الخميس سبتمبر 21, 2023

مجلس تلقي كتاب “سمعت الشيخ يقول”  رقم (12)

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيّدِنا أبي القاسمِ طه الأمين وعلى آلِ بيتِه وصحابتِه ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين

أما بعدُ، يقولُ جامعُ هذا الكتاب المبارك بإذنِ اللهِ تعالى الشيخ عماد الدين جميل حليم حفظه اللهُ تبارك وتعالى

(صحيفة 120)

وقال الإمام الهرريُّ رضي الله عنه وأرضاه: فعلينا أنْ نحفظَ أيْدِيَنا وألسِنَتَنا وقلوبَنا منْ هذه المعاصي، اللهُ تبارك وتعالى خلقَ فينا اليدَ والفمَ والرجلَ والقلبَ لنسْتعمِلَ ذلك فيما أحلَّ اللهُ بالطاعات ويكونُ لنا الثواب إن استعملْنا هذه الأشياء في طاعةِ الله، وإنْ استعْمَلناها فيما حرّمَ الله صارتْ وبالًا علينا.

هذه الجوارح خلقَها اللهُ فينا أمانة أي لنُسألَ عنها في الآخرة إن استعمَلْناها في الخير وإن استعملْناها في المعصية.

(مثال ذلك أنّ هذه النّعَم العظيمة إذا استعملَها الإنسان هو الذي يستفيد وينتفع، فمثلًا هذه اليد نعمةٌ عظيمة كم فيها منَ الفوائد وكم يُحصِّل بها الإنسان من المنافع لنفسِهِ ولأهلِهِ ولإخوانِه وللقريبِ والبعيد، كمْ يمُدّ هذه اليد في مساعدةِ الفقير وكم يأخذ بيدِ عجوز وكم يحمل إنسانًا مريضًا وكم يدفع بها منْ ضررٍ عنْ فقيرٍ أو عنْ طفلٍ أو عن امرأةٍ، كمْ مِنْ خيراتٍ نستطيع أنْ نستخدمَ يدَنا فيها وهكذا بقية الأعضاء والجوارح.

فمثلًا الإنسان يمشي برجلَيْهِ إلى صلةِ الرحِم يمشي إلى المساجد يمشي إلى الطاعات يمشي إلى مساعدةِ الفقراء يمشي إلى دفعِ الضررِ عن الناس يُحقّق المصالح والفوائد بهذه النعمة، أما إذا كان الإنسانُ فاسدَ القلبِ خبيثَ النية وكان نعوذُ باللهِ ممّنْ مسخَ اللهُ قلوبَهم يستعملونَها أحيانًا في الكفر والضلال  ليس فقط في المعاصي.

من الناس مَنْ يستعمل هذه اليد والرجل في المعصية ويستحقّ العذاب والعقاب عليها في الآخرة لكنْ الأخطر مِنْ ذلك مَنْ يستعملها في الكفرِ والضلال، وقدْ يستغرب البعض الآن أنّ هذه اليد تُستَعمَل في الكفر هذه الرجل تُستَعمل في الكفر؟ نعم مثلًا اليوم قبلَ أنْ نبدأَ بدرسِنا هذا شيئًا عجيبًا على بعضِ المواقعِ اللهُ يدمِّرُها ويدمّر أصحابَها وضعوا كلامًا خبيثًا نَجِسًا فيه استخفاف بالقرآن وبعض الناس كتبَ كلامًا حقيرًا وسمّاهُ قرآنًا بزعمِهِ، بعضُ هؤلاء الكفَرة كتبَ كلامًا وعمِلَ له إخراجًا على نحوِ سوَر القرآن بالإخراج وسمّاه سورة كورونا، وفاجرٌ كافرٌ شيطان سخيفٌ خسيسٌ مُنحَطّ عدوُّ الله وعدوّ الرسول كتبَ أيضًا على زعمِهِ سورة الفاحشة ثم سبّ فيها الرسول وسبَّ فيها السيدة عائشة. هذا الإنسان الكافر والوضيع الذليل الحقير كتبَ كفرًا بيدِهِ.

وواحدة كافرة لا تُساوي النجاسة والبول ولا الغائط وضعتْ نفسَها تدوس على المصحف برجلِها والعياذُ بالله.

هؤلاء الفجَرة الحُقراء الكفار بأيديهم وصلوا إلى الكفر، وهذه النّجِسة الحقيرة الخسيسة صوّرَتْ نفسَها وهي تدوس برجلِها على المصحف، فهؤلاء أعداءُ اللهِ استعملوا نِعمةَ اللهِ في الكفر والضلال، هؤلاء الشياطين ولو كانوا بصوَرِ بني ءادم لو كانوا بصوَر الإنسان هم أحقر عندَ اللهِ تعالى منَ البولِ والغائط يسبونَ اللهَ ويسبّونَ الرسول ويسبونَ القرآن ويستخفونَ بالقرآنِ وبدينِ اللهِ تعالى لكنْ هيهاتَ هيهات للحشرات وللجُعل وللخُنفُساء أنْ تصلَ للشمس والقمر أو تصلَ للجبال لتؤثّرَ فيها، لن يستطيعوا أنْ ينالوا منَ القرآن ولن يستطيعوا أنْ ينالوا منْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

اللهُ عزّ وجلّ قال عن القرآن {ولوْ كانَ مِنْ عندِ غيرِ اللهِ لوجَدوا فيه اختلافًا كثيرًا}[النساء/٨٢] وقال أيضًا {إنّا له لَحافظون}[الحجر/٩]

فمِنْ أينَ لهؤلاء الحشرات بل أقل منَ الحشرات أنْ ينالوا منَ القرآنِ أو مِنْ قدرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم واللهُ يقولُ لرسولِهِ الكريم {إنّا كفَيْناكَ المُستَهْزِئين}[النحل/٩٥] وقال له {وإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم}[القلم/٤] وقال له {ومآ أرْسَلْناكَ إلا رحمةً للعالمين}[الأنبياء/١٠٧]

فهذا الفاجر الكافر المُتَهَتّك الذي كتبَ كلامًا سخيفًا كشكلِهِ وسمّاهُ سورة الفاحشة ويقول فيه كلامًا يطعن فيه برسولِ الله لأنه تزوّجَ السيدة عائشة وعمُرُها تسع سنوات ويُسمّيها كذا وكذا من الكلماتِ البذيئة.

