الأحد نوفمبر 9, 2025

قال الله تعالى:
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
[الكافرون: 6].

قال الإمام المفسر اللغوي شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الهرري الحبشي رضي الله عنه في تفسيره لهذه الآية ما نصه: «في الآية معنى التهديد وهو كقوله تعالى: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}، فقوله {لَكُمْ دِينَكُمْ} أي الباطل وهو الشرك تعتقدونه وتتولونه، {وَلِيَ دِينِ} الذي هو دين الحق وهو الإسلام، أي لكم شرككم ولي توحيدي، وهذا غاية في التبري من الباطل الذي هم عليه.

ومثل ذلك في إفادة التهديد والوعيد قوله تعالى في سورة الكهف {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، فليس معنى الآية أن من اختار الإيمان كمن اختار الكفر، بل من اختار الكفر مؤاخذ، ومن اختار الإيمان مثاب، ويدل على أنها تفيد التهديد بقية الآية قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}، وهنا يجدر التنبيه إلى أن العلماء قالوا: «من قال في الآيتين إنهما تفيدان ألّا مؤاخذة على من اختار دينًا غير الإسلام إنه يكفر لتكذيبه قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. اهـ.

قال الحافظ الطبراني في كتابه «التفسير الكبير» في شرحه لهذه الآية ما نصه: «ومعناه: لكم جزاؤُكم على عبادةِ الأوثان، ولِي جزائِي على عبادةِ الرحمـن». اهـ.

وقال المفسر أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي في كتابه «النكت والعيون تفسير الماوردي» في شرحه للآية ما نصه([1]): «فيه وجهان:

أحدهما: لكم دينكم الذي تعتقدونه من الكفر، ولي ديني الذي أعتقده من الإسلام، قاله يحيى بن سلام.

الثاني: لكم جزاء عملكم، ولي جزاء عملي.

وهذا تهديد منه لهم، ومعناه وكفى بجزاء عملي ثوابًا، قاله ابن عيسى.

قال ابن عباس: ليس في القرءان سورة أشد لغيظ إبليس من هذه السورة، لأنها توحيد وبراءة من الشرك». اهـ.

قال القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرءان» ما نصه([2]): «قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} فيه معنى التهديد». اهـ.

أما خالد الجندي فيقول على الأوربت الثالثة في 3 – 3 – 2003 ليلًا: «إذا كان دين الإسلام هو الصحيح فقط ويجب الدعاء إليه وحده. الله تعالى قال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} لا يتخطى الحدود ولا يهين أحد لكم دينكم وليّ دين إلي عاوز يختار أيّ دين إن كان صادقًا فلا بأس حتى إللي عاوز يرتد أهلًا وسهلًا فليرتد، ولكن عليه ألّا يثير ضجة بين الناس». اهـ.

الرد:

أولًا دين الإسلام هو الدين الحق عند الله قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، فلا دين صحيحًا إلا الإسلام. وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3] فكل الأنبياء مسلمون، فمن كان متبعًا لموسى عليه السلام فهو مسلم موسوي ومن كان متبعًا لعيسى عليه السلام فهو مسلم عيسوي ومن كان متبعًا لمحمد فهو مسلم محمدي، والإسلام هو الدين الذي رضيه الله لعباده وأمرنا باتباعه. وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء إخوة لعلاّت دينهم واحد وأمهاتهم شتى» رواه البخاري، ومعناه دينهم واحد يعني الإسلام، وإليك الأدلة من القرءان على أنّ الإسلام دين جميع الأنبياء، قال تعالى عن التوراة الأصلية التي أنزلت على سيدنا موسى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44]. فانظر للفظ أسلموا، وقال تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [ءال عمران: 52]، وقال تعالى عن سيدنا سليمان عليه السلام: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31]، وقال تعالى مخبرًا: {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].

