ومَنْ شكَّ في صدقِ الرسول لمْ يؤمنْ بالرسول ومَنْ لم يؤمنْ بالرسول  لمْ يؤمنْ بربِّ العالمين فهو كافر وإن ادّعى الإسلام.

والآن بلغَني للأسف منَ الأمور المحزِنة التي تُبكي القلب أنَّ في بعضِ البلادِ الإسلامية هناك هجمة في بعضِ الجامعات وفي بعضِ المجتمعات على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى حديثِ الرسول يريدونَ إقناع الشعب والناس أنّ الإيمانَ باللهِ وحدَهُ يكفي بدونِ الإيمان بالرسول. أخبرَني وحادثني بعض المشايخ في بعضِ البلاد قالوا نريدُ محاضرات في هذا الموضوع لأنّ في بعضِ الجامعات الآن يقولون للناس الإيمان بالرسول ليس ضروريا الإيمان بالله هو الضروري هو الأصل فأنتم لا تؤمنوا بالرسول لا تأخذوا بالرسول ولا بكلام الرسول، هذه هجمة منَظَّمة هناك مَنْ يشتغِل عليها وهناك جماعات وربّما دول وراء هذه الهجمات الكفرية التي تنال من دينِنا ومنْ نبيِّنا الشريف الكريم المبارك صلى الله عليه وسلم.

فإذًا احذروا نبِّهوا الشباب نبِّهوا الكبار والصغار والنساء فلْيَحذَر الجميع مَنْ لمْ يؤمنْ بالرسولِ ليس منَ المسلمين، مَنْ لمْ يؤمنْ بالرسولِ كافرٌ بربِّ العالمين، مَنْ لمْ يؤمنْ بالرسولِ عدوُّ اللهِ، مَنْ لمْ يؤمنْ بالرسولِ ليس منْ أهلِ الإسلام، مَنْ لمْ يؤمنْ بالرسولِ ليس منْ أهلِ الإيمان، مَنْ لمْ يؤمنْ بالرسولِ وماتَ على ذلك فهو حطبُ جهنم إلى أبدِ الآبدين.

{قلْ أطيعوا اللهَ والرسولَ}[آل عمران/٣٢] يعني آمِنوا بهما {فإنْ توَلَّوْا}[آل عمران/٣٢]– يعني أعرضوا عن الإيمانِ بالرسول –{فإنّ اللهَ لا يحبُّ الكافرين}[آل عمران/٣٢] يعني هذا الذي أعرضَ عنِ الإيمانِ  بالرسولِ أو أعرضَ عنْ تصديقِ الرسول هذا كافرٌ بالله وبالرسول واللهُ لا يحبُّهُ لكفرِهِ.

ثم الرسولُ صلى الله عليه وسلم هو نفسُه في الحديثِ المتواتر قال [أُمرتُ أنْ أُقاتلَ الناسَ حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وإني رسولُ الله] هكذا يقول صلى الله عليه وسلم عن نفسِهِ.

وفي حديثٍ آخَر قال صلى الله عليه وسلم [ما مِنْ يهوديٍّ ولا نصرانيٍّ يسمعُ بي ثم لا يؤمنُ بي وبما جئتُ به إلا كان منْ أصحاب النار]

إذًا أين هؤلاء الزنادقة الذين بعضُهم يدّعي الإسلام ويطعنونَ في صدقِ الرسولِ وفي عصمةِ الرسول ويقولون الرسول يُخطِىءُ في التشريع، وبلغَني أنَّ بعضَ الحمقى يقول عنْ هذا الذي يقول إنّ الرسول يُخطِىءُ في التشريع علّامة أستاذ فقيه ويترحّم عليه ويُثني عليه، وهو يطعنُ في عِصمةِ رسولِ الله.

أين هؤلاء الزنادقة الذين يُخَطِّئونَ الرسول في التشريع ويطعنونَ في صدقِ الرسول ويقولون والعياذُ بالله لا يجبُ علينا أنْ نأخذَ بما قال الرسول نحنُ يكفينا الإيمان بالله أو يقولون القرآن يكفينا؟ وهذا اتّخَذوهُ ستارًا ليُضِلّوا العباد.