هذا الساقط المُنحل الكافر عدوّ الله لنْ يستطيعَ أنْ يصلَ بشاربِهِ إلى غبارِ نعلِ السيدة عائشة رضي اللهُ عنها، ولنْ يستطيعَ أنْ يصلَ برأسِه وبرأسِ آبائِهِ إنْ كانوا على شاكلتِه إلى غبارِ نعلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

لنْ ينالوا لا منْ رسولِ الله ولا مِنْ نعلِهِ ولا منَ السيدة عائشة وشرفِها العظيم، وليّةُ اللهِ الصدّيقة حبيبةُ الله، لنْ ينالوا مِنْ نعلِها الذي هو أشرف مِنْ رؤوسِهم.

فإذًا هذه الكلمات الكفرية التي سمَّوْها سورة الفاحشة أو على زعمِهم سورة كورونا وواحدة سخيفة تعمل حركات بذيئة للقرآن وتلك الفاجرة تدوس برجلِها على المصحف، هؤلاء استعملوا هذه النعمة بالكفر، لكنْ ربي قادر على كلّ شىء، إنْ شاء الله  عنْ قريب يخسرونَ هذه الأيدي وهذه الأرجُل وهذه العيون ويرَوْنَ قدرَ هذه النعمة عند ذلك، ربي لا يُعجزُه شىء.

كم مِنْ أناسٍ مسَخَهُم اللهُ إلى قِرَدة وإلى كلاب وإلى حمير وإلى خنازير، واللهُ يقول في القرآن {ولقد علمْتُمُ الذين اعْتَدَوا منكم في السبتِ فقلْنا لهم كونوا قِرَدةً خآسئين}[البقرة/٦٥] هؤلاء الكفرة الفَجرة هم أخسّ عند الله من الخنازيرِ ومنَ القِردة.

وقد صدقَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم فهو الذي قال [يكونُ في أمتي خَسفٌ ومسخٌ وقذفٌ] فاللهُ قادرٌ على أنْ يخسفَ بهم الأرض وقادر على أنْ يمسخَهم وأنْ يجعلَهم عبرةً للمُعتبِرين.

وعلى كلّ حال منْذُ أكثر من ألف وأربعمائة سنة إلى اليوم ما استطاعت جحافل الكفر والزندقة والرذالات أنْ تنالَ منَ المصحف الشريف ولا مِنْ نعلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، أما أنتم أيها العقلاء يا أصحابَ الفَهم السليم استعملوا هذه النِّعَم في الخيرات في الطاعات في النافعِ والمُفيد لا تكونوا كهؤلاء الأراذل المُنحَطين السفَلة، اللهُ تعالى قال في القرآن الكريم {وقال الشيطانُ لمّا قُضِيَ الأمرُ إنَّ اللهَ وعدَكمْ وعدَ الحقِّ ووعَدْتُكُمْ فأخْلَفْتُكمْ وما كان لي عليكم مِنْ سلطان إلا أنْ دعوتُكم فاسْتَجَبْتُم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسَكم}[إبراهيم/٢٢]

هؤلاء شياطينِ الإنسِ مشَوا خلفَ شياطينِ الجن واستجابوا لهم ليكونوا معهم في النار إنْ ماتوا على هذه الحال، لذلك قال اللهُ عن إبليس {إنّما يدعُو حزبَهُ ليكونوا منْ أصحابِ السعير}[فاطر/٦]

فهؤلاء البشر رَضُوا لأنفسِهم أنْ يكونوا أتْباعًا للشيطان وأقلّ منَ الرذالات والنجاسات.

فاستعملوا هذه النّعَم في الطاعاتِ والخيرات لا في الفسوقِ والفجور، لا في المعاصي والآثام).

 

وقال الإمام: الرسولُ صلى الله عليه وسلم أخبرَ في حديثِه الذي هو ثبتَ عنه أنَّ الأناملَ تُسأل يومَ القيامةِ وتُسْتَنطَق (الأنامل التي هي في الأصابع لها علامات من الداخل في كل إصبع، الله يوم القيامةِ يخلقُ فيها النطق فتشهد اللهُ يُنطِقُها، اللهُ لا يُعجزُهُ شىء، اللهُ يقول في القرآن الكريم {قالوا أنْطَقَنا الله الذي أنطقَ كلَّ شىء}[فصلت/٢١])

 

الرسولُ صلى الله عليه وسلم أخبرَ في حديثِهِ الذي هو ثبتَ عنه أنّ الأناملَ تُسألُ يومَ القيامةِ وتُستَنْطق أي فتنطِقُ بقدرةِ اللهِ كما ينطِقُ اللسان، ذلك اليوم هذه الأنامل تنطِقُ بما فعل الشخصُ منْ خيرٍ أو شر الذي يستعملُها بذكرِ اللهِ تعالى تشهدُ له.

وقال الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه: قال اللهُ تعالى {وتزوّدوا فإنّ خيرَ الزادِ التقوى}[البقرة/١٩٧]

(بعضُ العلماء ذكر في سببِ نزولِ هذه الآية أنّ أناسًا مِنْ أهلِ اليمن كانوا مِنْ شدةِ شوقِهم للحجّ يخرجونَ مشيًا على أقدامِهِم منَ اليمن إلى مكةَ المكرمة ثم إلى مزدلفة إلى عرفات ويُنهُونَ المناسك ويعودونَ بعدَ ذلك إلى اليمن مشيًا على أقدامِهم وهذا منْ قوةِ عزيمتِهم ومنْ قوةِ هِمَمِ هؤلاء الناس في حبِّ الخير فأنزلَ اللهُ هذه الآية الكريمة يُرشِدُهُم للتزوّد بالراحلة ليتمكنوا منَ الوصولِ إلى الحج لأنّ الحجّ عملٌ صالحٌ عملٌ طيبٌ مبارك يحبُّه الله والإنسان يستفيد من هذا العمل ويستفيد في الآخرة، لأنّ الذي يحجُّ حجًّأ مبرورًا جزاؤُهُ الجنة كما وردَ في الحديث، فلِيَتمكّنوا من الوصولِ لهذا العملِ الصالح اللهُ أرشدَهم للتزوّدِ بالراحلة وبيّنَ لهم في نفسِ الآيةِ أنّ أفضلَ وأعظم وأحسن وأنفع ما يتزوّد به الإنسان لقبرِهِ ولآخرتِه تقوى الله، وهناك أقوال أيضًا في سببِ نزولِ هذه الآية الكريمة وفي معناها).

 

وقال الإمام: خيرُ ما يتزوّدُه الإنسانُ في هذه الحياة تقوى الله. معنى التقوى أداء الواجبات التي فرضَها الله وتجنّب المُحرَّمات التي حرّمها الله.

