السبت يوليو 27, 2024

لا يطلب نبي من الله لكافر المغفرة
وهو على كفره

لم يقبل آزر نصيحة ولده نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ولم يستجب لدعوته؛ بل استكبر وعاند ابنَه وتوعّده وهدّده بالشر والرجم والقتل كما أخبرنا الله تعالى عنه في القرآن الكريم: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]، وهنا جرى أمر توهّم منه بعض الغافلين أن إبراهيم عليه السلام سيستغفر لوالده وهو على حال الشرك، أي: توهّموا أنه طلب أن يغفر الله له مع بقائه على الشرك، وهذا منافٍ للحقيقة ومخالف لأحكام الإسلام، وأما قول الله تعالى إخبارًا عن إبراهيم عليه السلام في خطابه لأبيه: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47]، فمعناه: لا يصلك مني مكروه ولا ينالك مني أذى، ومعنى قول إبراهيم عليه السلام: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي}، أي: سأطلب من الله أن يغفر لك كفرك بالدخول في الإسلام، وليس معناه أني أطلب لك أن يغفر الله لك كفرك وأنت على حالك هذه، ومعنى قوله: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} قال القرطبيّ: «الحفيّ المبالِغ في البِرّ والألطاف، يقال: حفي به وتحفّى إذا بَرَّه، وقال الكسائي: حَفِي بي حِفاوة وحِفوة، وقال الفراء: إنه كان بي حفيًّا، أي: عالِمًا لطيفًا يجيبني إذا دعوته»([1]).اهـ. وعلى معنى الاستغفار المتقدم يُحمَلُ قول سيدنا إبراهيم عليه السلام في الدعاء لأبيه: {وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 86]، أي: يا رب اغفر لي بدخوله بالإسلام بأن تشرح صدره للإسلام، وهو هنا كان ما زال حيًّا ولم يمت على الكفر، ولـمَّا تبيّن لإبراهيم أن أباه لا يسلم؛ بل يموت على الكفر تبرَّأ منه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].

[1])) الجامع لأحكام القرآن، القرطبيّ، (11/113).