فإذًا يا إخواني لا بدَّ للدعاة والمشايخ أنْ ينتبهوا قدّموا للناس ما يُرغِّبُهم ويُقَرِّبُهم ويزيدُهم تمسُّكًا وتعلُّقًا بالقرآنِ والدين والرسول صلى الله عليه وسلم وحذِّروا الناس منْ هذه الأفكار الكفرية الكاسدة الفاسدة التي يُرَوَّج لها في بعضِ البلاد والجامعات والمواقع(

 

     الحثُّ على الانتباهِ أثناءَ الدرس

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: خطرٌ أنْ يكونَ الشخصُ في مجلسِ علمٍ ولا ينتبهُ لِما يجري في المجلس قدْ يخرجُ ويقولُ عنْ شىءٍ حلالٍ حرام، قد يخرجُ ويقولُ عنْ شىءٍ حرام حلال

)وهذا له عدة أسباب، بعضُ الناس في مجلس العلم يقعدون كما يقول بعض الناس كمالة عدد يعني ما جاء متُعلِّمًا ولا جاء متَّصِفًا بصفاتِ طالب العلم ولا جاء مُستمعًا ولا طالبًا للفائدة، يأتي يقعد فيُشوِّش على نفسِهِ أو على غيرِهِ إنْ كان في المسجد إنْ كان في درس في بيت أو في قاعة في صف في مدرسة وهي حصةُ الدين مثلًا، فبعضُ الناس يقعد فيُشوِّش على نفسِهِ وعلى غيرِه، ثم يخرج من المجلس ويقول قال الأستاذ قال الدكتور قال المحاضر قال الخطيب قال الشارح قال الشيخ والشيخُ ما قال والأستاذُ ما قال والدكتور والمحاضر والخطيب ما قالوا، إذًا منْ أينَ جاءت هذه التركيبات؟ منَ التوهُّمات التي حصلَتْ في المجلس بسببِ التشويش وعدمِ الانتباه وعدم الاستماع وعدم التركيز على ما يقولُهُ المدرِّس.

بعضُ الناس قدْ يسمع المدرِّس يقول كفر والمدرِّس ما قال كفر يقول كفى، فرقٌ كبيرٌ بين كفر وبين كفى، لكنْ بسببِ التشويش أو هو كان مُنشغِلًا بالهاتف مثلًا، ربّما بسبب الأصوات الكثيرة أو هو كان ناعِسًا في المجلس أو نام واستيقظ في المجلس فسمِعَ آخر عبارة وهذا يحصل أحيانًا.

في مجلس العلم ينبغي التيقُّظ التنَبُّه، ينبغي أنْ تجلس جِلسة الذي يكونُ منتبِهًا مستعِدًّا لتلَقُّفِ كلِّ عبارة.

الصحابةُ الكرام رضوانُ اللهِ عليهم كانوا يقعدونَ في مجلس الرسولِ صلى الله عليه وسلم وحولَهُ منْ شدّةِ انتباهِهم كأنَّ الطيرَ على رؤوسِهم.

طالبُ العلمِ ينبغي أنْ يكونَ واعيًا كي لا تضُرَّ نفسَكَ ولا غيرَك وكي لا تفتري على الشيخ والخطيب والأستاذ والمحاضر.

كم وكم نقلوا عن المشايخ ما لم يقلْه المشايخ بالتوهّم بالخطأ، انتبهوا في مجلس العلم.

قال العلماء طالبُ العلمِ ينبغي أنْ يكونَ واعيًا، مَنْ حضرَ بقلبِهِ ما غاب ومَنْ غابَ بقلبِهِ ما حضر.