ثم التقوى لا تكونُ إلا بالعقيدةِ الصحيحة عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة، مَنْ لم يكن على هذه العقيدة لا يكونُ تقيًّا مهما عمِلَ من الطاعات منْ صلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وزكَواتٍ وغيرِ ذلك

(لأنّ هذا هو الأصل والأساس، فالذي لا يكونُ على عقيدةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بل كان على عقيدةٍ فاسدة تُعارض القرآن تُكذّب الإسلام عقيدة التشبيه والتجسيم عقيدة تكفير الأمة كهؤلاء المشبهة المجسمة الذين يُكفّرونَ كلَّ الأمةِ الإسلامية بلا سببٍ بلا ذنب، هؤلاء مهما ادّعَوا الإسلام انتسابُهم وادّعاؤُهم الإسلام لا ينفعُهم. كذلك الذي يسبُّ اللهَ إذا غضبَ أو الإسلام أو القرآن أو يعترض على الله أو يُنكر الآخرة أو الذي يعتقد أنّ اللهَ ضوء أو جسم أو شكل أو له كمية أو حجم أو قاعد في السماء هذا لا ينفعُهُ ادّعاؤُه الإسلام مهما نطقَ بالشهادتين ما دام على هذه العقيدة الكفرية لا يكونُ مسلمًا، وبعدَ ذلك إنْ زعمَ أنّه تقيّ وعملَ صورةَ الصلاة والصيام والزكاة والحج والأذكار لا تصحّ ولا تُقبَل.

والدليلُ على ذلك قولَ اللهِ في القرآنِ {قل لعباديَ الذين ءامنوا يُقيموا الصلاة}[إبراهيم/٣١]

إذًا ما هو الأصل لصحّةِ وقَبولِ الأعمالِ الصالحة؟ الإيمان، وقدْ روى الحافظُ السيوطي والحافظ عبد الرءوف المُناويّ أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال [أَبى اللهُ أنْ يَقبَلَ – يعني الله لا يقبل – عملَ ذي بدعةٍ حتى يدَعَ بدعتَهَ] هنا البدعة الاعتقادية الكفرية، فمَنْ كان على بدعةٍ كفريةٍ أوعقيدةٍ كفريةٍ أو قولٍ كفريٍّ هذا لو انتسبَ للإسلام لا يصحّ منه الطاعات ولا الصيام ولا العبادات والله لا يقبل منه لأنه على عقيدةِ تكذّب الإسلام، فأساسُ التقوى وأصلُ التقوى إيمانٌ باللهِ ورسولِهِ، بعدَ ذلك أداءٌ للواجبات واجتنابٌ للمحرّمات، وعندَنا أدلةٌ كثيرةٌ على ذلك.

اللهُ يقول {إنَّ الذين قالوا ربُّنا اللهُ ثمّ استقاموا}[الأحقاف/١٣] الإيمان أولًا.

وفي صحيحِ ابنِ حبان قال عليه الصلاة والسلام [قل آمنتُ باللهِ ثم استقِمْ]

فأساسُ التقوى وأصلُ التقوى الإيمان الإسلام بعدَ ذلك إنْ كانَ الإنسانُ أدّى الواجبات اجتنبَ المحرّمات يصيرُ تقيًّا، أما إنْ كان على كفريةٍ على عقيدةٍ فاسدةٍ تُكذّب القرآن لا يصيرُ تقيًّا مهما عاشَ على ذلك ويكونُ في النارِ مخلَّدًا فيها إنْ ماتَ على ذلك، أما إنْ رجَعَ إلى عقيدةِ أهلِ السنةِ وتركَ الكفرَ وتشهّدَ صار مسلمًا).

 

قال الإمام: بعضُ هؤلاءِ الفرَق التي شذّت بعضُهم وصلوا إلى الكفر خرجوا منَ الإسلام وهم يظنونَ أنهم مسلمون لكنهم خرجوا، وبعضُهم لمْ يخروجوا من الإسلام

(هؤلاء الذين لم يصلوا إلى حدّ الخروجِ من الإسلام وصلوا إلى حدٍّ وقعوا فيه في الكبائر، لأنّ الفرق والجماعات التي تدّعي الإسلام تنتسب إلى الإسلام بعضُ الناس ينتسبونَ إليهم لكنْ لا يعتقدونَ عقائدَهم الكفرية ولا يقولونَ بكفرياتِهم لكن انتسبوا إليهم أيّدوهم في بعضِ الأشياء ليس في الكفر، وانتسابُهم إليهم ومساعدُتهم وتشجيعُهم هذا من الكبائر. أما القسم الأول من هذه الأحزاب والجماعات التي تدّعي الإسلام قولًا وتكذّب الإسلام اعتقادًا أو أحيانًا لفظًا فهؤلاء لا ينفعُهم انتسابُهم للإسلام.

أما مَن انتسبَ إليهم ولم يقلْ بمقالاتِهم الكفرية فهو ليس بكافر لكنه مسلمٌ منْ أهلِ الكبائر عليه ذنبٌ وعليه أنْ يتبرأَ منهم وأنْ يتوبَ إلى الله).

وقال الإمام: وبعضُهم لم يخرجوا من الإسلام لكنّ عقيدتَهم هذه معصية  لأنها خالفتْ ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والحمد لله أنْ جعلَنا منْ أهلِ السنة عقيدتُنا العقيدةُ التي كان عليها الرسولُ والصحابة ثم تناقلَها المسلمونَ خلفُهم عنْ سلفِهم إلى يومِنا هذا.

أهلُ بيتِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم الحسن رضي الله عنه والحسين رضي الله عنه وغيرُهما على هذه العقيدة عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة.

(العقيدة الحقة والصحيحة والمقبولة والسليمة والمباركة والمُنجية عقيدةُ الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام لأنّ اللهَ تعالى قال في القرآنِ الكريم {كنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناسِ تأمرونَ بالمعروفِ وتنهَوْنَ عنِ المنكر وتؤمنونَ بالله}[آل عمران/١١٠] وهذه العقيدة مأخوذةٌ منَ القرآن ومنْ سنةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعليها الإجماع لذلك مَنْ شذّ عنها كان من الضالّين.