بعد هذه الأدلة كيف يقال إذا كان دين الإسلام هو الصحيح فقط، هذا في طياته الشك بصحة الإسلام والشك أنه وحده هو الصحيح ولا شك ولا ريب أنه لا دين سماوي إلا دين واحد وهو الإسلام، فلا يقال أديان سماوية إنما يقال شرائع سماوية عن شرائع الأنبياء فدين ءادم مرورًا بكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حتى الرسول محمد خاتمهم هو الإسلام فمن شك في صحة دين الإسلام فهو كافر. ومعنى الآية {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} [سبإ: 24] لعلى هدًى أي طريقة مستقيمة والمعنى أن أحد الفريقين منا ومنكم لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال، أخرج الكلام مخرج الاحتمال، ومعلوم أن من عبد الله وحده على الهدى ومن عبد غيره من جماد أو غيره في ضلال.

وذهب أبو عبيدة إلى أنّ أو بمعنى الواو فيكون من باب اللف والنشر والتقدير وإنا لعلى هدى وإياكم في ضلال مبين فأخبر عن كل ما يناسبه قاله صاحب البحر المحيط أبو حيان الأندلسي.

ثم كيف تقول القرءان لا يهين أحدًا فالله أهان الكافرين والكافرون لا قيمة لهم عند الله تعالى، ولا يعدل الكافر جناح بعوضة عند الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «فوالذي نفسي بيده إن ما يدهدهه الجعل بمنخريه خير من ءابائكم الذين ماتوا في الجاهلية» رواه ابن حبان وأحمد، أي ماتوا على الشرك، وهذا الحديث يشمل سائر أنواع الكفار. وهذا الحديث صريح في أنّ الكافر أخس خلق الله ويدل عليه قول الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} هذه الآية معناها أن الكافر هو أحقر خلق الله تعالى. فكيف تقول يا خالد إنّ القرءان لا يهين أحدًا.

ثم أنت يا خالد تورد الآية {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، وتوهم أنّ كل من دان بدين باطل فهو مقبول، وهذا ضد الإسلام، لأنّ معنى الآية لكم دينكم الباطل فعليكم أن تتركوه، ولي ديني الحق فعليكم أن تتبعوه. فكلامك هذا يا خالد دعوة إلى الكفر والإلحاد لأنّ الفقهاء الإسلاميين أجمعوا على تكفير من دان بغير الإسلام وعلى تكفير من شك في كفره أو توقف. فيا ويلك يوم القيامة إن لم ترجع، ومعنى كلامك تقول للناس إللي عاوز يختار اليهودية أو المجوسية أو البوذية أو الشيوعية أو غيرها يختار ألا تستحي من الله ومن رسول الله ومن الناس والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، ويقول تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [التوبة: 31]. فقولك لا بأس أن يختار أي دين هذا كفر.

وأما قولك حتى إللي عاوز يرتد فأهلًا وسهلًا فليرتد والعياذ بالله تعالى من هذا الكفر البشع أيوجد عاقل يقول إللي عاوز يرتد يرتد أهلًا وسهلًا، أيقال أهلًا وسهلًا لمن ترك الإسلام وارتد، أين ذهب عقلك يا خالد! وما معنى بعثة الأنبياء إذا كان كل إنسان له أن يدين بما شاء كما زعمت، وأين أنت من تصرف أبي بكر ومعه أصحاب الرسول يقاتلون من ارتد وتبع مسيلمة الكذاب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يا هذا أيترك كلام الله وكلام رسوله وعمل صحابته وإجماع أمته ويتبع كلامك الذي فيه الإلحاد وانحلال ومروق من الدين فيا هلاكك ويا هلاك من تبعك إن بقيتم على هذا إلى الموت.

ونصيحتنا لك: ارجع إلى الحق وتراجع عن ضلالك وتشهد وأعلن ذلك للناس قبل فجأة الموت، أيُمدح الذي ارتد لا والله، إنما يؤمر بالعودة إلى الإسلام بالشهادتين هذا شرع الله وهذا هو الدين.

 

 

([1]) النكت والعيون تفسير الماوردي (طبعة دار الكتب العلمية المجلد 6 ص358).

([2]) الجامع لأحكام القرءان (المجلد العشرون ص229).