ما الدليل على أن من البدع ما هو بدعة حسنة
اعلم أن الله تعالى مدح المؤمنين من أمة عيسى عليه السلام لأنهم كانوا أهل رحمة ورأفة ولأنهم ابتدعوا الرهبانية وهى الانقطاع عن الشهوات المباحة زيادة على تجنب المحرمات حتى إنهم انقطعوا عن الزواج وتركوا اللذائذ من المطعومات والثياب الفاخرة لأنهم أرادوا المبالغة فى طاعة الله والتقرب إلى الله والتجرد للعبادة بترك الانشغال بالزواج ونفقة الزوجة والأولاد فأقبلوا على الآخرة إقبالا تاما قال تعالى ﴿وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله﴾. فقوله تعالى ﴿ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله﴾ فيه مدح لهم على ما ابتدعوا. وقال رسول الله ﷺ من سن فى الإسلام سنة حسنة (أى أحدث فى دين الإسلام بدعة حسنة) فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شىء رواه مسلم. وروى البخارى أن عثمان بن عفان رضى الله عنه أحدث أذانا ثانيا يوم الجمعة ولم يكن هذا الأذان الثانى فى أيام رسول الله ﷺ وأحدث الصحابى الجليل خبيب بن عدى صلاة ركعتين عند القتل فقد روى البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال فكان خبيب أول من سن الركعتين عند القتل. وروى البخارى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه جمع الناس على صلاة التراويح فى رمضان بعد أن كانوا يصلونها فرادى فى أيام رسول الله ﷺ وقال عمر نعمت البدعة هذه. ومن البدع الحسنة تنقيط التابعى الجليل يحيى بن يعمر المصحف وكان من أهل العلم والتقوى توفى سنة مائة وتسع وعشرين وأقر ذلك العلماء واستحسنوه ولم يكن المصحف منقطا عندما أملى الرسول على كتبة الوحى بل كانوا يكتبون الباء والتاء ونحوهما بلا نقط قال أبو بكر بن أبى داود فى كتابه المسمى كتاب المصاحف أول من نقط المصاحف يحيى بن يعمر وهو من علماء التابعين. وعمل عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه المحاريب المجوفة التى تدل على اتجاه القبلة للمساجد بعد نحو تسعين سنة من وفاة رسول الله ﷺ. أما حديث وكل بدعة ضلالة فقد قال الحافظ النووى فى شرح مسلم إنه عام مخصوص والمراد به غالب البدع. ونظير ذلك قوله تعالى عن الريح ﴿تدمر كل شىء بأمر ربها﴾ ولم تدمر هذه الريح السموات والأرض إنما دمرت كل شىء مرت عليه من رجال عاد الكافرين وأموالهم، وقوله ﷺ وكل عين زانية. وليس المراد بهذا الحديث أن جميع الناس بلا استثناء حتى الأنبياء والأعمى يقعون فى معصية زنى العين وهو النظر المحرم بل المراد أن أغلب الناس يقعون فى هذه المعصية.