وقد توعّدَ اللهُ بالنارِ لِمَنْ شذّ عن جماعةِ المسلمين عن السوادِ الأعظم عن الجمهور عن الإجماع، لذلك قال ربُّنا في القرآنِ الكريم {ومَنْ يُشاقِقِ الرسولَ مِنْ بعدِ ما تبيَّنَ له الهُدى ويتَّبِع غيرَ سبيلِ المؤمنين}[النساء/١١٥] فإذا كان النبيُّ عليه السلام هو القدوة والصحابة الكرام أبو بكرٍ وعمر عثمان علي والحسن والحسين وعائشة وفاطمة ومَنْ كان معهم وعلى منهاجِهم هم أخذوا عنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ومنَ الرسول، فهُم على حقّ ومَن اتَّبَعهم على هذا الحقّ فهو على حقّ لأنّ اللهَ قال {والسابقونَ الأوّلونَ منَ المهاجرينَ والأنصار والذين اتّبَعوهم بإحسانٍ رضيَ اللهُ عنهم ورَضُوا عنه}[التوبة/١٠٠] فالذي يأتي وينحرف عنهم يترك كلام الرسول والصحابة والإجماع ويمشي في عقيدةٍ استَحْدَثَها أو يمشي مع جماعةٍ استَحْدَثَت عقيدة هذا ضالٌّ مضلّ إما أنه وصلَ إلى الكفر وإنْ لم يعتقد كما قلنا العقائد الكفرية التي عند هذه الجماعات فهو فاسقٌ منْ أهلِ الكبائرِ ملعون.

اللهُ توعّدَ هؤلاء بالنار قال {ويتّبِع غيرَ سبيلِ المؤمنين}[النساء/١١٥] سبيل المؤمنين فيما كان عليه الرسول يعني على نهجِ الصحابة.

 الذي يمشي مع الرسول وعلى عقيدةِ الرسول أهل السنة والجماعة أما كل الذين شذّوا وانحرفوا وجاءوا بمذاهب وعقائد جديدة بعضُهم منْ نحو مائة سنة من ثلاثمائة سنة منْ سبعُمائة سنة من ألف سنة أو أكثر أو أقل كلّ هؤلاء ضُلّال.

{ومَنْ يُشاققِ الرسول مِنْ بعدِ ما تبيّنَ  له الهدى ويتّبِع غيرَ سبيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ ما تَوَلّى ونُصلِهِ جهنم وسآءتْ مصيرًا}[النساء/١١٥]

الحذرَ الحذرَ من الخروجِ عنِ الإجماعِ وعنِ السوادِ الأعظم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديثِ الذي رواه أبو داود في سننِه [ستَفترِقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقة كلُّهم في النار إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي] يعني الصحابة رضي اللهُ عنهم كانوا على الحق وسائرونَ على نهجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.

 وفي بعضِ الروايات وبعض الألفاظ [وهي السواد الأعظم] وهناك بعض الروايات [الجماعة] يعني المراد السواد الأعظم.

وهذا الحديث الذي حاولَ بعض أدعياءِ العلمِ والمشيَخةِ الطعنَ فيه لأنّه لا يُوافقُ هواهم، لأنهم عندما شذّوا عنْ إجماعِ الصحابةِ وعنِ السوادِ الأعظم ورأوْا أنّ هذا الحديثَ يفضحُهم حاولوا الطعنَ فيه لكنْ ليس لهم ذلك ولنْ يتمكّنوا لأنّ هذا الحديث أولًا صحّحَهُ الحفّاظ، ثانيًا هو منَ الأحاديثِ المُشتهِرة.

الحديثُ المشهور ما رواه من الصحابة ثلاثة فما فوق، هذا الحديث الذي أوْرَدْناه رواه منَ الصحابةِ عشَرة. إذًا الرسولُ عليه الصلاة والسلام يقول إنّ كلَّ الجماعات والفرَق والأحزاب التي شذّتْ عنْ إجماعِ الصحابة عنِ السوادِ الأعظم كلُّهم في النار مَنْ وصلَ إلى حدِّ الكفر، ومَنْ لم يصلْ منهم إلى حدّ الكفرِ فهو فاسقٌ ملعونٌ منْ أهلِ الكبائر.

لذلك علينا أنْ نثبتَ على عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة، أنْ نثبتَ على عقيدةِ الأشاعرةِ والماتريدية لأنّ أهلَ السنةِ والجماعةِ مِنْ زمنِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام إلى اليوم هم جماعة واحدة في المُعتقَدِ ما شذّوا ولا انحرفوا ولا أثبتوا دينًا جديدًا ولا عمِلوا عقيدةً مُستَحْدَثةً لا، لكنْ تجدّد لهم أسماء لم تكنْ موجودةً في الماضي.

في زمنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم كان يُقال للمسلمين السواد الأعظم، الجمهور، جمهور أمة محمد، جمهور الأمةِ الإسلامية، الجماعة، ثم أهلُ السنةِ والجماعة، إلى بداية القرنِ الرابعِ الهجري.

في القرنِ الرابعِ الهجري تجدّدَ  لهم هذا الاسم وهو الأشاعرة والماتريدية. هذا اسمٌ تجدّدَ لنفسِ الجماعة ولنفسِ المنهجِ والعقيدة ليس لعقيدةٍ اسْتَحْدَثَها الأشعري، ليس لعقيدةٍ اسْتَحْدَثَها أبو منصور الماتريدي لا، إنما أبو الحسن قام فنصرَ مذهب الصحابة، أيّدَ عقيدةَ أهلِ السنةِ بالأدلةِ النقلية السمعية وبالأدلةِ العقلية، وأبو منصور الماتريدي أيّدَ عقيدةَ الصحابةِ عقيدة أهلِ السنةِ والجماعة بالأدلةِ السمعية النقليةِ وبالأدلةِ العقلية ففرِحَ الناسُ بهما – بأبي محمد وبأبي منصور رضي اللهُ عنهما – كلّ مسلم في الدنيا فرح فهذا صار يقول أنا أشعري ذاك صار يقول أنا ماتريدي، انتسبَ الناسُ إليهما لأنهما نصرَا عقيدةَ أهلِ السنة ما جاءا بعقيدةٍ جديدةٍ مُسْتَحْدَثة، لذلك قال الإمامُ الحافظُ الفقيهُ المُحدِّثُ النّحْويُّ محمدُ مرتضى الزبيديُّ في كتابِهِ إتحاف السادةِ المتقين بشرحِ إحياءِ علومِ الدين “وحيثُ أُطلِقَ أهل السنة والجماعة فالمرادُ بهم الأشاعرة والماتريدية” لذلك مَنْ ثبتَ معهم نجَا مَنْ ضلَّلَهم وكفّرَهم وحاربَهم وخرجَ عنهم أذلّ نفسَه وهلكَ.