قال صلى الله عليه وسلم [نضّرَ اللهُ امرءًا سمِعَ مقالتي فوَعاها فأدّاها كما سمِعَها] انظروا إلى هذا الحديث كم فيه من الفوائد والمعاني الراقية العظيمة الشريفة والمنهجية والتوجيه والقواعد التي هي للدارسين كأساتذة أو كطلاب، فمَنْ عمِلَ به نجَا وفاز(

 

جلبُ الجدد

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: لا تنسَوا ما أوْصَيْتُكُمْ به منْ أنْ تجلِبوا غيرَكم لتَعَلُّمِ العقيدة لا تنسَوا هذه الوصية لأنَّ أهلَ الضلالِ يجْلِبونَ الناسَ إلى الضلال. رجب ديب كان يُلزِمُهم أنْ يجلِبوا له عشَرة ومَنْ كان لا يجلِبُ له يأخذُ منهُ مالًا.

)ماذا يعني جلب الجدد؟ الشيخ رحمه الله ما كان يريد أنْ يُكَثِّرَ الناسَ حولَهُ للدنيا لا، الشيخ رحمه الله كان يعيش لخدمة الدين والدعوة والإسلام وتعليم الكبار والصغار، نحنُ كنا نراه يقعد مع الشخص الواحد أحيانًا ويخرجُ هو لزيارةِ الناس ويقعدُ مع الصغير ومع الكبير ويخرج لزيارة المرضى.

مرةً كان مريضًا والطبيب قال له تحتاج ثلاثة أيام وإلا فقد يزداد الألم والمرض في الحنجرة والأوتار والتعب وهذا يسببُ مشاكل أكبر، قال له إنْ شاء الله، ذهب الطبيب قيل للشيخ بعضُ الناس اجتمعوا في الخارج – في الصالون –  فقال الشيخ أخرجُ إليهم فقلتُ له يا شيخَنا ما سمِعتَ الطبيب ماذا قال، قال لي لا أطيق أسلّم عليهم اقعدُ قليلًا ثم أرجِع قال يأتون يريدون أنْ يستمعوا مني، خرجَ الشيخ قعدَ معهم قريب الثلاثة أرباع الساعة.

هذا مع المرض وكلام الطبيب ومع لا أطيق ثم قال هنا تعب وفي الخارج تعب، التعب في الطاعة راحة.

انظروا إلى تفكير أهلِ الصفاء الذين يريدونَ الآخرة ويعملونَ لها كأنّ الجنةَ نُصْبَ أعيُنِهم.

مرةً كنتُ معه في برلين ألمانيا وكان أرادَ أنْ يذهب إلى مدينة إسِن لأجلِ المحاضرة، مسافة بعيدة في البر نحو خمس ساعات تقريبًا، قال اسْبِقْني وابْدَأهمْ قبلَ أن أصل.

خرجْنا قبلَهُ بنحو ساعة أو أكثر ووصلْنا إلى مصلى صلاح الدين في مدينة إسِن واحتشدَ الناس هناك وبدأتُ بالمحاضرة أعطيْتُ قريب الثلاثة أرباع الساعة شرَحْتُ كلام الطحاوي الأسطر الأربعة التي تعرفونَ كمْ كانَ يعتني بها وكان وضعَها في بيتِه على اللوح ليَحْفَظَها الكبار والصغار ويُعيد تدريسَها لكلّ الوافدين وفيها هذه الكلمات:

تعالى – يعني الله – عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهاتُ الستُّ كسائرِ المُبتدَعات ومَنْ وصفَ اللهَ بمعنى منْ معاني البشر فقدْ كفر.

