ما حكم التنعم وما هى فوائد ترك التنعم
اعلم أن التنعم منه ما هو جائز ومنه ما هو محرم والجائز هو التوسع فى الملذات من المطعومات والمشروبات ولبس الثياب الفاخرة واتخاذ الأثاث الجميل لغير الفخر وهو مكروه. أما أكل الطعام اللذيذ أو لبس اللباس الجميل فى بعض الأوقات فلا يكون تنعما وكذلك أكل اللحم فى بعض الأحيان لحفظ البدن لا يعتبر تنعما. وأكل الخبز مع الزيت وأكل المعكرونة مع اللبن ليس تنعما. وشرب الماء البارد والحليب البارد ليس تنعما بل هو نعيم أنعم الله به علينا والرسول ﷺ كان يشرب الماء البارد فلا يعد تنعما. أما المداومة على أكل البطاطا المسلوقة مع البيض المسلوق والزيت فهو تنعم أما إذا أكله قليلا فلا يعد تنعما. أما البيت الواسع فلا يعتبر تنعما بل فيه ثواب إذا كان لمقصد حسن كأن كان عالما وأراد أن يستعمله لتدريس الناس علم الدين، والمركب الهنىء يستعمله فى سبيل الله ليس تنعما. أما المحرم فهو التنعم الذى يؤدى إلى تضييع واجب كنفقة الزوجة والأولاد الذين هم دون البلوغ والوالدين الفقيرين أو يؤدى إلى التقصير فى سد الضرورات والضرورات ليس الجوع والعرى وفقد المأوى فقط بل من أهم الضرورات تعليم عقائد أهل السنة ومكافحة مخالفيها بالتعليم والبيان وهذا يحتاج إلى مال. فالتنعم يؤدى إلى ترك مواساة المحتاجين وقد يؤدى إلى مد اليد إلى المال الحرام أو ترك الواجبات. أما ترك التنعم فإنه يساعد على الاستعداد للآخرة ويقوى القلب للعطف على الفقراء لذلك أوصى رسول الله ﷺ معاذ بن جبل بترك التنعم قال له إياك والتنعم فإن عباد الله (أى الصالحين) ليسوا بالمتنعمين رواه الحافظ البيهقى وروى الترمذى أن رسول الله ﷺ قال لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس، أى لا بد أن يترك بعض المباحات خشية الوقوع فى الحرام حتى يصير من الأتقياء. أما قوله تعالى ﴿ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾ فمعناه لا تنس نصيبك من الزاد للآخرة. فالذى لا يقلل من التنعم فإنه يقع فى أحد أمرين إما فى الحرام وإما فى الغفلة وأما الغفلة فهى عدم إشغال الوقت بما هو نافع وهى سبب المعاصى والمكروهات. فينبغى للمؤمن أن يكتفى بالقليل من الرزق فقد ورد فى الحديث ما قل وكفى خير مما كثر وألهى رواه ابن حبان. فالرزق القليل الحلال خير من الرزق الكثير الذى يلهى عن طاعة الله. وليعلم أن كثرة الأكل ليس أمرا مستحبا فقد كان الأنبياء يحرصون على قلة الأكل أى بحيث لا تنضر أجسادهم لأن قلة الأكل المؤدية إلى ضرر الجسم حرام أما القدر الذى لا يؤدى إلى ضرر الجسم فهو محمود عند الله قال رسول الله ﷺ بحسب ابن ءادم لقيمات يقمن صلبه فإن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس رواه الترمذى. فينبغى تعويد الولد على تقليل الأكل ولا ينبغى الإكثار من أنواع الطعام فإنه مكروه إلا إذا أكثر الأصناف لضيف دعاه ليأكل عنده ليدخل السرور إلى قلبه أو كان ضيفا فأكثروا له الأصناف فأكل ليدخل السرور إلى قلوبهم فله ثواب أو طلبت منه أمه أن يأكل من أصناف كثيرة لإدخال السرور إلى قلبها. والرسول ﷺ كان يمضى عليه الشهر والشهران ولا يوقد فى بيته نار إنما كان يأكل التمر والماء وسيدنا عيسى عليه السلام كان يأكل من بقول الأرض كالملوخية والهندباء والخبيزة من دون أن تطبخ ويلبس الشعر أى الصوف الذى يخرج من الغنم من غير أن ينسج ويبيت حيث يدركه المساء فى المسجد أو فى البرية. فترك التنعم من خصال الأنبياء فينبغى الاقتداء بهم فإنهم سادات الخلق وعاداتهم سادات العادات. اللهم اجعلنا من الصالحين اللهم اجعلنا من الزاهدين.