فاثبُتوا على ما كان عليه الصحابة الكرام رضوانُ اللهِ عليهم كونوا مع السوادِ الأعظمِ مع جمهورِ الأمةِ المحمدية، كونوا ممّنْ مدَحَهم اللهُ وقال {كنتمْ خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناس تأمرونَ بالمعروفِ وتَنْهَوْنَ عنِ المنكَر وتؤمنونَ بالله}[آل عمران/١١٠]

وأهلُ البيتِ الكرام أهلُ الحقّ لم يَزيغوا عمّا كان عليه الرسول، فسيِّدُنا علي وسيدتُنا فاطمة وسيّدُنا الحسن وسيّدُنا الحسين ومَنْ تفرَّعَ منهم وعنهم منْ أولياء وعلماء وأئمة وصُلَحاء كلُّهم على الحق هم والصحابة على منهجٍ واحدٍ، بل هم والصحابة شربوا مِنْ منبَعٍ واحدٍ هو منهج الرسولِ صلى الله عليه وسلم)

العبرةُ بالتقوى

قال الإمام الهرريّ رضي الله عنه: التركيُّ التقيّ أولَى برسولِ الله صلى الله عليه وسلم منَ القرشيِّ الفاسق، أوْلى منَ الهاشمي الفاسق مع أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم هاشمي مع ذلك هذا الهاشميُّ الذي ليس تقيًّا التركيُّ أو الفارسيُّ الذي هو تقيٌّ أقربُ إلى الرسولِ وأحبُّ إليه.

(هذا الكلام كلامٌ صحيحٌ وعظيمٌ مؤسَّسٌ على علم وله أدلّةٌ كثيرةٌ من الكتابِ والسنةِ والإجماع، لكن لو اقتصَرْنا الآنَ على آيةٍ واحدةٍ تكفينا {إنَّ أكرَمَكمْ عندَ اللهِ أتقاكم}[الحجرات/١٣]

فالمسلمُ التقيُّ ليس فقط التركي بل السريلانكي، منْ ساحل العاج، من جنوبِ إفريقيا من الهند من الباكستان من بنغلادش من إثيوبيا من الحبشة، منْ أي بلاد الأرض تركي هندي فارسي لبناني سوري فرنسي عراقي أردني مصري فلسطيني أمريكي من أيِّ دولة من أيّ أرض منْ أي لون كان تقيًّا هذا أفضل عند اللهِ منَ المسلم العربي الأبيض الفصيح الهاشمي المكي الذي يعيش بمكةَ المكرّمة وعند الكعبة لكنّه ليس تقيًّا، لأنّ العبرةَ بالتقوى.

فيا إخواني ويا أخواتي دائمًا ليَكنْ عندَكم هذا الميزان،  ليَكن الأحبّ إلى قلوبِكم هو الأتقى لأنّ الأتقى هو عند اللهِ أفضل فلو كان تقيًّا من جنوبي إفريقيا من السودان منَ الحبشة من أيِّ بلدٍ كان، وكان فقيرًا أسود اللون ينام في الشوارع نحيل القدمين ليس له أهل ينصرونَه يغطي عورتَهُ بخِرقةٍ برقعة لكنّهُ تقيّ أفضل من الهاشمي العربي الأبيض الفصيح الغني المكي الأمير الزعيم الرئيس الغير تقيّ.

فهذا الأول هو أحبّ إلى الله وأحب إلى رسولِ الله لأنه تقي لو كان مدفوعًا بالأبواب، أليس قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم [رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرَيْن مدفوعٍ بالأبواب لوْ أقسمَ على اللهِ لأبرَّه]

يكون هذا الإنسان عند أهلِ الدنيا، عند أهلِ الميزانِ الأعوج لا ينظرونَ إليه وإذا غابَ لا يفتَقِدونَهُ وإذا حضر لا يُقَدِّمونَهُ وإذا ضربَ الباب لا يفتحونَ له وإذا مدّ يدَهُ إليهم للمصافحة لا يصافحونَهُ ولا ينظرونَ إليه وهو ثائر الرأس ممزَّقَ الثياب ذي طِمرَينْ مدفوعٍ بالأبواب وهو تقيٌّ هذا أفضل عند اللهِ تعالى من ألفِ هاشمي أمير وأبيض وفصيح ومكي وغير تقيّ.

إذًا الأتقى هو عند اللهِ الأفضل ليس لأنه يكونُ غنيًّا أو أميرًا يكونُ مع فسقِهِ أفضل من الفقير التقي، لا والله، الفقيرُ التقي هو الأفضل.

لذلك قال ربُّنا {إنّ أكرَمَكمْ عندَ الله أتقاكم}[الحجرات/١٣] [رُبَّ اشعثَ أغبرَ ذي طِمْريْن مدفوعٍ بالأبواب لو أقسمَ على الله لأبرَّه] هذا الإنسان الذي له ثِقَل في ميزانِ الآخرة أما الفسَقة والفجَرة لو كانوا مِنْ بني هاشم لو كانوا أمراء لو كانوا فصَحاء لو كانوا أغنياء لو كانوا يلبسونَ العمائم وفي المجالس يُقَدَّمون وعند الناس يُنتَظَرون ويَقوم لهم الناس في المجالس ويُرَحِّبونَ بهم على مكبِّراتِ الصوت وفي الفضائيات يحتفلونَ بهم، ذاك التقي الفقير أفضل منهم عند الله لأننا نتكلم عمّن كان في مقابلِ التقي وهو غيرُ تقي، يعني هؤلاء ليسوا أتقياء وهذا التقي أفضل منهم عند الله.

لذلك يا إخواني رُبَّ أشعثَ أغبر ذي طِمرين مدفوعٍ بالأبواب لو أقسمَ على اللهِ لأبرّه، العبرةُ بالتقوى فإياكم أنْ ينحرفَ الميزان عندكم، انتبهوا لميزانِكم، الميزان عندَكم ليَكن موَجَّهًا إلى بوصَلةِ الأتقى، الأتقى هو الأحسن هو الأفضل هو الأحب إلى قلوبِنا، نحنُ عند الناس قد يُنظَر إلينا بعينِ الاحترامِ والتعظيم لكنْ العبرة عند الله بالتقيّ.