شرحْتُها وتكلّمتُ في أمور كثيرة ممّا أعرفُ أنَّ الشيخ له رغبة أنْ تُذكَرَ في المجالس، ثم جاء الشيخ بعدَ أكثر منْ ساعة تقريبًا وصلَ مع كِبَر سنِّه ومرضِهِ قال رحمه الله: يوجَد مكان هنا أضع جنبي على الأرض لدقيقة واحدة؟ هو بحاجة للراحة ويأخذ أدوية ومسافة بعيدة الشباب يتعبونَ منها في العادة، قلتُ له نعم يوجَد في مصلى صلاح الدين (القديم اليوم صار لهم مسجد كبير وتوابع له ومؤسسة كبيرة) كان يوجد غرفة صغيرة يسمّونَها المكتبة قلت له نعم هنا يوجد غرفة فتحْنا الباب دخل الشيخ، لم يطلب لا كنبة ولا سرير ولا فراش ولا بطاية، على الأرض وضعَ جنبَهُ عليها نحو دقيقة قال يكفي أخرج إلى الناس، أنا أردتُ أنْ أخففَ عنه قلتُ له يا شيخَنا شرحتُ لهم كذا وكذا وكذا، قال لي بارك الله بك جزاكَ اللهُ خيرًا، ثم دخلَ إلى المصلى وبدأ بمحاضرة جديدة وبدرسٍ جديد قعدَ نحو ساعة ونصف تكلّمَ في العقيدة والمشيئة في عقائدِ أهل السنة ثم تكلّم في الطريقة الرفاعية وعن الغوث الرفاعي وعن مناقبِه رضي الله عنه ثم لقَّنَ الناسَ الطريقةَ الرفاعية.

 

انظروا مثل هذا الرجل بهذا السن مع كثرة الأمراض يأتي منْ بلد إلى بلد وبالبر من دون استراحة من درس إلى درس ماذا يريد إلا الآخرة والثواب والأجر لأنه يعلمُ أنّ الدنيا زائلة.

إذًا ما كان مرادُهُ أنْ يُكَثِّرَ الناسَ حولَهُ للدنيا إنما كان مرادُهُ أْنْ يوصِلَ العلم إلى كلِّ مَنْ استطاعَ أنْ يُعلِّمَهُ.

لماذا قال إن استطعتمْ أنْ لا تتركوا بقعةً في الأرض إلا وتوصلوا الدعوةَ إليها الدعوةَ فافعلوا؟ هذا مرادُه.

الشيخ مات ولا يوجد مؤسسة باسمِهِ ولا باسمِ زوجتِهِ ولا ابنِهِ ولا ابنتِهِ، كلّ الذي بناه في لبنان والخارج إنما هو لأهلِ السنةِ والجماعة، ما وضعَ شيئًا باسمِهِ لا في هرر ولا في لبنان إنما كان يبني لأهلِ السنة بيني للمسلمين للأمة.

فما هو مرادُهُ منْ جلبِ الجدد؟ بعضُ الناس قد يظن شيئًا تنظيميًّا دنيويًّا لأغراضٍ مالية وسياسية إنما كان مرادُه منْ ذلك العمل بالحديث قال صلى الله عليه وسلم [بلِّغوا عني ولوْ آية]

قال [طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلم] الشيخ كان يعمل بالفرض الكفائي تعليم الناس نشر الدين نشر العقيدة تحصين الناس بالتوحيد تحذير الناس من الكفر تحذير الناس منْ أهل الضلال والفساد، هذا الذي عمِلَ له واشتغلَ عليه وهذا الذي رأيْناه منه إلى أنْ مات رحمه الله.

هو صادقٌ في حياتِه وصدقُهُ تأكّدَ أكثر بعدَ موتِهِ ونهجُهُ لم يتغيّر. عندما كثُر الأتْباع لم ْ تتغيّر معيشتُهُ بقيَ على الزهد الخضار المسلوق في بعض الأوقات الخبز والزيت الخبز واللبن الخبز والشاي، هذا الذي كنا نراه.

قدْ يقول البعض ما كان يأكلُ شيئًا آخر؟ بلى هو بشر منْ وقت إلى وقت كان يأكل العسل أو اللحم بنيةٍ حسنة ليتَقوّى على الطاعات ليَقومَ بالعبادات لكن الأكثر حالُهُ الزهد هذا الذي كان عليه وكنا نراه.

عندما صار أتْباعُهُ بعشرات الآلاف ما تغيّرَتْ عيشَتُهُ إلى عيشة الرفاهية والدنيوية والقصد منْ تجميعِ الناس الاسْتعلاء على رقاب الناس، لا، مات رحمه الله ولمْ يتركْ مؤسسةً واحدةً باسمِ ابنَتِهِ إنما بنى للأمة.