لذلك يا إخواني  لا تُقَدِّموا الفاسق على التقي لا تحبوا الفاجر وتُبغضوا التقي، لا تُكرِموا الفاجر والفاسق وتحاربوا التقي، بل كونوا ممّنْ يعرفونَ الميزانَ الشرعيَّ فيُحَكِّمونَ الشرع فيُقَرِّبونَ الناسَ على حسبِ التقوى وليس على حسبِ الغنى والشهرة الدنيوية والزعامة والانتفاع المادي، ليس على قدْرِ ما يصل إلى جيبِكَ منْ فلان تُقَدِّمُهُ وتُبعِدُ التقي لا، التقيُّ أفضل {إنّ أكرَمَكمْ عندَ اللهِ أتْقاكم}[الحجرات/١٣])

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: الثيابُ لا تُقدِّسُ صاحبَها وصورةُ الصلاة وصورةُ الصيام لا تقدِّس، الذي يُقَدِّس الإنسانَ عملُه الذي يوافقُ شريعةَ الله يرفعُهُ درجاتٍ عند الله، يقدّس يعني يرفعُه درجات.

(لذلك قال سيدُنا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه “إنّ الأرضَ لا تقَدِّسُ أحدًا وإنما يُقدِّسُ الإنسانَ عملُه” فبالتقوى الإنسانُ يرتفع درجات ليس بالمظاهر، أبو جهل كان يلبس ثيابًا عربية وفاخرة ويلبس العمائم وكان يعيش في مكة لكنّه عند اللهِ تعالى كما قال الله في القرآن في ذمِّ الكفار في ذم المشركين {أولئكَ هم شرُّ البَرِيّة}[البينة/٦] فعِمامتُه ما قدَّسَتْهُ وثوبُهُ العربيّ الفاخر ما قدّسَهُ ولا رفعَهُ في المقامات والدرجات.

إذًا ليس بالثوبِ يُقَدَّسُ الإنسان ليس بالهيئة ولا بالشكل، قد تجد إنسانًا إذا رأيتَه قلتَ القمر لكنه عند اللهِ تعالى منْ أولئك الذين قال اللهُ فيهم {أولئكَ هم شرُّ البرِية}[البينة/٦]

لذلك يا إخواني العبرة بالتقوى لا بالثياب ولا بالمناصب ولا بالمحسوبيات ولا بالأسماء الرنانة ولا بالأسماء الفارغة إنما العبرة عند اللهِ بالتقوى).

 

وقال الإمام الهرري رضي الله عنه: لا ينبغي أنْ يُغتَرّ بالأسامي والعمائم، العمائم يلبَسُها الدجالُ والمؤمنُ الصالح

(نعم هذا أبو جهل وأب ولهب وعُقبة بن أبي مُعيط وفلان وفلان فرعون قارون هامان شداد بن عاد كانوا يلبسون اللآلىء واليواقيت والجواهر والعمائم الفاخرة لكنْ هذا الذي قال فيه الرسول [رُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب ذي طمريْن لو أقسمَ على الله لأبرّه] هذا الفقير الذي ليس له إلا قطعتيْ قماش، قطعة من فوق يضعها على بدنِه وقطعة منْ تحت يسترُ بها العورة، يعني يُشبه الإزار والرداء، قطعة قماش وأحيانًا تكون بالية أو مخرّقة من فوق لكنْ منْ تحت يعتني لأجلِ أنْ لا ينكشفَ شيئًا من العورة، هذا الفقير ذي طمرين المدفوع في الأبواب أفضل عند الله من ملءِ الأرضِ والدنيا منْ أمثالِ أبي جهل وأبي لهب وقارون وهامان وفرعون والأغنياء والتجار الكفار لو كانوا من البارزين.

العبرةُ بالتقوى ليست باللباس ولا بالعمائم ولا بالشهرة الدنيوية، هذا معنى العمائم والثياب وغير ذلك هذا لا يُقَدِّس الإنسان.

بعضُ الصحابةِ كان يمشي حافيًا في الطريق، بعضُ الصحابةِ لم يكنْ لهم منَ الثيابِ ما يستُرونَ به كلَّ أبدانِهم بل يصل الثوب أحيانًا إلى نصف الساق، وكانوا أحيانًا منْ شدةِ الفقر والحاجة وقلةِ الماء يصير لهم رائحة شديدة من العرق من الغبار فإذا نزلَ المطر عليهم خرجَتْ منهم رائحة كرائحةِ الأغنام، انظروا إلى شدةِ الفقر إلى الفاقة إلى الحاجة وهم الذين فتحوا بلادَ الدنيا والأرض، هم الذين مصّروا الأمصار هم الذين نشروا الإسلام هم الذين أيّدوا الرسول ونصروه وحفظوا الدين مع الفقر كانوا في معركةِ ذاتِ الرِّقاع يمشي الواحد منهم أحيانًا حافيًا في المعركة ويربِطون الخِرق الرّقاع على أقدامِهم في المعركة، وفي بعضِ المعارك في رمضان في الصيام السبعة منهم يمصّون تمرةً واحدة ويشربونَ عليها الماء، ليست العبرة بالمظاهر ولا بالأشكال ولا بالغنى ولا بالمنظر الجميل ولا بالثوبِ الفاخر ولا بالمنصب، دائمًا العبرة بالتقوى ليَكن الميزان عندكم التقوى مع الكبار مع الصغار مع الرجال مع النساء لا تُقَدِّموا الناسَ على حسبِ شهواتِ أنفسِكم وما يصلُكم منهم من نفعٍ ماديّ ودنيوي، بل قدِّموا الناسَ على حسبِ درجاتِ التقوى هذا هو الميزانُ الصحيح).

العبرةُ بمُوافقةِ القرآنِ والحديث

قال الإمام الهرري رضي الله عنه: أهلُ الغرور كثير يظنّونَ بأنفسِهم أنهم أهلُ الفَهمِ بالدين وهم واقعونَ في حضيضِ الكفر، العبرةُ في موافقةِ القرآنِ والحديث، الذي وافقَ القرآنَ والحديث هذا الذي يُرجَى له أنْ يكونَ منْ أهلِ النعيمِ المُقيم، الذي لا يتعلمُ علمَ أهلِ السنةِ هذه العقيدةِ والأحكام التي هي ضرورية التي يُعرَفُ بها الكلامُ الكفري والفعلُ الكفري والاعتقادُ الكفري ويعملُ خلَوات لا ينتفع.

(أحد الفقهاء المُحدّثين المشاهير وهو الفقيهُ الحنفيّ المحدّث وهو مَنْ شُهرَ بالتقوى والصلاح والولاية وهو الشيخ عبدُ الغني بن إسماعيل النابلسي يقول “يجبُ على كلّ مكلف أنْ يعرفَ الكفريات ليَجْتَنِبَها” ليَهرُبَ عنها ليبتعدَ عنها، لأنّ من الناس مَنْ لم يتعلموا فلا يعرفون الكفريات من غيرِ الكفريات فيقعونَ في الكفر، ينزَلِقونَ إلى الكفر أحيانًا وهم يلعبون، أحيانًا وهم يمزحون، أحيانًأ وهم في حالةِ الغضب، هؤلاء لا عذرَ لهم.

فالإنسانُ الذي لم يتعلم كيف يثبتُ على الإيمان هذا على خطر منْ أمرِ دينِهِ لأنه قد يقع في كفريةٍ عند الغضب عند اللعب عند المُزاح فيكون خرجَ من الدين، فإنْ ماتَ على الكفر ولمْ يرجِع للإسلام متى يُفاجَأ ويُصدَم ويُصعَق؟ عند الموت، ماذا يحصلُ له؟

عند الموتِ يأتيه عزرائيل عليه السلام ملَك الموت يقول له أبشِرْ بسخَطِ اللهِ وعذابِهِ، عند ذلك هذا الإنسان المغرور المُتهَتّك الذي كان في الدنيا يظنّ في نفسِهِ الإسلام يعتقد يقينًا يُوقِن أنه ماتَ على الكفر، خسرَ الدنيا والآخرة، لكنْ في وقتٍ ما عادَ يستطيع أنْ يتداركَ نفسَهُ في وقتٍ فاتَ عليه والعياذُ باللهِ تعالى الأمل وفاتتْ عليه الفرصة، لأنه عندما يُعاين ملَك الموت صار في حكمِ الميت، أليس بيّن العلماء الحالات التي لا تُقبَلُ فيها التوبة؟ هناك عدة حالات لا تُقبَل فيها التوبة، من الحالات التي لا تُقبَل فيها التوبة أنْ يُعاينَ ملَك الموت لأنه صار في حُكمِ الميت، فإذا قال آمنتُ أسلمْتُ تشهّدَ بلسانِهِ لا يُقبَل منه لا ينفعُه، وهذا الذي حصلَ مع فرعون.

فرعون عندما عايَن ملَك الموت والغرق قال آمنتُ بزعمِه أنه آمن بالذي آمنَت به بنو إسرائيل لكنّ اللهَ ما قبِلَ منه ردَّ عليه.

وهذا الذي نتكلم عنه كان مسلمًا وعند الغضب واللعب والمُزاح يعترض على الله يسبُّ الله والإسلام والجنة والصيام وكهؤلاء الحُقراء الذين يشتمونَ القرآن ويدوسونَ عليه ويشتمونَ الرسول حاشى، هؤلاء لو ظنوا في أنفسِهم الإسلام لا ينفعُهم، إذا بقُوا على هذه الحال عند الموت عزرائيل يقول له أبشرْ بسخطِ اللهِ وعذابِه، فيُوقِن أنه مات على الكفر ثم يُخلَّد في نار جهنم إلى أبدِ الآبدين.

وأحيانًا يقع الإنسان في كفرية وهو يلعب وهو لا يظنّ في نفسِه أنه صار منَ الكافرين والناسُ الذين حولَه أحيانًا قد لا يسمعونَ منه الكفر فيظُنّونَه مسلمًا ويُعاملونَه معاملةَ المسلمين ولا سيّما الأهل فإذا مات بحسبِ الظاهر يُغسِّلونَهُ يكفِّنونَهُ يَحملونَه إلى المسجد يُصلّونَ عليه بحسبِ الظاهر صورةً، هم لا يعرفونَ أنه كفر، ثم يأخذونَه إلى الدفن يوضَع في القبر يُوَجّه صدرُه إلى القبلة فإذا رُدَّ عليه التراب وانصرفَ عنه الناس جاءتْهُ ملائكة العذاب فيضرِبونَه ثم يحوِّلونَ وجهَهُ وصدرَهُ عن القبلة لأنه مات على غيرِ الإسلام.

رأيتم يا إخواني ويا أخواتي؟ بسبب الجهل قد يخسر الإنسان نفسَهُ في الدنيا والآخرة، قد ينزلق إلى الكفر، لذلك لا بدّ للإنسانِ أنْ ينتبهَ لنفسِهِ وأنْ لا يتكلم في كلّ ما يخطرُ على بالِهِ وأنْ لا يفعل كلّ ما يخطر له على بالِه، وأنْ لا يفعل ويعتقد كل ما يُوسوِس له به الشيطان، بل يراقب الشرع ولْيعملْ  بالشرع وليَرْجِع لأهلِ العلم ليكونَ من الناجين.

فكيف يكونُ سالمًا في الآخرة؟ إذا اتّبعَ الشرع اتّبع الكتاب والسنة والإجماع وترك ما يخالف ذلك، هذا يكونُ من الناجينَ الآمِنين في الآخرة,

أما الذي يُعارض القرآن لو كان يدّعي الإسلام هذا عند الله من الكافرين.

بعض الناس قد يكون من عائلة سياسية، من عائلة إسلامية مشهورة لكنْ هو درس عند الكفار ونشأ عندَهم في مدارسِهم في جامعاتِهم فيدخُلُه الشك والعياذ باللهِ في صدقِ الإسلام، يدخلُهُ الشك في صدقِ محمد يدخلُهُ الشك في صدق القرآن، هذا عند اللهِ كافر لو كان هو يُساير الناس ويمشي معهم ليبقى زعيمًا ابن زعيم أو يستلم الرئاسة الزعامة المُلك لأنّ القانون لا يسلِّمُهُ إلا إذا كان من هذه العائلة أو كان محسوبًا على الإسلام على زعمِهم فصار يُسايرُهم لهذا الغرض لكنْ في باطنِهم يشكُّ في صدقِ الإسلام، يشك في صدق محمد صلى الله عليه وسلم حاشى، يشك في وجود الله أو في حقية دينِ الإسلام، هذا عند اللهِ كافر ليس من المسلمين.

قال الله تعالى في القرءان الكريم {إنّما المؤمنونَ الذين ءامنوا باللهِ ورسولِهِ ثم لم يرتابوا}[الحجرات/١٥] يعني لم يشكوا وهذا الشك كفرٌ اعتقادي ومحلّه القلب.

فإذًا  لو كان هو من عائلة سياسية من عائلة إسلامية محسوبة على المسلمين وكان عنده في قلبِهِ ما هو كفر لكنْ لم يتظاهَر بالكفر أبْطَنَهُ في قلبِه هذا منافقٌ في الإيمان، هذا منافقٌ في الإسلام يعني هو عند الله من الكافرين ليس من المسلمين).