إذًا المقصودُ منْ جلبِ الجُدد نشر الدين القيام بالفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العمل على خدمةِ الإسلام، القيام بنشر التوحيد والعقيدة، تحصين الناس منْ أهل الضلال ومنَ العقائد الكفرية التي يسمعونَها منْ بعضِ دعاةِ الضلالة أو منَ التلفزيونات أو من الفضائيات أو يقرأونَها في بعضِ الكتب، هذا هو المقصود منْ جلبِ الجدد.

 

جلبُ الجدد عن الشيخ وعند جماعتِهِ وأتْباعِه هو خدمةً للدين للإسلام  للناس للذين يعلِّمُهُم، للجدد، وخدمةً لكلِّ مَنْ يصل إليهم  لتعليمِهم، هذا المقصود مِنْ جلبِ الجدد، هذا الذي كان عليه وماتَ وبقيَ هذا نهجه نشرُ العلم رحمه الله رحمةً واسعة.

فإذًا ينبغي علينا جميعًا الآن أنْ نعملَ بهذه الوصية وأنْ نعملَ بهذه النصيحة وأنْ نشتغلَ جميعًا على جلبِ الجدد وعلى تقريبِ البعيد وعلى ترغيبِ الناس بالتوبة وبمجالس العلم وبالصلاة بالحكمة والموعظةِ الحسنة بالأدب بالتواضع بالانكسار بالرحمة بالشفقة بالصدق بالإخلاص بالثبات بالمثابرة بالسخاء بالجود بالكرم بالخروج إلى الناس.

أما أنْ تقعدَ في بيتِكَ بدعوى كورونا وتُقفل على نفسِكَ بدعوى كورونا كيف ستُعلِّم الناس؟ كيف يأتي إليك الناس؟ كيف ستجلِبُ الجدد؟ كيف سيُقبِلُ إليك الغريب والبعيد والجديد وصاحب الحاجة والمُريد وصاحب السؤال؟

اخرجوا إلى الناس أيها الدعاة منْ أهلِ السنةِ والجماعة، أيها الدعاة منَ الأشاعرة والماتريدية إياكم وأنْ تُعرِضوا عن خدمةِ الدينِ والدعوة، إياكم وأنْ تحبِسوا أنفسَكمْ في البيوت بدعوى كورونا، انظروا إلى أهلِ الضلالةِ والكفر يخرجونَ إلى الدنيا لنشرِ كفرِهم وضلالِهم يقولون على زعمِهِم كذا لأديانِهم، فإذًا أنتم تحمِلونَ دعوةَ النبيِّ وعقيدةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلذلك ينبغي على المشايخ وعلى الدعاة للأسف الذين أحجموا في هذه الفترة والآوِنة صرنا نجد ونرى أنّ كثيرًا منَ الجنائز والتعازي والمساجد والمصليات والقاعات والساحات والباحات خالية منَ الدعاة والمشايخ، أين؟ في البيت، لا يخرج، أين فلان؟ لا نراه، أين فلان؟ لا نعرف أين هو.

ستموتُ كيفَما كان اعمَلْ لقبرِكَ قبلَ فواتِ الأوان ولا تتركوا الخروج إلى الناس، الناس الآن بحاجة لِمَنْ يكون معهم. المريض بحاجة لمَنْ يُخَفِّف عنه إنْ كان كورونا يمكنُك التواصل معه بعدة أساليب بالخدمة بالدواء بالطعام باللباس بالشراب مع الأخذ بالأسباب.

نحنُ لا نحارب الأخذ بالأسباب، اعقلْها وتوكّل ونقول الأخذ بالأسباب لا مانِعَ منه، الأنبياء أخذوا بالأسباب، أكلوا وشرِبوا واستعملوا السلاح والدروع في المعارك وهذا كلّه منَ الأخذ بالأسباب، واستعملوا الدواء.