 

 

 

شكرُ اللهِ وطاعتُه أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرمات

وقال الإمام الحافظُ الهرريُّ رضي الله عنه: علمُ الدين دليلُ الفلاح والنجاح والنجاةِ في الآخرة وبه يُعلَمُ شكرُ الله تعالى، لأنّ شكرَ اللهِ هو طاعَتُهُ أداءُ الواجبات واجتنابُ المحرّمات، هذا الشكر، فإياكم والتوانيَ والتكاسل عن نشرِ علمِ أهل السنة.

(الشكر يا إخواني ويا أخواتي منه شكرٌ واجب ومنه شكرٌ مندوبٌ مسنونٌ مسْتَحب.

الشكرُ الواجب هو أنْ تستعملَ نِعمَ اللهِ التي أنعمَ عليك فيما فرض عليك وأنْ تحفظَها منْ معصيةِ الله، مثلًا رزقَك المال تؤدي الزكاة تؤدي النفقة الواجبة لكنْ ليس الواجب في المال فقط هو الزكاة، لأنك إنْ أدّيتَ الزكاة ولم تسدّ حاجات الفقراء بقيَت حاجات وأنتَ غنيّ وإنْ لم تساعدْ هؤلاء الفقراء يهلِكون يضيعون يموتون إما من الجوعِ أو من العُريّ أو من الضياعِ في الشوارع أو ما شابه، هنا يجب عليك وهذا منْ فرائض اللهِ عليك أيها الغني أيها التاجر أيها الميسور أيها الإنسان المُتمكّن في المال، منْ فرائضِ الله عليك أنْ تدفعَ هذا المال زيادةً على الزكاة لأنّ الزكاة ما كفَت ما سدّت الحاجات بقيَت ضرورات وإن انتظروا العام المقبل لِتَدفعَ لهم زكاةً يموتون، فيجبُ عليك أنْ تدفعَ لهم لإنقاذِهم منَ الضياع والهلاكِ والمخاطر والضرر وإنْ لم يفعل الأغنياء ذلك فقد أسخطوا خالقَهم عليهم، صاروا عند الله من العاصين من الفسّاق، هذا يكون والعياذُ بالله اللهُ ساخطًا عليه غاضبًا عليه لأنه تركَ هذا المسلم يموت من الجوع من البرد من العري تائهًا ضائعًا في الشوارع.

فالأغنياء عليهم أن يعرفوا هذا الأمر هذا من الشكر الواجب أنْ يؤَدّوا حقَّ اللهِ في الأموال وأنْ يؤدّوا حقَّ العباد كالأبويْنِ الفقيرين المسلمين كنفقة الزوجة كنفقة الأولاد الصغار الذين هم دونَ البلوغ كنفقة الأجداد والجدات الذين هم من الفقراء المسلمين.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم [إنّ رجالًا يتخوّضونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ فلهم النارُ يومَ القيامة]

أما مَنْ أدّى حقّ اللهِ فهو شاكرٌ لله ويستعمل هذا البدن والنِّعَم في الواجبات ويحفظها من المعاصي، هذا الشكر الواجب، يكون بهذا أدّى شكرَ اللهِ الواجب، فإنْ زادَ على ذلك بأنْ أكثرَ منْ أنواعِ الشكرِ المسنون المندوب المُستحبّ هذا زيادة في الخير والثواب والأجر ويكون له مقام أعلى من الأول، يكون في الدرجات أعلى من الأول.

فدائمًا ليُراقب الواحد منا نفسَه هل أنا أدّيتُ شكرَ اللهِ الواجب أم أنا بلساني فقط أقول الحمدُ لله الشكرُ لله وأنا تاركٌ للفرض وأنا أستعمل المال في الحرام أضَيِّع الواجبات؟

هذا لا يكونُ أدّى الشكرَ الواجب، فلو مثلًا منعَ الزكاة أو تركَ الصلوات المفروضة لكنْ كلّ يوم بلسانِه ألف مرة يقول الحمد لله الشكر لله، هذا ما أدّى شكرَ اللهِ الواجب، هذا باللسان مسنون مستحبّ فيه خير لكنْ ذاك الفرض وثوابُه أعلى.

إذًا كيف تؤدي شكرَ اللهِ الواجب؟ بأنْ تؤدّيَ الفرائض وتجتنبَ المحرّمات، تستعمل النِّعم من أموال وجوارح وغير ذلك في ما فرض الله وتجتنب المحرّمات، وتستعمل النّعم في البرّ والخيرات هكذا تكون حفظْتَ نفسَكَ ونجّيْتَ نفسَك منْ غضبِ الله.

وأذكرُكم يا إخواني بأمر حضور مجالس العلم والنية الصالحة الحسنة في الطاعات في العبادات في قراءة القرآن في الأذكار في التهجد في سماع الدرس لأنّ أي ليلة من ليالي رمضان قد تكون هي ليلة القدر، وقيام الليل ليس شرطًا أنْ يكونَ فقط في الصلاة إنما قيام الليل يحصُل بكلِّ الطاعات بكلّ أبوابِ الخيرات، أما التهجّد فيكون بعد نوم، يعني يستيقظ في الليل بعدَ أنْ نام ثم يصلي هذا هو التهجد، أما قيام الليل لا يُشترَط أنْ يكونَ نام قبلَ ذلك ولا يُشترَط أنْ يكونَ فقط بالصلاة بل بقراءة القرآن بالأذكار بالاستغفار بالتهليل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح بالتحميد بالاشتغال بمجالس العلم بصلة الرحم، بأي طاعة هذا يكون منْ قيامِ الليل، فدائمًا أخلصوا لله في نيّاتِكم واستحضروا هذه الليالي المباركة العظيمة التي فيها من البركات والأسرار والأنوار والرّحَمات والخيرات ما لا يُحصيهِ إلا الله وما أعظمَها منْ نعمةٍ أنْ تُعتَقوا من النار في هذه الليلة المباركة أو في ليلةٍ منْ ليالي رمضان، ما أعظَمَها منْ نعمةٍ أنْ نُعتقَ وإياكم من النار، ما أعظمَها منْ نعمةٍ أنْ نكونَ وإياكم ممّن يدخلونَ تحتَ حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [مَنْ قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم منْ ذنبِه]

رزقني اللهُ وإياكم ذلك

والحمد لله رب العالمين