لا تنقطعوا عن الناس ولا تهجروا الناس ولا تُرعبوا الناس ولا تُفزِعوا الناس ولا تُخيفوا الناس ولا تُطيلوا ألسِنتَكم.

هناك دكاترة وممرضين وممرضات ويستعملون كل الأدوية والوسائل الوقائية وماتوا، أين كنتَ أنتَ وأسبابَ الوقاية؟ هل منَعَتْ عنهم الموت؟ انتهى الأجل.  

وهناك أناسٌ خالطوا مرضى بالكورونا ولمْ يموتوا ما أصابَهم شىء، اعملوا إحصائيات للعائلات التي كان فيها أفراد معهم كورونا وعايشين بينهم في البيوت والباقونَ ما أصابهم شىء.

كلّ واحدٍ منا يتقي الله عزّ وجل. الرسولُ صلى الله عليه وسلم قال [فمَنْ أعْدَى الأول]؟ هل تردّونَ على حديث الرسول؟ على جمهور العلماء؟

خذوا بالأسباب وستموتون، هذا سيموت وهذا سيموت.

ومع الأخذِ بالأسباب لا تهجروا المرضى لا تقطعوهم لا تؤذوهم لا تطيلوا ألسنَتَكمْ عليهم لا تتكبّروا عليهم لا تقرفوا منهم لا تهربوا منهم، صِلوهم مع الأخذِ بالأسباب، أعينُوهم واخدِموهم وأحسِنوا إليهم وتواصلوا معهم لو عالتلفون ولو منْ وراء الباب لا تتركوه يموتُ في البيت، إذا كان ما مات منَ الكورونا يموتُ منَ الجوع؟ ايُّ تفكيرٍ سقيمٍ هذا؟

بلغَني بعض الأبناء ثلاثة أشهر ما دخلَ على والديه ما تواصل معهما خوفًا منْ أن يُصابَ بالكورونا.

إذًا أيها الدعاة اخرجوا إلى الناس، الآن الناس يحتاجونَ إليكم، الآن حاجة الناس للدعاة والمشايخ، الآن حاجة المرضى والفقراء والضعفاء والعجَزة، المتشرِّدونُ، المتضررون الجرحى الثَّكالى، الناس يحتاجونَكم الآن، لا تعيشوا للدنيا لا تُعمِّروا للدنيا عمركم هذا لا تضيِّعوهُ للدنيا إنما اشتغلْ للآخرة.

ستموتون في البيوت أو في الساحات، موتوا وأنتم تخدمونَ الدين شرف لكم.

مُتْ بالمكيّف والأركيلة والتلفزيون  انظر الفرق بين واحد يموت في ساحات وباحات خدمة الدين والمجتمع والفقراء وواحد يموتُ منَ التُّخمة والنعيم والتنعّم.

للأسف من المحزن المؤسف أنَّ كثيرًا من المشايخ ما عادوا ظاهرين على الساحات وذكّرونا باجتياح اليهود لبيروت وببعض الحروب الثانية والثالثة كيف تركوا بيروت وهجروا المساجد وهربوا إلى المصايف، صِرنا نرسل شبابًا صغارًا إلى الملاجِىء ليَخْطُبوا الجمعة في الناس وندور نحنُ على المساجد الكبيرة نخطبُ فيها الجمعة في الاجتياح تحت الصواريخ.

شيخنا ما ترك بيروت ولا تلامذَتَهُ تركوها.

إذًا المشايخ ينتبهوا ويخروجوا إلى الناس قبل أنْ يموتوا فلا يخرجُ الناسُ في جنائزِهم.

أتكلم عن الدعاة ومنْ أهلِ الحقّ وأشاعرة وماتريدية، ليَخرجوا للناس وليعملوا على نشرِ الدين والدعوى والعلم والعقيدة، الساحات بحاجة إليكم قبل أنْ تموتوا فلا يخرجُ الناسُ في جنائزِكم.

الله يختِمُ لنا بخير ويَكفينا ما أهمّنا ويُفرِّج عنِ الأمة إنه على كلّ شىءٍ قدير

والحمدُ لله ربّ العالمين